خالد السلطاني
الحوار المتمدن-العدد: 2391 - 2008 / 9 / 1 - 08:28
المحور:
اليسار ,الديمقراطية, العلمانية والتمدن في العراق
قد لا يعي القاتل المأجور فداحة واقعة اغتيال كامل شياع بمسدسه الكاتم للصوت، الذي بفعلته الوحشية اغتال انساناً محبا للحياة ومحباً للثقافة، وهو ذاته مثقف رفيع، متعدد الاهتمامات؛ إنسان حالم بوطن تعددي ديمقراطي موسوم بثقافة انسانية، يمكن ان تكون متاحة للجميع. الذي يعرف ذلك جيداً، هو من انتقى، وخطط، وساهم، وأمر في تنفيذ عملية الاغتيال الارهابية، والتى اراد بها تعطيل وعدم تحقيق الاماني المسكون بها كامل شياع؛ هو الذي ربما، يعلم مدى ما كان عند الرجل من مشاريع، تحقيقها يمكن ان يسهم في تجاوز المحنة الحالية التى يمر بها العراق. تلك المشاريع التى اشتغل كامل شياع عليها بدأب واخلاص وباجتهاد مشوب بالتواضع. وهذا وحده يمكن ان يكون باعثاً لدى اؤلئك القتلة الذين دأبوا منذ عقود وبوحشية ما بعدها وحشية في تكريس ثقافة الموت والتصدي لاصحاب المشاريع التى تخفف عن كاهل الناس البسطاء وتساعدهم في تغيير وضعهم المأساوي..
ولهذا فان الخسارة في اغتيال كامل مزدوجة: خسارة المشاريع التى لم تتحقق، وخسارة انسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معانٍ: الانسان الطيب الرقيق .. والحالم.
كنا نتراسل بين فترة واخرى، بعد ان تعرفنـّا في احد التجمعات الثقافية، وبالطبع كانت "العمارة"، التى شعرت مدى اهتمام كامل بها، موضوعاً اثيرا في محادثاتنا الهاتفية المتباعدة. وكان يحدثني عن احلامه "المعمارية": عن "بيت" في بغداد؛ بيت بسيط ولكنه جميل، كما كان يصفه. وعندما يشاهد مثالا معماريا او يعقب على احدى دراساتي التى ابعثها له، تغمره فرحة طفولية، متطلعاً ان يحقق حلمه يوما ما، حلمه المتواضع ببيت مصمم وفق تصوراته ورغباته، لكنه وهو العارف بقدراته المالية، يتواضع ، احياناً، ويخفض من "سقف" آماله، مكتفيا بتحقيق مفردة من مفردات "بيت الاحلام"!.
كتب لي يوما، عن مشاهداته لمبنى، كنت قد كتبت عنه بحثاً مطولا، وأعجب بفكرة حلوله
مثل هذه، كانت احلام كامل شياع: بيت بقمرية وبظلال طبيعية!. لكن حتى هذه "الاحلام" لم يتسنَ له تحقيقها ، لم يمنح الوقت لتنفيذها، فالقتلة كانوا في عجلة من امرهم، يرعبهم تحقيق الناس البسطاء لاحلامهم!.
وقبل ايام معدودة فقط من استشهاده، استلمت منه رسالة بالبريد الالكتروني، تعليقا لمادة لي عن عمارة اصفهان بايران، تزامنت مع زيارته الى تلك المدينة الرائعة الغنية بعمارتها، واطلاعه على ميدانها الشهير، مسجلا انطباعاته عنها،
... خاتما بتلك الكلمات رسالته الاخيرة. لم استطع ان ارد عليه، فقد كانت طلقات كاتم الصوت المجنونة اسرع مني!.
لقد اغتالوا حالماً وحلماً، ... حلمنا جميعاً!.□□
#خالد_السلطاني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟