أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - مقولات الديالكتيك الماركسي: الضرورة والصدفة















المزيد.....

مقولات الديالكتيك الماركسي: الضرورة والصدفة


خليل اندراوس

الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 08:35
المحور: ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية
    


ذات مرة أخذ العالم الفرنسي أنطوان بكيريل (1852-1908) من الفيزيائي المشهور بيير كوري (1859-1906) كمية صغيرة من الراديوم لكي يعرضه على طلبته في المحاضرة. وقد وضع الأنبوب الذي يحتوي على الراديوم في جيب صدريته. بعد بضعة أيام، شاهد بكيريل على جلده مقابل جيب الصدرية احمراراً يشبه شكل الأنبوب المليء بالراديوم. إن هذه الحادثة العرضية كانت سبباً لدراسة تأثير أشعة الراديوم على عضوية الإنسان فهل ينجم من هذا أنه لو لم تكن هذه الصدفة لما عرف الناس أي شيء عن المرض الإشعاعي؟ عن قدرة الراديوم على الفتك! هنالك رأيان يقول البعض أن كل شيء في العالم ضروري وليس هناك أي شيء صدفي. أما البعض الآخر فيقول على العكس أن كل شيء في العالم صدفي.
ولكن واضح بأن هؤلاء وأولئك غير محقين لأنهم يفصلون الصدفة عن الضرورة إحداهما عن الأخرى.
مثلاً على ما يقوم اعتقادنا بأن الشمس ستشرق بعد الليل ويأتي النهار؟ ان هذا الاعتقاد يقوم على المراقبة العملية وعلى تجربة قرون وقرون، على معرفة قوانين الطبيعة. فتناوب الليل والنهار يسببه دوران الأرض حول محورها، وتناوب أوقات السنة يسببه دوران الأرض حول الشمس. إن المقولة الفلسفية, الضرورة, تدل على هذه الصلة المتبادلة الدائمة بين الظاهرات. فالضرورة ليست ما قد يكون أو قد لا يكون، بل هي ما لا بد أن يكون بكل تأكيد، لأنه ناتج عن أسباب عميقة، ولذا ينبثق من الطبيعة الداخلية نفسها للظاهرات.
ولكن هل توجد الصدف؟ هنا يمكن البدء من سرد مثل وقع إنسان في كارثة سيارة فأودت الصدفة بحياة إنسان. لماذا نسمي مثل هذه الظاهرات صدفاً؟
يمكن للحادثة الصدفية أن تقع، ولكنها قد لا تقع أيضاً. فهل أن حياة الإنسان بالضرورة مقضي عليها يا ترى، بأن تنتهي حتماً بكارثة سيارة؟ كلا بالطبع. إن مثل هذه الحوادث لا يجوز تسميتها بالحوادث الضرورية. إنها صدف ذلك لأن المجرى الداخلي لتطور هذه الظاهرة بأكمله لم يؤد إلى ما حدث، الى ما قد تم. مثلاً هل هو صدفي أم ضروري، مثلاً هلاك بستان فاكهة بسبب الإعصار؟ للإعصار بالطبع أسبابه. ولكن هل كان من شأنه أن يؤدي حتما الى هلاك البستان؟ كلا واليكم لماذا. لا يحدث الإعصار بلا أسباب. غير أن هذه الأسباب كانت بالنسبة لهذا البستان خارجية عابرة، غير منبثقة من الظروف الجوهرية لنمو البستان. لذا كانت الحادثة نفسها صدفية. إن هلاك البستان لم يكن أكيداً على الإطلاق. وفعل الإعصار أزاء هذا البستان هو صدفي، رغم أن مثل هذه الصدف كثيراً ما تحدث.
يتضح مما قيل أن الصدفة والضرورة متضادتان إحداهما للأخرى. ولكن هل ينبغي أن نستنتج من هذا أنه ما من جامع يجمع الصدفة والضرورة؟
الفلاسفة الميتافيزيقيون يتبنون موقف جامد غير متغير يقول بأن ما هو ضروري لا يمكن أن يكون صدفياً، وما هو صدفة لا يمكن أن يكون ضرورياً ولكن هل الأمر كذلك؟
إن بين الصدفة والضرورة الكثير المشترك في الحياة، في الواقع، إنهما وثيقتا الارتباط فيما بينهما. ويستحيل فصلهما، إحداهما عن الأخرى. وينبغي دائماً على المرء أن يتمكن من أن يرى وراء الصدفة الضرورة، الظروف التي تنمو على أساسها الصدفة فلذلك لا توجد في الطبيعة والمجتمع ظاهرات ضرورية "فقط" أو ظاهرات صدفية "فقط". إن هذه وتلك توجد معاً في الواقع الحقيقي، متداخلة بعضها ببعض، فالضرورة من الممكن أن تتجلى في شكل صدفة.
وليس من الصدفة أن شجر المانجو ينمو في المناخ الحار. أما أن لكل شجرة هذا القدر من الأوراق ولكل من هذه الأوراق حجمها وشكلها، فإنه قد توقف على كثرة من الظاهرات الصدفية، بما في ذلك عدد قطرات المطر التي سقطت عليها والرياح التي هبت عليها وما الى ذلك. نستخلص من هذا أن الصدفة والضرورة هنا متشابكتان. كذلك يعتبر الميتافيزيقيون أن للظاهرة الضرورية سببها، أما الصدفة فلا سبب لها برأيهم. ولكن ما من ظاهرة يمكنها أن تنشأ بدون سبب وللظاهرة الصدفية سببها أيضاً. فما هو الفرق إذن بين الضرورة والصدفة؟؟
الفرق هو بأن السبب في الظاهرة الضرورية يظهر كشيء ما داخلي. أما بالنسبة للظاهرة الصدفية فإنه أي السبب شيء ما خارجي حيالها.
مثلاً، ان نقص المؤن بالنسبة للسكان في البلدان المتخلفة مرتبط بالتطور الاقتصادي الضعيف في هذه البلدان الموروث عن الماضي الاستعماري. وهذا هو سبب داخلي لهذه الظاهرة الموضوعية، أي نقص المؤن في هذه البلدان. غير أن كمية المؤن قد تتقلص تحت تأثير أسباب خارجية صدفية مثل الفيضان وانفجار البراكين الزلزال أو الإعصار إلخ...
وهكذا يعتبر الفهم الديالكتيكي الماركسي للصدفة، بأن لكل شيء في العالم سببه ويتطلب في الوقت نفسه التمييز بين الأسباب الصدفية، أي التي يمكن أيضاً ألا تكون، والأسباب الضرورية، أي المنبثقة من العمليات الداخلية لتطور الظاهرات الجارية. ولذا ليست كل ظاهرة مشترطة سببياً تنبثق بالضرورة كما يفكر الميتافيزيقيون. ان المادية الديالكتيكية الماركسية التي تعترف بأن كل شيء في العالم مشترط سببياً، تقر كذلك بالصدفة، والتي تحدث عادة عن أسباب خارج الظاهرة والحدث. لذلك علينا أن لا نركن الى الصدف بل علينا أن نخوض نضالاً عميقاً ومتجدداً في دراسة قوانين تطور الطبيعة والمجتمع، لأننا لا نستطيع أن ننتظر الصدف وهبات من الطبيعة، بل مهمة العلم هي انتزاع هذه الهبات من الطبيعة.
ومع كل هذا باستطاعتنا دراسة الظاهرات الصدفية وإيجاد قانون وجودها فمثلاً الفيزياء المعاصرة بدراستها حركة الالكترونات وغيرها من الجسيمات في الذرة، قد اكتشف بالضبط أن حركة الجسيمات المجهرية تحضع للسنن الإحصائية. ولذلك نرى أن العلم المعاصر لا يدرس الظاهرات الضرورية فحسب، بل الظاهرات الصدفية كذلك. كثيرة هي الصدف التي تحمل الخير للإنسان، ولكن هناك صدف تحمل معها اللوعة والآلام. مثل الرياح التي تهب من الصحاري، والجفاف، والفيضانات وغيرها من النكبات الطبيعية. إلا أن العلم يسعى للحد من مفعولها على أساس دراسة ضرورة سننها. فكيف يمكن الحد من مفعول ما لا يعتمد على الإنسان؟ إن القضاء على الصدف هو بالفعل أمر هيهات أن يتسنى تحقيقه دوماً. أما القضاء على أفعالها غير المرغوب فيها، فهو أمر ممكن وضروري. فمثلاً ري الحقول وتسميدها واستخدام الطرق الزراعية الحديثة يحمي الزراعة من الصدف المضرة. وهكذا فإن الإنسان غير عاجز أمام مفعول الصدف غير المرغوب فيها. إنه يملك إمكانيات شل قوتها المدمرة أو اقتصارها إلى الحد الأدنى.


* نائب رئيس لجنة المراقبة المركزية للحزب الشيوعي الإسرائيلي



#خليل_اندراوس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاقتصاد السياسي الرأسمالي من آدم سميث الى تأليه السوق الحرة
- الروابط الإسرائيلية مع المحافظين الجدد، والحرب على العراق
- النظرية الماركسية والثورة الاجتماعية
- المادية الديالكتيكية: ما هي المادة؟ المادة وأشكال حركاتها
- خواطر
- المادية الديالكتيكية: ما هي المادة
- المكون الأول للفلسفة الماركسية- المادية الفلسفية: المادية ال ...
- المادية الماركسية
- الفلسفة المثالية الألمانية
- النضال ضد الصهيونية جزء مهم من النضال ضد الامبريالية
- ماركس من النظرية إلى التطبيق (1846- 1848)
- تطور الإشتراكية من طوباوية إلى علمية: ماركس من الطوباوية إلى ...
- من -الخطر الشيوعي- إلى -الخطر الإسلامي- - خدعة الإعلام الرسم ...
- نقد يهودية الدولة من وجهة نظر ماركسية
- العراق- مذبح هيمنة رأس المال وكهنة الحرب
- الماركسية فلسفة إنسانية
- الاشتراكية الطوباوية والاشتراكية العلمية
- الأهمية العالمية لثورة أكتوبر
- بعض أقوال هيجل وفلسفته السياسية!
- نقد الهيجلية من وجهة نظر ماركسية


المزيد.....




- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأوروغواي
- اليساري ياماندو أورسي يفوز برئاسة الأورغواي خلال الجولة الثا ...
- حزب النهج الديمقراطي العمالي يثمن قرار الجنائية الدولية ويدع ...
- صدامات بين الشرطة والمتظاهرين في عاصمة جورجيا
- بلاغ قطاع التعليم العالي لحزب التقدم والاشتراكية
- فيولا ديفيس.. -ممثلة الفقراء- التي يكرّمها مهرجان البحر الأح ...
- الرئيس الفنزويلي يعلن تأسيس حركة شبابية مناهضة للفاشية
- على طريق الشعب: دفاعاً عن الحقوق والحريات الدستورية
- الشرطة الألمانية تعتقل متظاهرين خلال مسيرة داعمة لغزة ولبنان ...
- مئات المتظاهرين بهولندا يطالبون باعتقال نتنياهو وغالانت


المزيد.....

- الثورة الماوية فى الهند و الحزب الشيوعي الهندي ( الماوي ) / شادي الشماوي
- هل كان الاتحاد السوفييتي "رأسمالية دولة" و"إمبريالية اشتراكي ... / ثاناسيس سبانيديس
- حركة المثليين: التحرر والثورة / أليسيو ماركوني
- إستراتيجيا - العوالم الثلاثة - : إعتذار للإستسلام الفصل الخا ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية(أفغانستان وباكستان: منطقة بأكملها زعزعت الإمبر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- رسالة مفتوحة من الحزب الشيوعي الثوري الشيلي إلى الحزب الشيوع ... / شادي الشماوي
- كراسات شيوعية (الشيوعيين الثوريين والانتخابات) دائرة ليون تر ... / عبدالرؤوف بطيخ
- كرّاس - الديمقراطيّة شكل آخر من الدكتاتوريّة - سلسلة مقالات ... / شادي الشماوي
- المعركة الكبرى الأخيرة لماو تسى تونغ الفصل الثالث من كتاب - ... / شادي الشماوي
- ماركس الثورة واليسار / محمد الهلالي


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية - خليل اندراوس - مقولات الديالكتيك الماركسي: الضرورة والصدفة