|
صناعة الكتب 2(قراءة الكتب)
جهاد علاونه
الحوار المتمدن-العدد: 2398 - 2008 / 9 / 8 - 09:49
المحور:
قراءات في عالم الكتب و المطبوعات
قرأت مرة عبارة لأحد الفلاسفة حين سألوه عن كاتب معروف وعن رأيه به فقال :لقد ترك القراءة في الآونة الأخيرة مما أدى إلى تحسن مذهل في إسلوب تفكيره وكتابته . هذه العبارة صحيحة وليست ساخرة وهي تحدث يوميا مع كل الكتاب وخصوصا للذين يكتبون أدبا خالصا وفلسفة ذاتية خالصة ,وكنت أنا شخصيا أتخذ موقفا عدائيا من الذين يقولون لي : من أن الكتب تجنن العقلاء وتذهب بعقولهم . وكانت الناس وما زالت تروي قصصا عن الذين قرأوا كتبا كثيرة ومن ثم أصبحوا معاقين فكريا وبعبارة أكثر وضوحا (داروا بالشوارع ).
أنظر حولك عزيزي القارىء لترى في الحارة التي تسكنها أو الحتة التي تقطن بها عينة من هذا النوع من البشر فترى رجلا يمشي ويتأبط تحت إبطه رغيفا من الخبز وتحت إبطه الثاني حذاءه فتسأل عنه ليقول لك الناس :كان ذكيا جدا ..صنع طائرة ...أو ..ألف كتابا ..أو كان يسب الحكومة فإعتقلته المخابرات وأجلسوه على كرسي كهربائي فأصبح مجنونا أو أصبح هكذا ..أنظر إليه إن سلوكه جنوني رغم أنه ينطق بالحكمة والموعظة الحسنة .
كنت وما زلت ألوم الناس على نهيهم لي عن كتبي ومكتبتي حتى أن أمي كانت تسمع من الناس قصصا مروعة عن الذين يقرأون كتبا وإختلوا عقليا فكانت تسترق السمع وتجلس خلف باب غرفتي لتتجسس عليّ وعلى سهرتي مع كتبي وكانت ترجف من الخوف كلما رأت معي كتابا أو رأتني أقرأ .
وكان أهلي يعيدون مسحهم لي إجتماعيا في كل فترة أو بين فترة وأخرى ليتأكذوا من أنني ما زلت بكامل قواي العقلية أو أنني إنهرت بسبب الكتب .
وكنت أنا فعلا أثبت لهم من خلال تصرفاتي أنني ما زلت بكامل قواي العقلية وأن مصيري ما زال هو مصيري وإنني ما زلت أستحم يوميا وأحلق ذقني يوميا ولا أخرج إلا معطر الثياب وكنت وما زلت على هذه الأوضاع ضنا مني أنني لم أفقد شيئا من قواي العقلية لأثبت للجميع من أن مستواي الإجتماعي مازال قويا وبأعلى درجاته .
كل ذلك كان خوفا عليّ من الكتب وكثرة القراءة وكنت أسمع الجارات وهن يقلن لأمي : بتعرفي فلان ؟ -آه بعرفه . -طيب مالك ساكته هذا كانت أمه تفوت على إبنها وهو يقرأ وإبنها يرفض يقوم من فرشته على شان تكنس تحتها وها هو زي ما إنت شايفه ماشي بالشارع وفاتح أصابع أديه وبسأل الناس سيكاره ..سيكاره !!1. وأمي كانت تسأل طيب شو أعمل ؟ -شو تعملي روحي لحجاب أو لشيخ . وكانت أمي تذهب للشيوخ وأذكر مرة أنها عملت لي حجابا يمنعني تماما من مزاولة القراءة إطلاق . والسوآل الذي يطرح نفسه هنا هو ,هل أنا على صواب أم على خطأ ..وهل أنا فعلا مازلت بكامل قواي العقلية ؟ أم أن الناس على صواب وأن القراءة أفقدتني كثيرا من عقلي ؟ من منّا على صواب أنا أم أمي والناس ؟ الحقيقة أنني لست على صواب وإن أمي على صواب أكثر مني وإن كل الناس أيضا على صواب أكثر مني . فحين كنت أحب القراءة كانت القراءة بالنسبة لي ولعا ولهوا وهواية مسلية أقرأ من خلالها الشعر فقط لا غير ولكنني بعدها تطورت من قراءة الشعر إلى قراءة النقد الأدبي ومن ثم إلى فلسفة النقد الأدبي ومن ثم إلى فلسفة التاريخ ودخلت في المادية التاريخية والديالكتيك وأفسدت على نفسي صفو الحياة وإستبدلته بالكدر والتعب والعذاب وتعلمت الجلد على قراءة كتب مملة جدا وأحببت كتبا مسلية جدا وقرأت كتبا للترفيه وأخرى للتسلية وأخرى للضحك وأخرى لكي أصبح مناضلا وقرأت كتبا أصبحت من خلالها مملا ومكروها من قبل شيخ حارتنا ومن قبل إمام مسجدنا ولم أعثر طوال حياتي على صديق بل أصبحت بسبب الكتب شخصية مكروهة من السلطة والناس وحتى من قبل المثقفين .
فمن المفترض أن أعقد صداقة مع المثقفين غير أنهم كرهوني لمجرد الإختلاف في الرأي وأحيانا لمجرد عدم الإختلاف أي بسبب التنافس وتضارب الأفكار في المهنة أو الصنعة . لو أنني لم أقرأ كتابا في حياتي لكنت إنسانا بسيطا محبوبا من الجميع يحترمني السذّج والمساكين والدراويش والمتصوفة ورجال الدعوة إلى الله والسلفية وصاحب الكازية التي في حارتنا ههههههه وصاحب محلات مواد البناء وصاحب المطعم هههههه. بسبب القراءة أصبح أفكاري ملوثة وأصبحت أعرف الكثير وأصبحت أناقش الناس في أشياء لا يعرفونها وبسبب الكتب أصبح أعرف أشياء ليس من الضروري أن أعرفها . ولست أنا من وقع في ذلك بل الحضارات أيضا . ففي العصر الحجري القديم كانت الناس تعيش على البساطة ولم تكن هنالك سجون ولا مصحات عقلية ولم تكن هنالك عملة نقدية ولا نظاما نقديا ولا بورصة ومضاربات تجارية ولم يكن بالعصر الحجري أشياء محرمة وأشياء غير محرمة بل كانت كل الأمور مباحة حتى الجنس مع المحارم. ولكن حدث شيء مهم وخطير وحقير مع إكتشاف الإنسان للثورة الزراعية الأولى ونظام العد والمحاسبة والحساب الفلكي والرياضيات الطبيعية وصناعة الأواني المنزلية والحربية بسبب حملات الرجال التملكية وإنتشرت بذلك الحروب وإستعبد الإنسان أخيه الإنسان كل ذلك صنعه العلم والثقافة والقراءة وكثرتها وظهور عباقرة منظرون وسياسيون بارعون وإنتهازيون وعلوم وقوانين ...إلخ.
إذن العلم ساهم بإضطهاد الإنسان والذين كانوا يقرأون كثيرا لربما أن صدمة معرفة أشياء كهذه هي التي أفقدتهم عقولهم ...
#جهاد_علاونه (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صناعة الفقر
-
صناعة الكتب 1
-
القرآن أشهر كتاب عربي
-
من ذكريات عاشق في الريف والمدينة 1
-
رمضان معنا أحلى
-
نقاش في شبكة واحة الفكر العالمية عن المرأة
-
الانسان المعاصر 1
-
تاجر بورصه
-
شبه جزيرة الفساد العربية
-
المرصد العراقي يسرق موقعي من الحوار المتمدن وينسبه لنفسه
-
الفهم الخاطىء للماركسية
-
التطور والجمال بين النظرية الهيغيلية والماركسية 2
-
التطور بين الهيغيلية والماركسية 1
-
حين يكتب الجلادون الكتب
-
الإلحاد على أصوله 1
-
درس في الإلحاد
-
كثرة القراءة 2
-
العادات ...الطبائع...الكتب وتغير العقائد
-
يا عيني يا ليلي يا عين
-
يحق للمسلم أكل الحرام
المزيد.....
-
الشرطة الإسرائيلية تحذر من انهيار مبنى في حيفا أصيب بصاروخ أ
...
-
نتنياهو لسكان غزة: عليكم الاختيار بين الحياة والموت والدمار
...
-
مصر.. مساع متواصلة لضمان انتظام الكهرباء والسيسي يستعرض خطط
...
-
وزير الخارجية المصري لولي عهد الكويت: أمن الخليج جزء لا يتجز
...
-
دمشق.. بيدرسن يؤكد ضرورة وقف إطلاق النار في غزة ولبنان ومنع
...
-
المكتب الإعلامي الحكومي بغزة: القوات الإسرائيلية تواصل انتها
...
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 360 عسكريا أوكرانيا على أطراف
...
-
في اليوم الـ415.. صحة غزة تعلن حصيلة جديدة لضحايا الحرب الإس
...
-
بوريل: علينا أن نضغط على إسرائيل لوقف الحرب في الشرق الأوسط
...
-
ميقاتي متضامنا مع ميلوني: آمل ألا يؤثر الاعتداء على -اليونيف
...
المزيد.....
-
-فجر الفلسفة اليونانية قبل سقراط- استعراض نقدي للمقدمة-2
/ نايف سلوم
-
فلسفة البراكسيس عند أنطونيو غرامشي في مواجهة الاختزالية والا
...
/ زهير الخويلدي
-
الكونية والعدالة وسياسة الهوية
/ زهير الخويلدي
-
فصل من كتاب حرية التعبير...
/ عبدالرزاق دحنون
-
الولايات المتحدة كدولة نامية: قراءة في كتاب -عصور الرأسمالية
...
/ محمود الصباغ
-
تقديم وتلخيص كتاب: العالم المعرفي المتوقد
/ غازي الصوراني
-
قراءات في كتب حديثة مثيرة للجدل
/ كاظم حبيب
-
قراءة في كتاب أزمة المناخ لنعوم چومسكي وروبرت پَولِن
/ محمد الأزرقي
-
آليات توجيه الرأي العام
/ زهير الخويلدي
-
قراءة في كتاب إعادة التكوين لجورج چرچ بالإشتراك مع إدوار ريج
...
/ محمد الأزرقي
المزيد.....
|