|
إمبراطورية الذهب الأسود: هل من خيار!؟
عبد الحسين شعبان
الحوار المتمدن-العدد: 2387 - 2008 / 8 / 28 - 10:13
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مرّت الذكرى المئوية الأولى لاكتشاف النفط في الشرق الأوسط، وهو الذي سمي بالذهب الأسود كناية عن قيمته والحاجة إليه، تلك التي اتسعت وتعاظمت بمرور الأيام والأعوام، حتى غدا هو الذي يحدد مصائر الأمم والشعوب ويصوغ حياتها اليومية على مستوى الجماعة (الدولة) أو المجتمع الدولي أو على المستوى الفردي. وإذا كانت هذه النعمة التي يتهافت الجميع للحصول عليها والتحكم بها، بل وشن الحروب وإشعال النزاعات والفتن من أجلها، فإنها أضحت على الشعوب والأمم الشرق أوسطية أقرب إلى النقمة حسب التعبير الشائع، لا سيما وقد فرضت عليهم أنماطاً من التسلّط والاستبداد، إضافة إلى تكالب القوى الدولية لإكراه بلدانها على التوقيع على اتفاقيات جائرة، بل انها وضعت العصي أمام أي تقارب أو اتفاق بين دولها لا سيما العربية، خصوصاً بعد إنشاء ركيزة مضادة وتشريد الشعب العربي الفلسطيني وشن حروب ضد البلدان العربية، وعرقلة ولوجها طريق التنمية والاصلاح والديمقراطية. وحتى التجارب الجنينية والارهاصات الديمقراطية الأولى في الثلاثينات والأربعينات تعثرت وأجهضت لا سيما في ظل احتدام الصراع مع اسرائيل وانقطاع خط التطور التدريجي بثورات وانقلابات عسكرية وتبديد الأموال لا سيما العوائد النفطية على شراء الأسلحة وتسمين أجهزة الأمن والمخابرات، على حساب التنمية والديمقراطية اللتين تمت مقايضتهما بالعسكرة والانفراد بالحكم و"مواجهة" الخطر الخارجي!. وإذا كانت أسعار النفط قد سجّلت ارتفاعاً هائلاً وصل إلى نحو 140 دولاراً للبرميل الواحد، فإن ارتفاع أسعار المواد الغذائية وأسعار الطاقة الأخرى كان معادلة طردية، في حين كان انخفاض قيمة الدولار معادلة عكسية، ولعل هذا الارتفاع وقلق المجتمع الدولي هو الذي دفع المملكة العربية السعودية إلى الدعوة لزيادة الإنتاج لتخفيض أسعار النفط وامتصاص ردود الأفعال. تدفق أول بئر من جوف الأرض حيث يكمن الذهب الأسود في بلاد فارس الأمر الذي لم يكن حدثاً عادياً، بل كان اكتشافاً سيسهم لاحقاً في تغيير معالم العالم فقد جلب معه الثروة التي سيتم تكديسها، فضلاً عن إسهامه في تغذية الاقتصاديات الأخرى للبلدان المتقدمة على نحو هائل، ناهيكم عن إشعاله الحروب والنزاعات. وعشية الحرب العالمية الأولى هناك من قال: من يسيطر على النفط سيسيطر على العالم، إذ سيضع يده على بنزين ووقود السيارات والناقلات والغواصات والبواخر والسفن والطائرات، وهكذا سيغدو المتحكّم بالعالم من خلال السلاح والمال. وكان أول من استثمر أمواله لاستخراج النفط رجل الأعمال دارسي الذي كوّن ثروته من استخراج الذهب في استراليا، حيث وقّع عقداً مع مظفر أحمد نظام الدين شاه (حاكم بلاد فارس) للحصول على حق حصري للتنقيب عن النفط عام 1901، وخاض دارسي تلك المغامرة دون أن يصيبه اليأس، وبعد 7 سنوات وفي العام 1908 استيقظ العالم على انبعاث رائحة كريهة من باطن الأرض مع قذفها دخاناً كثيفاً ساخناً، لكنه سرعان ما تحوّل إلى ذهب أسود أصبحت قيمته غالية مثل غلاء الدم بل تتفوق عليه أحياناً. وكانت بريطانيا قد أسست شركة لاستغلال هذا المورد المكتشف عرفت لاحقاً باسم (بي بي البريطانية للنفط) حيث غذت الطموحات الاستعمارية للبحرية الملكية لنفط رخيص في الشرق الأوسط وعقود مجزية. أما في العراق فقد تدفق النفط من حقل بابا كَركَر في كركوك عام 1927، ومنذ ذلك الحين أصبح النفط مركز الثقل في الصراع السياسي والاجتماعي في العراق والمنطقة لا سيما في الفترة بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، حيث دخلت الولايات المتحدة الساحة مضيفة عليها طابعاً جديداً، خصوصاً في ظل الصراع البريطاني ـ الاميركي على مناطق النفوذ والذي احتدم في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، حيث سلّمت بريطانيا بالدور الريادي لواشنطن منذ أواخر الستينات وخصوصاً في منطقة الخليج العربي بل والمنطقة العربية بشكل عام. لقد أصبح التزاحم على النفط بأسعار زهيدة هدفاً أميركياً ساهم في ازدهار الاقتصاد الاميركي الاستهلاكي، مثلما كان هدف حماية أمن اسرائيل هدفاً آخر في ظل مثلث كان ضلعه الثالث هو تطويق الاتحاد السوفييتي للحد من خطر انتشار الشيوعية. وحملت الاهمية الاستراتيجية للمثلث الجيوبوليتيكي المتساوي الأضلاع بريطانيا والولايات المتحدة، على التدخل بالعمق في ما يتعلق بطريق التنمية التي ستختاره دول المنطقة، ولا سيما لتأمين الامدادات الضرورية لها من النفط، وإنشاء أحلاف عسكرية لتسهيل التدخل سواء من خلال مشروع النقطة الرابعة وقيادة الشرق الأوسط مروراً بحلف بغداد ومشروع أيزنهاور وصولاً إلى إقامة قواعد عسكرية وتأسيسه قوات التدخل السريع، ولعل الغرض الاساسي هو وضع نفوط ايران والعراق والخليج تحت هيمنتها وإغلاق الامدادات على "العدو" السوفييتي. وإذا كان هذا العدو هو المخطط لوضع اليد على النفط، فقد كانت بعض الاعاقات لمنع مروره، الأولى حين أمّم الدكتور مصدق النفط في ايران فتحركت المخابرات المركزية الأميركية لإطاحته عام 1953، والثانية حين تأميم قناة السويس عام 1956 بعد محاولة الرئيس الراحل عبدالناصر كسر احتكار السلاح، والثالثة حين اندلعت ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق فانسحب العراق من حلف بغداد وألغى الاتفاقيات والمعاهدات العسكرية والأمنية والسياسية مع بريطانيا والولايات المتحدة، والرابعة حين أمّم العراق نفطه عام 1972، الأمر الذي ساعد لاحقاً في تحرك عربي جماعي لاستخدام النفط كسلاح في المعركة وذلك في حرب تشرين الأول (أكتوبر) عام 1973 وهذه هي الإعاقة الخامسة، أما السادسة فيمكن اعتبار نجاح الثورة الايرانية عام 1979 وإطاحة حكم الشاه مفاجأة لواشنطن، الأمر الذي عاظم من أهمية نفط الشرق الأوسط لا سيما بعد أحداث 11 أيلول الإرهابية الإجرامية. وإذا كان عهد الفحم الحجري كمادة أساسية في الوقود والطاقة قد استمر نحو قرن من الزمان وما يزال، فإن عهد النفط الذي مرّت مئويته قد لا يستمر أكثر من بضعة عقود قليلة رغم وجود احتياطيات كبيرة لا سيما لدى العراق. لقد وصلت الذروة النفطية إلى مديات كبيرة وقد تصل إلى أعلى طاقاتها ولا سيما أن قدرة شركات النفط على اكتشاف مصادر جديدة ما تزال محدودة، ما سيؤدي إلى استنزاف الاحتياطات واستمرار ارتفاع الأسعار رغم زيادة الإنتاج وكثرة العرض، ولكن مع تزايد الطلب. ومن المحتمل أن تساهم زيادة الإنتاج حالياً على تهدئة الأسعار، لكن هذه التهدئة ستبقى محفوفة بالمخاطر لا سيما ادخال المشروع النووي الايراني واحتمالات توجيه ضربة إلى ايران في أجندة الولايات المتحدة، الأمر الذي سيقود إلى زيادة الأسعار خصوصاً إذا عرفنا أن ايران هي المنتج الثاني للنفط في دول الاوبك.
#عبد_الحسين_شعبان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
مقطوعة الشرق الأوسط.. العازف التركي واللحن الأوروبي
-
سجون عائمة.. يا لها من رومانسية
-
اللاعب التركي في الملعب النووي الايراني
-
انتخابات الرئاسة الأميركية وطريق الخداع!
-
دراما العدالة في السودان والثمن المقبول!
-
الخداع.. قبل العاصفة وبعدها!
-
في كيانية حركة المواطنة ودلالاتها!
-
المعادلة الطردية... الدولار والنفط!
-
المواطنة الإلكترونية!
-
المعاهدة الأمريكية - العراقية.. هل اقتربت ساعة الصفر؟
-
اللاجئون وأوروبا: بين «مزدوجين»!
-
السودان ومحنة العدالة الدولية
-
أوهام التنمية العربية
-
شبح الانسحاب الأميركي من العراق!
-
شارل مالك الكبير ولبنان الصغير
-
بوش وحصاد الشرق الأوسط!
-
في دلالات الحوار الكندي - الإسلامي: فكرة الهوية والخصوصية!
-
المنفى والهوية والحنين إلى الأوطان
-
جيفارا والحلم الغامض
-
التويجري الكبير والحقيقة الخرساء
المزيد.....
-
مشتبه به بقتل فتاة يجتاز اختبار الكذب بقضية باردة.. والحمض ا
...
-
في ظل استمرار الحرب والحصار، الشتاء يضاعف معاناة نازحي غزة و
...
-
قصف إسرائيلي عنيف يزلزل الضاحية الجنوبية لبيروت
-
صدمة في رومانيا.. مؤيد لروسيا ومنتقد للناتو يتصدر الانتخابات
...
-
البيت الابيض: لا تطور يمكن الحديث عنه في اتصالات وقف النار ب
...
-
نائب رئيس البرلمان اللبناني: لا توجد عقبات جدية تحول دون بدء
...
-
استخدمت -القرود- للتعبير عن السود.. حملة توعوية تثير جدلا في
...
-
-بيروت تقابلها تل أبيب-.. مغردون يتفاعلون مع معادلة حزب الله
...
-
مشاهد للجيش الإسرائيلي تظهر ضراوة القتال مع المقاومة بجباليا
...
-
ماذا وراء المعارك الضارية في الخيام بين حزب الله وإسرائيل؟
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|