مازن كم الماز
الحوار المتمدن-العدد: 2406 - 2008 / 9 / 16 - 06:01
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
تاريخ مختصر لمجموعة ناضلت داخل الحزب الشيوعي الروسي ضد بيروقراطية الحزب المتزايدة في سبيل سيطرة النقابات على الصناعة , و التي أجبرها الحزب على أن تحل نفسها بحلول عام 1922 .
بدأت المعارضة العمالية بالتشكل في عام 1919 كنتيجة لسياسات شيوعية الحرب التي ركزت كأولوية على هيمنة الحزب الشيوعي على فروع الحزب المحلية و النقابات . أثناء الحرب الأهلية بدأت المعارضة العمالية بالتحريض ضد غياب الديمقراطية في الحزب الشيوعي نتيجة الأعمال المركزة لبيروقراطية الحزب . دعت المعارضة العمالية التي تشكلت في الغالب من العمال النقابيين ( مع قوة خاصة في أوساط عمال التعدين ) إلى إعادة السلطة إلى فروع الحزب المحلية و النقابات و قادها بلاشفة متمرسين و محترمين مثل الكسندر شليابنيكوف , الكسندرا كولونتاي , و سيرغي ميدفيدييف .
في المؤتمر التاسع لعموم روسيا للحزب الشيوعي في سبتمبر أيلول 1920 أدت المناقشات حول زيادة بيروقراطية الحزب و إدارة الاقتصاد السوفيتي إلى ظهور خلاف كبير . فبينما قال لينين بأنه يجب أن تكون مهمة بيروقراطيي الحزب أن يعلموا العمال النقابيين كيف يديرون الاقتصاد الوطني , اتخذت المعارضة العمالية الموقف المعاكس , أن هذا يجب أن يكون دور النقابات نفسها و ليس بيروقراطيي الحزب من يجب أن يأخذوا على عاتقهم بناء الاقتصاد الشيوعي . كما كتبت الكسندرا كولونتاي في كراسها الإبداعي المعارض :
" لا يمكن أن يوجد نشاط ذاتي من دون حرية الفكر و الرأي , لأن النشاط الذاتي يعبر عن نفسه ليس فقط في المبادرة , الفعل و العمل , بل في الفكر المستقل أيضا . إننا لا نترك أية حرية للنشاط الطبقي , إننا نخشى النقد , لقد توقفنا عن الاعتماد على الجماهير : و بالتالي فإننا نملك بيروقراطية معنا . لهذا فإن المعارضة العمالية تعتبر البيروقراطية عدونا , مصيبتنا , و أنها الخطر الأكبر على الوجود المستقبلي للحزب الشيوعي نفسه " .
" لقد أكدت المعارضة العمالية ما ورد منذ زمن طويل في البيان الشيوعي لماركس و أنجلز : أن بناء الشيوعية يمكن و يجب أن يكون نتيجة عمل الجماهير الكادحة نفسها . يعود بناء الشيوعية إلى العمال "
الكسندرا كولونتاي , المعارضة العمالية
طالبت المجموعة أن تصبح الإدارة الصناعية مسؤولية النقابات و أن تسيطر النقابات على الاقتصاد الوطني بمجموعه . رغم أنها حظيت بدعم قوي بين قواعد الحزب الشيوعي لكن قيادة الحزب رفضت برنامجها بالكامل . ذهب لينين حتى أبعد من ذلك عندما صرح أنه على الحزب " أن يحارب الانحراف السينديكالي ( النقابي ) الذي سوف يقتل الحزب ما لم يشفى منه تماما " ( لينين , أزمة الحزب ) . دعت المعارضة أيضا إلى محاربة عملية انتشار البيروقراطية و طرد جميع غير البروليتاريين من الحزب الشيوعي و المراكز القيادية الحكومية . كما دعت إلى انتخاب أصحاب هذه المراكز لا تعيينهم .
لكن يجب الإشارة إلى أن دعوة المعارضة العمالية لتسليم السيطرة على الاقتصاد الوطني للنقابات لم تكن مشرفة كما قد يبدو لأول وهلة . كان المجلس المركزي لعموم روسيا للنقابات سلاحا للدولة البلشفية بالكامل عند هذه النقطة , و مهتما بشكل أساسي بفرض النظام على العمال أكثر منه بالمحاربة لتحسين ظروفهم . كان مختلفا بشكل جذري عن لجان المصانع , التي نظمها العمال أنفسهم على مستوى القاعدة . في عام 1918 ذهب شليابنيكوف حتى إلى حد أن قال أن لجان المصانع كانت تضع السلطة " بيد جمهور يقوم حرفيا بعرقلة كل العمل بسبب جهله و عدم اكتراثه بالإنتاج " ( مقتبس من كتاب كارمن سيرياني "سلطة العمال و الديمقراطية الاشتراكية : الخبرة السوفيتية ) . رغم أن المعارضة العمالية قد دعت مرارا إلى أن الشيوعية يمكن أن يتم بناؤها فقط من قبل العمال أنفسهم و كانت تفضل سيطرة النقابات الكاملة على الاقتصاد لتحقيق هذا الهدف , فإن هذا لا يشبه بأي حال سيطرة العمال الفعلية على الاقتصاد . لنضعها بشكل واضح , لقد فضلوا أن يكون البيروقراطيون الذين سيديرون الاقتصاد من النقابات , و ليس من الحزب الشيوعي .
مثل هذه الصعوبات الإيديولوجية الداخلية التي عانت منها المعارضة العمالية كانت تعود في معظمها لعجزها عن رفض بعض التعاليم المركزية في البلشفية و أن تقطع صلتها بالحزب الشيوعي الروسي تماما . عموما كان أعضاء المعارضة العمالية منظمين بلاشفة قاعديين متمرسين ذوي جذور عمالية قضوا حياتهم و هم يمارسون التحريض بين طبقتهم . لهذا كانوا مخلصين بشكل طبيعي لأجهزة القوة الطبقية التي تظهر في أوقات الصراع .
لكن ولاءهم في نفس الوقت للبلشفية و للحزب شوشت قضية دور المنظمة الثورية و علاقتها بالطبقة العاملة . هكذا بينما كانوا ينادون بأن " بناء الشيوعية يمكن و يجب أن يكون من عمل الجماهير الكادحة نفسها " , فإن عجزهم عن رفض طليعية الاشتراكية السلطوية قد عنت أنهم قد أعلنوا أيضا أن " الحزب الشيوعي الروسي هو القائد السياسي المسؤول لوحده عن النضال الثوري في عملية بناء جماهير العمال و الفلاحين " ( شليابنيكوف , عن العلاقات بين الحزب الشيوعي الروسي , السوفييتات و نقابات الإنتاج ) .
عند قراءة نصوص المعارضة العمالية تبدو حقيقة واضحة أنه على الرغم من دعواتهم المتكررة لسيطرة النقابات على الاقتصاد و لديمقراطية أكبر داخل الحزب الشيوعي , فإنهم لم يتحدوا الهيمنة السياسية للحزب نفسه . رغم أن المعارضة العمالية قد أرادت سيطرة أكبر للنقابات على الاقتصاد فإن المراكز الفعلية للسلطة الإدارية كان يجب انتخابها من خلال فروع الحزب المحلية . كانت المشكلة الرئيسية للمعارضة العمالية مع الحزب الشيوعي الروسي هو أنه كان يعين البيروقراطيين في مواقع الإدارة من المركز عوضا عن أن ينتخبهم على مستوى محلي . إنهم لم يرغبوا بتحدي احتكار الحزب الشيوعي للسلطة لنفسه .
أظهرت أحداث كرونشتادت و استجابتهم لها هذه المشاكل بشكل جلي . عندما ثارت كرونشتادت معارضة السيطرة الشيوعية على روسيا و طالبت بالعودة إلى شعارات " كل السلطة للسوفييتات " , وقفت المعارضة العمالية إلى جانب حزبها و تطوع الكثيرون حتى للمساعدة في الهجوم العسكري على الانتفاضة . لقد أشارت كرونشتادت إلى مشكلة المعارضة العمالية : لماذا كانت طبقتهم تهاجم الحزب الشيوعي , "القائد السياسي الوحيد المسؤول عن النضال الثوري" ؟ إن عجزهم عن القطع مع النظرية الطليعية لللينينية قد عنى أنهم في نهاية الأمر قد وجدوا الخطأ في طبقتهم و ليس في بيروقراطيي الدولة الجديدة .
حتى مع ولائهم هذا المولع باللينينية كانت المعارضة العمالية انحرافا كبيرا عن اللينينية الأرثوذكسية للحزب . في المؤتمر العاشر للحزب في مارس آذار 1921 جرى رفض مواقف المعارضة العمالية و أدينت أفكارهم و أمروا بأن يحلوا أنفسهم .
رغم أن أعضاء المعارضة العمالية استمروا بتحريضهم , فإنهم سيجدون أنفسهم عرضة للهجوم من بيروقراطية الحزب الشيوعي . تحدث شليابنيكوف عن الكيفية التي همش بها أعضاء المعارضة العمالية في الحزب , و نقلوا أحيانا بشكل منظم إلى مناطق مختلفة , و طردوا أحيانا من الحزب نهائيا . مورست أعمال مشابهة ضد النقابات التي كانت موالية بشكل تقليدي للمعارضة العمالية . على سبيل المثال صوت مؤتمر نقابة عمال التعدين ضد لائحة المرشحين المقترحين لقيادة النقابة المقدمة من اللجنة المركزية للحزب الشيوعي . لكن جرى تجاهل هذا التصويت و قام قادة الحزب بتعيين مرشحيهم الخاصين في تلك المناصب , ليذكروا عمال التعدين بمن يمسك بزمام الأمور لأن نقابتهم كانت مركز نشاط المعارضة العمالية .
بحلول عام 1922 كانت المعارضة العمالية لتهزم نهائيا . سيشهد مؤتمر الحزب ال 11 قيادة الحزب و هي تتقدم باقتراح لطرد قادة المعارضة العمالية من الحزب . رغم أن علاقات المعارضة الوثيقة بقواعد الحزب قد عنت أن هذا الاقتراح سيفشل , فإن المجموعة قد حلت بشكل كامل تقريبا نتيجة للجهود المركزة لقادة الحزب . مثلا من بين 37 مندوبا من المعارضة العمالية إلى المؤتمر العاشر نجح أربعة فقط في العودة كمندوبين يحق لهم التصويت إلى المؤتمر التالي . بعد ضغط كهذا انهارت المعارضة العمالية .
في نداء ال 22 الذي وزع في مؤتمر عام 1922 التمسوا من مندوبي الكومنترن ( الأممية الثالثة ) أن يقروا " بالإجراءات القمعية ضد التعبير عن الآراء داخل الحزب " و المساعدة " بإنهاء كل هذه الانحرافات " . لكن طلبات المساعدة هذه لقيت آذانا صماء .
في عام 1926 انضم الأعضاء المتبقين من المعارضة بشكل محدود إلى المعارضة اليسارية التي قادها تروتسكي , الذي وجد نفسه غير مفضل من بيروقراطية الحزب , فبدأ يناضل ضد البيروقراطية الصاعدة و غياب الديمقراطية التي ساعد على خلقها . بالفعل سيشابه مصير تروتسكي مصير المعارضة . بعد تخليها عن الطبقة العاملة لمصلحة الولاء للسلطة السياسية و للحزب , طردت المعارضة العمالية بازدراء من الحزب و فيما بعد حوكم الكثير من قادتها ( بما في ذلك شليابنيكوف و ميدفيدييف ) و أعدموا لانحرافهم المحدود عن إيديولوجية الحزب الأرثوذكسية . تماما مثل تروتسكي جرى تدمير المعارضة العمالية من قبل البنى التسلطية التي ساعدت على خلقها بتخليها عن متمردي كرونشتادت بما دل على الهزيمة النهائية للقوة الوحيدة في روسيا التي كان بمقدورها إنقاذهم من مصيرهم .
ترجمة : مازن كم الماز
نقلا عن //libcom.org/tags/workers-opposition
#مازن_كم_الماز (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟