|
منظومة المنظومة الإعلام و تنوع المجتمع
إدريس ولد القابلة
(Driss Ould El Kabla)
الحوار المتمدن-العدد: 2401 - 2008 / 9 / 11 - 06:47
المحور:
الصحافة والاعلام
(من منظور مجتمع الإعلام) تلعب وسائل الإعلام دورا حاسما في العملية السياسية الديمقراطية باعتبارها وسيط فاعل بين المواطنين و الدولة بمختلف مؤسساتها، أي بين المجتمع و النظام السياسي. و إذا كانت "لاديمقراطية" دون حرية الإعلام، فلا حرية إعلام دون تعددية إعلامية و دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع و التعبير عنه، و هذا أمر مازال لم يحظى بعد بالأهمية التي يستوجبها بالمغرب. نعم، هناك تطور لا يمكن نكرانه في هذا المضمار، لكن مازال يعتري البطء التطبيقات و المضامين و ملاءمتها مع الاحتجاجات الوطنية و الإقليمية و المحلية في المجال الإعلامي.
هذا في وقت ، على المنظومة الإعلامية في مجتمع متنوع أن يتضمن التوازن البناء ليكون التنوع مثمرا، و لكي يتم تجسيد دور "السلطة الرابعة" ، و يتأكد ذلك أكثر باعتبار أن تكريس الديمقراطية يرتبط ارتباطا جدليا وثيقا بتطور إعلام مستقل و فاعل يملك القدرة على القيام بمهام "السلطة الرابعة".
إذا كانت هناك تعددية في الإعلام، فهل يأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع؟ يختلف الوضع الحالي عندنا إعلاميا عن الأحوال في ثمانينات و بداية تسعينات القرن الماضي، عندما كانت الدولة تحتكر البث الإذاعي و التلفزي و الأحزاب السياسية تستحوذ على الصحافة المكتوبة، إذ في سنوات قليلة فاضت الساحة الإعلامية المغربية بالكيانات الجديدة، المكتوبة و المسموعة و المرئية و الالكترونية، و بدأت بوادر صناعة إعلامية ت في التأسيس، لكن مازالت هذه التعددية الإعلامية لم تستوعب بعد تنوع المجتمع بطريقة يحركها هم تكريس حق التواصل بالنسبة لكافة المغاربة دون أي تمييز.
نعيش اليوم في عالم مجتمع الإعلام الذي يتطور بسرعة فائقة تتجاوز مجتمعنا المغربي باستمرار لدرجة بات الكثيرون يخشون معها أن يسفر تنامي الفجوة، التي تتخلله، عن تفاقم حالة الخلل التي تشوب تنظيمه و تناسقه, و تزداد هذه الخشية أكثر في وقت مازالت فيه منظومتنا الإعلامية لم تأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع، علما أن نجاح أي إستراتيجية تنموية يتوقف حاليا ، في جزء كبير منه، على مدى التمكن من تكنولوجيا الإعلام و الاتصال و توظيفها لخدمة التنمية، بمعنى أن تجعل من مجتمع الإعلام مجتمعا للمبادرة و المعرفة، أو بالأحرى مجتمعا لاقتصاد قوامه العلم و المعرفة. فهل يتأتى هذا ، دون الأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع؟
قبل هذا السؤال يبرز تساؤل جوهري: ما هي مكانة التنوع في منظومتنا الإعلامية؟ مع تغييب معطى التنوع، كيف لمجتمعنا أن يمسك بزمام إستراتيجية تنموية و يتحكم في مصيره؟
في مجتمع متنوع، تكمن مهمة الإعلام في توفير مدخل رصين للمعلومات لكل المواطنين و نشر الوعي الثقافي و الديمقراطي عن طريق برامج تأخذ بعين الاعتبار تنوع مكونات المجتمع المغربي دون حيف. و لضمان العلاقة بين هذا التنوع و الإعلام وجب إدارة هذا الأخير و مراقبة عمله و أدائه من قبل هيأت تتكون من ممثلين ينتمون إلى كافة شرائح المجتمع. و لعل /ن أفضل السبل، المراقبة الذاتية (من طرف الإعلاميين أنفسهم)، و هي مهمة تأخذ على عاتقها نشر الوعي بضرورة الالتزام بميثاق الشرف الصحفي و الحرص على تكريس التنوع من أجل تحييد دور الدولة و تجنب تدخلها في آليات العمل الإعلامي، أي رقابة الإعلام من خلال رجال الإعلام أنفسهم.
لكن، هل يعكس الإعلام المغربي التنوع و التعدد في المجتمع، انطلاقا مما يسود فيه من تباين و تناقض، تغير و ثبات ؟ للوهلة الأولى يمكن الجواب بالنفي دون خشية مجانبة الصواب، و ذلك باعتبار أن مشهدنا الإعلامي، رغم تعدديته الظاهرة، يبدو و كأنه مازال لم يعكس تداعيات التنوع و التغير اللذان يطبعان مجتمعنا، لدرجة أن البعض تحدثوا عن إعلام نمطي. إن التنوع اللغوي و الثقافي يساعد على إثراء النهوض بالمجتمع عن طريق التعبير عن مجموعة من القيم و الأفكار المختلفة. و يمكن لهذا التنوع، عبر الإعلام و بواسطته، أن يساعد على انتشار المعلومات عن طريق تقديمها باللغة و السياق الثقافي الأكثر اعتيادا لدى المتلقين أو المستهدفين الأمر الذي يساعد ، من جهة أخرى، على استخدام تكنولوجيا المعلومات و الاتصالات، لكن شريطة أن تشجع السياسة المعتمدة على استحداث محتوى معلوماتي متنوع مما يساهم في حماية و نشر الثقافة و اللغة و التراث و الخصوصيات المحلية على الصعيد الجهوي و الوطني. و للسلطات المحلية، في هذا المضمار، دور هام، لأنها تمثل بالنسبة للمواطنين المستوى الأول للاتصال، فضلا على أن بإمكانها، عبر إعلام يعكس التنوع، أن تخدم و تشجع التنمية المحلية.
يعتبر تعزيز التنوع الثقافي و الهوية الثقافية، بما في ذلك استحداث محتوى معلوماتي متنوع و رقمنة التراث التربوي و العلمي و الثقافي، أولوية مهمة في تطوير مجتمع المعلومات. و لن يتأتى هذا، بخصوص الإعلام، إلا باعتماد إستراتيجية من أجل تنمية مجتمع المعلومات يشارك في بلورتها و إغنائها القطاع الخاص و المجتمع المدني قصد تطويع تلك الإستراتيجية لتلبية متطلبات المجتمع المغربي المتنوع و خصائصه البنيوية.
كل الدراسات أجمعت على ضرورة احترام التنوع الثقافي باعتباره عنصرا محركا و حيويا و نواة مركزية لمجتمع الإعلام من خلال مختلف عمليات المثاقفة و التمازج اللغوي و الفني على نحو يتجانس فيه التنوع الثقافي و التنوع اللغوي دون أن يطغى أو يهيمن طرف على الباقي. و ذلك، قصد ضمان حق مشاركة الجميع، دون إقصاء أو تمييز من أجل إرساء أسس مجتمع الإعلام و تعزيز "الحق و القدرة على التواصل" اللذان يعتبران جوهر الحق في المعلومة.
إن التنوع يفرض على منظومة إعلامنا أدوارا إضافية، منها دعم تنمية المحتوى الثقافي المحلي و تقوية القدرة على التواصل و السعي لتوسيعها عبر استعمال اللغة (اللهجة) المحلية.
لاغرو أن الإعلام الحر و المستقل يلعب دورا مركزيا في توفير الشروط و المتطلبات لممارسة حرية الرأي و التعبير، إن نحن أردنا أن نعيش في مغرب يكون مجتمعه ديمقراطيا.
فالإعلام الحر في مجتمع متنوع، كالمجتمع المغربي، عليه في الحقيقة، أن يكون وسيطا حيويا بين المجتمع و النظام السياسي القائم لضمان التواصل البناء بينهما من جهة، و لضمان درجة من الشفافية اللازمة و الضرورية لأداء القائمين على أمورنا و النخب في مختلف المجالات، من جهة أخرى. و حين يشرع إعلامنا في القيام بهذا الدور، آنذاك يمكن القول إن منظومتنا تمثل فعلا "السلطة الرابعة" بجانب السلطات الثلاثة الأخرى التشريعية،التنفيذية و القضائية. و هذا مطمح لازال المغربة ينتظرون تجسيده على أرض الواقع.
فهل هناك معوقات تحول دون تمكين منظومتنا الإعلامية من عكس و تكريس تنوع المجتمع؟ من الأكيد أنه من معوقات تكريس تنوع المجتمع في المجال الإعلامي، استمرار تفعيل تقييد حرية الإعلام – سواء بطرقة لينة أو مع الإكراه- و محاولات القائمين على أمورنا و صانعي القرار السياسي التأثير – المباشر أو غير المباشر، الظاهر و المستتر، استعمال "صنبور" الإشهار- على وسائل الإعلام أو تطويعها، باعتماد سياسة العصا و الجزرة، كأداة لخدمة أهدافهم السياسية و المصلحية و تكريس واقع اقتسام السلطة كما يرونه هم و ليس كما يطمح إليه الشعب.
و في هذا الصدد، أعتقد أن جوهر إشكالية "الإعلام و التنوع في المجتمع المغربي" ليست مرتبطة بآليات السوق أو دواعي الربحية أو بطبيعة الخط التحريري لوسائل الإعلام ، بقدر ما هي مرتبطة، بالأساس في المرحلة الحالية، بمكونات طبيعة و نوعية الحكامة المعتمدة عندنا، و التي تتأسس على مجوعة من المنظومات التي تعيق مسار المجتمع المغربي على درب انخراطه في دائرة " التطور الطبيعي" . و من أبرز هذه المنظومات : "التهميشقراطية" و "الإقصاؤقراطية" و "الذلقراطية" و "التسولقراطية" و "الجهلقراطية" و "الفقرقراطية" كآليات و نهج تدبير و تسيير و كأدوات للحكامة السائدة حاليا في مجتمعنا.
و بالتالي، إن كل ضحايا هذه "المنظومات" المكونة لجوهر الحكامة المعتمدة عندنا يشكلون الفئات المحرومة من ولوج الإعلام، و بالمقابل، الفئات المهيمنة في الإعلام هي تلك الشرائح التي لا ترغب في تغيير منظومة الحكامة المعتمدة، مما يجعل منظومتنا الإعلامية عموما منظومة "نمطية" رغم أن بعض مكوناتها تبدو جريئة و مشاغبة أحيانا كثيرة فهي داخلة في اللعبة و تحترم قواعدها.
إن استجابة منظومة إعلامنا لتنوع المجتمع تستوجب جملة من الشروط، منها تشكيل ثقل إعلامي يقلل من هيمنة الحضور الإعلامي للوسائل الإعلامية الموالية للدولة أو لهذه الجهة النافذة أو تلك. و رغم انطلاقة ما يسمى " الإعلام المستقل" و المحطات التلفزية و الإذاعية الخاصة، فإن العلاقة بين الإعلام و تنوع المجتمع مازالت منثورة و غير متوازنة، إذ أن أغلب المغاربة لا يجدون إعلاما يعكس ثقافتهم و وجدانهم و تراثهم و همومهم و انتظاراتهم و طموحاتهم المستقبلية. و هذا رغم أنهم "أكرهوا" –دون استشارتهم على دفع رسوم يستفيد منها الإعلام، كما أن الدعم المخصص للصحافة يقتطع من مال الشعب- و هنا تبرز من جديد ضرورة المراقبة المتحدث عنه سالفا قصد تنظيم العلاقة الشائكة بين السياسة و الصحافة.
يقال إن تفعيل "السلطة الرابعة" ضرورة تنموية، لكن هل يمكن أن نتصور صيرورة تنموية فعلية في ظل سيادة تهميش و إقصاء فئات واسعة من مجال الإعلام و ذلك عبر عدم الأخذ بعين الاعتبار تنوع المجتمع؟ إن مفهوم "الحكامة الجيدة أو الرشيدة" ( أو "الحكم الصالح") يستند على مبادئ أساسية أهمها تغليب سلطة القانون على سلطة الأمن، و لن يتأتى هذا إلا بوجود إعلام حر مهني و تعددي، و لن يكون تعددي إلا بالاهتمام بتنوع المجتمع و عكسه، تعبيرا و متابعة. آنذاك، يمكن تفعيل المنظومة الإعلامية كـ "سلطة رابعة" تعمل كأداة لنشر الشفافية لمحاربة الإقصاء و التهميش و التصدي للفساد الذي مازال يبدد موارد الشعب من خلال سوء استخدام السلطة و مواقع صناعة القرار. فلا يمكن لمنظومتنا الإعلامية أن تطمح لتمثل "سلطة رابعة" دون احترام تنوع المجتمع و العمل على عكسه باعتباره مبدأ تأسيسيا لتأكيده و النهوض به و دعم محتوياته و مضامينه و تفعيل تداولها.
إن احترام التنوع و عكسه شرط أساسي لترسيخ جذور الديمقراطية في مجتمعنا، لكونه سبيل لتقوية مشاركة النساء و الشباب و القرويين و سكان الأحياء المهمشة في عملية صناعة القرارات العامة عبر الإعلام كـ "سلطة رابعة" مالكة للقدرة على الفرض عندما تستدعي الضرورة ذلك. كما أن احترام التنوع و عكسه يشكل وسيطا و حافزا للمصالحة الاجتماعية مع أقل الأضرار.
و خلاصة القول إن أخذ منظومتنا الإعلامية بعين الاعتبار إشكالية تنوع المجتمع يدخل في نطاق آليات المساعدة على تكريس الديمقراطية حاليا و تشكيل درع لحمايتها لاحقا. و إذا كانت حرية الإعلام تعتبر اليوم، أكثر من أي وقت مضى، ضرورة عالمية للشفافية و التنمية، فإن أخذ الإعلام بعين الاعتبار تنوع المجتمع، يعتبر ضرورة محلية جوهرية للانخراط في هذا المسار، لأن إهمال هذه الخصوصية من شأنها توليد مخاطر لا تحمد عقباها، سيما و أن مجتمعنا مازال لم يلج بعد ترسيخ دائرة الديمقراطية الحق.
#إدريس_ولد_القابلة (هاشتاغ)
Driss_Ould_El_Kabla#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناديق الملوك الثلاثة
-
-الكراسي- مصيبتنا
-
هل حان الوقت لمحاكمة حميدو لعنيكري؟
-
حوار مع عبد الرحمان بن عمرو/ فاعل سياسي وحقوقي
-
حوار مع علي فقير/ فاعل سياسي
-
حوار مع محمد مسكاوي/ الهيئة الوطنية لحماية المال العام – الس
...
-
إعادة -انبعاث- لعنيكري من الرماد
-
حوار مع عبد الرحيم مهتاد/ لجنة النصير لمساندة المعتقلين الإس
...
-
نحيا بالأكذوبات
-
هل صدق فؤاد عالي الهمة حين قال : - أنا لا أخشى المساءلة ومست
...
-
-التَّسَوُّلقْرَاطِيَّةُ-
-
إجهاض دعوى ضد البوليساريو ودعم أخرى لفائدتها
-
كان الهدف هو إرهاب سكان سيدي إفني
-
السكن الاجتماعي بين هاجس الربح السريع وهاجس تحسين الأوضاع
-
صورة -المغرب السعيد- ليست على ما يرام
-
إعلامي كافح بالبندقية والقلم
-
جنرالات الجزائري متخوفون من مطالبة المغرب بصحرائه الشرقية
-
مؤسسة إدريس بنزكري لحقوق الإنسان والديمقراطية
-
-الحر اللبيب بنصف غمزة تايعيق-
-
إلى متى سيتم استبلاد المغاربة؟
المزيد.....
-
إيران تعلن البدء بتشغيل أجهزة الطرد المركزي
-
مراسلنا في لبنان: سلسلة غارات عنيفة على ضاحية بيروت الجنوبية
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. قرارت لجامعة الدول العربية دعما
...
-
سيناتور أمريكي: كييف لا تنوي مهاجمة موسكو وسانت بطرسبرغ بصوا
...
-
مايك والتز: إدارة ترامب ستنخرط في مفاوضات تسوية الأزمة الأوك
...
-
خبير عسكري يوضح احتمال تزويد واشنطن لكييف بمنظومة -ثاد- المض
...
-
-إطلاق الصواريخ وآثار الدمار-.. -حزب الله- يعرض مشاهد استهدا
...
-
بيل كلينتون يكسر جدار الصمت بشأن تقارير شغلت الرأي العام الأ
...
-
وجهة نظر: الرئيس ترامب والمخاوف التي يثيرها في بكين
-
إسرائيل تشن غارتين في ضاحية بيروت وحزب الله يستهدفها بعشرات
...
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|