أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - من أطاك النضال والاحتجاج إلى أطاك التهجير والسفريات















المزيد.....


من أطاك النضال والاحتجاج إلى أطاك التهجير والسفريات


و. السرغيني

الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 10:14
المحور: اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي
    


دواعي الرد والانتقاد
على مدى سنوات من الإغلاق المحكم للحدود الأوروبية، باتت جحافل الفقراء والبؤساء والمعدمين والعاطلين.. من كافة الأرجاء، مرابطة على الحدود، متربصة بأية فرصة من اجل اختراقها، مستعملة كافة الأساليب والحيل والطرق المغامرة والملتوية، من أجل النفاذ بجلدها من جحيم القهر والقمع والاستعباد.
في هذه الظروف اختارت بعض الجمعيات نوعا من التحايل على القوانين الأوروبية المجحفة التي داست علانية، وبتحدي، وعجرفة وافتخار.. لأحد أهم المبادئ التي لا تتوقف عن التغني بها والتطبيل لها، ألا وهو الحق الحر في التنقل لجميع المواطنين داخل بلدانهم ومن بلد لآخر، كيفما كانت جنسيتهم وأصولهم.. وإذا كانت العديد من الجمعيات ـ وكم هي كثيرة، إذ تعد بالآلاف والمئات في بعض الحواضر ـ المعروفة بانتهازيتها وبلهثها وراء المنح المادية وامتيازات السفريات والتمويلات المشبوهة من هنا وهناك..الخ هي السباقة لانتهاج سلوك التهجير أو ما يعرف عند المغاربة بالحريكْ، يعني أن تتحول مكاتب الجمعيات إلى مقرات للوساطة والسمسرة لمن يرغب في الهجرة، فالعدوى انتشرت لتشمل الجميع.
ويتم الدفع طبعا، والأثمنة مختلفة حسب الجمعيات والمرشحين.. وتتم العملية تحت غطاء الانتداب لمهمة تواصلية في إحدى البلدان الأوروبية مع جمعيات مشابهة أو ذات نفس الاهتمام، أو لحضور مؤتمر حزب أو نقابة صديقة، أو لحضور ملتقى دولي يضم هيئات مختلفة تجتمع حول موضوع محدد.. بل الأدهى من كل هذا أن يتم التأسيس لجمعيات لهذا الغرض وفقط، وقد يتم ضبط العديد من الحالات التي "هاجرت" خلالها الجمعية بكاملها، مكتب ومنخرطين.
لهذا الحد، فالجمعيات المشار إليها، بعيدة كل البعد عن الجدية والالتزام وسلوكها سلوك تجاري انتهازي متحايل ومعروف، أما أن ينتقل المرض لجسم اليساريين وللجمعيات التقدمية ذات الارتباط بحركتهم، فذلك ما سيكون موضوع ردنا وانتقادنا وسوف لن نتخلف عن تشهيرنا بجميع الأطراف المساهمة في شيوعه، وللحد من انتشار هذا الوباء الذي لم تسلم من انتشاره حتى بعض النقابات، الاتحاد المغربي للشغل، فرع الرباط كمثال.
لقد سبق وأن خضنا الصراعات المريرة ضد سماسرة التهجير بمدن الشمال ـ طنجة، تطوان، العرائش والقصر الكبير ـ في إطار ما يسمى بالمنتدى الاجتماعي الأورو متوسطي أو عبر مبادرات ما يسمى بشبكة الجمعيات التنموية بمدن الشمال.. وقد قمنا في حينها بفضح كل الساهرين على العملية بمن فيهم السمسار الفوضوي الإسباني المسمى "أكوستين" وحليفته وسفيرته بالرباط المدعوة "لوسي" زعيمة التيار التروتسكي التابع لتيار "المناضلة" العالمي، وكذا بعض من منخرطي "النهج الديمقراطي" أو ما يعرف بتيار "النهج التنموي" داخل مناضلي "النهج الديمقراطي".
وإذا كانت العناصر المناضلة والجدية داخل هذا الحزب ما زالت تمثل الأقلية الضعيفة، فالغالبية الساحقة من أنصار ومتعاطفي حزب "النهج الديمقراطي" انخرطت في العملية بحماسة غاضة الطرف على كل الشبهات وعلى كل المضاعفات الناتجة عن هذا التحايل الذي جعل من جمعيات تدعي النضال والاحتجاج والاهتمام بالكادحين وبأوضاع الكادحين وأبنائهم لانتشالهم من البطالة والأمية والتهميش، وللدفع بها للانخراط في عملية الصراع الطبقي بكل مستوياته الفكرية، الاقتصادية والسياسية، ضد أسباب الحرمانات وضد المتسببين فيها والناهبين للخيرات والمستبدين بالسلطة والجلادين والمستغلين ومصاصي دماء الغالبية الساحقة من المغاربة، العمال والكادحين وسائر التجار الصغار والحرفيين والفلاحين الفقراء والمعدمين وصغار الموظفين والمستخدمين..الخ إلى جمعيات وهمية تنشط وتنفذ برامج وهمية لتتقاضى عنها بالمقابل تمويلات حقيقية تساهم في تنظيم سفريات حقيقية لملتقيات ومنتديات أوروبية حقيقية!! إذ حاولت هذه الجمعيات التوسيع من قاعدتها والتضخيم من منخرطيها، بل واستدراج المنخرطين لتنظيمات وهياكل الحزب تحت وعود التهجير وتسهيل الاستقرار بإحدى المدن الأوروبية.. وقد كانت تجربة برشلونة 2005 كإحدى المحطات التي أوصلت الصراع لذروته القصوى خاصة بعد اختفاء التمويل الخاص بالتهجير والذي قدٌر بمائة وعشرين ألد درهم ـ1200 أوروـ ما بين أكوستين ولوسي والمسمى هشام الشعرة من شبكة الشمال التنموية.. زيادة على عدم رجوع العديد من مندوبي الجمعيات المغربية من منتدى برشلونة ـ من أطاك لوسي ومن الشبيبة العاملة ا.م.ش ومن جمعية المعطلين..ـ، بل الأغرب والأفظع هو أن الغالبية الساحقة من المندوبين لم يحضروا أنشطة المنتدى ولم يساهموا بأي شيء يذكر في نقاشات ومناظرات المنتدى.
وقبل الخوض في الموضوع من كل جوانبه، لا بد من التذكير بأن الساحة المغربية تضم الآن العديد من الجمعيات المنخرطة في حركة مناهضة العولمة الرأسمالية بشكل مباشر أو غير مباشر، وتبقى جمعية أطاك من الجمعيات المعروفة أكثر بهذا التخصص، لكن الجمعية وخلال الثلاثة سنوات الأخيرة، انقسمت على نفسها، حيث اختار التيار التروتسكي جمعية خاصة به وعلى مقاسه، يمكن اعتبارها فرعا لأطاك فرنسا، تتماهى هياكلها مع هياكله السياسية، فيما اختارت التيارات اليسارية الأخرى، "النهج الديمقراطي"، "الاشتراكي الموحد"، "الطليعة الديمقراطي الاشتراكي"، "الخيار اليساري الديمقراطي القاعدي" وبعض الفعاليات اليسارية المستقلة إضافة لبعض من تيارات الحملم.. التشبث بفكرة أطاك المغرب النموذجية، المرتبطة بقضايا الكادحين المغاربة، وبزاوية النظر اليسارية التي تضع الملفات الحساسة ذات الأولوية وذات الراهنية والارتباط بواقع الكادحين المغاربة اليومي والآني ضمن أولى اهتماماتها، مع التشبث والارتباط بالتصور الجذري الذي يطمح للتقويض الجذري للرأسمالية وليس إصلاحها وتعديلها كما تدعيه أطاك فرنسا وببغاواتها في الداخل عبر تطبيق ضريبة طوبين التي "ستغير" أوضاع الكادحين، وعبر حمل شعار % الذي يحيل إليها.

عودة لتاريخ التأسيس
شكلت جمعية أطاك منذ انطلاقاتها الأولى أواخر القرن وبداية الألفية الثالثة، إحدى أهم الجمعيات المساهمة في حركة مناهضة العولمة الرأسمالية ومع بداية الانطلاقة هذه احتد الصراع حول أطاك التي نريد كفاعلين ونشطاء مؤسسين، مبادرين وملتحقين.. وقد حاولنا بعد انخراطنا في هذه الحركة تقديم الرأي في العديد من محطات أطاك التنظيمية الوطنية والمحلية، ومن خلال تقدير عمل المجموعة المحلية بطنجة، والتي خلقت لنفسها تعاطفا وتجذرا جماهيريا بوءها الريادة في مجال اتخاذ المبادرات ومتابعة مختلف الملفات التي أبرزت حجم وخطورة العولمة الرأسمالية، بل وأبرزت كذلك ما يتمتع به النظام الرأسمالي من جشع واستغلال وعدوانية تجاه الكادحين، فاقت كل التوقعات والحدود.
صحيح أن النموذج المتوفر آنذاك، كان هو النموذج الفرنسي بما راكمه من تجربة، من حيث التنظيم ومن حيث الأطروحات النظرية، بما شكله هذا من دافع وحافز، كان كافيا وأساسيا لتلقفه بحذافيره من بعض المولعين بالجاهز من الأشياء، خاصة تلك الآتية من فرنسا!.. لكن وبعد تراكم الصراع والتوجيه والإنتاج النظري والبرنامجي.. وانطلاقا من ملتقى بورتو أليغري ومن بعده ملتقى بومباي.. انتعشت التجربة المغربية من جديد لتنطلق حركات التصحيح على أسس نوعية ونقدية جديدة، لترفع شعارات الاستقلالية وعدم الارتهان للتجربة اللبرالية التي تخوضها أطاك فرنسا وبعض التجارب التي تدور في فلكها.
انطلقت التجربة المغربية معتمدة على مبادرات بعض من فعاليات اليسار الاشتراكي بتنوعاته الجذرية والإصلاحية، الماركسية والتروتسكية.. وتشكلت الجمعية ـ أطاك ـ وعقدت مؤتمرها بداية الألفين وأسست لنفسها مجلة ناطقة باسمها واتخذت بعض المبادرات هنا وهناك، مناهضة لبعض مظاهر الخوصصة في المغرب، كما شاركت في العديد من الملتقيات والتظاهرات ـ فاتح ماي، مسيرات المعطلين، مناهضة الغلاء وخوصصة الماء والكهرباء..الخ ـ لكن وبالرغم من جميع المبادرات الميدانية التي انخرط فيها نشطاء الجمعية، من خلال التجارب المحدودة لبعض الفروع، لم تتمكن الجمعية من استيعاب كل الحركات المناهضة للعولمة الرأسمالية والممتدة إلى عمق الطبقات الشعبية الكادحة، وبدت الجمعية كالجسم الغريب الذي استعصى عليه الانصهار وسط حركة الكادحين المناهضة للعولمة واجتذاب أقوى منظماتها ـ النقابات ـ.. من طلاب وتلاميذ وآبائهم، وعمال ومعطلين وفلاحين فقراء ومعدمين، وصغار الموظفين والمستخدمين وكافة أصحاب الحرف والتجارة والمهن الحرة الصغيرة التي لا تقوى على مسايرة سياسة وخطط النظام الرأسمالي وما يترتب عنها من نتائج وخيمة، كمثلا برامج الخوصصة والزيادات المهولة والمتكررة لأسعار المواد الغذائية والخدمات الاجتماعية الضرورية، كالنقل والتعليم والاستشفاء والسكن..الخ
فلماذا لم تنجح أطاك إذن، في رسالتها هذه؟ أظن أن الجواب المتسرع لن يفيد الحركة ولا الجمعية في شيء، وسيكون من أسهل الأمور أن نرد الفشل والعجز لعامل من العوامل أو لطرف من الأطراف المساهمة في هذه التجربة، وبالتالي، فليس المجال هنا للتوسع في كل ما يحيط بثغرات وانزلاقات التجربة، لكننا فقط وفي إطار ردنا وانتقادنا لبعض المظاهر والمسلكيات المضرة بتجربة أطاك وبتجربة الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية، حاولنا قدر المستطاع والإمكانيات استغلال الرد للنبش في بعض من أسباب تعثر التجربة بنسختيها الأولى والثانية مع الانعراج والتركيز على التجربة المنشقة، تجربة أطاك الدولية أو تجربة التروتسكيين في إطار الحركة المناهضة للعولمة.
فمنذ التحاقنا بهذه الجمعية وانخراطنا في ديناميتها وهياكلها، اتضح لدينا جليا نوعية الصراعات التي نخرت الجمعية والتي كانت في أغلبها مرتبطة بالصراع والمنافسة على موقع السكرتارية التي كانت، بالنظر للتصور التنظيمي الذي أفرزها، محكومة بالشلل والفشل، كانت سكرتارية مجردة من أية صلاحيات قيادية، ومقطوعة الصلة بالمجموعات والفروع، إضافة للتسيب التنظيمي الفظيع الذي عاشته تجارب الفروع والتي لم تكن تمتلك في الأصل أي قانون تنظيمي تحتكم إليه وتستند عليه.
كانت المجموعات الناشطة تخترع لنفسها الشكل التنظيمي الذي يلائمها أو الذي ينسجم مع قناعات نشطائها وأصبح التنازع بين التيارات والتسابق فيما بينها لحد أن مجالس التنسيق الوطنية لم يعد من جدول أعمالها سوى نقط البت في تعدد المجموعات بمدينة واحدة، وهي المجموعات التي لم تكن في الأصل عدا مجموعات سياسية منسجمة لهذا الحد أو ذاك.. تتحرك باسم جمعية أطاك.
بنفس الحدة عرفت لقاءات وملتقيات التنسيق الوطني صراعات وهمية حول مواضيع وهمية لا علاقة لها بالواقع ولا بالميدان، ولم تشهد الملتقيات صراعات حول التصورات والمواقف والمبادرات الميدانية التي يجب اتخاذها، بل اكتفى البعض بالدفاع عن مواقعه المريحة في الجمعية دون أن يفكر في تطوير تصورات وأدبيات الجمعية ولا في معالجة الفراغ القانوني في مجال التنظيم والقضاء تدريجيا على مظاهر التسيب التنظيمي، وفي الجهة الأخرى احتمى الطرف الآخر بالتجربة الدولية "المقدسة" ناقلا مفاهيم وبرامج وصيغ.. دون تقدير وتمحيص لأوضاع الحركة ولجنسيتها.. ودون تبصر لردود الأفعال السياسية والمجتمعية المغربية، مستندا على تصور يراهن على طليعة الحركة الاجتماعية لقيادة الصراع ضد العولمة الرأسمالية، بشكل مبالغ فيه وبقوة، ومروجا لخطاب عدائي وليس نقدي، لكافة الأشكال التنظيمية الكلاسيكية ـ الحزب والنقابة ـ ولكل آليات الدفاع الجماهيرية والطبقية في الصراع ضد العولمة الرأسمالية.. معتمدا على الاحتجاج/الرد فعل وفقط، تحت شعارات ومطالب لبرالية محضة لا تتعدى المطالبة بتطبيق ضريبة طوبين على أموال المضاربين، والمطالبة بإلغاء الجنات الضريبية، وبتطبيق بعض الإجراءات الإصلاحية الطفيفة التي لا تمس النظام الرأسمالي الإمبريالي في شيء، كالمطالبة بعدم أداء الديون للمؤسسات المالية العالمية، وإيقاف الحروب ونبذ أي استعمال للعنف المسلح..الخ
ودون أن نترك الباب مفتوحا لردود الأفعال الصبيانية التي لا تقبل ولا تستسيغ انتقاداتنا، ولا تتصور الرأي الآخر إلا حليفا لخصمها أو لعدوها، فانتقاداتنا هذه التي اتخذنا من "عملية الحريك" المدبرة والمنظمة، مناسبة لها، هذه الآفة الخطيرة التي أصبحت نقطة سوداء في جسم اليسار ووصمة عار في تاريخ تجربته لن تمحيها أية من الذرائع والمبررات، إذ سبق لنا وأن حاربناها على جميع المستويات وداخل جميع الفضاءات والملتقيات والهيئات.. هاته الآفة السيئة والقاتلة التي لم تسلم منها أية قوة من قوى اليسار وأي تيار من تياراتها سوى النزر القليل.
فأن تتحول الظاهرة إلى نزعة ومسلك مقبول ومبرر من طرف البعض أو الغالبية، فذلك ما نحاربه وسنستمر في محاربته وفضح المنخرطين فيه والداعين له.. فليست أطاك فقط من تعاني من هذا الأذى، بل هناك جمعيات وشبكات متخصصة في التهجير/الحريك باسم التنمية وباسم النضال اليساري الذي يحاول أو يدعي "مساعدة الكادحين" على الخروج من الفقر والتهميش والأمية..الخ وبهذه المناسبة نشد وبحرارة على أيدي أحد مناضلي "النهج الديمقراطي" من منطقة الشمال الذي قدٌم نقدا لرفاقه في التنظيم على ما اقترفوه في هذا المجال، مما اعتبرناه في حينه نقدا ذاتيا في مستوى المرحلة التي تتطلب من قوى اليسار الاشتراكي الارتباط أكثر بالكادحين وبالطبقة العاملة والعمل النقابي، بدرجة أكثر وأقوى من انغماسها في ملذات العمل الجمعوي التنموي وفي مردوديته العالية ـ جريدة "النهج" عدد 124، بقلم سعيد الشاوي ـ
لقد تفشت هذه الظاهرة السلبية بشكل كاد أن يأتي على جميع منجزات بعض الجمعيات اليسارية الجدية، وأن يشكك بالتالي، في تضحيات مناضليها عبر سنوات من الكفاح في هذا المجال، بل وأصبح الشغل الشاغل للعديد من الجرائد الرجعية واللبرالية هو أن تتصيد منزلقات وأخطاء بعض الجمعيات لتشن الحرب على اليساريين وتقدمهم على أنهم انتهازيين يركبون متن مآسي الشباب والمعطلين للوصول لمآربهم ولتحقيق مصالحهم، وباتخاذ الملتقيات الدولية مطية لتهجيرهم للضفة الأخرى، وقد تكررت العملية في تجربة "أطاك الدولية" المرتبطة بتيار "المناضلة" التروتسكي أكثر من مرة بل وتقريبا كل سنة، وقد سبق أن فضحنا هذا المسلك ومسلكيات انتهازية لعدة مرات، ومن خلال العديد من المداخلات والكتابات التي اعتبرت في حينها تجنيا وتلفيقا في حق التيار، رغم أن المعطيات تفقأ الأعين من خلال تجارب بتطوان والرباط وأكادير..الخ
وآخر ما جادت به الصحافة في الموضوع هو ما تعرضت له جريدة "الحياة الجديدة" الأسبوعية عدد 23 غشت 2008 حول محاولة أربعة من منخرطي أطاك التروتسكية الهجرة/الحريك إلى ألمانيا تحت ذريعة الحضور للجامعة الصيفية التي ستنظمها "أطاك الدولية" بمدينة "سارلبروك" حيث رفضت السفارة الألمانية منحهم التأشيرة بالنظر لسوابق الجمعية في ميدان الهجرة والتهجير! وبالتالي لم تعد صيحاتنا وتشهيراتنا التي توالت لسنوات ومن بداية الألفين تجنيا أو افتراء بل أصبحت حقيقة تستوجب من جميع المناضلين اليساريين أخذها محمل الجد بالنظر لخطورتها ولتأثيراتها السلبية على ما يمكن أن تراكمه السياسة اليسارية والكفاح والنضال اليساري في ميدان الاحتجاج، وفي ميدان مناهضة العولمة الرأسمالية.
بنفس القدر وبنفس الجرأة، لا يمكن بالمناسبة أن نشطب إيجابيات التجربة التروتسكية في الميدان أو أن نتنكر لحضور أعضائها الميداني في الساحة الطلابية وبداخل حركة المعطلين وحركة مناهضة الخوصصة والغلاء..الخ فلا نريد أن نبتعد عن الموضوع الذي أصبح حقيقة لا يتناطح حولها عنزان.. كذلك الشأن بالنسبة للتجربة التي انخرطنا فيها وتحملنا مسؤولية أجهزتها، فهي تجربة باهتة بكل المقاييس، تجربة اعتمدت، عن حسن نية أو سوءها، لا يهم، إشراك جميع الفعاليات اليسارية في تدبير عمل الجمعية، لكنها اختفت وتوارت عن الأنظار منذ مؤتمر الجمعية الأخير، عدا حضورها الباهت في بعض الملتقيات والمهرجانات والمحطات النضالية كنوع من الإنزال العددي والكمي "الهيئاتي" ـ نسبة للهيئات السياسية، النقابية والجمعوية ـ التي ينتمي إليها أو "يتنفذ" بمكاتبها أعضاء الحزب المهيمن داخل أجهزة الجمعية، مع العلم أن أعضاء الحزب المذكور لم يتمكنوا من تأسيس أية تجربة نوعية تذكر في أية مدينة أو قرية، وظلت تجربتهم مرتبكة أمام انصياع البعض من قيادة الحزب للتجربة التروتسكية في بعض المدن، كالرباط والبيضاء.. والتي أصبح التعامل معها كأمر واقع لا تردد في شأنه!.
الخلاصة هو أننا حين نطرح انتقاداتنا للمناضلين والمتتبعين والقراء، يتم الرد على رأينا بشيء من الحقد والحقارة التي لا تتغيي سوى طمس هذه الأخطاء والتغاضي عن المنزلقات، وتقديم "المناضلين" كأنبياء مقدسين لا يخطئون ولا يتهافتون عن المردودية والامتيازات ولا يتطلعون إلى التسلق بعد التهاوي والانهيارات.
فمنذ انطلاق التجربة وبالرغم من العديد من المحاولات لوضع تصور تنظيمي للجمعية ولتحديد برنامج نضالي وعملي يخص ويقود أنشطتها ومبادراتها، تعثرت التجربة وانخرطت في تصفية الحسابات السياسية الحزبية الضيقة معطلة حماس الشباب المناضل ومكتفية بالانبهار بتجارب عالمية بعيدة عن انتماءاتنا وعن قضايانا وعن تطلعاتنا..، مع التخلف البين والواضح عن ملفات اجتماعية حساسة وذات أولوية قصوى بالنسبة للكادحين المغاربة من قبيل التعليم والمدرسة العمومية وحق ولوج الجامعة.. والاستشفاء المجاني، ومناهضة البطالة والسكن غير اللائق، ومناهضة الغلاء وارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية، وكذا مناهضة التهشيش الذي يعرفه قطاع الخدمات بصفة عامة، والمساس بالحريات الديمقراطية كحق التجمع والتظاهر والتعبير والتنظيم..الخ
عوض هذا اتجهت غالبية التحركات الأولى، والتي كانت معزولة وغريبة عن النخبة وبالأحرى عن القاعدة الشعبية التي تستهدفها الجمعية في تطلعاتها إلى ملفات أخرى كالحروب ومناهضة المناطق الصناعية الحرة والجنات الضريبية ومديونية الحكومات تجاه المؤسسات المالية العالمية..الخ

بعض من أطاك الذي نريد
فلا يمكن لجمعية أطاك أن تساهم في مناهضة العولمة الرأسمالية إلا بالاقتراب من الملفات الأكثر حساسية وذات الارتباط بالواقع المعيشي لغالبية الساكنة الكادحة، ولا يمكن بالمرة مناهضة العولمة الرأسمالية وفي نفس الوقت إجهاد النفس للتمييز بين أطرافها، أي ما بين المتوحشة والأليفة، واللبرالية والنيولبرالية..الخ بل لا بد من الشرح لكافة المواطنين المنخرطين في دينامية الاحتجاج ضد العولمة الرأسمالية أو الرأسمالية المعولمة والإمبريالية، على أن النضال يجب أن يكون جذريا ورافضا لنمط الإنتاج الرأسمالي المبني على الاستبداد والاستغلال والعبودية، وكاقتصاد مبني على النهب والسلب والغلاء ونشر الجهل والأمراض والبطالة..الخ
فلا يمكن لجمعية مناضلة تبتغي تأطير نضالات واحتجاجات العمال والكادحين والمهمشين.. بأن تزرع اليأس والتيئيس، بالقبول بالمر الواقع وبأبدية الهيمنة الرأسمالية والإمبريالية على الكادحين وعلى الغالبية الساحقة من ساكنة الأرض، والتي من نتائجها الاستحواذ على الخيرات والتهديد بالمجاعة والحروب، والانقراض البيئي والبشري والحيواني..الخ
لا يمكن الاستمرار في التساؤل عن "أي عالم نريده؟" بعد كل التجارب والتراكم الميداني والثوري لنضالات الكادحين وبشكل خاص نضالات الطبقة العاملة ومحاولاتها عبر انتفاضاتها وثوراتها لإقامة نظامها الاجتماعي والاقتصادي البديل، النظام الاشتراكي الذي لا بديل عنه ولا مندوحة من إقامته كرد وحيد وأوحد على جميع كوارث النظام الرأسمالي..
لا يمكن لجمعية ارتبطت منذ انطلاقاتها الأولى باحتجاجات المنتجين الكادحين الفقراء والمهمشين.. أن تجتهد في الإفتاء على مصاصي الدماء الرأسماليين، بالتصدق والمنة بفتات الضرائب الناتجة عن المضاربات، لصالح تنمية واقع الكادحين وإنقاذهم من العوز والفقر، والتنفيس عن "حكوماتهم ودولتهم".. فالمطالبة بتطبيق ضريبة طوبين وبإلغاء الديون عن الحكومات لا تساعد على رفع الغشاوة عن وعي العمال والكادحين، بل تزيده تضبيبا وتغييما بحقيقة الغول الرأسمالي الذي ولد وحشا لتتعمق وحشيته مع دخوله عصر الإمبريالية الذي لا يرحم، فالرأسمالية الآن إما أن تكون وحشية وإمبريالية أو لا تكون، واليسار المعارض لسياستها ولخططها ولحكم وكلائها.. إما أن يكون اشتراكيا أو لا يكون.
هذه حدود بعض من أفكارنا وتصوراتنا للنضال الذي من المفترض أن تخوضه الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية، وهذه بعض من انتقاداتنا للمسار الذي اتخذته بعض فعاليات الحركة، انتقادات لا نرجو منها ربح المعركة ضد الخصوم، بل تحفيز المناضلين والكادحين على دخول المعركة ضد الأعداء الحقيقيين، أي جميع الرأسماليين، المحليين والجانب الإمبرياليين، من بابها الواسع دون الرهان على الحلول الترقيعية الإصلاحية، ودون اللهث وراء بريق الملتقيات أو الاصطفاف أمام عدسات التصوير والكاميرات، والجري وراء السبق الصحافي لنقل التزييف والمعطيات الخاطئة عن معارك لم يحضرها مدبٌج التقرير..الخ
فتصورنا لنضال الجمعية ينطلق من قناعاتنا بأن الحركة المناهضة للعولمة الرأسمالية هي حركة جماهيرية، من حيث تنوعها السياسي اليساري ومن حيث ارتباطها المفترض الذي لا بد وأن يكون متينا مع العديد من الطبقات والفئات الشعبية الكادحة المتضررة من استمرار الهيمنة الرأسمالية على واقع ومستقبل الكادحين، فالجمعية من حيث طموحاتها الجماهيرية لا بد وأن تكون ديمقراطية في تكوينها وتنظيماتها وأساليب تدبير عملها..الخ، لا بد للجمعية أن تستوعب كافة الفعاليات اليسارية المعارضة للنظام الرأسمالي ولا بد لها كذلك أن تضم مختلف الفعاليات الحزبية والنقابية والجمعوية المتنوعة ذات الأصول اليسارية الاشتراكية لتسهيل عمل اليسار ولكي يتجاوز العقبات والمثبطات الواقفة أمام تصوره، خصوصا عقبات الارتباط بالطبقة العاملة التي باتت مرهونة لعقود وسنين في قفص البيروقراطية والانتهازية.. وكذا عقبات الارتباط بهوامش المدن وبأقصى البوادي في الأرياف.. الغارقة في مستنقع الظلامية والرجعية الانتهازية والوصولية.
فلا بد للمناضلين اليساريين من الارتباط بهذه الحركة وبهذه الجمعية من منطلقات الفعل والتطوير والتأطير للحركة الاحتجاجية المتنامية، لا بد لليسار الحقيقي أن يطور أفكاره ومواقفه وآليات عمله.. مرتكزا على منطلقاته الفكرية والتزاماته الطبقية العمالية بدل الفرجة والانتقاد السلبي والابتعاد عن المشاركة، مخافة من عدوى الإصلاحية والانتهازية والتروتسكية..الخ! فمن داخل معمعان الاحتجاج والتأطير يتطور الفعل اليساري وتتقدم الخطوات نحو الآليات الأكثر فاعلية وجذرية للقضاء على الرأسمالية الإمبريالية من جذرها وللدخول لعصر الثورات الاشتراكية ولمجتمعات الكادحين المنتجين اللاطبقية.
هذا خطنا وهذه أهدافنا، وسنظل واقفين صادمين بدون هوادة ضد كل مظاهر اليأس والتيئيس، وضد كل المنزلقات الانتهازية النفعية، وضد كل الأساليب التي تتخذ من مآسي وواقع الكادحين والشباب المعطل.. مطية لتوسيع الدائرة الاستقطابية لهذا التيار أو ذاك. فمن حق الشباب أن يهاجر بكافة الطرق "القانونية وغير القانونية" لكن ليس عبر الجمعيات أو النقابات أو الأحزاب.. التي من المفروض أنها انتدبته وأرسلته في إطار مهمة لحضور مؤتمرات أو ملتقيات، لكي يتكلم باسمها ولكي ينقل رأيها ثم الرجوع بتقرير الهيئة، عن أشغالها وتوصياتها.

و. السرغيني
غشت 2008





#و._السرغيني (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تضامنا مع معتقلي مراكش
- في ذكرى الشهيد عبد الحق شباضة
- عن أية جبهات وعن أية أهداف تتحدثون؟
- عودة الانتفاضات للواجهة
- راهنية -البيان الشيوعي-
- دفاعا عن الحركة المناهضة للغلاء... تنسيقياتنا وتنسيقياتهم
- همجية القمع تنهزم أمام المقاومة الطلابية بمراكش
- الحركة من اجل مناهضة الغلاء في مواجهة التقييمات الانتهازية
- على هامش المعركة الطلابية الأخيرة بمراكش
- إلى صاحب ربطة العنق الحمراء
- الطبقة العاملة المغربية تخلد يومها الأممي للنضال ضد الرأسمال
- توضيح خاص للأوساط اليسارية التقدمية المغربي
- الحركة المناهضة للغلاء بالمغرب
- ضرورة الإضراب الوطني بين الحق والمزايدة السياسية
- حتى لا نعارض -التسيس الفج والاعتباطي- بالسياسة الانتهازية ال ...
- -ندوة وطنية- أم ملتقى ثالث ونصف لتنسيقيات الحركة المناهضة لل ...
- وجهة نظر في تجربة التنسيقيات المناهضة للغلاء
- تجربة حركة مناهضة الغلاء بين القتل المفضوح والقتل الرحيم
- محاولات خسيسة لإجهاض عمل التنسيقية المحلية لمناهضة الغلاء بط ...
- فرع الجمعية المغربية لحقوق الإنسان بطنجة غياب أم غيبوبة!!


المزيد.....




- من قوته إلى قدرة التصدي له.. تفاصيل -صاروخ MIRV- الروسي بعد ...
- نجل شاه إيران الراحل لـCNN: ترامب و-الضغط الأقصى- فرصة لإنشا ...
- -لقد قتلت اثنين من أطفالي، فهل ستقتل الثالث أيضا؟-: فضيحة وف ...
- كيم: المفاوضات السابقة مع واشنطن لم تؤكد سوى سياستها العدائي ...
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية تعتمد قرارا ينتقد إيران لتقليص ...
- ZTE تعلن عن أفضل هواتفها الذكية
- مشاهد لاستسلام جماعي للقوات الأوكرانية في مقاطعة كورسك
- إيران متهمة بنشاط نووي سري
- ماذا عن الإعلان الصاخب -ترامب سيزوّد أوكرانيا بأسلحة نووية-؟ ...
- هل ترامب مستعد لهز سوق النفط العالمية؟


المزيد.....

- عن الجامعة والعنف الطلابي وأسبابه الحقيقية / مصطفى بن صالح
- بناء الأداة الثورية مهمة لا محيد عنها / وديع السرغيني
- غلاء الأسعار: البرجوازيون ينهبون الشعب / المناضل-ة
- دروس مصر2013 و تونس2021 : حول بعض القضايا السياسية / احمد المغربي
- الكتاب الأول - دراسات في الاقتصاد والمجتمع وحالة حقوق الإنسا ... / كاظم حبيب
- ردّا على انتقادات: -حيثما تكون الحريّة أكون-(1) / حمه الهمامي
- برنامجنا : مضمون النضال النقابي الفلاحي بالمغرب / النقابة الوطنية للفلاحين الصغار والمهنيين الغابويين
- المستعمرة المنسية: الصحراء الغربية المحتلة / سعاد الولي
- حول النموذج “التنموي” المزعوم في المغرب / عبدالله الحريف
- قراءة في الوضع السياسي الراهن في تونس / حمة الهمامي


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي - و. السرغيني - من أطاك النضال والاحتجاج إلى أطاك التهجير والسفريات