|
دارفور الشجرة التي تخفي ورائها كل ضباع الغابة الافريقية
عبد الكاظم العبودي
الحوار المتمدن-العدد: 2390 - 2008 / 8 / 31 - 06:44
المحور:
السياسة والعلاقات الدولية
كشف عصر القطبية الواحدة بقيادة الولايات المتحدة الامريكية جملة من الحقائق في مقدمتها ان القانون الدولي موجود كنصوص فقط على رفوف المكتبات والهيئات الدولية، ومراكز البحوث الاستراتيجية؛ لكن الواقع يقول ايضا ان العدالة والمساواة والديمقراطية في مجال العلاقات الدولية مغيبة تماما ان لم تكن معدومة أصلا. وان الديمقراطية أضحت مجرد شعار أو فزاعة للتخويف والترهيب والترغيب ايضا. وترهيب ألدول العظمى للدول الصغرى أصبح مبدأ، حسب المفاهيم العولمية التي تشي بحقيقة ان العالم الليبرالي والديمقراطي الغربي أضحى انتقائيا في دعمه للعديد من الانظمة الدكتاتورية ورفضه في ذات الوقت لأخرى، والغرب بقيادة الولايات المتحدة يزكي بعض أنظمة العالم الثالث التي انخرطت في العملية الديمقراطية ويسكت عن كل اشكال التزوير والممارسات القمعية ضد الخصوم في الوقت الذي يشهر بدول أخرى ويطلب مراقبة صارمة عليها وعلى مؤسساتها، وتحت سيف قوانين العقوبات الدولية والبند السابع يِمارس الارهاب بعينه و بوجه آخر ضد بعض الدول التي تخرج عن عصا الطاعة للامبريالية الجديدة. ألامثلة كثيرة حول تطبيقات ازدواجية المعايير في القانون الدولي لدى الدول "المتفرعنة" على الكون كله، وعلى الدول الاضعف منها اقتصاديا وعسكريا. نتسائل اين هي الدول: مثل العراق والصومال وفلسطين وأفغانستان؟ التي باتت دولا منسية؛ بل ملغاة من الحضور الدولي والانساني ونهبا للتقسيم على يد قضاة العالم الجديد و من دون ان يحاسب ويعاقب هذا القانون الدولي متسببي مئآسي الاستعمار والغزو ومشعلي الحروب الاهلية ومتسببي المجاعات والهجرات الجماعية عن بلدانهم. ألم تكن كل هذه الجرائم من صنائع الاستعمار وسياساته العسكرية والاقتصادية و التي فاقت جرائم الحرب والابادة الجماعية الموصوفة في لوائح المدافعين عن حقوق الانسان. وهناك دول أخرى مرشحة للعقوبات، إن لم ترعوي بالطاعة والخضوع أمام عصا الامبرياليين الجدد مثل كوريا الشمالية وزمبابوي وايران والسودان. لاحاجة للمحكمة الجنائية أن تشغل ممثلي الادعاء العام لايجاد المبررات، والحجج المطلوبة لادانة الهدف المطلوب للمحاكمة سواء كان، دولة، حزبا، مؤسسة، أو فردا، فالقانون الدولي يتم تكييفه وفق الطلب الامريكي ورغبات البيت الابيض لمعاقبة هذا المتمرد أو ذاك. ان العولمة، من خلال الممارسات الامريكية وحلفائها، تسحق مؤسسات الدول الفتية، وتفرض قوانينها الفوقية باسم المجتمع الدولي بشكل تعسفي، بل انها تفتعل وتشكل هيئات محاكمها وتنصب قضاتها، تحت أسماء ومسميات وعناوين مختلفة مثل المحكمة الجنائية الدولية. ومحكمة العدل الدولية.... وغيرها، أما الجناة المطلوب ادانتهم فهم من عناصر العينة الانتقائية المطلوبة أمريكيا من قادة وأبناء العالم الثالث. لاحاجة للتذكير ان هذه المحكمة ومثيلاتها لاتحتاج أن تجمع قرائن الادانة لأمثال صدام حسين حبا وتعاطفا بشيعة حادثة الدجيل، ولا مع أكراد حلبجة في العراق، لولا ان الارض العراقية التي كان يقف فوقها الرئيس الراحل صدام حسين هي عبارة عن بحيرة نفط لاينضب في المدى القريب. وعلى نفس المعيار ما كان الرئيس السوداني عمر حسن البشير مطلوبا ايضا لمثل هذه المحكمة؛ لو أن دارفور والسودان عبارة عن اراض قفار خالية من رغيف الخبز وخزين احتياطات البترول الذي يسارع التنين الصيني ان يصل اليه منافسا اقتصاديا نزيها ولوضع اليد عليه قبل وصول أيادي النهب الامريكي من شركات نفط المحافظين الجدد. ان القارة الجائعة منسية حقوقيا عندما يتعلق الامر بممارسات صندوق النقد الدولي وممارساته الربوية في تفقير وتجويع البلدان الافريقية والنامية. ان دارفور، تعني لهم قبل كل شئ، الموقع الجغرافي، ومدخرات الارض من اليورانيوم والنفط والغاز مستقبلا، ودارفور واجهة إعلامية للتباكي وتوزيع الصدقات من الاغذية المعدلة جينيا، وهي المرصودة في كامرات الغرب في صورة من الجياع والعراة الذين يتقاتلون من أجل لاشئ متناسين فعل أوضاع التخلف والامراض وغياب الدولة في الخرطوم. هذه دارفور بكل صورها المتكررة يوميا، هل فعلا حركت ضمير مجلس الامن و شجعت أمثال مدعي عام المحكمة الجنائية الدولية الارجنتيني "لويس مورينو اوكامبو" لكي يشغل نفسه منذ 2005 والى البارحة ليلاحق أخيرا الرئيس السوداني عمر حسن البشير وبضعة من اعوانه بتهمة الابادة الجماعية؟، أم أن دارفور هذه مجرد شجرة أفريقية تقع غرب السودان، رغم هزالتها، فان التبصر بمعطياتها يكتشف خلفها حشود من الامبرياليين الجدد، هناك تكمن ضباع وذئاب البترول واليورانيوم والغابات والاراضي الزراعية الصالحة للزراعة، والتي يمكن ان تحل مشاكل المجاعة للسودان ولغيرها من الدول الافريقية لو أحسنت العدالة الدولية الاقتصادية الاستثمار فيها لصالح البشر. بالامس مر حبل المشنقة في غابات الضباع الامبرياليين ما بين دجلة والفرات، مر على رقبة الرئيس صدام حسين، و تم بذلك اعدام العراق كله، بما فيه من دولة ومؤسسات وشعب حكم عليه الامريكيون بأن يتشرد ويتمزق، وبمثله تمت تصفية "سلوبودان مينلوشيفتس" بالسم البطئ في قاعة المحكمة الجنائية الدولية وتقسمت معه يوغسلافيا شذر مذر، وعلى ذات المسار يتباكى نفس القتلة على حقوق دارفور من دون غيرها اليوم ، لكي يجزأ السودان أيضا، ويفقد العرب سلة مستقبل غذائهم التي أهملوها وتركوها نهبا للتدخلات الأجنبية وساحة للصراعات المحلية ولكي تصبح اكبر دولة افريقية في مهب الريح معرضة للاهانة السياسية والدبلوماسية بشخص رئيسها عمر حسن البشير، وهكذا دواليك سيتكرر المشهد على القذافي والاسد وعلي عبد الله صالح ونجاد...وغيرهم ؟ فهل سنتعض من قراءة دساتير وقوانين وعدالة المحاكم الدولية. ان هذه السوابق وغيرها تعلمنا حقيقة اننا نعيش شهودا في زمن انبعاث كولونيالي موحش، وان البشير وغيره لا تنقذه الإدانات والبيانات والتصريحات وملتقيات وزراء الخارجية العرب، بل علينا أن ندرك، كما علمتنا تجربة كوبا وكوريا الشمالية والفيتنام ان من يريد ان يكون قائدا فليحتمي بشعبه، وبنفس المعيار نقول: أن هناك شعب سوداني، ومعه اشقاء عرب ومسلمين ولهم هيئات ودول تمثلهم. وان القطيعة التامة مع أمثال هذه المؤسسات الدولية المصطنعة لخلق الأزمات، سيعلمها انها ليست هيئات نزيهة طالما انها صنيعة لاهداف مبيتة سلفا وانها تكيل معنا بمكيالين، واحد يميل كليا للسياسة الامريكية وحلفائها وآخر فارغ، للعرب والمسلمين وغيرهم ممن رفضوا الركوع لضباع الغابة ووحوشها. واذا ماوقف كل من "اولمرت" و"بوش" و"ديك شيني" "ورامسفيلد" و"شارون" و"رايس" و" أولبرايت" وجنرالات البنتاغون وجلادي معتقلات ابي غريب وبوكا وغوانتينامو ومجرمي مجازر ملجأ العامرية وحديثة والفلوجة وتلعفر في العراق ومجازر الصهاينة في دير ياسين وغزة وصبرا وشاتيلا وقانة الاولى والثانية في فلسطين ولبنان أمام المسائلة القانونية للاقتصاص العادل عن جرائمهم وعما تلوثت به اياديهم القذرة من جرائم يندى لها الجبين الانساني، فاننا عندئذ سنسلم طوعا كل من نشك به قاتلا او مختلسا او سارقا أو جلادا وندفعه بقناعتنا بالعدل لأخذ جزاءه العادل أمام هذه المحكمة او تلك. وعندما تجتمع الجامعة العربية في القاهرة يوم السبت القادم فنحن نستغرب ايضا لماذا هذا الصمت الاعلامي لممثليها؟ ام ان القضية تحتاج الى مشاورة الملحق الاعلامي للسفارات الامريكية والغربية في هذه العاصمة او تلك لتطلب رأس البشير ولو أعلاميا لانها تعرف مسبقا ان السودان، الدولة والمجتمع والشعب له من الكرامة الوطنية والعزة القومية ما يجعله يرفض تسليم أي من ابنائه للجناة الامبرياليين الجدد فكيف لو كان المطلوب للتسليم رئيسا عربيا وافريقيا ومسلما لازال العالم يراه شامخا بسحنته السمراء ويرفع عكازه المميز ويصرخ بأعلى صوته في مثل هذه المواقف لا للذل ولا للخضوع والابتزاز. ان دارفور، المعاناة الانسانية، الحرب الاهلية، الفقر، والعذاب، لاتقل عن معاناة وعذابات باقي اقاليم السودان ومدنه وقراه فلماذا هذا التمييز العنصري لها من دون الاخرين من مدن العالم ودوله.
#عبد_الكاظم_العبودي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
منظمات المجتمع المدني مساحيق بشعة على وجه ديمقراطي امريكي زا
...
-
تقاطعات الرحيل الى الازهر الغافي والمرجع المتعافي لا يصلح ال
...
-
رمضان وتكريس البغض الطائفي في العراق
-
بوش في الانبار يعيد لي ذكرى حكاية جدتي
-
القادمون على ظهر الدبابات الامريكية لا تمنحوهم -شرفا-... او
...
المزيد.....
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
-
محكمة مصرية تؤيد سجن المعارض السياسي أحمد طنطاوي لعام وحظر ت
...
-
اشتباكات مسلحة بنابلس وإصابة فلسطيني برصاص الاحتلال قرب رام
...
-
المقابر الجماعية في سوريا.. تأكيد أميركي على ضمان المساءلة
المزيد.....
-
افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار
...
/ حاتم الجوهرى
-
الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن
/ مرزوق الحلالي
-
أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا
...
/ مجدى عبد الهادى
-
الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال
...
/ ياسر سعد السلوم
-
التّعاون وضبط النفس من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة
...
/ حامد فضل الله
-
إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية
/ حامد فضل الله
-
دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل
...
/ بشار سلوت
-
أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث
/ الاء ناصر باكير
-
اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم
/ علاء هادي الحطاب
-
اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد
...
/ علاء هادي الحطاب
المزيد.....
|