أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - 188: احترام لمرونة الشريعة















المزيد.....

188: احترام لمرونة الشريعة


صائب خليل

الحوار المتمدن-العدد: 739 - 2004 / 2 / 9 - 06:48
المحور: اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
    


كتبت قبل فترة مقالة عن قرار مجلس الحكم العراقي المؤقت بالغاء قانون الاحوال الشخصية العراقي رقم 188,  تحت عنوان "وا بريمراه" اهاجم فيها القرار بالغاء القانون اعلاه واحلال الشريعة الاسلامية محله. ويبدو ان مشكلة هذا القانون لم تنته بفشل القرار 137, فما زال اصحاب ذلك القرار يطلبون دم القانون 188 وقد توعدوا صراحة بانتظار الفرصة المناسبة لانهائه, لذلك فلا بأس من المزيد من الحديث عنه.

من بين الردود التي وصلتني على مقالتي الاولى, ايميل من صديق يخالفني الرأي وكان يسأل وله كل الحق: لماذا انت معترض على القرار 137؟ القانون 188 ايضا مؤسس على الشريعة الاسلامية فلم كل هذه الضجة على احلال الشريعة مباشرة محله؟ ما الذي لا يعجبك فيه بالضبط؟

لم يكن السؤال محرجا تماما فلقد كان لدي ما يكفي من الاسباب لرفض القرار. فيكفي ان القانون 188 كان يلم جميع العراقيين في بوتقة قانونية واحدة لا تستطيع الشريعة ان تقدمها بعد ان تجزأت وتنوع تفسيرها, الا بتجاهل جزء هام من المسلمين. ويكفي ان القانون كان يحمي حقوق المرأة بوضوح وبشكل محدد, اكثر كثيرا مما لو اعتمدنا على التفسير الشخصي للقاضي او الشيخ او السيد, للشريعة وكيف يجب ان تطبق على كل حالة. ويكفي ان القانون كان حصيلة دراسة وعمل سنوات عديدة قام بها داراسون اكاديميون للقانون, على العكس من القرار 137 الذي يذكرنا بسرعة صدوره وبلهجته بقرارات صدام حسين الذي كان يقول عن القانون انه مجرد "جرت قلم".
 كل هذا كان يكفي ويزيد.

الا ان السؤال قد اثار انتباهي الى حقيقة مهمة. فعندما كنت احضر لكتابة مقالتي الاولى وجدت وقرات الكثير من المقالات عن الموضوع  الا انها جميعا كانت تتحدث عن تاثير القرار 137 ودور القانون 188, وليس بينها مقالة واحدة تحدثنا عن محتوى ذلك القانون, لتعلمنا ما الذي سنخسره بالضبط لو انه الغي. لذلك قررت البحث من جديد.

اليكم ما وجدت:*

صدر القانون 188 عام 1959 وكان القانون الاول للاحوال الشخصية في العراق, وكان القضاء قبله اعتباطيا يعتمد تفسير القاضي للشريعة. والشريعة يمكن ان تفسر بطرق كثيرة متباينة, حسب المذاهب وحسب رؤية القاضي الذي لم يكن هناك قانون يحده, انما هناك مؤشرات تاريخية ترشده  ومجموعة كبيرة من الاحاديث التي يترك امر الثقة بصحتها ايضا للقاضي نفسه.

قرر مشرعوا القانون في البداية مساواة الذكر والانثى في الارث استنادا الى ان هناك العديد من النصوص القرانية التي تساوي الذكر بالانثى, واخرى تعطي الذكر حقا اكبر. الا ان هذه النقطة اثارت الخلاف فالغيت بعد 1963 وعادت نسبة الارث 2 الى 1 لصالح الذكور. كما اجريت العديد من التعديلات القانونية عليه في السبعينات من القرن الماضي, بجهود اساتذه القانون العراقيين.

حدد القانون بالارقام, العديد من التعابير غير المحددة في الشريعة الاسلامية. فمثلا تشترط الشريعة الاسلامية للاهلية للزواج, الوصول الى عمر "البلوغ", وهو تعبير لا يعطي العمر بشكل محدد, فحددها القانون ب 18 عاما ثم ترك المجال مفتوحا لمن بلغ 16 عاما مقرونا بشرط  موافقة الاولياء والقاضي. ان مثل هذا التحديد يقلل من مجال الخطأ او اساءة استخدام القاضي والاهل لحقهم في تفسير "البلوغ" لكل حالة على حدة, واوكل الامر لقانون عام.

وكذلك وضع القانون عقوبة محددة للاكراه على الزواج, وهو محرم دينيا, بالسجن لمدة لا تقل عن 6 شهور او بغرامة, مع بعض الحالات المخففة. وحدد ايضا حق الزوجة طلب التفريق عن الزوج عند هجرها لمدة سنتين او اكثر, وكذلك التفريق بسبب الضرر, مثل الخيانة الزوجية.

لم يمنع القانون تعدد الزوجات لكنه اشترط فيها موافقة القاضي. وهذا الامر قريب من روح النص القراني الذي اباح ذلك التعدد بحذر شديد حين اشترط العدل ليعود وينفي امكانية تحقيقه بشكل تام حتى ان البعض اعتبر النص القرأني اقرب الى التحريم منه الى الاباحة.
 لذلك فان اشتراط موافقة القاضي للزواج من الزوجة الثانية وما بعدها, ليس غريبا عن روح القرأن وتفسيره.
 
 لقد حمى عقد الزواج داخل المحكمة المواطنين خلال اربعين عاما من العديد من الاخطاء ومن الكثير من الاحتيالات واساليب الاستغلال التي كانت تجري قبله, واستمرت احيانا بعده خاصة في الريف. فمثلا كان بعض الاباء يعقدون زواج الابنة على اكثر من رجل ليستلم مهرها من كل هؤلاء دون ان يعلموا ببعضهم الى حين.


يظهر مما سبق ان القانون 188 لم يكن الا تفسيرا للشريعة الاسلامية. فالشريعة الاسلامية كغيرها من الشرائع, تسمح بمجال من المرونة والحركة لاصدار الاحكام. هذه المرونة تعينها على العمل بكفاءة في ظروف مختلفة متغيرة وهي شرط للبقاء على قيد الحياة لكل قانون يريد ان يمتد عمره ليغطي زمنا اطول من زمن ولادته. فكلما اريد لتلك الشريعة ان تعمل في ظروف اشد اختلافا, توجب ان تتمتع بقدر اكبر من المرونة, وان يستفيد اتباعها من تلك المرونة بعناية وحرص كبيرين.

لا احد يستطيع ان ينكر ان المجتمع الذي نعيش فيه اليوم شدبد البعد زمنا ونوعا عن مجتمعنا يوم بزوغ الاسلام, ولذا اكتسبت المرونة التي تتيحها الشريعة الاسلامية اهمية حاسمة لبقائها فعالة على ارض الواقع, وتوجب تقنين تلك المرونة واستخدامها بشكل مدروس ومحدد وعدم تركها للتقدير العفوي لكل قاض على حده.

لقد ازدادت على سبيل المثال, اعباء المرأة وواجباتها وازدادت متطلبات حياتها الضرورية لتعيش كانسان له دور في مجتمعه, وازداد بذلك ايضا وعيها بشكل مواز. فمن المنطقي اذن من ناحية ان يستخدم من الشريعة مجالها الاكثر تسامحا وعطاء للمرأة انصافا لها من الضغط الاضافي الذي تتحمله, ومجالها (الشريعة) الاكثر حرية استجابة للوعي الجديد الذي تتمتع به المرأة.

ومثلما تغير حال المرأة تغيرت كل الاحوال بشكل او باخر.

لذلك فان القانون 188 كان حلا شرعيا اسلاميا, قنن واضعوه ومعدلوه المرونة المتوفرة في الشريعة الاسلامية واستفادوا منها, لجعل تعايش المسلمين ممكنا في ظروف الحياة الحديثة وما تتسم به من تحديد ووضوح وتنوع واختلاف عن الماضي لا يمكن نكرانه. فمرونة الشريعة جزء منها, واحترام تلك المرونة وحصر تحديد استخدامها والحركة في داخلها بقانون مدروس علميا وحيادي عام, تصرف اقرب الى احترام تلك الشريعة من ترك الامر عشوائيا لكل قاض ليتصرف بها بما قد يسئ الى الناس والى تقييمهم للشريعة.

بهذا نرى ان القانون  188 قد احترم الشريعة الاسلامية وحماها من عبث العشوائية والاعتباطية لكل قاض منفرد, ولكل حالة منفردة, ومن الانكسار امام تغير الزمن والمجتمع,  وتمكن مشرعوه بجهدهم الذهني الكبير المتواصل من جعله السمنت الرابط لجميع طوائف العراق الاسلامية المختلفة في بناء قانوني واحد يأوي الجميع. هذا القانون يستحق من كل العراقيين, وخاصة المسلمين, الاعتزاز به والعمل على صيانته وتقويته وتطويره, ويستحق مشرعوه كل التقدير والامتنان.

هذا اذن هو القانون 188, ومن حقنا ان نسأل اصحاب قرار الغائه: ما الذي لم يعجبكم فيه بالضبط؟

روتردام
27  ك2  2004
www.anbn.iraqcd.com
[email protected]



#صائب_خليل (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الحزب الشيوعي العراقي.. رسائل وملاحظات / صباح كنجي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية الاعتيادي ل ... / الحزب الشيوعي العراقي
- التقرير السياسي الصادر عن اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيو ... / الحزب الشيوعي العراقي
- المجتمع العراقي والدولة المركزية : الخيار الصعب والضرورة الت ... / ثامر عباس
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 11 - 11 العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 10 - 11- العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 9 - 11 - العهد الجمهوري ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 7 - 11 / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 6 - 11 العراق في العهد ... / كاظم حبيب
- لمحات من عراق القرن العشرين - الكتاب 5 - 11 العهد الملكي 3 / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق - صائب خليل - 188: احترام لمرونة الشريعة