أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير















المزيد.....

-نخبة- متخلفة في مجتمع متغير


ياسين الحاج صالح

الحوار المتمدن-العدد: 2391 - 2008 / 9 / 1 - 08:28
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
    


كأنما وفقا لبرمجة باطنة لا تخطئ، تعود السلطات في سورية إلى ما ألفت قبل عام 2005، دون زيادة ولا نقصان. بل ربما مع نزوع نحو التشدد في الداخلي يذكر بأواخر العقد الأول من عهد الرئيس حافظ الأسد. المنطق المعلن للسلطات والمستخلص من ممارساتها: خرجنا من الأزمة، إذن فنحن على صواب. لا مراجعة من أي نوع، لا مؤشر على استعداد لتفاعل أكثر إيجابية مع مستجدات البيئيتين الداخلية والخارجية من شأنه أن يكون عامل تطوير للنظام ذاته وتحسين لياقته السياسية؛ ليس ثمة إلا شعور تياه بالنصر، يضع السنوات الثلاث الماضية بين قوسين، ويفوق حرصه على تطويقها وحذفها إرادة تعلم شيء منها.
ويبدو لنا أن أصل العجز عن تجديد الذات، بما يلبي مصالح النظام قبل غيره هو تدني مؤهلات كوادر النظام، إن على المستوى الحكومي أو الحزبي أو الأمني، أو بالطبع الفكري. من غير المرجح أن يكون الكوادر هؤلاء معارضين لتطوير نظامهم من حيث المبدأ، لكن أمر التطوير لا ينبع من اقتناع مجرد بمحاسن التطوير، بل يقتضي توافق التطور المحتمل مع مصالح مقررين ومنفذين بمؤهلات محددة. وهذا غير متاح، لأنهم كانوا طوال عقود استغنوا بحيازة السلطة عن تطوير مؤهلاتهم الفكرية والسياسية والمهنية. الأمور تنجز بهذه الطريقة، فلماذا إجهاد النفس بالتدرب على إنجازها بطريقة مختلفة؟ وإذا كان الأمن يحل المشكلات، فما الداعي للسياسة والتفاوض الاجتماعي، الشاق دوما؟ وإذا كان الولاء هو المطلوب، فلم الاهتمام بتعهد كفاءات ومؤهلات تؤسس لاستقلال حامليها واعتدادهم بأنفسهم، ما قد يشكل خطرا على البنية الولائية؟ بلى، يرغب أهل النظام في التجديد، أو في "التطوير والتحديث" حسب لغتهم، لكن بشرط أن يبقى كل شيء على ما هو عليه. الشيء الوحيد الذي يشذ عن نهج "إبقاء كل شيء على ما هو عليه" هو "التحرير الاقتصادي" الذي قد نفسره باستجابته لمصالح "البرجوازية الجديدة" المكونة من أهل الثقة والمقربين من جهة، وباقتناع في مراتب السلطة العليا بأن البديل عنه انهيار اقتصادي مرجح من جهة ثانية.
في ظل المؤهلات والقدرات المتاحة، يبدو أن لا مجال لصون المصالح المكتسبة دون منع التطوير والانفتاح السياسي والفكري. النخبة المتخلفة تحمي التخلف الذي يضمن نفوذها. هنا الخلل البنيوي المنجب دوريا للأزمات في الأنظمة السورية، وأولها السياسي. يتعلق الأمر بنظام للأزمة، لا تعدو أزمات النظام، بما فيها الأخيرة، أن تكون تجليات له.
والواقع أن تدني المؤهلات يتجاوز النظام إلى قطاعات واسعة من "النخبة" السورية، أي جمهور المنخرطين في الشأن العام. في العامين الأخيرين انتعشت حتى في أوساط معارضة خطابات وممارسات سياسية وكلامية، شيوعية وقومية عربية بخاصة، كان المرء يفترضها بادت منذ ربع قرن. ليس فقط متاع السبعينات الإيديولوجي والنفسي والسلوكي، وإنما كذلك دون ما وسم ذلك المتاع (المجادل فيه حتى حينها) من شباب وحماسة. وأساس ذلك هنا أيضا تواضع القدرات الفكرية والسياسية وضعف ملاءمتها لأوضاع متغيرة. لكن بينما أصل التواضع هذا في حالة النظام هو حيازة السلطة وأولوية الولاء على الكفاءة، فإن أصل التواضع هنا هو حيازة "العلم" وأسبقية الاعتقاد على النقد. ما حاجة من "ختموا العلم" إلى التعلم؟ التمسك بـ"العلم"، الذي لا نجيد غيره على أية حال، هو المسلك الأمثل في مثل هذه الحالة. والتخلف هنا أيضا هو الحل. لذلك فإن مطالبة هذا الكادر بقول شيء مختلف عما كان يقول قبل ثلاثين عاما هو بمثابة إلزام له بالصمت. وهذا بالطبع لا يطاق.
ولعله من أجل إضفاء قيمة إيجابية على هذا الوضع يُجزَل الثناء على "الثبات على المبادئ" و"الاستمرار في النضال"، ويجري التنديد بتغيير الأفكار والقناعات. غير أن إيديولوجية الثبات هذه تحوّل اضطرارا أو عجزا (تخلف..) إلى فضيلة (صمود..). ولعل هذا هو أصل النزعة المحافظة عندنا وعند غيرنا. فليس الناس عموما ضد التطور أو التقدم كمبادئ مجردة، لكن إذا كان من المرجح أن تتدهور مواقعهم ونفوذهم إذا انفتحت النظم السياسية والثقافية التي ألفوا طرق عملها وارتضوا مواقعهم فيها، فسيطورون نظما قيمية وإدراكية تدين التغير وتبدل الأحوال وتحتفي بالصمود والثبات.
بالمقابل ينزع حائزون على قدرات أكثر تنوعا ومرونة إلى إضفاء قيمة إيجابية على التغيير، تغيير الأفكار والعادات والأنظمة..، ويطورون إيديولوجيات تقدمية، تنحاز مبدئيا للتغيير والتحول، وتقلل من شأن الثبات على المعتاد وتصمه بالجمود والمحافظة.
وقد يمكن تمثيل الاستقطابات الإيديولوجية والسياسية في سورية في العامين الأخيرين بترسيمة تقدميين/ محافظين، مع التنبه إلى أن أكثر محافظي اليوم هم من تقدميي الأمس، وأن تقدميي اليوم هم من يوصفون في الغالب بأنهم "ليبراليون" أو ما شابه.
وتتيح لنا هذه المقاربة فهم ذلك النضال المستعر ضد الليبرالية و"الليبرالية الجديدة" في أوساط قد تسمى "الكتلة التاريخية" لعقد السبعينات، وهي حشد مختلط من حزبيين، بعثيين وشيوعيين وناصريين، ومن عسكريين وموظفين وإيديولوجيين ينحدرون عموما من ملاك ريفيين صغار أو من فقراء المدن، وكانوا يشعرون أنهم في خير العوالم في عهد الرئيس حافظ الأسد، ولم يتح إلا لقلة ضئيلة منهم مشاركة "البرجوازية الجديدة" صعودها ونفوذها. قد يبدو النضال هذا للوهلة الأولى تهويلا من قبل تقدميي الأمس هؤلاء، الغرض منه إقناع الذات بأنها تواجه "العدو الطبقي" (أو الإيديولوجي أو الوطني) القديم نفسه. لكن في واقع الأمر يعكس التنديد المثابر واللافت في حدته بالليبرالية خشية مبررة من أن المتاح الفكري والسياسي والمهني المألوف غير ملائم في مجتمع متغير، أكثر تعقيدا وتنوعا و..ليبرالية. وهو ما يحمل تهديدا جديا بتدهور أمنهم الاجتماعي.
هل من سبيل إلى تطوير الأنظمة السورية، السياسية والاقتصادية والفكرية والإدارية والأمنية، دون مساس بمصالح وأوضاع قطاعات واسعة تجمدت مؤهلاتها على ما كانت عليه قبل جيل كامل؟ التقدم مكلف، لكن التخلف كارثي. قد تكون هذه هي المعضلة الأكبر التي تواجه سورية اليوم. وهي منبع توترات وصراعات سياسية واجتماعية وإيديولوجية مرشحة للاحتداد.
وربما يكون انفراج أوضاع النظام دوليا وإقليميا عاملا ملائما في تحرير دينامية هذه التوترات التي نرجح لها أن تكون محرك الأزمة السورية التالية.



#ياسين_الحاج_صالح (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كأنها حرب أهلية...
- في شأن مسألة الحاكمية
- في أن القضايا -المقدسة- مطايا مثالية!
- انفصال عن الجدار مقالة في الثقافة والثورة الثقافية
- عن منظمات حقوق الإنسان والإيديولوجية الحقوقية في سورية
- من البشير الصامد إلى حنبعل الفاتح!
- قليل من السياسة، كثير من المشاعر
- الاستبداد والغرب: الحكاية نفسها دوما
- في ضروب الشعبوية العربية وبعض خصائصها
- الطغيان مخرجا من صعوبة السياسة
- -الدولة الخارجية- وغريزتها السياسية
- المثقفون والمسألة الإسلامية
- في -التفكير العضوي- والأساطير والانحطاط...
- ماركس لم يكن ملحداً؛ لماذا؟
- مبادئ لسياسة معارضة عقلانية في شروط الكفاف السياسي
- خواطر في شأن نحوس الليبرالية العربية وسعودها
- نظريات الفساد السوري وبرامجها العلاجية المقترحة
- غسان المفح يحاور ياسين الحاج صالح
- سورية والسير على قدم واحدة
- أي موقع للسلطة الدينية الإسلامية في الدولة الحديثة، عندنا؟


المزيد.....




- الأمن الأردني يعلن مقتل مطلق النار في منطقة الرابية بعمان
- ارتفاع ضحايا الغارات الإسرائيلية على لبنان وإطلاق مسيّرة بات ...
- إغلاق الطرق المؤدية للسفارة الإسرائيلية بعمّان بعد إطلاق نار ...
- قمة المناخ -كوب29-.. اتفاق بـ 300 مليار دولار وسط انتقادات
- دوي طلقات قرب سفارة إسرائيل في عمان.. والأمن الأردني يطوق مح ...
- كوب 29.. التوصل إلى اتفاق بقيمة 300 مليار دولار لمواجهة تداع ...
- -كوب 29-.. تخصيص 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة لمواجهة ...
- مدفيديف: لم نخطط لزيادة طويلة الأجل في الإنفاق العسكري في ظل ...
- القوات الروسية تشن هجوما على بلدة رازدولنوي في جمهورية دونيت ...
- الخارجية: روسيا لن تضع عراقيل أمام حذف -طالبان- من قائمة الت ...


المزيد.....

- المسألة الإسرائيلية كمسألة عربية / ياسين الحاج صالح
- قيم الحرية والتعددية في الشرق العربي / رائد قاسم
- اللّاحرّية: العرب كبروليتاريا سياسية مثلّثة التبعية / ياسين الحاج صالح
- جدل ألوطنية والشيوعية في العراق / لبيب سلطان
- حل الدولتين..بحث في القوى والمصالح المانعة والممانعة / لبيب سلطان
- موقع الماركسية والماركسيين العرب اليوم حوار نقدي / لبيب سلطان
- الاغتراب في الثقافة العربية المعاصرة : قراءة في المظاهر الثق ... / علي أسعد وطفة
- في نقد العقلية العربية / علي أسعد وطفة
- نظام الانفعالات وتاريخية الأفكار / ياسين الحاج صالح
- في العنف: نظرات في أوجه العنف وأشكاله في سورية خلال عقد / ياسين الحاج صالح


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي - ياسين الحاج صالح - -نخبة- متخلفة في مجتمع متغير