|
أوراش الملك وأوراش الحكومة (1).
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2398 - 2008 / 9 / 8 - 09:50
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
كانت مثيرة للانتباه تلكم اللافتة التي حملها المتظاهرون بسيدي إفني بمضمونها الذي تجسده عبارة " أوراش الحكومة = الزرواطة" . وقد أثبتت التجربة اليومية للدكاترة المعطلين وعموم الفئات المهمشة أن الحكومة لا تتوفر على برامج متكاملة لمواجهة آفتي البطالة والتهميش غير التسويف والزرواطة التي غدت الأسلوب الأنجع للتعامل مع الاحتجاجات أيا كانت طبيعتها وأهدافها والفئة التي تنظمها أو تنخرط فيها . إنه الورش الكبير الذي تحرص الحكومة على تعميمه ليشمل مدن المملكة وقراها مهما بعدت عن العاصمة التي غدت نموذجا في تكريس أسلوب الرفس وتكسير العظام . حقا إن من مسئوليات الحكومة حفظ الأمن ، لكن من مهامها قبل كل شيء حفظ كرامة جميع المواطنين دون تمييز أو تفضيل . والحكومة الحالية لا تتحمل وحدها وزر الفساد المستشري في مفاصل الدولة والمجتمع ، لكنها تتحمل كل المسئولية في اعتماد الزرواطة الأسلوب الأوحد في مواجهة مطالب المحتجين ضد أوضاعهم المعيشية الصعبة في الوقت الذي يحرص فيه الملك على اتخاذ المبادرات وفتح الأوراش بغاية صيانة كرامة المواطنين وحقهم في العيش الكريم . الأمر الذي لا يجعل الحكومة فقط عاجزة عن مجاراة ديناميكية الملك التنموية والاجتماعية ، بل يضعها في تناقض مع هذه الديناميكية وأهدافها . ذلك أن أوراش الحكومة مفتوحة ، من جهة على تكسير عظام المحتجين وإثقال كلفة المعيشة على الأجراء والبسطاء ، ومن أخرى حريصة على إعفاء المفسدين من العقاب ونفخ رواتب كبار الموظفين وضباط الجيش بما لا يتناسب مع حجم الميزانية العمومية والظروف الاقتصادية للمملكة التي تتأثر مباشرة بارتفاع أسعار المواد الطاقية والمواد الغذائية في السوق العالمية . والحكومة ، بنهجها هذا ، تؤجج أسباب الاحتجاج لدى عموم الفئات الشعبية التي يرهقها الغلاء والمرض والفقر والغبن والتهميش . إنها عوامل تفجر مشاعر السخط والتذمر لدى أوسع الجماهير وتقتل فيهم ما بقي من حس وطني ، وهم الذين بحاجة إلى المساندة والتضامن . غير أن الوقائع والمعطيات المتواترة تؤكد أن الحكومة بقدر ما تشتد قسوتها على الفئات الشعبية وتتنكر لمطالبها ومظالمها ، يزداد تضامنها مع علية القوم والأطر والضباط . ويشهد الحوار الاجتماعي وجولاته المراطونية على تنكر الحكومة للخدمات التي تؤديها فئات الأجراء وعموم الموظفين للوطن ، كل في مجال عمله وطبيعة إسهامه . إذ الجميع في خدمة الوطن ، والجميع يسهم في إنتاج خيرات هذا الوطن لكنهم ليسوا سواسية في اقتسام ثرواته . فالحكومة تكرس قاعدة اللاتكافؤ بين المواطنين ولا تجتهد في توفير عناصر التوازن وأسباب الاستقرار التي هي شروط إنتاج الثروات وتشجيع الاستثمارات . إن الذرائع التي قدمها وزير المالية لتبرير الزيادات الضئيلة في الحد الأدنى للأجور ستزيد من حرج الحكومة وغبن المستضعفين من الأجراء والموظفين لما يعلم هؤلاء بحجم الإنعامات التي تكرمت بها هذه الحكومة على كبار الضباط ، والتي بلغت 22 ألف درهم شهريا لكل ضابط في الجيش برتبة كولونيل . إنه مبلغ لا يجسد قيمة التضامن ولا يراعي الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشها عموم المغاربة ويتحملون عبأها . وكان على الحكومة أن تراعي القدرة الشرائية وظروف العمل ونوعيته لدى كل الموظفين والأجراء ، فهي حكومة لكل المغاربة ؛ أما أن تنعم على فئة وتقتر على فئات ، فهذا ليس من الحكامة في شيء . فهل يعقل أن يتقاضى الطبيب الداخلي 1500 درهم شهريا ، أي أقل من الحد الأدنى للأجور الذي أقرته الحكومة ـ مقابل الخدمات الجليلة التي يقدمها ؟ وكيف ستقنع الحكومة رجال الشرطة ( راتب الشرطي 2500 درهم شهريا ) ورجال التعليم ( راتب المعلم سلم 9 بعد ربع قرن من الخدمة 3500 درهم شهريا) كيف ستقنعهم أن هناك فئات من الموظفين تقدم خدمات أجلّ من فئات الأمن وفئات التعليم وفئات الصحة وغيرها من القطاعات ؟ ألم تجهز الحكومات على حق أبناء الموظفين البسطاء ( براتب 3000 درهما شهريا فما فوق ) في الحصول على المنحة الدراسية لمتابعة التعليم الجامعي ؟ كيف تسمح الحكومة لنفسها أن تظل تحدد مسبقا نسبة النجاح من الإعدادي إلى الثانوي لتحكم على 60% من أبناء الشعب بالتخلف الدراسي وتحرمهم من فرص التعليم والتكوين ؟ كيف يمكن إقناع عموم المواطنين بأن الحكومة تملك برامج تنموية متكاملة بغرض النهوض بأوضاعهم الاجتماعية وهم الذين يعانون يوميا من العراقيل الإدارية والمساطر القانونية المعقدة التي تضيع بسببها حقوقهم وتهان كرامتهم فيما مواطنو الحظوة والمحسوبية تبسط لهم المساطر وتذلل أمامهم العراقيل؟ هذا هو البرنامج العام للحكومة : الزرواطة للمحتجين والمطالبين بالعيش الكريم ،والحظوة لعلية الموظفين والضباط ، والحماية للمفسدين والمرتشين وناهبي المال العام . إنه برنامج يتناقض مع المبادرات والخطط التنموية التي أطلقها الملك . ولعل الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى 55 لثورة الملك والشعب خير جواب على الذين يطالبون بصلاحيات دستورية أوسع للحكومة . إذ بعد أن تبين للملك ليس فقط عجز الحكومة عن وضع تصور شمولي للنهوض بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية للفئات الشعبية وإطلاق ديناميكية تنموية فعالة ، بل إهمالها لأوسع الفئات الشعبية ، بادر إلى وضع برنامج محدد أمام الحكومة للسهر على تنفيذه . لقد برهن الملك مرة أخرى أنه فعلا "ملك الفقراء" ينبه الحكومة إلى قضاياهم ومعاناتهم بعد أن أغفلتها ـ الحكومة ـ أو تنكرت لها وهي التي لم تتخذ أي إجراء قصد التخفيف عنهم ، وفعلها الملك عبر سلسلة من الإجراءات التي تضع ما بقي من مصداقية للحكومة على محك المواطنة . للحديث بقية
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجراء الفصل بين الديني والس
...
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(3)
-
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(2)
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجرأة الفصل بين الديني والس
...
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الديني والسياسي (3) .
-
متى تضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(1)
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (2).
-
أزمة التعليم من أزمة تدبير الشأن العام .
-
متى يصبح القانون هو ملجأ كل المواطنين وحامي حقوقهم؟
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (1).
-
الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا .
-
الأمان نعمة يزعزعها الإرهابيون ويفرون لطلبها .
-
لنقطع مع ثقافة التيئيس والتبخيس .
-
لما تصبح التهدئة انتصارا .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
المزيد.....
-
وقف إطلاق النار في لبنان.. اتهامات متبادلة بخرق الاتفاق وقلق
...
-
جملة -نور من نور- في تأبين نصرالله تثير جدلا في لبنان
-
فرقاطة روسية تطلق صواريخ -تسيركون- فرط الصوتية في الأبيض الم
...
-
رئيسة جورجيا تدعو إلى إجراء انتخابات برلمانية جديدة
-
وزير خارجية مصر يزور السودان لأول مرة منذ بدء الأزمة.. ماذا
...
-
الجيش الإسرائيلي يعلن تدمير بنى تحتية لحزب الله في منطقة جبل
...
-
برلماني سوري: لا يوجد مسلحون من العراق دخلوا الأراضي السورية
...
-
الكرملين: بوتين يؤكد لأردوغان ضرورة وقف عدوان الإرهابيين في
...
-
الجيش السوري يعلن تدمير مقر عمليات لـ-هيئة تحرير الشام- وعشر
...
-
سيناتور روسي : العقوبات الأمريكية الجديدة على بلادنا -فقاعة
...
المزيد.....
-
عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية
/ مصطفى بن صالح
-
بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها
/ وديع السرغيني
-
غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب
/ المناضل-ة
-
دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية
/ احمد المغربي
-
الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا
...
/ كاظم حبيب
-
ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1)
/ حمه الهمامي
-
برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب
/ النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
-
المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة
/ سعاد الولي
-
حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب
/ عبدالله الحريف
-
قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس
/ حمة الهمامي
المزيد.....
|