أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (3)















المزيد.....

الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (3)


عبدالحكيم الفيتوري

الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 10:09
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


وأحسب أن منطق الاسطورة والخرافة وتقديس الرموز والاشخاص، سبيل ناجع، ومجال خصب للتوظيف الإيدلوجي والسياسي، وسد منيع أمام حركة الاجتهاد والتجديد والابداع، ففي أكناف هذا المنطق تسود مقالات وعبارات تفتح مجالات واسعة لاغتيال العقل، وتوطن لعمليات قبول غير المعقول عقلا وشرعا، ومن تلك المقولات( لا يكن لك قولا ليس لك فيه سلف)،و( فهم الكتاب والسنة بفهم السلف)،و( عليك بالأموت فإنهم أبر قلوب )،و( عصمة الأئمة الاثنى عشر )،و( نزل الوحي يوافق عمر )،و( الملائكة تتكلم على لسان عمر )،و( الشيطان يخاف من عمر )،و(علي يعسوب المؤمنين)،و( علي أعظم الأمة وأفضل الأمة)،و(علي قسيم الجنة والنار)،و(علي أصح الناس دينا)،و(علي صاحب راية رسول الله يوم القيامة)،و(علي منار الإيمان ،وإمام أولياء الله).(18) وما إلى ذلك من مقولات معروفة ومتداولة والتي بموجبها تشكلت عقيدة الاسطورة عند اتباع الطائفتين.ولمعرفة صواب أو خطأ هذه الأفكار يقتضي محاكمتها إلى نصوص الوحي المعيارية.

القرآن هو الوحي المقدس: غنى عن القول، أن القرآن الكريم هو النص الذي تكفل الله بحفظه كاملا( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون )، كذلك هو النص المعياري الذي يرد إليه غيره وعنه يصدر، لذلك يتوجب محاكمة أي عقيدة أو حديث أو أثر أو إجماع إلى أصول الوحي، وبمقتضى ذلك نقول أنه قد تضافرت آيات القرآن على بشرية الرسول، وضرورة الفصل بين الرسول والرسالة( إنما أنا بشر مثلكم، يوحى إلي )، والتمييز بين المشروع وقائد المشروع( وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل، أفأن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ..).وأن عصمته في الجانب الرسالي دون البشري( ولو تقول علينا بعض الاقاويل ).فجملة هذه الآيات وغيرها تشكل المرتكز القصدي للمفاهيم المركزية التي يمكننا محاكمة تلك الأفكار التقديسية للذات والقيم البشرية .

وتأكيدا لهذا المرتكز القصدي جاءت حزمة من الأحاديث المنسوبة لرسول الله صلى الله عليه وسلم تؤكد على ذات المفاهيم القرآنية من حيث بشرية رسول الله، وعصمته في جانب البلاغ، والنهي عن تقديس بشريته واطراءه والمبالغة في ذلك، كما جاء في الحديث: لا تطروني كما أطرت اليهود والنصارى أنبياءهم، إنما أنا عبد فقولوا: عبد الله ورسوله. واللافت للنظر أن راوي هذا الحديث عند البخاري عمر بن الخطاب الشخصية التي قامت الرواية السنية بأسطرة شخصيتها( لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم وإنما أنا عبد. فقولوا: عبد الله ورسوله)(19). وقد توالت الأحاديث تترى في سياق النهي عن أطرائه عليه الصلاة والسلام ففي أحاديث العرش عند البخاري ومسلم جاء فيه: لا تفضلوني على موسى. وفي رواية: لا تخيروني على موسى؛ فإن الناس يصعقون يوم القيامة فأجد موسى باطشا بساق العرش، فلا أدري أفاق قبلي أم كان ممن استثنى الله؟ وقال أيضا: لا تفضلوني على يونس .وفي رواية : ومن قال أنا خير من يونس بن متى فقد كذب. وفي رواية: لا تخيروني على الانبياء، لا تفضلوني على الانبياء.(20)

ولعل نهي رسول الله عن تمييزه وتفريقه على رسل الله( آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون، كل آمن بالله وملائكته، وكتابه، ورسله لا نفرق بين أحد من رسله...) نابع من شعوره بأن الذين رأوا تفضيله على سائر الانبياء والمرسلين واقعوا تحت تأثير فكرة الأسطورة وتقديس الذات وتضخيمها والتي كانت منتشرة وحاضرة في ذهن العربي والثقافة الجاهلية وعند سائر الشعوب، وأحسب أن هذا الشعور بات يعرف في علم النفس في زماننا( بارتباط الادراك البصري للأشياء بالافتقار الوجداني لها ).فالشعور بالتمييز والافضلية وجدانيا يجعل الانسان لا يرى الافضلية والتمييز إلا في قادته وزعمائه وطائفته، مما يبرهن له أن ذلك هي الحقيقة المطلقة، وأن المخالفين لهذه الحقيقة منحرفون عن جادة الصواب، سواء أكان المخالف له في الترتيب الزمكاني(=يونس، موسى عليهما السلام)،أو في شمولية قيم الرسالة(=التوراة، الانجيل، القرآن)،أو في الفكر والمذهب(=سنة، شيعة). ولا شك أن الواقع تحت هذا الشعور يصبح كالجائع الذي لا يرى في الأسواق المتنوعة إلا الأكل والشرب .

ويبدو أن ثمة توافق وتقاطع بين فلسفة الاسطورة والجوع الوجداني بالتفاضل والتمايز مما قاد بعض طوائف الإسلام إلى الاعتقاد بأن رسول الله لازال حيا؛ يسمع ويبصر ويغث. كذلك قاد بعض الناس إلى القول بعصمة رسول الله من الكبائر والصغائر قبل الرسالة وبعدها، وإضفاء صبغة الوحي على أقواله وأفعاله وتقريره وسكوته ورؤيته في المنام. وبذات الفلسفة أضفى فريق من الناس على جمهور الصحابة العدالة المطلقة بدون فرز بين التراضى عنهم وبين العوراض الأهلية التي تعتري كل البشر.
كذلك قادت فلسفة الاسطورة الخيال الشيعي في أجواء التدافع في مرحلة التأسيس إلى الاعتقاد بأن جبريل نزل على فاطمة بعد وفاة رسول الله بوصايا منها عصمة علي والأئمة الانثى عشر ، وبل منهم من يعتقد بأن ثمة إمام مختفي منذ أكثر من ألف ومائتين سنة وهو في سن الخامسة( الإمام الثانى عشر:المهدى المنتظر )،الذي دخل فى سرداب ببيت أبيه ولم يمت ولم يخرج إلى الآن، وأنه سيخرج فى آخر الزمان ليملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت جورا. بل منها من ألبس زعماء الطائفة ثوب الظواهر الطبيعة كالرعد والبرق والغيث في ثوب حكايات بطولية تتسم بالخرافة من أجل إغراق خيال الاتباع والسيطرة على إدارة الصراع مع المخالفين .

أيضا قاد هذا الخيال وهذه الاسطورة وتقديس الذوات المخيال السني في طور التدافع المذهبي والفرقي إلى الاعتقاد بأن كل الصحابة عدول، وأن عمر نزل على لسانه القرآن ، وأن الحق مع عمر، وأن الشيطان يفر منه، والوحي يصوب عمر ويخطيء الرسول المرسل، وأن عمر أغير على عرض رسول من رسول الله ، بل ذهب أحد الغلاة في نونية إلى إناطة مهمة الرسول والرسالة بعمر، وذلك بقوله:

هو أظهر الإسلام بعد خفائه أعني به الفاروق فرق عنوة
ومحا الظلام وباح بالكتمان بالسيف بين الكفر والإيمان .(21)
وهكذا قادت الاسطورة والخرافة وتقديس الذوات إلى فهم خاطيء للرسالة الانسانية ، وتحجم مقاصدها الانسانية ، حتى صارت وكأنها رسالة تدعو إلى تعظيم الذوات والاشخاص وعبودية الرموز، وليست رسالة تحرر وانعتاق، وثورة على كل أشكال عبودية البشر، كما قال القرآن( ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة، ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله، ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون. ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا. أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون ). ويبدو مما تقدم أن الاسطورة في الفكر السني والشيعي مرتحلة متطورة حسب الظروف التاريخية وحاجات الاتباع النفسية، لذا فإن لديها القدرة على ترجمة اللامعقول واللامفهوم من تصورات وعقائد وأفكار إلى صورة ناطقة مفعمة بالحياة تؤدي وظائفها الاعتقادية والمذهبية والسياسية. علاوة على ذلك فإن الاسطورة تنتمي إلى مجال الماضي والحاضر والمستقبل، لأنها تقص دوما قصة، وقعت أحداثها في الماضي، ولها في آن واحد امتداد الى الحاضر، وارتباط بالمستقبل، فحقيقتها إذن آنية وزمانية ولاتاريخية أو سرمدية-كما قال ليفي ستراوس الباحث الفرنسي-. وبالتالي فإن الاسطورة في الفكر الديني ومضة من ومضات الخلود، وفكرة مقدسة من مقدسات الفكر الطائفي، من حيث القوة الدلالية والإلزامية التي يتمتع بها الوحي الإلهي في مطلق الزمان والمكان والانسان .

يتبع





#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (2)
- الأسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (1)
- المرأة والازدراء المركب (5)
- المرأة والازدراء المركب 4
- فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (3)
- المرأة والازدراء المركب (3)
- المرأة والازدراء المركب(2)
- تطور العقل وتدرج الشرع (2)
- فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (1-3)
- المرأة والازدراء المركب (1-5)
- الإمام الشافعي راح ضحية ضربة قاتلة من مالكي !!
- الإمام الشافعي وحقيقة شعاره رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خ ...
- الإمام الشافعي ومشروعه الأصولي
- الإمام الشافعي ...وتوظيف النسب في السياسديني.
- الإمام الشافعي...وقيمة حرية الرأي !!
- هل الملائكة تلعن المرأة من أجل شهوة الرجل؟!!
- الإمام مالك...وقيمة حرية الرأي!! (2)
- الإمام مالك ...وقيمة حرية الرأي (1-2)
- لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وإشكالية الفهم
- أبو حنيفة ضحية الفكر التأثيمي !!


المزيد.....




- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عبدالحكيم الفيتوري - الاسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (3)