|
متى ستضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(2)
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2386 - 2008 / 8 / 27 - 09:59
المحور:
حقوق الانسان
إن الخطاب الملكي بمناسبة الذكرى التاسعة لاعتلاء العرش ، يعدّ بحق تقريرا موضوعيا عن الوضع العام الذي يعرفه المغرب . وكان من المفروض في الحكومة أن تنجز تقريرا مماثلا يقف عند الاختلالات التي يعانيها الاقتصاد المغربي حتى يمكنها وضع الخطط واتخاذ المبادرات باعتبارها الجهاز المسئول على تدبير الشأن العام . إلا أن الحكومة ، ونظرا لمحدودية عطائها لأسباب ذاتية تعود أساسا إلى التوليفة الحزبية المشكلة لها فضلا عن افتقارها لبرامج دقيقة وواضحة ، ولم يكن لأسباب دستورية ، فإنها ـ أي الحكومة ـ تتواكل على المبادرات التنموية التي يتخذها الملك ، بل إن الحكومة تتخذ من الملك رئيسها الفعلي وليس السيد عباس الفاسي. لهذا ، وبسبب تردد الحكومة وافتقارها للفاعلية ، بات الوضع العام في المغرب شبيها بما كان عليه بداية السبعينيات من القرن العشرين وفق التقرير الذي قدمه الوزير الأول آنئذ مولاي أحمد العراقي بطلب من الملك الراحل الحسن الثاني عقب المحاولة الانقلابية الفاشلة . ويمكن قراءة الوضع الحالي ومحاكمة الحكومة على ضوء العناصر التي ركز عليها التقرير كما نشرته الجريدة الأولى عدد 61 ، ومن أهمها : 1 ـ إهدار المؤهلات الاقتصادية والبشرية التي تسمح بتنمية اقتصادية واجتماعية منسجمة ، وذلك لسببين لازالا قائمين رغم الفارق الزمني . الأمر الذي يقلل من أهمية "العائق" الدستوري الذي تبرر به الأحزاب المشاركة في إدارة الشأن العام عجزها عن اتخاذ مبادرات جادة وحقيقية ؛ إذ لو كان الأمر كذلك لما طالب الملك أعضاء الحكومة بالانخراط في الإصلاح وإنجاز برامج تنموية جادة وطموحة . وليس آخر هذه المطالب دعوة الملك في خطاب العرش ، هذه السنة ، الحكومة من أجل إصلاح القضاء كالتالي ( ندعو حكومتنا للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء ، ينبثق من حوار بناء وانفتاح واسع على جميع الفعاليات المؤهلة المعنية ، مؤكدين ، بصفتنا ضامنا لاستقلال القضاء ، حرصنا على التفعيل الأمثل لهذا المخطط ، من أجل بلوغ ما نتوخاه للقضاء من تحديث ونجاعة ، في إطار من النزاهة والتجرد والمسئولية ) . ونظرا للظروف الاقتصادية الدولية الصعبة فإن الوضع يطرح تحديات حقيقية على الحكومة لمواجهتها بما يفتح آفاقا جديدة أمام الطاقات البشرية ويحمي المال العام من النهب والتبذير . أ ـ السبب الأول مرتبط بطبيعة الحكومة وتشكيلتها الموسعة التي لا تسمح سوى بـ ( معالجة بعض الملفات التي ليست ذات أهمية ) . فضلا عن اعتماد الوزراء على أسلوب ( المحاباة والبحث عن التوجيهات عبر الطرق الموازية والتدخل المقصود أو غير المقصود للأشخاص المقربين من الملك ) . وتؤكد تجربة الحكومة الحالية أو التي سبقتها ، هذه المعطيات سواء تعلق الأمر بعدد الملفات التي فتحتها الحكومة أو تلك التي عجزت إما عن فتحها أو البت فيها قضائيا بما يسترجع الحقوق الضائعة ويعرض الفاسدين للعقاب . وتبعا لهذا النهج الحكومي المتساهل والمحابي ، أضاع المغرب فرصا حقيقية للتنمية بسبب حجم المليارات المنهوبة والمبذرة . بل إن مسلسل النهب والتبذير لم يتوقف . من هنا يخلص التقرير إلى نتيجة حتمية مفادها أن تشبث الوزير بالكرسي وخوفه من فقدانه ( يولد الفساد والخوف من الغد ) فضلا عن كون ( أمثلة الإفلات من العقاب توقع في نهاية المطاف بأكثر الناس نزاهة ) . وكم هم الأشخاص الذين ثبت تورطهم في قضايا الفساد المالي والإداري دون أن يقدموا للقضاء أو تصدر في حقهم أحكام الإدانة . وشعورا من الملك بأهمية القضاء في أي إصلاح كان ، جاءت دعوته للحكومة "للانكباب على بلورة مخطط مضبوط للإصلاح العميق للقضاء" . فالحكومة هي المفروض فيها ومن صميم اختصاصها أن تطرح مسألة إصلاح القضاء وتتقدم فيه ببرنامج متكامل . وقد يخشى المرء أن ينتهي إصلاح القضاء إلى ما انتهى إليه إصلاح التعليم من فشل ذريع ظلت الحكومة ترفض الإقرار به . لذا يظل حرص الملك على إنجاز الإصلاح هو الضامن الوحيد لوضعه على السكة بشكل سليم . ولنا في فشل مخطط إصلاح التعليم الذي وضعته الحكومة قبل عشر سنوات ، خير دليل على ضعف إرادة الإصلاح لدى الحكومات المتعاقبة . وحتى لا يظل المغرب يضيع مواعيد الإصلاح وفرصه ، جاء عزم الملك على تفعيل جهاز الحكومة عبر دعوتها ( لحسن تفعيل المخطط الاستعجالي ) لإصلاح التعليم . ب ـ السبب الثاني لإهدار مؤهلات التنمية الحقيقية حدده التقرير في الفراغ السياسي والإيديولوجي الذي من تداعياته الخطيرة "إفراغ الرأي العام من حسه النضالي" . فالحكومة/الدولة لم تتخذ إجراءات عملية لإصلاح الإعلام العمومي الذي يساهم مباشرة في نشر قيم المواطنة . لهذا تساءل التقرير ( فهل من الطبيعي أن تقضي التلفزة والإذاعة وقتهما في تسميم الرأي العام بالموسيقى والتاريخ بدل تربية الشعب ؟) . لم يتغير الوضع ، بل ازداد ترديا رغم الإمكانات المادية التي تتوفر للإعلام العمومي . الأمر الذي دفع بملايين المغاربة إلى التيه بين الفضائيات دون حصانة فكرية وقيمية . كما ركز التقرير على تخلي النواب البرلمانيون عن دورهم داخل دوائرهم الانتخابية "يكتفون بوضع 4 آلاف درهم في جيوبهم ويحلون مشاكلهم الخاصة في كواليس البرلمان ) . وهذه الوضعية لم تتغير بل استفحلت قياسا لعدد البرلمانيين والمستشارين وحجم التعويضات الممنوحة إليهم (3 ملايين ونصف شهريا لكل برلماني) . وإذا أخذنا البرلمان وحده نجده يستهلك 200 مليار سنتيم من الميزانية العامة خلال مدة ولايته دون فاعلية وفي ظل أوضاع اقتصادية صعبة كان من المفروض أن يقدم البرلمانيون نموذجا للتضامن حتى يحتذي به غيرهم من الفعاليات الاقتصادية . هذا التضامن الذي أشاد الملك بدوره المركزي في بناء ( مجتمع تتضامن فيه فئاته الميسورة ، باستثماراتها المنتجة ومبادراتها المواطنة وما تدره من شغل نافع ، مع غيرها ، في المجهود الوطني الجماعي للنهوض بأوضاع الفئات المعوزة وتمكينها من أسباب المواطنة الكريمة ) . فهل ستتفاعل الحكومة مع دعوات الملك وانتظارات الشعب ؟ على الحكومة أن تدرك أن إضاعة فرص الإصلاح والتنمية تزيد من حجم ونوعية الأخطار التي تتهدد استقرار المغرب. للحديث بقية. http://www.saide.c.la
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل سيفلح حزب العدالة والتنمية في أجرأة الفصل بين الديني والس
...
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الديني والسياسي (3) .
-
متى تضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(1)
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (2).
-
أزمة التعليم من أزمة تدبير الشأن العام .
-
متى يصبح القانون هو ملجأ كل المواطنين وحامي حقوقهم؟
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (1).
-
الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا .
-
الأمان نعمة يزعزعها الإرهابيون ويفرون لطلبها .
-
لنقطع مع ثقافة التيئيس والتبخيس .
-
لما تصبح التهدئة انتصارا .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (4)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (3)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
المزيد.....
-
هيئة فلسطينية: إلغاء إسرائيل اعتقال المستوطنين يسهل جرائمهم
...
-
4 ملايين عائلة مهددة بالتفكك في الولايات المتحدة بسبب خطط تر
...
-
أول تعليق لإردوغان على مذكرة الجنائية الدولية لاعتقال نتانيا
...
-
الرئيس التركي اردوغان يؤكد دعمه لقرار الجنائية الدولية باعتق
...
-
كندا وكولومبيا تتعهدان باعتقال نتنياهو
-
هآرتس: نتنياهو جلب مذكرة الاعتقال على نفسه والآن يتباكى بدعو
...
-
هيئة فلسطينية: إلغاء إسرائيل اعتقال المستوطنين يسهل جرائمهم
...
-
مقتل واعتقال اكثر من 70 ارهابيا جنوب شرقي ايران
-
أول وزير خزانة مثلي الجنس.. ماذا نعلم عن الملياردير سكوت بيس
...
-
مقتل واعتقال 76 ارهابيا في عملية فيلق القدس بجنوب شرق ايران
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|