|
أوراش الملك وأوراش الحكومة(2) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 08:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كان من المفروض في الحكومة أن تبادر إلى اتخاذ إجراءات حازمة من أجل حماية المال العام أولا ثم التخفيف عن المواطنين أعباء المعيشة التي تزايدت حدتها ليس فقط بسبب ارتفاع أسعار المواد النفطية أو المواد الغذائية في الأسواق الدولية ، بل بفعل المضاربة والاحتكار وتعدد الوسطاء . وهذه حقيقة لا تخفى على أحد فأحرى الحكومة التي لها من الخبراء والمستشارين ما يكفي لصياغة تحليل اقتصادي واجتماعي بالغ الدقة والموضوعية ، والذي على ضوئه يمكن للحكومة أن تتصرف بما يريح نسبيا عموم المواطنين عبر وضع وتفعيل سلسلة من الإجراءات والتدابير الواجب اتخاذها . ولنأخذ على سبيل المثال الأدوات المدرسية وتكلفتها الباهضة . فقد كان حريا بالحكومة أن تتخذ إجراءا أوليا يقضي بخفض أثمنة عدد من الكتب التي ارتفعت أثمنتها بشكل خيالي حالما تقرر تدريسها ، بينما لم يكن ثمنها قبل ذلك يتجاوز بعض الدريهمات . وهذا لن يكلف ميزانية الحكومة شيئا ، إضافة إلى إجراء آخر ، وهو إداري ، موجه إلى رجال التعليم يشدد على ضرورة الاقتصار على الحد الأدنى من الأدوات المدرسية . إذ كيف يعقل أن يطالب المدرس تلامذة الابتدائي والإعدادي بدفاتر من فئة 200 صفحة و 300 صفحة ؟ وبقدر ما تتعدد المواد الدراسية تتعدد المطالبة بهذا النوع من الدفاتر فترتفع التكلفة بالضرورة . ومن أجل التخفيف من أعباء المصاريف الدراسية كان الإجراء الأول الذي اتخذه الملك والمتمثل في ( إطلاق عملية وطنية، تهدف إلى إعطاء دفعة قوية لتعميم وإلزامية التعليم الأساسي، ضمانا لتكافؤ الفرص، ومحاربة للانقطاع عن الدراسة. ويتمثل ذلك في منح الكتب والأدوات المدرسية، لمليون طفل محتاج، غايتنا دعم الأسر المعوزة ). فالحكومة كان هدفها هو الرفع من نسبة الأطفال المسجلين في المدارس وليس نسبة التمدرس التي يؤثر عليها مباشرة الهدر المدرسي (400 ألف طفل ينقطعون عن الدراسة سنويا ) . بالطبع إن الدخول المدرسي يتزامن هذه السنة مع دخول شهر رمضان الأبرك وما يرافقه من غلاء ، ليس لقلة المواد وإنما لكثرة المضاربين والوسطاء. وفي كل عام /رمضان تستفحل المضاربة وينشط الوسطاء دون أن يستدعي تدخلا حازما من الحكومة للتخفيف من حدة الآفة . ولعل هذا الوضع غير السوي هو الذي اتخذ الملك بسببه الإجراء الثاني بحث ( الحكومة على تفعيل الآليات التشريعية والمؤسسية، الهادفة لتحسين القدرة الشرائية للمواطنين، وضبط الأسعار، ومحاربة الرشوة. ولهذه الغاية، ندعو الجهازين التنفيذي والتشريعي، إلى الإسراع باعتماد مدونة حماية المستهلك. وبموازاة ذلك، يتعين التطبيق الحازم، لقانون حرية الأسعار والمنافسة، بما في ذلك تفعيل مجلس المنافسة، ضماناً للحكامة الاقتصادية الجيدة.) إنها بالأساس مهمة الحكومة ومهمة الفرق البرلمانية ، لكنها أهملتها وتركت المواطنين فريسة الجشعين ومصاصي الدماء . فكل المواد لم تنج أسعارها من الزيادة ، وإذا كان ما يبرر ارتفاع أسعار المواد المستورة فليس مقبولا بالمرة أن تتضاعف أسعار عدد من المنتوجات المغربية وعلى رأسها كل أنواع الحوت بما فيها السردين ، رغم تأكيدات الوزارة بكون المنتوج الوطني البحري عرف زيادة بنسبة22 في المائة . فالمسئولية الوطنية تلزم الحكومة بجعل مشاكل المواطن ووضعيته الاقتصادية والاجتماعية في صلب اهتمامها ، لكن الواقع المعيش يثبت خلاف هذا بدءا من مؤشرات الرشوة التي وضعت المغرب في مراتب مقرفة ، فضلا عن أمراض أخرى تنخر الإدارة والمجتمع والاقتصاد وتضع الوطن على حافة الانفجار . والأحداث التي عرفتها مدينة سيدي إفني هي نتيجة حتمية للعوامل التي ركز عليها الخطاب الملك في ذكرى ثورة الملك والشعب ، وفي مقدمتها ( المضاربات في الأسعار، واستغلال اقتصاد الريع، والامتيازات الزبونية، أو نهب المال العام، بالاختلاس والارتشاء، واستغلال النفوذ والغش الضريبي ) . ومن أجل مواجهة وضعية التسيب والفوضى واللاعقاب أعلن الملك عن إجراء تشكيل الهيأة المركزية للوقاية من الرشوة والتي عين على رأسها السيد عبد السلام بودرار المشهود له بإسهامه في مجال محاربة الرشوة . وحري بالحكومة وبالبرلمانيين أن ينخرطوا بفاعلية في عملية الإصلاح بتنفيذ الإجراءات التي أعلن عنها الملك وحمّل الحكومة والمؤسسة التشريعية مسئولية الانخراط في محاربة الفساد والرشوة ونهب المال العام . كما يجدر بهيئات المجتمع المدني أن تتفاعل إيجابيا مع المبادرات الملكية في مجال تخليق الحياة العامة . ولم يعد مقبولا اجترار الاتهامات الجاهزة بكون الفساد من صميم النظام . وقد نبه الملك أكثر من مرة على ضرورة أن يتحمل كل طرف مسئوليته السياسية أو الإدارية في تدبير الشأن العام ( وقد اكتفيت ، لحد الآن ، بتوجيه السلطات العمومية والمنتخبة ، كل في نطاق اختصاصه ، لينهضوا بمهامهم كاملة عن قرب ، لأنه لا يمكن لملك البلاد ، أن يقوم بعمل الوزير أو العامل أو رئيس جماعة محلية ، ولأني حريص على ممارسة كل سلطة لصلاحياتها بروح المسئولية والفعالية ) (خطاب العرش 2003) . وإذا كانت هذه الأطراف ( حكومية وحزبية وإدارية ) أهملت واجبها تجاه المواطنين في لحظات صعبة ( زلزال الحسيمة الذي لا زالت معاناة عدد من الأسر مستمرة بسببه ، قرية أنفكو ، أحداث سيدي إفني الخ ) فإن مبادرات الملك سواء بزيارة المناطق المنكوبة أو المهمشة أو بتعيين مناضلين مشهود لهم بالمصداقية والكفاءة على رأس هيئات وطنية هامة لدليل على أن المغرب يسير في درب الإصلاح والتغيير وما على الفعاليات السياسية والمدنية والاقتصادية والحقوقية سوى الانخراط في الإصلاح ودعم جهوده والرفع من وتيرته . فلتغلق الحكومة إذن ، أوراش تكسير العظام ولتكف عن النفخ في رواتب علية الضباط ،ولترفع كل حماية عن ناهبي المال العام .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أوراش الملك وأوراش الحكومة (1).
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجراء الفصل بين الديني والس
...
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(3)
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(2)
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجرأة الفصل بين الديني والس
...
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الديني والسياسي (3) .
-
متى تضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(1)
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (2).
-
أزمة التعليم من أزمة تدبير الشأن العام .
-
متى يصبح القانون هو ملجأ كل المواطنين وحامي حقوقهم؟
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (1).
-
الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا .
-
الأمان نعمة يزعزعها الإرهابيون ويفرون لطلبها .
-
لنقطع مع ثقافة التيئيس والتبخيس .
-
لما تصبح التهدئة انتصارا .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
المزيد.....
-
حراك طلابي في صربيا يُطيح برئيس الوزراء وموسكو وبروكسل تراقب
...
-
الولايات المتحدة تفرض رسوما جمركية على كندا والمكسيك والصين
...
-
قصة أسيرين التقيا توأميهما اللذين أنجبا بنطف مهربة
-
رئيس الوزراء الفرنسي يعتزم إقرار الميزانية في التفاف على الب
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
زيلينسكي: سيتعين علينا الانتقال إلى المفاوضات مع روسيا بعد ل
...
-
الجيش الأمريكي يكشف هوية الجندية في المروحية التي اصطدمت بطا
...
-
إسبانيا.. إقالة السفير الإسباني في بروكسل لسبب غريب
-
سفير روسيا في الدنمارك: موسكو لن تسمح بتحويل البلطيق إلى بحر
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|