منير درويش
الحوار المتمدن-العدد: 2390 - 2008 / 8 / 31 - 01:15
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المشرق العربي
شكل استيلاء حزب البعث العربي الاشتراكي على السلطة في 8-3-1963 منعطفا مهما في تاريخ سوريا المعاصر بعدالاستقلال ,كون تداعيات هذا الحدث لازالت مستمرة ,حيث حكم حزب البعث سورية وذلك عبر المؤسسة العسكرية بموجب القرار العسكري رقم -2- الذي اعلن بموجبه اعلان حالة الطوارئ و الاحكام العرفية منذ ذلك اليوم حتى هذه اللحظه, وعلى اهمية الصراعات الداخلية في حزب البعث و المؤسسة العسكرية, الا أن حافط الاسد استطاع ان يحسم الصراع لصالحه في 16 تشرين الثاني من عام 1970 و يستولي على السلطة , و ينقلها من شكل التحالف بين الجيش و حزب البعث الحاكم , الى هيمنة الاجهزة الامنية على السلطة و البلاد , و تحول حزب البعث الى موالي للسلطة ليس حاكما بل شاهد زور , و بموجب المادة 153 من الدستور السوري الدائم و الذي تم صياغته بما يكرس هيمنة مطلقة لرئيس الدولة و الاجهزة الامنية , سلطة مطلقة للايديولوجية القومية البعثية , سمحت هذه المادة العمل بالقوانين و التشريعات الاستثنائية , و تدخل البلاد في نفق مظلم مازال مستمرا , بأبعاده الاقتصادية و السياسية و الثقافية و الاجتماعية , عبر ممارسة كل اشكال القهر و الاستبداد و الاضطهاد و في بعض الاحيان ممارسة الارهاب ضد المجتمع , كا حدث في عقد الثمانينيات , و احداث القامشلي , و مؤخرا فصول سجن صيدنايا العسكري , و ذلك بعد ضرب كل القوى السياسية المعارضة و منع العمل السياسي , وذلك عبر الاعتقالات التعسفية او النفي او القتل في بعض الاحيان (الشيخ معشوق الخزنوي) فتحولت العلاقة مباشرة بين سلطة مطلقة قاهرة و مجتمع ملاحق بلقمة عيشه ووضعه المعاشي السيء جدا , الى علاقة قهر و اذلال و اهانة و اضطهاد , مما عمم ثقافة الامتيازات و الولاءات و الازلامية و الوشاية والمخبرين , و عم الفساد بشكل مريع وفاضح و عاهر ,حيث تحولت السلطة الى مصدر للثراء عبر نهب المال العام بشكل فاضح , و ذلك كرس وعزز الثقافة الأصولية وثقافة الخوف والعنف والكره في آن .
ففي البلاد التي تغيب فيها الديمقراطية و الحريات العامة و التحكم بالحديد و النار ينمو الارهاب و العنف في المجتمع و يتراجع الحس والمسؤولية الديمقراطية و ثقافة التسامح , و المناضلين من اجل الديمقراطية و التغيير في سورية يحاربون بضراوة ان كان عبر اعتقالهم كما حدث مع الالوف واخيرا مع موقعي اعلان دمشق بيروت و المجلس الوطني لاعلان دمشق و بعض القيادات الكردية مؤخرا (محمد موسى سكرتير الحزب اليساري الكردي و اختطاف القيادي مشعل التمو في حزب تيار المستقبل الكردي ) او عبر الاستدعاءات المستفزة و المتكررة و التهديد و الوعيد , ومن يتمكن منهم من الهروب من الوطن و اللجوء الى الدول التي يمكن ان تؤمن لهم و لاسرهم الملاذ و الامان, حيث تراجعت احلام الكثيرين الذين رفعوا شعارات كبيرة الى مجرد جواز سفر و فيزا للهجرة .
مما يضع المعارضة السورية امام مسؤوليات تاريخية استثنائية , طبعا المعارضة المتواجدة بالداخل و المعارضة المتواجدة بالخارج, و ضرورة القيام بدورها من اجل انقاذ سورية من احتمالات التدهور المستمر , وهذا يضعهم امام تحديات مهمة استثنائية , وربما من اهم هذه التحديات , تحديد الاولويات السياسية في هذه المرحلة , و باعتقادي هي:
أولاً - ان تتمكن المعارضة السورية من انتاج التكامل السياسي بين المعارضة في الداخل و في الخارج و التوافق على خطوات عملية بالمعنى السياسي و الحركي-التنظيمي و الاعلامي,/ تعبر عن توافقات و اولويات سياسية تتعلق بتحديات المرحلةوخطورتها السياسية و الامنية و الاقتصادية و الاجتماعية .
ثانيا- ان تهتم المعارضة في صياغة خطاب سياسي يعبر عن رؤية سياسية واضحة موجهة للمجتمع الدولي, تتحدد فيه بعض المحاور الاساسية , منها خطورة استمرار السلطة السورية على المستوى الداخلي و الاقليمي , من الزاوية السياسية و الامنية و الاقتصادية و الاجتماعية . و ايضا ان تقدم المعارضة السورية نفسها كبديل حقيقي بكل ما تعنيه هذه الكلمة , وذلك على مستوى البرنامج الداخلي لها و على مستوى رؤيتها للعلاقات الاقليمية و الدولية ومن ضمنها موضوع السلام في المنطقة, و التحالفات الاقليمية الدولية , و كذلك وضع استراتيجية واضحة على مستوى الحراك الداخلي, لكي يتمكن المجتمع السوري بكل تنوعه الفسيفسائي و انتماءاته المختلفة الانتقال من خوفه الذي زرعته و كرسته السلطة السورية و نظامها المخابراتي, الى تبني المشروح الوطني الديمقراطي الذي يشكل الخيار ربما الوحيد الذي يمكن سورية من تجازو وضعها الحالي الخطر الى فضاء الديمقراطية على المستوى الداخلي , وفضاء السلام و علاقات حسن الجوار على المستوى الاقليمي .
مما يمكن الشعب السوري من تحسين شروط حياته بشكل عام.الا انه يبقى السؤال هل تتمكن المعارضة السورية حقا ان تقدم نفسها كبديل عن هذه السلطة و تؤكد مصداقيتها و اهميتها؟؟؟؟؟
منير درويش
#منير_درويش (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟