صباح البغدادي
الحوار المتمدن-العدد: 2385 - 2008 / 8 / 26 - 04:09
المحور:
عالم الرياضة
نحن امة الأقوال وليس الأفعال ... نحن أكثر الشعوب العالم قاطبة إنتاجآ واستهلاكآ لعلف الشعارات الرنانة والطنانة ... أولمبياد عش الطائر تفضح حقيقة العرب وتخلفهم على المستوى الرياضي ... ناهيك عن مستويات أخرى لا مجال لحصرها ...
اللقاء الذي جمعنا في إحدى المنتديات الثقافية في بلد المهجر مع نخبة من المبدعين العراقيين الوطنيين في كافة المجالات السياسية , الثقافية ,الأدبية , الاقتصادية .
حيث كان هذا اللقاء والذي ضم كافة أطياف مجتمعنا العراقي الجميل لمناقشة بعض الأفكار والطروحات التي تم مناقشتها في أوقات سابقة , وقد صادف لقاءنا هذا مع اختتام ألعاب دورة عش الطائر الأولمبية في الصين وقمت بدوري بطرح فكرة نقاش رياضي وأسباب الإخفاق العربي في هذه الأولمبياد وطلبت من الجميع أن نأخذ استراحة المحارب ـ القلم والحرف والكلمة ـ ولتبديل الأجواء بعض الوقت فكانت لنا أن نطرح على بساط البحث مناقشة الإخفاق المخجل والبائس للمشاركة العربية المجتمعة في الألعاب الأولمبية .
صحيح أن الجميع تفاجأ من طرحي لهذا الموضوع ولكن في المقابل رأيت على وجوه الحاضرين أن أغلبهم كان موافق على مناقشة هذه الفكرة أن لم أقل معظمهم مع العلم بعدم وجود أي تحضير مسبق لأي احد منا لغرض مناقشة مثل هذه الفكرة , ولكن أتى الأمر بصورة ارتجالية وبعيدآ عن التحضيرات المسبقة , حتى مناقشتنا كانت على ما تستوعبه ذاكرتنا من أحداث رياضية اولمبية سابقة ومشاهدتنا المباشرة على شاشة التلفزة كل ما سمح به وقتنا المتعارض مع التوقيت الصيني لبدء مسابقة الألعاب والمباريات , وبالنتيجة كان لا بد مني أن أقوم بإلقاء أول الكلام بخصوص هذا الموضوع باعتباري صاحب الفكرة وفي مجمل ما صرحت به ومكان أتى في سياق المناقشة قلت :ــ أننا كشعوب عربية سوف نحوز على الميداليات الذهبية بتفوق وجدارة ودون منافسة تذكر من بقية شعوب العالم إذا تم عمل اولمبياد للشعارات الحزبية التي ترفع , وأننا أكثر شعوب العالم قاطبة استهلاك لهذه الشعارات الطنانة والرنانة سواء أكانت شعارات قومية أو حزبية أو إسلامية أو حتى على مستوى الأفراد , واهم هذه الشعارات البائسة هي الهتاف بحياة الملك ـ الأمير ـ الرئيس لأي دولة عربية , ونحن نتفنن كذلك في عملية اختراع واستخراج كلمات وعبارات من بطون أمهات الكتب العربية , وكذلك نحن أكثر شعوب العالم قاطبة في الهتاف إلى الزعيم الأوحد والقائد الأوحد الذي لا يشق له غبار وهذه الشعارات هي ليست السبب الرئيسي على تخلفنا , ولكن هو سبب مساعد وحيوي ومؤثر دون شك , وهي شعارات أتكالية ومقرفة في كثير من الأحيان بحيث أصبحنا امة الأقوال وليس الأفعال ...
فشلنا فشل ذريع حتى في عملية الاستثمار الصحيح العلمي المبرمج في شخصية المواطن العربي , وتركناه عرضة سهلة لكي يفترسه الفقر والمرض والجوع , بل عملت الحكومات العربية بكل جهد على انتهاك حرمته وكرامته وكله في سبيل الحفاظ على الوحدة القومية العربية , ومواجهة العدوان الخارجي الخيالي , بل وصل الأمر حتى لمحاربة الإبداع العلمي والتقني والأدبي الثقافي للمواطن العربي وأودعناه السجون والمعتقلات ودهاليز الأمن السرية بدلآ من تكريمه والأخذ بيديه نحو المستقبل الواعد والحياة الحرة الكريمة التي يجب أن يشعر بها أي مواطن عربي في بلده ...
حقيقة دور مخجل ويدعوا إلى الأسف أن لم نقل مخزي تلك المشاركة العربية في اولمبيات عش الطائر والتي اختتمت فعالياته يوم الأحد 24 آب 2008 لمدة 16 يومآ بمشاركة أكثر من احد عشر ألف لاعب ولاعبة قدموا من 204 دولة للمشاركة في اولمبياد ملعب عش الطائر تلك التحفة المعمارية التي ميزت ألعاب هذه الدورة عن سابقاتها من الدورات الأولمبية و الذي يعتبر بحق من عجائب الصين التكنولوجية وتطورها العلمي المتسارع بعد سور الصين العظيم , وقد شهدت هذه التظاهرة العملاقة الرياضية المتميزة والمثيرة والمبهرة للمشاهد في كل شيء التي عكست بدورها وجه الصين الحقيقي ومدى تقدمها كدولة عالمية لها وزنها وثقلها العالمي الذي لا يستهان به لتصبح في مستهل السنوات القادمة أحدى دول أقطاب المواجهة الرئيسية مع الولايات المتحدة الأمريكية .
لقد استيقظ التنين الصيني في هذه الاولمبياد لغرض السيطرة العلمية والتكنولوجية على العالم بفضل الجهد الدؤوب لقيادته السياسية الميدانية التي عرفت كيف تستثمر مواردها المختلفة في بناء المواطن الصيني المتحضر لتضعه على أول خطوات سلم المجد والشهرة العالمية , بحيث تصدرت الصين قائمة الدولة المشاركة برصيد 100 ميدالية منها 51 ذهبية و21 فضية و28 برونزية تلتها الولايات المتحدة الأمريكية برصيد 36 ميدالية ذهبية و 38 فضة 36و برونز .
أما المشاركة العربية المخيبة للآمال شعوبها والخجولة في نفس الوقت , فشهدت تدهورآ واضحآ ومؤسف مقارنة بالأداء الذي قدمه الرياضيين العرب كافة قبل أربع سنوات في أولمبياد أثينا 2004 , وعلى الرغم من أنه كان أنجاز متواضع جدآ في اولمبياد اثنيا , إلا أن اولمبياد عش الطائر كان تراجع نحو الوراء وليس إلى الأمام , فقد اقتصر الرياضيين العرب في مشاركتهم للحصول فقط على مجموع 8 ميداليات منها اثنان ذهبية وثلاث فضية وثلاث برونزية , وحتى لم نصل إلى مجموع ما أخذناه كدول عربية مجتمعة في هذا التجمع الرياضي العالمي على ما حصل عليه السباح الأمريكي مايكل فيلبس بسبع ميداليات ذهبية ...
دول عربية كانت مشاركة فقط لغرض رفع علمها في الاولمبياد , وبعضها تم رفع صور ملكها في هذا المحفل
ونحن نرى تحطيم العديد من الأرقام القياسية من دول فقيرة وليست دول نفطية غنية مثلما فعلت جامايكا التي عملت لها برنامج وطني مدروس لكي تضع رياضيها على سلم المجد والشهرة فكان لها اسم مميز في سجلات الذهب وتحطيم الأرقام القياسية في ألعاب القوى , وذلك بتتويج عداءها اوساين بولت بعد تحطيمه الرقم القياسي العالمي لسباق 100 متر وسباق 200 متر حيث أصبح بولت أول عداء في تاريخ الألعاب الاولمبية يحطم الرقم القياسي للسباقين في نفس الدورة ويحقق ذهبية لـ 100 في 4 متر تتابع مع زملائه في الفريق ويحطم الرقم القياسي لهذا السباق ايضآ , وقد حصلت مواطنته العداءة فيرونيكا كامبل براون على ذهبية 200 متر ودولة مثل جامايكا حصلت على 11 ميدالية أولمبية ستة ذهب ثلاث فضة اثنان برونز .
وتمكنت كذلك دولة أفريقية فقيرة من تحقيق نتيجة مبهرة وهي دولة كينيا بحصولها على أربعة عشر ميدالية خمسة ذهبية وخمسة فضية وأربع برونز أكثر مما حصدته كافة الدول العربية مجتمعة خلال الألعاب .
حقيقة أن المشاركة العربية الهزيلة والمتخلفة تدعوا إلى الأسف أن لم نقل أنها كانت مخزية مع كل الأمكانات المادية الهائلة التي بحوزة أكثر الدول العربية من وارداتها النفطية الضخمة , والتي لا نراها تصرف على تطوير المواطن العربي وتنمية قدراته العلمية والبد نية , وإنما تصرف هذه الأموال الطائلة على شراء مختلف أنواع الأسلحة والمعدات العسكرية التي تصل أقيامها إلى مليارات من العملة الصعبة ليكون مصير هذه المعدات العسكرية في المخازن وبالتالي خروجها من الخدمة الفعلية بعد مرور السنين عليها أو يأتي عليها الصدأ وتصبح مجرد خردة لا نفع فيها وضررها اكبر من نفعها , أو باستيراد أسلحة تستخدم لقمع الشعوب العربية من قبل حكامهم , لم نفكر حتى في استثمار هذه الأموال المليارية في التفكير الجدي بإنشاء أكاديمية رياضية اولمبية عربية مجتمعة تساهم فيها جميع الدول العربية لغرض بناء وصقل موهبة الرياضي العربي , وذلك بتوفير أحدث طرق التدريب ألبدني الرياضي وتوفير الكادر الرياضي الطبي الأكاديمي المتخصص والمتمرس لغرض تخريج جيل من الرياضيين العرب بمختلف المجالات لمقارعة أبطال العالم في جميع الألعاب ولأخذ زمام المبادرة على أن لا تصطدم هذه الأكاديمية المرتقبة بالروتين القاتل والبيروقراطية المتجذرة في تعامل الدوائر الحكومية مع بعضها البعض وعدم تأخير مثل تلك المشاريع التنموية الرياضية وجعلها الهدف المنشود لمستقبل واعد للرياضي العربي وما شاء الله لدينا من الخبرات الرياضية الكثير والذي نراهم يهربون نحو الدول الأجنبية لغرض ممارسة التدريب لتعليم أبناء هذه البلدان ولحصد الإنجازات الاولمبية الذهبية على حساب الرياضي العربي الذي هو الأولى بمثل تلك الخبرات الرياضية المهاجرة ولنرى مدى ضحالة هذه المشاركة العربية المخجلة .
وعلى مدار تاريخ الألعاب الأولمبية التي بدأت عام 1896 ولغاية سنة 2008 كانت حصيلة جميع المشاركات العربية مجتمعة هي إحراز 75 ميدالية على مدار التاريخ الاولمبي منها 20 ذهبية و18 فضية و37 برونزية
هناك أغنياء من الملوك والرؤساء والأمراء العرب وأبنائهم يمتلكون أموال مليارية طائلة شخصية وليست أموال دولة , لو فكرا هؤلاء باستثمار جزء من أموالهم في بناء مثل تلك الأكاديمية العربية الرياضية ويشارك فيها الرياضيين العرب لغرض تخريج قدرات مشهود لها تستطيع التفوق والحصول على مراتب متقدمة جدآ خيرآ من أن تستثمر هذه الأموال في مشاريع البورصة ومضاربتها الخاسرة , فالاستثمار في المواطن العربي خيرآ لنا من الاستثمار في البلدان الأجنبية و المواطن الأجنبي وبناء بلده أليس كذالك ... أولمبياد عش الطائر تحديدآ سوف تكون حتمآ وأبدآ في الذاكرة الجمعية لشعوب العالم قاطبة لعشرات السنين القادمة التي أقيمت في دولة كانت قبل عشرات السنين فقط ليست على الخريطة العالمية التكنولوجية المتقدمة مثلما رأيناه اليوم على شاشات التلفزة العالمية وهي تنقل لنا مدى التطور الذي حل بتلك الدولة الشيوعية ... أتمنى أن تستفاد حكوماتنا وشعوبنا وجميع منظماتنا الرياضية العربية من تجارب الأخريين المبهرة ...
#صباح_البغدادي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟