أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مازن لطيف علي - صناعة الكتاب والإشكال الثقافي في العراق















المزيد.....

صناعة الكتاب والإشكال الثقافي في العراق


مازن لطيف علي

الحوار المتمدن-العدد: 2395 - 2008 / 9 / 5 - 09:58
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


ظل الكتاب الورقي يتربع عرش التواصل الثقافي قبل وبعد اختراع الطباعة، ومازالت الدنيا تشهد بأن ثقافتنا هي الأغزر والأغني نتاجا في تاريخ الثقافات قبل الأزمنة الحديثة، بل هي من وضع الأساس لمشاعية الثقافة اليوم، وتداعى الأمر من سلسلة تراكمية للمنتج الفكري والإبداعي منذ أزمنة سومر والكتابة الأولى وبين الإنتقالة بين الطين والورق . ومازالت العراقيون يملكون حصة الأسد في مجمل المنتج التراثي العربي الإسلامي .فبالرغم مما نسمع من لغط عن تراجع أهمية الكتاب المطبوع فأن المطابع لاتزال تطبع كل يوم العديد من العناوين الجديدة والقديمة بطبعة جديدة، بمعنى ان الكتاب المطبوع لايزال هو الشكل السائد في تقديم المعرفة والابداع الانساني، والأمر اشبه بما حدث في النصف الثاني للقرن التاسع عشر حينما ظهر التصوير الشمسي (الفوتوغراف)، وظن الكثيرون أنه سوف يلغي فنون الرسم، لكن الرسم نهض من جديد بصور وطرق ومدارس شتى. كل ذلك يعني أن فتح نافذة جديدة للعلم والوسائل لايعني إلغاء الغايات، بالنتيجة الى فتح أبواب جديدة للإبداع وتوسيع الأفق الإبداعي.
أشاع التوجه العروبي للدولة العراقية منذ تأسيسها عام 1921 ولاسيما من خلال مشروع ساطع الحصري الذي توج بعد حين بتوجهات البعثيين وتطابق معها، بأن القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ. وبالرغم من معسول ما يظهره القول لحسني النوايا من أصحابنا، فأنه يضمر إبليسية مبطنة، ويقصد أن أهل العراق محض مستهلكين للفكر ولايمكنهم إبداع أو كتابة أو تفكير يطأ ملكة أهل القاهرة، وليس بإمكانهم نقل مهمة بيروت بين ظهرانيهم، وشراء مطابع تسعى الى إشاعة المطبوع النافع دون الرجوع الى وراء الحدود، ولاسيما ان الكتاب العراقيين اليوم يتربعون على سدة الإبداع في الثقافة العربية دون منازع. ولا يفوت اللبيب ما تكرسه هذه الأحجية من شعور بالدونية ونزعة للذيلية ويكسد بالنتيجة نزعة الإعتداد والثقة بالنفس.
وبرغم التعتيم والإدغام والإهمال وفوضى الأوضاع وتعكر ماء العراق الذي تصيد به هؤلاء بعد ان صالوا وتاجروا، لكن بحثا وحوصلة لكم وكيف المنتج الثقافي العربي سيدلنا دون عناء على كفة الميزان الإبداعي العراقي وفي كل المجالات، وحتى من لم يؤسس لها بعد في الثقافة العربية كما وليس للحصر في الآداب والفنون والعلوم.
وبسبب تلك التركة الشاذة التي أرادت للأخوة العرب قصب السبق والريادة والسيادة على حساب المنتج الوطني العراقي، فقد عانى العراق منذ عقود من صعوبة نشر وطبع وتوزيع الكتاب، فصناعة الكتاب في العراق مازالت تخضع لمعايير كثيرة أهمها ان يكون الكتاب ومؤلفه مواليا للسلطة ومدافع عنها ويحمل نفسها وخطابها، أو منتم حزبيا لها كي يكون مثل شاعر الجاهلية المنتمي للقبيلة والمترنم بالعصبية لها.
وبذلك احتكرت دور النشر الحكومية طبع الكتب وفق معايير معينة فخضعت دار الشؤون الثقافية وبيت الحكمة ودار المأمون ودار الحرية لرقابة صارمة، ومنعت أوحجبت الكثير من الكتب عن الظهور والإطلاع عليها، وهو هم جثم على كاهل المثقف العراقي الذي ينوء حتى اليوم بثقل كم المخطوطات في محفوظاته، والتي لم يجد لها متنفساً وتواصلاً مع قارئ، يشكل من خلالها حلقة التواصل وحلقة (الشيخ والمريد) بما يصب في مغازي الإرتقاء بالفكر والمعلومة التي تحتاجها الشعوب في مشاريعها النهضوية. وكم فقدنا بموت علمائنا ما كان يمكن أن يكون نافعا لنا في مشروعنا النهضوي، الذي لانريده أن يكون محض مبادرة ذاتية وإرتجالية و نابعا من جموح وطموح بل يكون مؤسساتيا وعاقلا ومدركا موقعه وحقيقته ومهامه وأبعاده.
وهكذا لم تعط لدور النشر الاهلية هامش المبادرة والدلو في تلك العتمة والتعتيم المقصود، فقد كانت في سبعينيات القرن العشرين موجودة لكنها قليلة جداً واختفت هذه الدور بسبب الأوضاع الاقتصادية للعراق ومن جراء الرقابة الأمنية التي منعت إصدارات ومشاريع رائعة كان يمكن تؤسس لأنعتاق ثقافي من التبعية للآخر، بل وتصنع من العراق بؤرة إشعاع تحتاجه الثقافة العربية المترنحة اليوم، وهكذا فأن من أراد أن يقزّم الثقافة العراقية أساء بالنتيجة للثقافة العربية عموما وأضرها بالصميم، بعدما تبجح بنصرتها والحمية عليها.
ونتذكر جميعا كتاباً ووراقين وقراء المصاعب التقنية المتعلقة بقدم الأجهزة والمطابع الموجودة في العراق بعدما أنحسرت صلاتها مع العالم إبان الحصار الكافر الذي حرم العراقيين من الإنفتاح على الثورة المعلوماتية التي كانت في بواكير تداولها وصعودها، والأهم انخراط الطباعة في العالم الرقمي، الذي فتح لها أفاقا لم تكن في الحسبان، وأمسى اليوم متداول الطرق التقليدية القديمة في عالم الطباعة شاذاً ومتخلفاً.
لقد عم خراب الحصار الذي فرضه الغربيون والعرب والأمم المتحدة على العراق، والذي لم يمس السلطة والطاغية بل مس المجتمع العراقي بالعمق، وأدى الى استعمال الورق والأحبار الرديئة وتداعى الى منتج لكتاب عراقي سقيم، شكله لايعكس مضمونه، وأمسى صورة لبؤس وقبح ومنتج فوضى، ونأى بالذائقة العراقية وحط من مقاصد الجمال والتذوق الى الدرك الأسفل وجعل من العراقيين منبهرين بكل ما وصلهم من حشو و(ستوك) بعد سقوط الصنم، وحتى يومنا هذا.
ومازالت سطوة أيام الطغيان البعثي تغم صناعة الكتاب في العراق حتى اليوم، فقد ظلت دور النشر الحكومية هي المهيمنة، و تخضع في تعاملها مع الكتاب لمعايير تحددها السلطة او الجهة التي تصدر الكتاب، وهكذا طفحت كتب الحشو والدعاية والترويج التي تذل العقل وتكرس السلفية الفكرية الداعية الى إلغائه لصالح التبعية والخضوع والنقل.
تابعنا قبل ايام النقاش المحتدم في البرلمان عن الجدوى في طباعة الكتاب المدرسي في دول الجوار أو مصر ولبنان، بالوقت الذي يعاني العراق من البطالة وكساد الإقتصاد. ولم يتخذ البرلمان الموقر أي خطوة عملية في تذليل العقبة بل أصدر توصية لا آلية في تكريسها، ولم تتخذ الحكومة قرارا بدعم المشاريع الطباعية مثلا أو تسهيل إستيراد القرطاسية والورق، وحتى دعم أسعارها التي تعاني الغلاء في العالم وصعوبة وصولها الى العراق بإمكانياته التحميلية وشحة موانئه الفاعلة. أو تأسيس مشروع حكومي لمطبعة دولة ومجمع طباعي يأخذ على عاتقه الإرتقاء بالمشروع الكتابي المطبوع، ويسهل من مهامه ويطور من نوعيته ولاسيما الكتاب المدرسي الذي يعول في نوعه على الإرتقاء بالذائقة الجمالية للنشئ والتي سيكون لها دور في عراق الغد.
وفي المقابل نرصد ضعفاً او شبه انعدام للمبادرة الذاتية وتطوير البنية التحتية لطباعة الكتاب المستقل،مما فتح المجال لتجار الثقافة المعروفين بماضيهم"الشمولي" الكالح الى المتاجرة بها وإقحامها في صفقات مسيسة تعود بنا الى المربع الأول الذي أنعتقنا منه توا. فما زلنا نقف أمام شحة دور النشر الاهلية التي تقدم خدمة للمؤلف بطبع كتبه بإتفاق تسهيلي وضمان حقوقه، حتى أن جل العراقيين مازالوا لايعرفون اليوم شيئا عن حقوق الملكية أو رقم (ردمك ISBN) العالمي الذي أصبح مشاعا وحافظا لحصانة المبدع من السرقة والمتاجرة والإبتزاز.
و تنهمك اليوم دور النشر الشحيحة الموجودة في استهلاك واستغلال الأسماء المعروفة والموالية والمدفوعة الثمن أحيانا من اجل غايات عديدة أولها الربح وآخرها المولاة. وهي قيم ومواقف لا علاقة لها بمهمة الكتاب الجوهرية ووظيفته العلمية والثقافية والاجتماعية والإنسانية والوطنية. كما تؤدي الكلفة العالية لطباعة الكتاب في العراق الى إجبار المؤلفين على الطباعة في الخارج. فالكتاب يمكن طبعه بمقابل دولارين أمريكيين في لبنان على سبيل المثال بينما في العراق قيصل الى أكثر من خمسة دولارات، إضافة الى الفرق الشاسع في الصنعة والنوعية والجودة وفرص التوزيع والانتشار السريع من خلال المعارض والأسواق والترويج.
وهنا جدير أن نرفع للمعنيين بالأمر بعض الحلول العملية لتطور صناعة الكتاب، نجملها:
1. إنشاء هيئة موسعة للمثقفين غير الحكوميين أو المنتمين أو الحزبيين لوضع خطوط عامة لدستور ثقافي يؤهل من خلاله صناعة الكتاب ويضع القوانين التي تصب في صالح المبدع والناشر والطابع على حد سواء. والأهم حماية الناشر والمؤلف قانونياً وإيجاد سلطة تنفيذية تطبق ذلك الدستور من أجل المحافظة على حقوق المؤلف والناشر.
2. دعم الحكومة العراقية للورق وبأسعار مخفضة للناشرين واصحاب المطابع.
3. دعم دور النشر بطرق مختلفة منها تقديم قروض طويلة الامد أو بفوائد رمزية والعراق بلد نفطي وغني ولا يحتاج الى مص ضرع هؤلاء المنشغلين بالفكر على حساب المادة والمال، ناهيك عما يوفره الأمر من فرص لعمل الشباب الذي يمتص زخم كبير عن كاهل السياسة والإقتصاد المتوقف اليوم وإلى حين.كذلك خلق محفزات إنتاجية كأن يكون مثلا دعم نسبة من قيمة الكتاب إذا حمل شروط النوعية أو الكمية أو الجدوى والفائدة المرجوة. ودعم دور النشر المتميزة التي تطبع اكثر عدد ممكن من الكتب التي تهتم بالشأن الوطني العراقي مثلا.
4. تقديم منح للمثقفين والكتاب لمن يود طبع منتجه وبتسهيلات كبيرة.
ان هذه المقترحات سوف تشارك في حل اشكالية صناعة الكتاب بوصفها منظومة متكاملة تتعلق بالعقلية والأداء السياسي والمؤسساتي للدولة وعكسها للجوانب الفكرية والثقافية والعلمية، ومساهمتها في تأسيس الشروط الضرورية لطباعة الكتاب وتوفيره للقارئ. وبدون ذلك محال الحديث عن ثقافة وعلم ومعرفة نتشدق بها ليل نهار. وبدون تلك المشاريع التأسيسية لاحياة للمجتمع والدولة في عالم تطور الى ما يشبه الخيال.



#مازن_لطيف_علي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في حضرة كامل شياع .. سيرة الحالمين
- صدور العدد الجديد لمجلة الهامشيون
- في الذكرى الخمسينية لثورة تموز 1958
- حبزبوز..وريادة الصحافة الساخرة في عراق الثلاثينات
- أحمد مطر ..شاعر الرفض والتمُرد
- د. عبد الخالق حسين : المستقبل هو للحركة الليبرالية والتيار ا ...
- الدكتور قاسم حسين صالح : النظام السابق احدث تخلخلا كبيرا في ...
- الباحث والمحقق عبد الحميد الرشودي ..حكاية الحياة والادب والص ...
- د. عقيل الناصري: ثورة 14 تموز نقلة نوعية وأول مشروع حضاري
- الشاعرة والناقدة فاطمة ناعوت : القصيدةُ الحقيقة تقول: -أنا ق ...
- عدنان الصائغ : الشعر يستوعب الوجود كله
- تركت حركة المسرح العراقي أثرها البالغ في كل عقد من العقود فا ...
- البغاء على شاشة السينما المصرية
- الباحثة امل بورتر : قابلت عبد الكريم قاسم وحزنت لمقتله
- الفنانة شوقية العطار:كانت أغنياتنا سلاحا بوجه النظام القمعي ...
- عن الزمان .. أبعاده وبنيته
- التربية على المواطنية
- من يصنع الدكتاتور ؟ .. في خصوصيات الواقع الصعب
- الإعلام العراقي بين الحرية والانفلات
- إنقذوا زهير أحمد القيسي


المزيد.....




- -عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
- خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
- الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
- 71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل ...
- 20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ ...
- الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على ...
- الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية ...
- روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر ...
- هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
- عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز ...


المزيد.....

- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام
- سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري - / الحسن علاج


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - مازن لطيف علي - صناعة الكتاب والإشكال الثقافي في العراق