رفعت فكري سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2397 - 2008 / 9 / 7 - 08:32
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
فاجأتنا نقابة الأطباء المصرية باقتراح طائفي يحظر نقل الأعضاء بين المسيحيين والمسلمين, وفي تبرير سخيف للاقتراح كتب الدكتور حمدي السيد نقيب الأطباء وصاحب الاقتراح العنصري البغيض مقالاً في جريدة الدستور الصادرة في 18/8/2008 قال فيه ( مراجعة بما حدث خلال عام 1997 وجدنا أن هناك 51 متبرعاً مسلماً من فقراء المسلمين وليسوا من متوسطي الحال أو من المتحدثين عن حقوق الإنسان أو الداعين للوحدة الوطنية تبرعوا لمرضى من الأقباط الأثرياء وأن هناك خمسة من فقراء الأقباط وليسوا من المتحدثين باسم الكنيسة أو أصحاب الياقات البيضاء متبرعين لأثرياء المسلمين ). وهذا الاقتراح العنصري الذي اقترحه سيادة النقيب ذكرني بما حدث عام 1999 عندما فاجأ أحد نواب مجلس الشعب وهدد بإثارة أزمة في المجلس إذا تم إقرار قانون تنظيم عمليات نقل الدم قبل استشارة المفتي في شرعية جواز نقل الدم من مسلم إلى مسيحي أو العكس. وتعليقاً على هذه العنصرية البغيضة لنا بعض الملحوظات:-
أولاً :- يخطئ من يظن أن التعصب موجود فقط في الأوساط الشعبية أوبين الأميين فالواقع يؤكد أن النخبة من المتعلمين والمثقفين مصابة بداء العنصرية والتعصب ورفض الآخر والتمييز بين المصريين على أساس الدين والجنس, فالطبيب في تراثنا الشعبي يطلق عليه ( الحكيم ) والطبيب في الأغلب الأعم هو الأكثر علماً ونبوغاً, ولكن هذا ماآلت إليه الأحوال داخل نقابة الأطباء ( الحكماء ) لقد حدثت ردة فكرية وانتشار للدجل والخرافة فهناك أطباء يعالجون مرضاهم إما بالحجامة وإما بالأعشاب , وهناك من يمارسون عملية البتر التناسلي للإناث دون وازع من ضمير, ومن بين فئة الحكماء خرج الدكتور أيمن الظواهري كبير قادة تنظيم القاعدة, ومن سيادة النقيب الحالي خرج هذا الاقتراح الطائفي البغيض الذي يكرس التعصب والتمييز ورفض الآخر.
وداخل البرلمان ليست الأمور أفضل حالاً فهناك من يعترض على عبارة ( بسم الله الذي نعبده جميعاً ) وهناك من يعترض على نقل الدم من مسلم لمسيحي والعكس, وهكذا يفكر بعض السادة أصحاب الأرواب البيضاء وبعض الجالسين على قمة الجهاز التشريعي وهكذا يسعون إلى إثارة الفرقة والبغضاء بين أبناء الوطن الواحد , وكنا نتوقع من هؤلاء المسؤولين الحكمة والتريث والتعقل والنظرة الشاملة وما كنا ننتظر منهم مطلقاً أن ينخروا مثل السوس في عظام الوطن وينسفوا الأولويات ويدمروا الثوابت ويمزقوا نسيج الوطن ويفكروا بصبيانية ويتصرفوا بتعصب أعمى وعنصرية بغيضة.
ثانياً :- الاقتراح الذي أقترحه سيادة نقيب الأطباء, وما حدث منذ عدة شهور في نقابة الصحفيين عندما تصدى أحد أعضاء مجلس النقابة وستة من زملائه لمنظمى مؤتمر حركة (مصريون ضد التمييز الديني ) ومنعوهم بالقوة وبالعصي والشوم من الدخول, وما يحدث داخل الكثير من النقابات يضع الكثير من علامات الاستفهام حول هذه النقابات ومجالسها ودورها وأنشطتها, فهل هناك أفكار ظلامية وافدة تسللت إلى هذه النقابات؟!! وهل هناك تيار منغلق متعصب سيطر على هذه النقابات؟!! وهل تركت هذه النقابات مهامها الأساسية وتفرغت لبث سموم الفتنة بين أبناء الوطن الواحد, وانتهاك حقوق الإنسان؟!! هل تركت هذه النقابات مهامها الأساسية في الارتقاء بمستوى المهنة ومحاسبة المخطئين وتفرغت للسياسة الخارجية وسب أمريكا واسرائيل مع أن هذا ليس من مهام النقابات؟!! إن الدور المشبوه الذي تقوم به بعض النقابات في مصر يجعلنا ندق ناقوس الخطر ونتساءل إلى أين تتجه مصر؟!!
ثالثاً :- العذر الذي برر به الدكتور حمدي السيد اقتراحه البغيض أقل ما يقال عنه إنه عذر أقبح من ذنب, فسيادة النقيب يقول (أن هناك 51 متبرعاً مسلماً من فقراء المسلمين تبرعوا لمرضى من الأقباط الأثرياء وأن هناك خمسة من فقراء الأقباط متبرعين لأثرياء المسلمين ) - وبغض النظر عن عدم الدقة وتضارب الأرقام الذي ورد على لسان النقيب في العديد من الصحف فتارة يقول 51 متبرعاً مسلماً وتارة أخرى يقول 47 متبرعاً مسلماً – لست أدري ماذا كان سيكون موقف النقيب لو تبدلت الأرقام وزاد عدد المتبرعين المسيحيين عن عدد المتبرعين المسلمين , هل كان السيد النقيب سيتقدم باقتراحه هذا؟!! فضلاً عن هذا, فإن هذا العذر يؤكد أن سيادة نقيب الأطباء لاينتهج المنهج العلمي في التفكير!! فهو يفكر كما يفكر الأصوليون, ويظن أن معظم مسيحيي مصر هم الأغنياء وأن معظم مسلمي مصر هم الفقراء, وبالتالي سيستغل المسيحيون فقر المسلمين ويأخذون أعضاءهم مقابل المال !! ما هذا الهراء ؟!! هل حقاً معظم مسيحيي مصر من الأغنياء ؟!! وهل حقاً معظم مسلمي مصر من الفقراء ؟!! أليس هذا ما يردده المتشددون والأصوليون ؟! أهكذا يكون التفكير العلمي يا سيادة نقيب الأطباء يا كبير الحكماء؟!!!
رابعاً :- إننا نتفق مع النقيب في رفضه لبيع الأعضاء, ولكن ألا يمكن أن يحدث هذا البيع بين مسلمين ومسلمين , وبين مسيحيين ومسيحيين؟!! إذاً فما الداعي لهذا الاقتراح الذي يسكب البنزين على النيران في وقت عصيب لا يحتمل أي توتر ؟!! من حق النقابة أن تطالب بالتصدي لتجارة الأعضاء، وفي حالة التبرع يكون أمامنا المعيار الوطني أو الإنساني، لكن السيد النقيب نحى جانباً معيار المواطنة والدولة المدنية، وضرب عرض الحائط بالمعيار الإنساني العام واستحضر فقط المعيار الديني ، بل وفي صورته الطائفية، متشدقاً بحماية الفقراء من الأغنياء.
خامساً :- هل خشي سيادة النقيب من عدم دخول العضو المتَبَرع به من مسلم لمسيحي للجنة, نظراً لأنه في جسد كافر والكافر مآله جهنم وبئس القرار؟!! أو هل خَشي النقيب على المواطن المسلم من عدم دخوله الجنة نظراً لأنه يحمل في جسده عضو من مواطن مسيحي كافر؟!!!
سادساً :- لقد أهان نقيب الأطباء شعب مصر بقوله المنشور في جريدة روزا اليوسف 13 /8 /2008 ( إن المجتمع المصري لم يصل لهذه الدرجة من العطاء والإنسانية بحيث يتبرع مختلفو الديانة كل منهم للآخر ) ولست أدري من أين جاء سيادة النقيب بهذه المعلومة الخاطئة؟! ثم هل التعميم بهذا الشكل يتفق والمنهج العلمي في التفكير؟!!
يا سيادة النقيب .. إن روح العطاء لا تزال موجودة عند المصريين مسلمين ومسيحيين, فقد ذكر الأستاذ حلمي النمنم قصة في عموده الشهير بجريدة المصري اليوم الصادرة في 20 /8/ 2008 فقال:" قبل حوالي شهر أطلعني أحد عمال الطباعة بمؤسسة دار الهلال على أن ابنة أخته بحاجة إلي زراعة فص كبد، والمشكلة أن فصيلة الدم لديها (O) وهي فصيلة نادرة، لم يجدوا بين أسرتها من يصلح وأخيراً تقدم صديق للعائلة للتبرع، لأن فصيلة دمه (O) وفي اللحظة الأخيرة، رفضت النقابة إتمام التبرع، لأن المتبرع مسلم والمتبرع لها مسيحية، وهي فتاة في السادسة عشرة من عمرها، وهما من مستوي اقتصادي متقارب جداً فقد أراد هذا الشاب إنقاذ حياة فتاة بريئة! ". فبهذه الروح تقدم الشاب المسلم متبرعاً لفتاة مسيحية, هي في نظره إنسانة أولاً وأخيراً.
وأكدت ذات المعنى الأستاذة فريدة الشوباشي في جريدة المصري اليوم الصادرة يوم 21/8/2008 في معرض تعليقها على الاقتراح الكارثة فقالت : "وأشير فقط إشارة عابرة إلي «تناسي» النقيب عمليات نقل الأعضاء البشرية من غير المسلمين إلى المسلمين في عواصم عديدة من العالم، ومن أصحاب الأعضاء المنقولة يهودًا ومسيحيين وبوذيين وغيرهم، وهذا هو المفزع في «اقتراح» الرجل الذي خطا خطوة غير مسبوقة ولا متصورة في شق الوحدة الوطنية، فحتى الحالات التي تحدث عنها، والتي لا تتجاوز الستين حالة بين أصحاب الديانتين، لا تستحق استصدار قانون شديد العنصرية، وبالغ الخطورة لما يقرب من ثمانين مليون مصري ".
سابعاً :- أخشى ما أخشاه أن نضع على أكياس الدم علامة الهلال أو الصليب, أو نكتب على الأكياس مسيحي أو مسلم أو بهائي أو ملحد !! إن اقتراح سيادة النقيب يقودنا إلى هذا التفكير, كما لا أستبعد أبداً أنه عندما يأتي الوقت الذي توافق فيه مصر على زراعة الأعضاء أن يمنع الأصوليون نقل عضو المسيحي المتوفى إلى المسلم الحي المحتاج إليه, أوالعكس!! إنه لأمر بشع أن تمتد هذه الرؤية العنصرية المعادية لحقوق الإنسان، ولكل القيم والأعراف الإنسانية إلى هذا الحد الكريه!!!
ثامناً :- إن جوهر الدين في حقيقته يدعو للبذل والعطاء, ويفضل الإيثار على الإثرة, كما أن جوهره أيضاً يدعو للأهتمام بالآخر بغض النظر عن جنسه أو لونه أو دينه أو عقيدته, فمن يحب الله محبة حقيقية يعتبر كل إنسان بمثابة أخ له في الإنسانية مهما كانت الاختلافات سواء كانت دينية أو عرقية أو مذهبية أو غيرها, فكيف نعبد الله الواحد الرحيم وننزع من قلوبنا الرحمة؟!! إنه سبحانه يريد رحمة لا ذبيحة (قربان العبادة).فطوبى للرحماء لأنهم يُرحمون فهكذا علمنا السيد المسيح, ياملاك الرحمة!!
وختاماً :- يا سيادة النقيب ..إن مهنة الطب مهنة الإنسانية الرحيمة الراقية, فلا يجوز للطبيب بأي حال من الأحوال أن يتعامل مع المريض وفقاً لجنسه أو دينه, أو لونه أو عرقه. فليت نقابة الأطباء تعود إلى دورها الإنساني الأصيل بدلاً من أن تنحشر في منعطفات خلافية كقضايا السياسة الخاجية, وبدلاً من تتحول من نقابة للأطباء إلى دار للأفتاء!!
#رفعت_فكري_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟