|
حراك المجتمع المدني اللبناني .. نحو -وطن لجميع ابنائه-
عماد الدين رائف
الحوار المتمدن-العدد: 2388 - 2008 / 8 / 29 - 10:05
المحور:
المجتمع المدني
"تعزيز السلم الأهلي والمواطنة أرضية التنمية الدامجة" في التاسع من آب الجاري تداعت مجموعة من منظمات المجتمع المدني اللبناني بالتوازي مع انعقاد جلسات مجلس النواب لمنح الحكومة الثقة، إلى ساحة النجمة لإبداء ملاحظاتها حول البيان الوزاري في جلسة حوارية ضمت ممثلين عن جمعيات ومنظمات مدنية ناشطة بالإضافة إلى عدد من الخبراء الإقتصاديين والاجتماعيين، وعدد كبير من متطوعي ومناصري هذه المنظمات. لوحظت "عدائية" كبيرة من قبل أمن المجلس النيابي تجاه التحرك السلمي إذ قام عنصرا أمن بثياب مدنية بنزع يافطة رفعها المجتمعون على زاوية مقهى يقع على بعد أمتار من مبنى البرلمان، تدعو إلى أن يتضمن الحوار الوطني العتيد القضايا الإقتصادية والاجتماعية الملحة التي يعاني منها المواطن! ثم بدأ رجال الأمن بمنع توافد الأشخاص المعوقين من مستعملي العكازات والكراسي المدولبة إلى ساحة النجمة من جميع المنافذ المؤدية إلى البرلمان، لكي لا يزداد عدد المواكبين للجلسة الحوارية، وذلك في حركة تمييز جسدي مفضوح تجاه الناشطين المعوقين، بما يتنافى مع حقوق الإنسان.
بعد يومين من الجلسة التي دعا إليها اتحاد المقعدين اللبنانيين وشبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، حضر ممثلون عن منظمات المجتمع المدني جلسة التصويت على منح الحكومة الثقة بصفة مراقبين، في سابقة هي الأولى من نوعها في لبنان، حيث لم يتسن لمندوبين من المجتمع حضور جلسات المجلس التشريعي اللبناني فيما مضى. وكان قد سلم النائب غسان مخيبر محصلة الحوار المدني إلى المجلس النيابي، فيما حمل الوزير زياد بارود ملاحظات المنظمات المدنية حول البيان الوزاري إلى الحكومة. حيث كان كل من مخيبر وبارود مشاركاً في الحوار، وكانت نتيجته أن أكد المشاركون على مطالب ثابتة منها وجوب ألا تؤثر مدة ولاية الحكومة على مضمون البيان الوزاري حيث أن الحكم استمرارية، وبالتالي أن تكون السياسات الحكومية تأسيسية للمستقبل. كما رأوا ضرورة أن يضطلع المجتمع المدني بمهام مراقبة عمل المؤسسات لاسيما التشريعية والاجرائية منها، وتوقفوا على ضرورة تفعيل المجلس الاقتصادي الاجتماعي كهيئة حوار حقيقية يشارك فيها ممثلو المجتمع المدني في مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية. وتوافق المشاركون على ضرورة التركيز على المحاور الاساسية التالية: في الجانب السياسي، أكدوا على ضرورة الإصلاح الإنتخابي كآلية فاعلة للمشاركة في تحديد الخيارات الوطنية وإنجاز الإصلاح الإداري واعتماد اللامركزية الإدارية والإنماء المتوازن. في الجانب الإقتصادي، دعوا إلى تنظيم حوار وطني حقيقي حول ما ورد في ورقة باريس 3 بما يتعلق بالسياسات المالية والإقتصادية والاجتماعية. في الجانب الاجتماعي، دعوا إلى ضرورة العمل من أجل وضع خطة وطنية للتنمية الاجتماعية بديلاً من البرامج المجتزأة كما وردت في البيان الوزاري. أما حول العنف في الخطاب السياسي، فطالب المجتمعون برفع مستوى الخطاب السياسي باعتماد الاحترام المتبادل والابتعاد عن الاتهامات المتبادلة. واكدوا على ضرورة إعداد ملفات التفاوض الاقتصادية والتجارية الدولية على أن تعكس رؤية وسياسات وطنية ولا تقتصر على كونها ملفات تقنية. وبما يتعلق بالأشخاص المعوقين، طالبوا بإضافة موضوع الدمج الاجتماعي ليشمل ذوي الاحتياجات الإضافية عندما يتم الكلام عن مشاركة الشباب والمرأة، والدعوة إلى المصادقة الفورية على الاتفاقية الدولية بشأن تعزيز حقوق الأشخاص المعوقين وكرامتهم، الصادرة عام 2006. وانتهى المجتمعون إلى إقرار آلية للمتابعة، فشكلوا مجموعة عمل بدأت عملها فوراً لتحضير اقتراحات عملية في هذا الاتجاه.
بين الكبوة والصحوة
عقب رحيل الرئيس الحريري اصطفاف سياسي غير مسبوق مشحون بنبرة سياسية عالية متشنجة بعيدة عن الآداب العامة، مع تدهور أمني تمثل بتفجيرات واغتيالات. وقد لعب سياسيو الغالبية النيابية والأقلية على حد سواء لعبة تغييب الوسطي، والمحايد الإيجابي، في لبنان طوال سنوات ثلاث، حتى بلغ الأمر ببعضهم إلى تصنيف المواطنين وتخوين الآخر. لكن الكارثة الحقيقية التي حلت بالجهود التنموية الكبيرة التي راكمها المجتمع المدني اللبناني منذ توقيع اتفاق الطائف حتى اليوم تمثلت بالاقتتال الطائفي المناطقي الفئوي الذي ما نزال نشهده منذ أيار الماضي بين بيروت والجبل، ثم في البقاع الأوسط وطرابلس حيث ما تزال النار تحت الرماد. كانت بداية الاقتتال المسلح في أيار الماضي تنذر بنهاية طبيعية لجهود تعزيز السلم الأهلي كذلك، بعد أن أمعنت أطراف الصراع السياسي في تهميش المواطنة كمفهوم وتطبيق إلى حد كبير في ظل أزمة معيشية اجتماعية "مفبركة"، وغياب شبكات أمان اجتماعية موعودة. في ظل هذه الأوضاع المأساوية اطلقت منظمات المجتمع المدني حملات سلمية حاولت أن تعيد توجيه البوصلة إلى الجهة الصحيحة، داعية إلى وقف الاقتتال وعدم استعمال السلاح في الداخل وكذلك وقف كافة أشكال التحريض الإعلامي، تعزيز السلم الأهلي، تصحيح مسار الإصلاح الانتخابي تشريعاً كمدخل حتمي نحو الإصلاح الديمقراطي في البلاد، لتكوّن هذه الركائز أرضية ضرورية للتنمية الدامجة في البلاد كي يكون الوطن لجميع أبنائه. وتجدر الإشارة إلى أن المنظمات المدنية هي تلك التي تعتقد بالمدنية منهجاً وأساساً للعيش المشترك قائماً على احترام تام لمفهوم التنوع في المجتمع، لا تلك الخيرية أو الرعوية أو الجهوية أو المرتهنة إلى هذا الزعيم أو ذاك أو إلى حاشيته، ومن الأمثلة الحية على هذه الحملات حملة "خلص"، حملة "وحدتنا خلاصنا"، الحملة المدنية للإصلاح الانتخابي، المرصد النيابي، حملات مناصرة المرأة وحق الجنسية، حملة "لا للحرب" التي أطلقها اتحاد المقعدين اللبنانيين، وقد توج هذه التحركات المدنية مسير الربيع الذي أطلقه اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني حاملاً شعار "لبنان لنا كلنا". كما لا يخفى أن كثيراً من منظمات المجتمع المدني اللبناني يعاني مشكلات بنيوية لا سيما على صعيد المناصرين للقضايا الاجتماعية في لبنان، واضمحلال مفهوم التطوع والمناصرة الذاتية لدى كثير من هذه الجمعيات، حيث لم يستطع أن يحشد مناصريه في المرحلة السابقة إلا اتحاد المقعدين كمنظمة قاعدية تعمل على طول خارطة الوطن، يزيد عدد اعضائها عن 1200 شخصا معوقاً حركياً وآلافا من الأصدقاء والمناصرين، حققت خرقاً نوعياً منذ أيار الماضي من خلال اعتصامات متتالية على طريق المطار في 16 و18 و25 أيار والتي كان آخرها في 9 آب الجاري، واتحاد الشباب الديمقراطي كمنظمة شبابية واسعة الانتشار على الأراضي اللبنانية، بعيدة عن التجاذبات الفئوية المناطقية. مما أسس لمرحلة جديدة في فهم طبيعة الحملات المدنية، وانغماس بعض الجمعيات في التوجه العام نحو المأسسة ولغة "المشاريع والبرامج" و "الممول المحلي والخارجي"، أو مفهوم الشريك "الملتبس"، تلك اللغة التي باتت سائدة وملازمة لكثير من التحركات المدنية. إلا أن كل الحملات والتحركات التي أطلقها المجتمع المدني بغض النظر عن اعداد مناصري هذه المنظمة أو تلك، أو حجم الجهود الإعلامية المواكبة لهذا التحرك أو ذاك، أو قدرات المتحدثين باسم التحركات المدنية على استقطاب الرأي العام لمناصرة التوجه، فإن كل هذه التحركات تصب بالضرورة في مصلحة وضع القطار على السكة الصحيحة باتجاه مناصرة القضايا الاجتماعية الملحة، نحو تعزيز السلم الأهلي والمواطنة كأرضية صالحة لتنمية مستدامة دامجة.
التنمية الدامجة
تعتبر التنمية الدامجة مدخلاً طبيعياً للعمل على تكافؤ الفرص نحو دمج الفئات المهمشة في المجتمع وتفاعلها الإيجابي مع محيطها. فبعد فترة النهوض المبكر التي تلت حرب تموز 2006 وتداعياتها، وبعد رصد ومتابعة حركة إعادة الإعمار من قبل اتحاد المقعدين اللبنانيين، من خلال دراسات ومسوح ميدانية من جهة، وتتبع سياسات الوزارات المعنية التي لم تأخذ في الحسبان المعايير الدامجة، ولم تشرك المواطن اللبناني في الخطة الإصلاحية التي أنتجت مقررات مؤتمر باريس 3، من جهة اخرى، بات البحث في تعزيز التطوير الشامل وإدراجه ضمن الإصلاح الحكومي وعمليات إعادة الإعمار على المستويين المحلي والوطني حاجة ملحة، لكي تتمكن الحكومة، إن توفرت النوايا السليمة لديها، من تطبيق سياسات وخطط الإصلاح التي تحترم حقوق المجموعات المهمشة، ومن بينها فئة الأشخاص المعوقين. ولا بد هنا من المرور في صياغة السياسات والاستراتيجيات الوطنية، وتطويرها، وتعديلها بما يتعلق بدمج هذه الفئات وإمكانية النفاذ ضمن عمليات النهوض والإصلاح، وهذا ما يسعى إليه اتحاد المقعدين من خلال مشروعه "التنمية الدامجة والمناصرة الذاتية في عملية الإصلاح وإعادة الإعمار 2008-2009". والاقتراح العملي السائد لذلك عبر إنشاء شبكة من المنظمات غير الحكومية، تنتج تحالفاً ومجموعات عمل لتعزيز وتطوير الاتجاه العام. وتصلح قضايا الإعاقة نموذجاً للعمل نحو هذه التنمية، لا سيما أن الخرق النوعي الوحيد الذي تحقق على مستوى التشريعات الخاصة بالفئات المهمشة في لبنان تمثل بصدور القانون 220 عام 2000 الخاص بحقوق الأشخاص المعوقين. فإن زيادة الوعي لدى المعنيين وأصحاب القضية والمجتمع المحلي حول الحقوق، وإنشاء شبكات مع الممثلين المعنيين بهدف تشكيل تحالف لتعزيز التطوير الشامل والشراكات التعاونية، والعمل على إقرار الحقوق والتطوير الشامل في سياسات الإصلاح، والعمليات والقوانين الشاملة وجهود إعادة البناء. بالتوازي مع العمل على الترويج لهذه الحقوق من خلال وسائل الإعلام والمطبوعات والرزم التوعوية، ومن خلال إجراء مناقشات وورش عمل، وطاولات مستديرة بين الممثلين المعنيين حول التطوير الشامل في عمليات إعادة البناء والإصلاح. لقد اثبتت السياسات الحكومية منذ اقرار اتفاق الطائف حتى اليوم تجاهلها لحاجات الفئات المهمشة، وتقاعصها عن الالتفات إلى القضايا الاجتماعية الملحة، فيما عمل المجتمع المدني على بناء ملفات متكاملة لقضاياه مبنية على أسس علمية صحيحة مدعمة بالدراسات والمسوح الميدانية في انتظار نوايا حسنة من الحكومات المتعاقبة. وستثبت الأيام القادمة مدى جدية الحكومة الحالية في التعامل مع هذه الملفات.
#عماد_الدين_رائف (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المجتمع المدني اللبناني يناقش البيان الوزاري
-
أي قانون انتخاب يريده المهمّشون في لبنان
-
رسالة المجتمع المدني اللبناني إلى السياسيين
-
حول -النداء العالمي لمكافحة الفقر-.. عربياً
-
حملة لا للحرب في لبنان... بين السياق والنتائج
-
المجتمع المدني اللبناني ينتصر!
-
دور المجتمع المدني في الترويج للحقوق عبر التلفاز 3-4
-
دور المجتمع المدني في الترويج للحقوق عبر التلفاز 4-4
-
دور المجتمع المدني في الترويج للحقوق عبر التلفاز 2-4
-
دور المجتمع المدني في الترويج للحقوق عبر التلفاز 1-4
-
إلى آلهة مخضبين بعرقهم... تحية
-
33 عاماً على ذكرى الحرب الأهلية اللبنانية
-
رصاص ابتهاج سياسي يودي بحياة المواطنين
-
المدوّن اللبناني منفعل.. وغير منتج
-
الحملة المطلبية المستمرة للاشخاص المعوقين في لبنان
-
الحملة المطلبية المستمرة للأشخاص المعوقين في لبنان 5 - 6
-
الطفلة - الأم.. في يومها العالمي كامرأة
-
الحملة المطلبية المستمرة للاشخاص المعوقين في لبنان 4 - 6
-
الحملة المطلبية المستمر للاشخاص المعوقين في لبنان 3 - 6
-
المرأة اللبنانية.. نضال طويل نحو المشاركة والتغيير
المزيد.....
-
كولومبيا عن قرار المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتنياهو وج
...
-
تتحجج بها إسرائيل للتهرب من أمر اعتقال نتنياهو.. من هي بيتي
...
-
وزير الدفاع الإيطالي يكشف موقف بلاده من أمر اعتقال نتنياهو
-
مذكرات اعتقال بحق نتنياهو وغالانت.. فما هي الخطوات المقبلة؟
...
-
ماذا بعد صدور مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت؟
-
العمال المغاربة الموسميون بأوروبا.. أحلام تقود لمتاهة الاتجا
...
-
الجزائر تستعجل المجموعة الدولية لتنفيذ قرار اعتقال نتنياهو و
...
-
فتح تثمن قرار المحكمة الجنائية الدولية: خطوة نحو تصويب مسار
...
-
نتنياهو: قرار المحكمة الجنائية الدولية إفلاس أخلاقي.. ويوم أ
...
-
السلطة الفلسطينية تُرحب بإصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغا
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|