أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالقادر محمد عبد القادر - العدالة الانتقالية : مفهومها ، مناهجها وآلياتها .. قراءة في مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني المقدم المؤتمر العام الخامس















المزيد.....


العدالة الانتقالية : مفهومها ، مناهجها وآلياتها .. قراءة في مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني المقدم المؤتمر العام الخامس


عبدالقادر محمد عبد القادر

الحوار المتمدن-العدد: 2394 - 2008 / 9 / 4 - 09:40
المحور: حقوق الانسان
    


بدءاً لا بد لي أن احيي شهداء الحزب الشيوعي السوداني ،ومن بعد التحية لأعضاء الحزب وقياداته وهم ينجزون مشروع برنامج حزبهم ويطرحونه في وسائط الإعلام كخطوة في طريق إنجاز مؤتمرهم الخامس.
احتوي مشروع البرنامج علي مقدمة وتسعة فصول تناولت بالترتيب :الديمقراطية،الاقتصاد، البيئة،السياسة الصحية،التعليم والبحث العلمي،الثقافة الوطنية،المرأة والشباب والرياضة،قدسية الدين ودنيوية السياسة،وتجديد المشروع الاشتراكي.
في الفصل الأول الذي تناول قضية الديمقراطية قسمها إلي عدة محاور وهي بالترتيب: وحدة التنوع،الديمقراطية التعددية، الإصلاح الديمقراطي في جهاز الدولة والمجتمع،العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية:لجنة المكاشفة والحقيقة ، السودان جمهورية برلمانية، السلطة الوطنية الديمقراطية.
علي أهمية المحاور المطروحة إلا أنني أري إنها جميعها أخذت حقها من النقاش في منابر عديدة ، لذا رأيت أن أتناول موضوعة العدالة الانتقالية والنقاش حول مفهمها ومناهجها وآلياتها باعتبارها مجال حديث خصوصاً في المجتمع السوداني الذي شهد العديد من الفترات الانتقالية التي مرت بدون عدالات – وهذا في تقديري- هو أس البلاء الذي نرزح فيه الآن.
تحت عنوان العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: لجنة الحقيقة والمصالحة ورد في مشروع البرنامج ما يلي:
رابعاً: العدالة الانتقالية والمصالحة الوطنية: لجنة المكاشفة والحقيقة.
مارس نظام الإنقاذ على مدى العقدين الماضيين، انتهاكاً لا مثيل له للحريات والحقوق، وتنكيلاً لم يعرفه تاريخنا الوطني، بكل من توسم فيه معارضة له، فاغتال وعذب وسجن واعتقل في السجون الرسمية وفي بيوت الأشباح ، كما شرد من الخدمة آلاف القادة السياسيين والنقابيين والعسكريين وناشطي المجتمع المدني.وأشاع نظام الإنقاذ سياسات التفرقة والتمييز في كل المجالات لصالح منسوبيه ومختلف صور الإذلال والمعاملة غير الإنسانية ضد كل من عداهم، بمن في ذلك المواطنين العاديين. والى ذلك فاقم من أوضاع التهميش التاريخية في البلاد وسعّر الحرب الأهلية في مختلف ميادينها حتى عمت الحرائق أنحاء واسعة من الوطن، وحتى أصبح ملايين السودانيين موزعين بين معسكرات النزوح ،واللجوء لبلاد الآخرين.
غير أن تطورات مختلفة، بينها الخلافات التي نشبت في جبهة الحكم كنتيجة طبيعية لعزلته، إضافة لبسالة وصمود قوى السلام والديمقراطية في الداخل، والضغوط التي مارسها المجتمع الدولي، أرغمت النظام على إبرام (اتفاقية السلام الشامل) مع الحركة الشعبية / الجيش الشعبي لتحرير السودان. ومع أن النظام وقع اتفاقات أخرى في القاهرة ابوجا واسمرا، إلا إن (اتفاق السلام الشامل) يظل هو الأكبر تأثيراً على راهن ومستقبل الوطن فقد ترتب عليه صدور الدستور الانتقالي لسنة 2005 ، الذي نص على وقف الحرب الأهلية وعلى فترة انتقالية مدتها ست سنوات تجرى خلالها انتخابات رئاسية ونيابية ويعقبها استفتاء في الجنوب على الوحدة أو الانفصال.
لكن انقضاء ثلاث سنوات دون إن تنجز (حكومة الوحدة الوطنية) التي يحتل حزب المؤتمر الوطني موقع القيادة المطلقة فيها، أصاب الجماهير بالإحباط ، خصوصاً إزاء العجز الواضح عن التوصل إلى تسوية للأوضاع المزرية في دارفور.
وهكذا ما يزال إنجاز هدفي الاتفاق والدستور الانتقالي واجباً ملحاً، ولن يتحقق الا بحركة دفع قوية من جانب القوى الجماهيرية الشعبية كافة.
من جهة أخرى تنص المادة 21 من الدستور الانتقالي على ان تبتدر الدولة حملة شاملة للمصالحة الوطنية، وعلى الرغم من عمومية هذا النص، ومن وروده ضمن المواد الموجهة لا الملزمة، إلا إننا نرى انه يمكن ان يتحول إلى أداة سياسية لتحقيق مصالحة وطنية معتبرة تتوفر فيها الشروط التاريخية لتحقيقها. لكن حزب المؤتمر الوطني لا يرغب إلا في إعادة إنتاج النموذج البائس للمصالحة التي عقدها نميري مع بعض أحزاب المعارضة في العام1977 رغم ان ذلك النموذج سرعان ما تقوض، بسبب فقدانه للضمانات الحاسمة، واثبت فشله الذريع في محك التطبيق.
إن المصالحة الوطنية تقع في قلب التحولات الديمقراطية المطلوبة، لكنها لن تأتي الا نتيجة لسلسلة من العمليات والإجراءات الكفيلة بإبراء جراحات الماضي، في إطار العدالة الانتقالية . واتساقاً مع هذا المفهوم الحديث يرى حزبنا، إضافة إلى معالجة الآثار الجسدية والنفسية للانتهاكات، ضرورة تكوين لجنة وطنية للمكاشفة والحقيقة، بمعايير التجربة العالمية، بحيث يتوفر لها الاستقلال الإداري والمالي ، بما يمهد لمصالحة وطنية حقيقية، مع الذاكرة الوطنية في المقام الأول. أهم هذه العمليات والإجراءات:
1. تلقى الشكاوي عن أية مظالم، مهما بلغ عددها أو حجمها أو الزمن الذي انقضى منذ وقوعها والتحقيق فيها وتحديد مرتكبيها
2. تنظيم جلسات عمومية مفتوحة للجمهور ولأجهزة الصحافة والإعلام، لتمكين الضحايا أو ذويهم من رواية ما حدث علناً، ولتمكين منتهكي هؤلاء الضحايا باختيارهم، من الإقرار علناً بالحقيقةوالاعتذارعنها.
3. تخيير الضحايا بعد ذلك لاقبله بين العفو واللجوء للقضاء
4. إصدار التوجيهات الملائمة والملزمة لتسوية ظلامات الضحايا بالتعويضات وإعادة التأهيل، فردياً وجماعياً، وتعويض من تضرروا صحياً بتوفير فرص العلاج وما قد يحتاجونه من أطراف صناعية أو ما إلى ذلك، وتسوية أوضاع المفصولين سياسياً بدعاوي الصالح العام، مدنيين وعسكريين وكذلك تعويض من فاتتهم فرص تعليم أو إسكان أو غيرها من الخدمات.
5. إصدار التوجيهات الملزمة بنشر وقائع المحاكمات العسكرية والكشف عن مدافن من تم إعدامهم وتسليم وصاياهم ومتعلقاتهم لذويهم.
6. إصدار التوجيهات الملزمة بإشاعة ثقافة المكاشفة والحقيقة بكل الوسائط المقروءة والمسموعة والمرئية.
7. وكل ما يجري في هذا المنحى، ويشمل شتى إشكال جبر الضرر الفردي كالتأهيل البدني والنفسي والإدماج الاجتماعي وتسوية الأوضاع القانونية والإدارية والوظيفية وقضايا نزع الممتلكات، فضلاً عن ابتداع أشكال لجبر الضرر الجماعي، كرد الاعتبار للمناطق التي طالها التهميش وخراب الحرب. ومراعاة ظلامات النساء
وهنا يشير البرنامج نصاً إلي إبراء جراحات الماضي في إطار العدالة الانتقالية ويطرح لجنة للمكاشفة والحقيقة كآلية إلي إبراء جراح الماضي
فما هو مفهوم العدالة الانتقالية ؟
مفهوم العدالة الانتقالية:
إن السعي إلي بلوغ العدالة الشاملة إثناء فترات الانتقال السياسي (الانتقال من الحرب إلي السلم/أومن الشمولية إلي الديمقراطية) أو ما يصطلح عليه بالعدالة الانتقالية كمجال يهتم بتنمية وتطوير مجموعة من الاستراتيجيات المتنوعة لمواجهة إرث انتهاكات حقوق الإنسان في الماضي، بهدف الوصول إلي مستقبل أكثر عدالة وديمقراطية.وتهدف العدالة الانتقالية إلي التعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان بطرق ومناهج واسعة وشاملة تتضمن العدالة الجنائية، وعدالة جبر الضرر،والعدالة الاجتماعية والعدالة الاقتصادية. وترتكز علي اعتقاد مفاده إن السياسة القضائية المسئولة يجب أن تتوخي هدفاً مزدوجاً وهو : المحاسبة علي جرائم الماضي ، ومنع الجرائم الجديدة من الوقوع.كما لا تغفل الصفة الجماعية لبعض أشكال الانتهاكات.
تاريخ العدالة الانتقالية:
يرجع البعض إرهاصات ظهور هذا المجال إلي مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية ومحاكمات نورمبرغ والقضاء علي النازية ،ويري آخرون إن معالمها بدأت تتشكل وتنضج مع تشكيل محاكمات حقوق الإنسان في اليونان في أواسط السبعينيات ومع المتابعات ضد الحكم العسكري الأرجنتين ،وجهود تقصي الحقائق في أمريكا الجنوبية؛وقد ساهمت لجان تشيلي 1990 والأرجنتين 1983 في ترسيخ معني العدالة الانتقالية لضحايا انتهاكات حقوق الإنسان. كذلك ما يعتقد انه ساهم في ترسيخ مفهوم العدالة الانتقالية فتح ملفات وكالة الأمن الداخلي السابق في ألمانيا،ومنع منتهكي حقوق الإنسان السابقين من الوصول إلي مناصب في السلطة من خلال ما عرف بعمليات التطهير في تشيكوسلوفاكيا 1991. وكان للجنة الحقيقة والمصالحة التي أنشأتها جنوب أفريقيا عام 1995 دورا مقدرا في الدفع بالنقاش حول مجال العدالة الانتقالية.كما اشتهرت في هذا المنحي المحكمتان الجنائيتان الدوليتان في رواندا ويوغسلافيا.وتعتبر كل هذه الأشكال من مواجهة الماضي هي اللبنة الأولي التي أدت إلي ظهور العدالة الانتقالية كمجال وتطورها وترسيخها إلي أن توجت تلك الجهود بتشكيل المحكمة الجنائية الدولية التي تعتبر قمة التطور في نضال البشرية ضد امتهان كرامتها وانتهاكاتها.ويمكن الإشارة هنا إلي أن أي محاولة للاعتماد علي القانون الدولي لحقوق الإنسان لضمان محاسبة مرتكبي الانتهاكات تعتبر جزءاً من تاريخ عمليات العدالة الانتقالية.
مواجهة الماضي وأثرها في إرساء السلام وتعزيز التحول الديمقراطي:
ما من شك في أن مواجهة الماضي بشفافية وعلي هدي من مبادئ العدالة الانتقالية له كبير الأثر في إرساء السلام والسلم الاجتماعي، ودعم التعايش السلمي ،وتعزيز التحول الديمقراطي.. وإذا طرحنا علي أنفسنا سؤال فحواه لماذا يجب علينا مواجهة الماضي؟ نجد أن هناك الكثير من الدوافع والمبررات لمواجهة الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان، وتتمثل هذه المبررات في ما يلي:
• تعزيز الديمقراطية وتقويتها:وذلك لاعتبار أن الديمقراطية لا يمكن أن تقوم علي أكاذيب ، وان مواجهة الماضي يمكن أن تؤدي إلي ديمقراطية أكثر قوة،وذلك من خلال إرساء مبدأ المحاسبة، ومكافحة ثقافة الإفلات من العقاب وعفا الله عما سلف.
• الواجب الأخلاقي في مواجهة الماضي: ويتمثل هذا الواجب في قيمة التذكر وفي قبول الضحايا والاعتراف بهم كضحايا،ولأن النسيان هنا يعتبر شكلاً من أشكال إعادة الإحساس بالظلم والإهانة، ولأنه من المستحيل تجاهل الماضي أو نسيانه لذلك فمن الأفضل إظهاره بطريقة بناءة وشفافة من خلال أشكال عديدة من بينها صيغة (لجنة المكاشفة والحقيقة) التي اقترحها الحزب . ويمكن إذا تجاهلنا الماضي أن ينفجر في أي لحظة في شكل عنف جديد.
• لنمنع ذلك في المستقبل: وذلك لخلق نوع من الردع ، فالتذكر والمحاسبة هما وحدهما الكفيلان بالحيلولة دون ارتكاب انتهاكات في المستقبل.
مناهج العدالة الانتقالية وآلياتها:
تقوم العدالة لانتقالية - علي الأقل إلي الآن - علي خمسة مناهج أولية لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان الماضية ، هي:-
1. المحاكمات : وتعتبر أول فئة كبيرة من آليات العدالة الانتقالية وبموجب القانون الدولي تلتزم كافة الدول بالتحقيق في جرائم حقوق الإنسان الماضية ومحاسبة المسئولين عنها وفرض عقوبات عليهم، والتي تتطلب كحد أقصي الالتزام بالتسليم أو المتابعة ،وكحد أدني إلحاق عقوبة غير قضائية لا تتنافي كثيراً مع حجم جريمة حقوق الإنسان المعنية.ويمكن أن تكون المحاكمات محلية/وطنية أو محاكمات دولية،وهناك المحاكم المختلطة التي تعمل تحت إشراف الأمم المتحدة والدول المعنية
النوع والمحاكم الجنائية الدولية: تعتبر المحاكم الجنائية الدولية أكثر حساسية فيما يتعلق بقضايا النوع وقد اعترفت بذلك، و تبنت لهذا الغرض منهج يراعي اعتبارات النوع في العدالة الجنائية الدولية وقد اعترف النظام الأساسي لكل من محكمتي رواندا ويوغسلافيا بان الاغتصاب يمثل جريمة ضد الإنسانية ،واهتمت المحكمتين باعتبارات النوع من حيث الحماية للضحايا والشهود وتدريب العاملين.
2. البحث عن الحقيقة وتقصي الحقائق:
نبعت الحاجة إلي هذه الآلية من المطالبة المُلحة للمجتمعات التي تعيش في مرحلة انتقالية بتفسير لمدي وطبيعة العنف أو الانتهاكات التي وقعت في الماضي أو في أثناء حكم النظام السابق.وينادي الضحايا ومنظمات حقوق الإنسان غير الحكومية وأطراف عديدة بكشف"الحقيقة" حول الماضي ،وقد نادي نشطاء حقوق الإنسان والمدافعون عن الديمقراطية وأبرزهم نيلسون مانديلا بوضع سجل دقيق عما وقع في الماضي ومن خلال ذلك يمكن التعبير عما عاناه اؤلئك الضحايا..وقد ظهرت داخل مجال العدالة الانتقالية عدة وسائل لكشف الحقيقة حول الانتهاكات السابقة لحقوق الإنسان اختار الحزب الشيوعي من بينها صيغة لجنة المكاشفة والحقيقة.
المجتمع المدني ولجان تقصي الحقائق: يلعب المجتمع المدني المحلي /الوطني دوراً مهما في عمليات تقصي الحقائق وذلك من خلال التجارب التاريخية للشعوب ففي غواتيمالا مثلاً نجحت لجنة الحقيقة المكونة من فعاليات المجتمع المدني ومن ضحايا الانتهاكات أكثر من لجنة الحقيقة الرسمية. وذلك لكونها كانت أكثر مرونة واستجابة للحاجيات المجتمعية وحاجيات الضحايا وأقامت علاقات مباشرة مع الضحايا وكانوا أنفسهم جزءا منها.
3. تعويض الضحايا وجبر الإضرار: في ظل الانتشار الواسع لانتهاكات حقوق الإنسان أصبح لزاماً علي الحكومات ليس فقط التصدي لمرتكبي الانتهاكات بل أيضا ضمان حقوق الضحايا وذلك عبر تهيئة الظروف الملائمة لصيانة كرامة الضحايا وتحقيق العدل بواسطة التعويض عن ما لحق بهم من أضرار ومعاناة ،وبالتأكيد هناك أشكال من الأضرار لا يمكن تعويضها ، لكن يشتمل مفهوم التعويض علي عدة معاني من بينها التعويض المباشر(عن الأضرار أو ضياع الفرص) ورد الاعتبار لمساندة الضحايا معنوياً ،والاسترجاع(استعادة ما فقد).ويمكن تمييز التعويض حسب نوعه إلي معنوي ومادي، يتضمن المادي منح أموال أو حوافز مادية،وتقديم خدمات مجانية (صحة،تعليم،إسكان....إلخ).أما التعويض المعنوي فيكون باستصدار اعتذار رسمي ، أو تكريس مكان عام أو يوم وطني للذكري ..ويستهدف التعويض الانتهاكات الفردية والجماعية.. أما الأهداف المرجوة من التعويض فهي عديدة ومتنوعة من بينها الإقرار بفضل الضحايا جماعات وأفراد ، وترسيخ ذكري الانتهاكات في الذاكرة الجماعية الوطنية، وتشجيع التضامن الاجتماعي مع الضحايا ، وإعطاء رد ملموس علي مطالب رفع الظلم وتهيئة المناخ الملائم للمصالحة الوطنية عبر استرجاع ثقة الضحايا في الدولة ، بالإضافة إلي ذلك فإن مبدأ التعويض أصبح إلزامياً بموجب القانون الدولي، ويبقي ان نشير الي أن الهدف الأساسي لأي سياسة من سياسات التعويض هو إحقاق العدالة للضحايا..
4. الإصلاح المؤسسي: وهو موضوع ذو صلة وثيقة بأهداف العدالة الانتقالية ويعتبر أحد الآليات التي تحتاجها البلدان الخارجة للتو من قمع الديكتاتوريات وتحتاج هذه البلدان إلي تبني إصلاحات تشمل مؤسساتها وقوانينها وسياساتها بهدف تمكين البلاد من تحقيق الأهداف الاجتماعية والاقتصادية والسياسية البعيدة المدي ، والتي تعتبر ضرورية لتفادي وقوع انهيار حضاري و/أو ديمقراطي في المستقبل . ففي فترات الصراعات عادة ما يتم تعليق معايير حقوق الإنسان وإفساد إجراءات العمل الاعتيادية وعقليات وقت السلم في العديد من مؤسسات الدولة إن لم تكن في مجملها .. وعندما ينتهي الصراع فإن إصلاح المؤسسات بشكل عام يكون الهدف منه هو إزالة الشروط التي أدت إلي نشوء فترة النزاع أو القمع .. وهناك ثلاث سبل إلي الآن يمكن عبرها بلوغ غاية الإصلاح المؤسسي وهي:
• إعادة هيكلة مؤسسات الدولة التي تواطأت في أعمال العنف والانتهاكات والقمع.
• إزالة كافة أشكال التمييز العرقي أو الإثني أو الديني أو النوعي القديم العهد والمرتبط بفترة الانتهاكات.
• منع مرتكبي انتهاكات حقوق الإنسان من الاستمرار في الاستفادة من شغل مناصب في المؤسسات العمومية.

5.إقامة النُصُب التذكارية وإحياء الذاكرة الوطنية الجماعية: ويتم إحياء الذكري عن طريق أي حدث أو واقعة،أو بناء يستخدم بمثابة آلية للتذكر..ويمكن أن يتم إحياء الذكري بشكل رسمي عن طريق الدولة بإقامة النُصُب التذكارية وغيرها ، أو بشكل غير رسمي بتلقائية وعفوية من الأهالي كبناء جدارية أوزراعة أشجار أو تشييد مظلة أو أي شكل للتذكر. ويسعي الناس إلي إحياء ذكري أحداث الماضي لأسباب عديدة منها الرغبة في استحضار ذكري الضحايا و/أو التعرف عليهم وعلي المظالم والانتهاكات التي وقعت عليهم وتعريف الناس بماضيهم ، أوزيادة وعي المجتمع ، أو دعم أوتعديل رواية تاريخية ،أوتشجيع تبني الاحتفال بالذكري الذي يدعم عملية العدالة الانتقالية من طرف مستوي محلي.ويمثل فهم احتياجات الضحايا وعائلاتهم والناجين من الفظاعات الجماعية وانتهاكات حقوق الإنسان الصارخة أحد العناصر الرئيسية في عملية العدالة الانتقالية ..إن تذكر الماضي يتيح نوعاً من تكريم الضحايا وأؤلئك الذين ماتوا، كما إن آليات التذكر يمكن أن تساهم في بلوغ أهداف أخري للعدالة الانتقالية بما ذلك تقصي الحقيقة، وضمان عدم تكرار ما تم من انتهاكات مستقبلاً ،وتحفيز الحوار والنقاش حول الماضي ،ووضع سجل تاريخي مناسب ،ومتابعة الأهداف المرتبطة بجبر أضرار الضحايا.ويمكن أن تكون النُصُب التذكارية كجبر رمزي للأضرار أو بمثابة تعويض معنوي للضحايا هذا بجانب دورها الحضاري الهام الذي يمكن أن يكون مكملاً ،لكن مختلفاً للغاية،عن الإجراءات الجنائية والقانونية المعقدة وإجراءات المحاكمات.
العلاقات المتبادلة يبن آليات ومناهج واستراتيجيات العدالة الانتقالية:
لا تعمل آليات ومناهج العدالة الانتقالية بصورة منفصلة عن بعضها البعض إنما تعمل وفق رؤية تكاملية فيما بينها وقد تكون مكملة لبعضها البعض لتشكل في تكاملها وتداخلها إستراتيجية للعدالة الانتقالية يمكنها أن تتعامل مع ميراث انتهاكات حقوق الإنسان.فمثلا قد يعتبر البعض إن قول الحقيقة دون تعويضات خطوة بلا معني خصوصاً إذا أعطيت وعود بالتعويض.ومن جانب آخر إذا تم منح تعويضات مادية دون عمليات مكملة لقول الحقيقة والمكاشفة سيتوقع من هذا خطورة إن ينظر الضحايا إلي هذه التعويضات كـ(أموال ملطخة بالدماء) أو كمحاولة لشراء صمتهم.كما إن تكامل عملية التعويض مع المحاكمات يمكن أن توفر جبرا للأضرار أكثر شمولا مما توفره كل علي انفراد.وقد تحتاج التعويضات من جانب آخر إلي دعمها بواسطة الإصلاحات المؤسسية لإعلان الالتزام الرسمي بمراجعة الهياكل التي ساندت أو ارتكبت انتهاكات حقوق الإنسان.مع الأخذ في الحسبان إن النُصُب التذكارية غالباً ما تهدف إلي التعويض الرمزي والجبر المعنوي للأضرار..إذن كما سبق القول نؤكد إن آليات ومناهج العدالة الانتقالية تعمل في تكامل حميم لوضع حد لجرائم انتهاكات حقوق الإنسان الجارية ممارستها، والتحقيق في الجرائم وتحديد المسئولين ومعاقبتهم، ومنح تعويض للضحايا، ومنع ارتكاب جرائم حقوق الإنسان في المستقبل وإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن ،وتعزيز السلام والديمقراطية، وتشجيع المصالحة الفردية والوطنية.




** المصادر:-
1/ دراسات ومنشورات المركز الدولي للعدالة الانتقالية.
2/ محاضرات الدورة التدريبية للصحفيين حول العدالة الانتقالية، مركز الخرطوم لحقوق الإنسان وتنمية البيئة.
3/ السودان والمحكمة الجنائية الدولية ،كمال الجزولي.
4/مشروع برنامج الحزب الشيوعي - صحيفة الميدان.



#عبدالقادر_محمد_عبد_القادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مؤسسات قمع المرأة .. (الدين ، القانون)


المزيد.....




- -قيصر الحدود- الأمريكي يتحدث عما سيفعله ترامب مع عائلات المه ...
- عاجل | أسوشيتد برس: منظمة عالمية سحبت تقريرا يحذر من المجاعة ...
- وزيرالخارجية اليمني:ندعو الأمم المتحدة وكل المنظمات لتجريم م ...
- قطف مطار صنعاء استخفاف إسرائيلي بالأمم المتحدة
- الاحتلال يُمعن في ارتكاب جريمة إبادة جماعية بزيادة وتيرة تدم ...
- مراسل RT: ممثل الأمين العام للأمم المتحدة والمنسق المقيم توا ...
- في جريمة هي الأكبر ضد الصحفيين في قطاع غزة خلال حرب الإبادة ...
- من لبنان وتركيا والأردن.. ضوابط لعودة اللاجئين السوريين إلى ...
- اعتقال قاضي المحاكم الميدانية في سجن صيدنايا بسوريا
- اعتقال -سفاح صيدنايا- في طرطوس وحراك دبلوماسي سوري مع دول ال ...


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - عبدالقادر محمد عبد القادر - العدالة الانتقالية : مفهومها ، مناهجها وآلياتها .. قراءة في مشروع برنامج الحزب الشيوعي السوداني المقدم المؤتمر العام الخامس