|
غياب الضمانات القضائية في المعتقلات الامريكية
اياد محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2396 - 2008 / 9 / 6 - 04:13
المحور:
دراسات وابحاث قانونية
الاضرار التي تنشاء من دخول قوات اجنبية الى بلد ما كثيرة ومتنوعة ... التاريخ يحدثنا عن تجارب مريرة خاضتها الشعوب التي خضعت لسيطرة هذه القوات ... في العراق اتسعت دائرة الضرر لتصيب مفاصل مهمة في حياة الانسان العراقي ولم تكن حريته الشخصية بمنئى عن محيط تلك الدائرة حيث تعرض الالاف من العراقيين للاعتقال من قبل القوات الامريكية و بقي ملف المعتقلين لدى هذه القوات ملفوفا بالغموض والضبابية من جميع الجوانب ...سواء المتعلق منها بعدد المعتقلين وحجم معاناتهم وهم داخل تلك المعتقلات ...او بالطريقة التي يتم من خلالها محاكمتهم عن التهم المنسوبة اليهم ...بعض المعتقلين يعتقل ويطلق سراحه لاكثر من مرة...وبعض العوائل يتم اعتقال رجالاتها بالكامل دون تمييز بين مطلوب وغير مطلوب اوبين صغير وكبير ما يجعل القوات الامريكية تتسم بالعشوائية وعدم التنظيم وهي تفرض القيود على حرية الانسان العراقي الحرية التي من المفترض ان تكون حمايتها الغاية الاساسية من عملية التدخل العسكري لاحداث التغيير في النظام السياسي .
السند القانوني للاعتقال
تستند القوات الامريكية في جميع عمليات الاعتقال التي تقوم بها الى اتفاقية جنيف الرابعة لحماية الاشخاص المدنيين في وقت الحرب المؤرخة في 12 اب 1949 حيث نصت المادة المادة 41 (إذا رأت الدولة التي يوجد الأشخاص المحميون تحت سلطتها أن تدابير المراقبة الأخرى المذكورة في هذه الاتفاقية غير كافية، فإن أشد تدابير رقابة يجوز لها اللجوء إليها هي فرض الإقامة الجبرية أو الاعتقال وفقا لأحكام المادتين 42 و 43) وبالرجوع الى المادة 42 نجد انها تجيز اعتقال الاشخاص في حالة وجود ضرورة يتطلبها حماية امن الدولة المحمية بالاضافة الى هذه المواد فان القرار رقم 1546 لعام 2004 والصادر من الامم المتحدة وفر غطاء شرعيا لتطبيق بنود اتفاقية جنيف الرابعة في العراق ومن ثم اعطاء الحق لقوات الاحتلال لاعتقال الاشخاص المشكوك بهم اذ اعتبر القرار انف الذكر ان القوات الامريكية في العراق قوات احتلال وبموجبه تنازلت الحكومة العراقية عن جزء من سيادتها لهذه القوات واقر مبداء الشراكة الامنية الذي يعني مشاركة الدولتين في حفظ الامن وادارة شؤون المعتقلين الا ان هذا البمداء ضل بعيدا عن التطبيق اذ ان القوات الامريكية تنفرد في ادارة ملف الاعتقال بكل تفرعاته دون ان تترك اي مساحة من المشاركة للحكومة العراقية .
وبالتمعن في نص المادة (42) نجد ان معايير الاعتقال مطاطة وغير محددة وتوفر مساحة واسعة للقوات المحتلة لالقاء القبض على اي شخص تحت ذريعة وجود ضرورة امنية وكان الاولى بواضع هذا النص ان يشير الى معيار اكثر وضوح ولا يترك الامر مفتوحا كان يكون المعيار لالقاء القبض والاحتجاز هو ارتكاب الشخص لجرم مشهود ...او حيازة مواد ممنوعة او او غيرها من المعايير التي تجعل من عملية الاحتجاز مقيدة بضوابط واضحة كيف تتم محاكمة الاشخاص المحتجزين
يتم القاء القبض على المعتقلين في اغلب الاحيان بالاستناد الى معلومات اخبارية من مخبرين سريين يودع بعدها المعتقلون في الحجز ويتم تصنيفهم ويمنحون ارقام يتم التعامل معهم على اساسها ويرسلون اما الى معتقل كروبر او معتقل بوكا. وقد اعطت المادة 43 للاشخاص المعتقلين حق طلب اعادة النظر بالقرارات التي اتخذت بشانهم من خلال محكمة او لجنة ادارية تنشئها الدولة الحاجزة على ان تقوم هذه الدولة بتقديم كشف مفصل الى الدولة المحمية يتضمن اسماء المعتقلين ونوع القرار المتخذ بشانهم وعلى هذا الاساس تم تشكيل لجان للنظر في ملفات المعتقلين وتقرير مصيرهم .
اللجان الخاصة بنظر الملفات استنادا الى اتفاقية جنيف الرابعة تم تشكيل لجان مشتركة للنظر في ملفات المعتقلين واصدار القرارات بشئنها . اللجنة الاولى تختص بالنظر بملفات المعتقلين الذين لم يمضوا في الاحتجاز اكثرمن ثمانية عشر شهرا وتتكون من مجموعة اعضاء يمثلون وزارات العدل والداخلية وحقوق الانسان وكذلك اعضاء من القوات الامريكية مع مترجم يتولى عملية الترجمة , اما اللجنة الاخرى فهي التي تنظر ملفات من امضى في الاحتجاز اكثر من ثمانية عشر شهرا وتتكون من اعضاء يمثلون نفس الوزارات المذكورة انفا اضافة الى ممثل عن رئاسة الوزراء وتعقد هذه اللجان اجتماعات دورية وتنظر في كل اجتماع ملفات لمجموعة من المعتقلين وتبداء العملية بقراءة موجزة عن اسباب الاعتقال ومعلومات شخصية عن المحتجز ونبذة عن سير التحقيق والمواد المضبوطة مع المتهم والتهمة الموجهة له مع راي المحقق وتوصيته اللجنة بعد ذلك تتم عملية التصويت حيث يصدر القرار بالاغلبية , والقرار يكون اما بالافراج او اطلاق السراح بكفالة او تمديد فترة الحجز . هذه الالية كانت سببا رئيسا في عدم موضوعية الكثير من القرارات التي اصدرتها اللجان وكذلك عدم عدالتها اذ افرجت عن الكثير من المجرمين وابقت في المعتقل على الكثير من الابرياء الذين اتت بهم التقارير الكيدية وذلك للاسباب الاتية : 1-الاعضاء الذين يتخذون القرارات ليسو بالقضاة وهم في احسن الاحوال من الحقوقيين الذين لا يمتلكون مؤهلات واساسيات الحكم واصدار القرار . 2- اللجان تصدر قراراتها بمجرد الطلاع على الملف واستنادا الى ما يعرضه الجانب الامريكي من معلومات اذ ليست هناك نسخة مترجمة من الملف الى اللغة العربية . 3- تصدر اللجان قراراتها دون مواجهة المتهم ومسالته ودون اعطائه الحق القانوني والانساني للدفاع عن نفسه والرد على التهم الموجه اليه . 4-يملك الجانب الامريكي الفيتو على قرارات اللجان اذ ان قرارات اطلاق السراح التي لا تلائم قناعات هذا الجانب لا يتم تنفيذها . 5- يصل عدد الملفات المنظورة في اليوم الواحد من (50) الى (100) ملف في جلسة لا تتجاوز الخمس ساعات وهي فترة وجيزة يستحيل معها الجمع بين كثرة الملفات المنظورة من جهة وعدالة القرارات وموافقتها للقانون ولاحتياجات الوضع الامني من جهة اخرى. ورغم ان المادة (72) من الاتفاقية اعطت الحق للمتهم بتقديم ادلة والاستعانة بشهود وكذلك الاستعانة بمحامي للدفاع عنه الا ان ما يجري عليه العمل في المعتقلات الامريكية خلاف ذلك تماما اذ ان كل ما يمتلكه المعتقل هو الاجابة على اسئلة المحققين دون ان يعطى له الحق بتقديم ادلة من اي نوع بما فيها الشهود اما الحديث عن توكيل محامي فليس الا ضرب من الخيال , صحيح ان القوات الامريكية لا تمنع دخول المحامين صراحة الا ان تعقيد اجراءات الدخول وتصديق الوكالات وانعدام التسهيلات المقدمة للمحامين ادت الى عزوفهم عن التوكل في مثل هذه القضايا اذ لا احد من المحامين يستطيع ان يلج ذلك العالم المجهول ليتسنى للمتهم توكيله .
انتهاك حقوق الانسان
ملف المتقلين لدى القوات الامريكية لا يخلو من انتهاكات لحقوق الانسان سواء باليات الاعتقال او بالطريقة التي تنظر بها ملفات المعتقلين وتحدد مصيرهم اذ ان العهد الدولي الخاص بحقوق الانسان المدنية والسياسية ركز على ضرورة توفير محاكمة عادلة لاي متهم وان من اهم ضروريات عدالة المحاكمة هي توفير محامي وتمكين المعتقل من تقديم ادلة برائته , كذلك يبرز انتهاك حقوق المعتقل في تاخير عرضه على قاض مختص او عرض ملفه على اللجنة المعنية اذ قد تصل هذه الفترة الى الثلاث اشهر بعد تاريخ الاعتقال وبعض المعتقلين يمضي سنوات دون ان توجه له تهمة ودون ان يتم التحقيق معه . الامر لم يقف عند انتهاك حقوق المعتقلين بل تعداه الى عدم الالتزام الكامل بمواد اتفاقية جنيف الرابعة اذ اوجبت المادة (39) منها على ان الدولة الحامية اذا فرضت على شخص محمي تدابير مراقبة من شانها ان تجعله غير قادر على اعالة نفسه وجب على هذه الدولة التكفل باحتياجات الشخص المعتقل والاشخاص الذين يعيلهم في حين نرى ان شيئا من هذا لم يتحقق اذ تعيش عوائل المعتقلين ظروف معيشية سيئة بسبب انعدام المعيل وعدم توفير كفالة معيشية بحسب ما نصت عليه اتفاقية جنيف الرابعة . مهما بلغت العناية المبذولة في سن قانون او اتفاقية ...وحتى وان كانت الصياغة القانونية للمواد جامعة ومانعة فان تطبيقها على ارض الواقع سيكشف الثغرات التي يعاني منها التشريع والحالات التي لم يقم النص القانوني بمعالجتها ...مما يستلزم اجراء تعديل يلائم احتياجات الواقع ...اتفاقية جنيف الرابعة وضعت عام 1949 كي تفرض التزامات على الدولة المحتلة ازاء رعاية الدولة المحمية وقد مر زمن طويل عليها ...مما يجعل بعض فقراتها غير ملائمة للتطبيق في الوقت الحالي وهذا يستلزم اخضاعها للتعديل كتلك التي تتعلق بالمعيار المتبع في جواز الاحتجاز والمواد المتعلقة بتشكيل لجان ادارية تقوم بدور المحكمة وتحدد مصير المعتقل اذ ان هذه اللجان تفتقر لابسط مقومات اصدار القرار العادل مما يجعل من وجودها بهذا الشكل هدرا للغاية من تشكيلها اذ القرارات غير العادلة قد تؤدي الى اخلاء سبيل المجرمين والسماح لهم بارتكاب الجريمة مرة اخرى . رغم ان هناك لجان من وزارة حقوق الانسان تزور معتقلات بوكا وكروبر وترصد الانتهاكات التي يتعرض لها المعتقلون ...ورغم ان الجانب الامريكي طبق الكثير من بنود اتفاقية جنيف الرابعة ...الا ان بقاء حال المعتقلين بهذه الحالة يمثل كارثة انسانية يجب معالجتها بالتنسيق المشترك بين الجانب العراقي والامريكي خصوصا وان المادة 7 من اتفاقة جنيف الرابعة اعطت الحق لدولة الاحتلال والدولة المحمية الاتفاق على تنظيم اي مسالة ترى الدولتان ضرورة تسويتها بكيفية خاصة . ويمكن للدولتان الاتفاق على ايجاد الية عمل لحسم وضع المعتقلين بصورة سريعة وعادلة في نفس الوقت عن طريق اشراك القضاء العراقي في نظر الملفات وتوفير المحاكمة العادلة بما ينسجم مع الضمانات التي تقدمها العهود الدولية لحقوق الانسان .
#اياد_محسن (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
العراق بالوان عربية
-
انا ابو لهب وامراتي حمالة الحطب
-
ابونة اسمر جنوبي بلون الاهوار
-
العراق ..وطن الاكراد ام جسر عبورهم
-
لبنان ..العراق..كركوك..ثلاثة اوجه لمشكلة واحدة
-
مدينة الصدر .. تصنع الثراء وتعيش الفقر
-
لي قطع من خشب ..الهو بها في اللعب ..
-
التيار الصدري وفتاوى ما بعد ثورة العشرين
-
مباراة بكرة القدم ..ام معركة طائفية..
-
لا تقبلوا القسمة على اثنين
-
هل العراق ما زال مراهقا ؟؟ !!
-
الخوف من الاستبداد
-
ملاكمة رجال الحرس الوطني لرجل معدم
-
طمطموها
-
مفوضية النزاهة وغياب الدور التثقيفي
-
الصحوة السياسية والخروج من النفق الطائفي
-
حبل المشنقة بانتظار المزيد
-
حكومة المالكي تراجع وانكار للحقائق
-
بلال ... الغائب الابرز عن المشهد العراقي
-
في ضوء اتفاقيتها مع المانيا واليابان افاق التعاون والصداقة ب
...
المزيد.....
-
سويسرا وسلوفينيا تعلنان التزامهما بقرار المحكمة الجنائية الد
...
-
ألمانيا.. سندرس بعناية مذكرتي الجنائية الدولية حول اعتقال نت
...
-
الأمم المتحدة.. 2024 الأكثر دموية للعاملين في مجال الإغاثة
-
بيتي هولر أصغر قاضية في تاريخ المحكمة الجنائية الدولية
-
بايدن: مذكرات الاعتقال بحث نتانياهو وغالانت مشينة
-
مذكرة توقيف بحق نتانياهو وغالانت: ما هي حظوظ تطبيق قرار المح
...
-
مؤسسات حقوق الإنسان الفلسطينية ترحب بالقرار التاريخي للمحكمة
...
-
الأمم المتحدة: مقتل عدد قياسي من موظفي الإغاثة في 2024 أغلبه
...
-
الداخلية العراقية تنفي اعتقال المئات من منتسبيها في كركوك بس
...
-
دلالات اصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق نتنيا
...
المزيد.....
-
التنمر: من المهم التوقف عن التنمر مبكرًا حتى لا يعاني كل من
...
/ هيثم الفقى
-
محاضرات في الترجمة القانونية
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
قراءة في آليات إعادة الإدماج الاجتماعي للمحبوسين وفق الأنظمة
...
/ سعيد زيوش
-
قراءة في كتاب -الروبوتات: نظرة صارمة في ضوء العلوم القانونية
...
/ محمد أوبالاك
-
الغول الاقتصادي المسمى -GAFA- أو الشركات العاملة على دعامات
...
/ محمد أوبالاك
-
أثر الإتجاهات الفكرية في الحقوق السياسية و أصول نظام الحكم ف
...
/ نجم الدين فارس
-
قرار محكمة الانفال - وثيقة قانونيه و تاريخيه و سياسيه
/ القاضي محمد عريبي والمحامي بهزاد علي ادم
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ اكرم زاده الكوردي
-
المعين القضائي في قضاء الأحداث العراقي
/ أكرم زاده الكوردي
-
حكام الكفالة الجزائية دراسة مقارنة بين قانون الأصول المحاكما
...
/ اكرم زاده الكوردي
المزيد.....
|