مشعل التمو
الحوار المتمدن-العدد: 737 - 2004 / 2 / 7 - 04:57
المحور:
اخر الاخبار, المقالات والبيانات
ثقافة الانتحار أو ما اصطلح على تسميته القنابل البشرية أضحت جزء من منظومة الكثير من الأطر ( بغض النظر عن ماهيتها ) بهدف السيطرة على العقل البشري وتسخيره الوجهة السياسية المطلوبة على أرضية تقوية يقينياته سواء الماورائية أو العقائدية , وفي الحالتين يتحول الإنسان إلى قنبلة بشرية تحركها العاطفة والإيديولوجيات السياسية , وكلا يسعى إلى تحقيق هدف محدد دنيوي أو أخروي والثاني بحكم وعد الجنة يصبح أكثر اندفاعا وقبولا للانفجار وفق ما تقتضيه مصالح ورغبات وطموحات منظمي ومستفيدي القتل البشري , بمعنى أن القنابل البشرية أصبحت تمتلك ثقافتها الخاصة وفلسفتها المسوغة للقتل , وطبيعي أن هذه الفلسفة نتاج الكثير من العوامل الاجتماعية والسياسية والاقتصادية , والكثير من القراءات للنص الديني الذي ينفي في جوهره وروحيته قتل الإنسان البريء , ولكن الأهداف السياسية تضفي على النص مسحة مكارثية تجاه الأخر لتناسب متطلبات الهدف الوضعي , وبالتالي يصبح الكل خارج هذه المنظمة مجرم وكافر وملحد ويجب قتله , والعضو المنظم في هكذا اطر ينتفي لديه العقل المفكر ويقتصر فهمه أو معرفته على التصورات المرسلة والملقنة له وعلى خياله المكتمل والمستند على آليات التحريض المختلفة , وبانتفاء العقل ينتفي الدين , ففي حديث للنبي محمد (ص) يقول فيه ( إنما يدرك الخير كله بالعقل , ولا دين لمن لا عقل له ) .
قد تكون مناسبة هذا الحديث هو الجريمة ضد الإنسانية التي حدثت في أول أيام عيد الأضحى , وهو أمر له دلالته السيئة من حيث معاني العيد ومدلولاته الإنسانية , واستغلال هذه المعاني لقتل الأبرياء والمحتفلين بالعيد , وهو ما يحيل العيد بمضمونه ومعانيه إلى دائرة كارثية سلبية على الوعي الشعبي للمسلم الأخر الذي تلقى القنبلة البشرية المسلمة أيضا في يوم مقدس ؟
ثمة تساؤل صميمي , لماذا استهداف الكورد , ولماذا كل هذا الحقد عليهم , وهم وفق ما اعتقد يدين غالبيتهم بالدين الحنيف , ولعل إيمانهم العميق بالدين هو ما سمح بدخول الإرهابيين , الذين اعتقد بأنه هناك الآن الكثير من معتنقي الرياء والبطش والقمع التراثي يهلل فرحا لهذه المجزرة ؟ على أمل استبعاد واستعباد الكورد مجددا , فمن وجهة النظر الإرهابية تجاوز الأكراد السقف لأنهم طالبوا بإنهاء عبوديتهم طالبوا بالفيدرالية , وعصوا الأخ الأكبر , وعضوا يد الخليفة , ونزعوا عن رؤوسهم هراوته وعن أجسادهم تراب الرق وعن عقولهم ثقافة الحجاج والوليد بن عبد الملك , أمور أزعجت أولي الأمر وأغضبتهم وكان لا بد من تأديب الأكراد مرة أحرى , الذين تجرؤوا على الكلام في فضاء فاشي بامتياز لا تتواجد فيه حرية لكردي سوى حرية الصمت والسكوت وانتظار ما يقرره الأخ الأكبر من مصير أو حتى يمن عليهم أيتام صدام وجلاوزة غوبلز ببعض الفتات ؟
استهداف الكورد لم يأتي من فراغ و وإنما وضعت له أرضية إيديولوجية ساهم فيها الكثير من الأطر والفعاليات المختلفة , سواء كان ذلك رسميا عبر ماكينة دعائية حرفت الحدث العراقي ومسوغات الاحتلال الأمريكي , وساهم في ذلك أغلبية القنوات الفضائية العربية عبر تشويه الخبر وتحريف الواقع بما يتوافق وتكريس حالة العداء الجديدة , أو عبر مواقف ومقالات مبطنة بالحب ونافرة للكره والعداء من لدن بعض المثقفين العروبين والأصوليين بفروعهم الثلاثة , هذه الماكينة التحريضية على العنف بدأت بتأسيس حالة عدائية عروبية ضد الأكراد مع تحميلهم وزر إسقاط صدام , فهم الذين رضوا أن يكونوا وقودا لقنابله الكيميائية أو قرابين لجرافاته الانفالية ؟
منذ فترة ليست بالقصيرة والأعلام الرسمي العروبي يؤسس لعدو افتراضي جديد يغذي منظومة التحكم والربط الشعبية , بالترافق مع مواقف قومجية معلنة أو مستترة بالمدافعة عن الديمقراطية وحقوق الإنسان , تكيل الاتهام تلو الأخر وتغمز من هذه القناة أو تلك موحية بشكل أو بأخر إلى تصوير المطلب الكردي والوجود الكردي , تصويرا عدائيا ينوي تقسيم الأرض العربية ويتعاون مع أمريكا ؟ وكأن الطرف الكردي هو الوحيد الذي تعامل مع أمريكا والذي ادخلها المنطقة والذي أهداها خيرات الأرض العربية والذي خدمها طيلة هذه السنين والذي جعل الحل والربط في يدها والذي فتح أراضية للقواعد العسكرية الأمريكية ؟؟ والذي والذي .. الخ وطبيعي أن تأسيس بهذه الدرجة من الفصامية المرتهنة إلى اللحظة الراهنة المشبعة بالعنف والحمية الأصولية يؤدي إلى مثل هذه النتائج .
حقيقة هو أمر مؤسف لنا نحن أبناء الشعب الكردي أن نصطدم يوميا بحقائق جديدة تظهر لنا سوية ومصداقية من نعيش معهم ومن نتكاتف معهم ونناضل معهم لأجل الديمقراطية , التي يبدوا أن الكثير منهم لا يجد لنا مكانا فيها , إلا في وقودها , أما ثمارها فهي محرمة على الأكراد بمسوغ الظرف الدولي ومصلحة الأمة ومقتضيات المرحلة , التعويذة التي وان رددها البعض بحسن نية , ألا أن البقية تستعملها ترسا لمنع آية ممارسة حقوقية لوجودنا القومي , وفي هذا السياق أود أن انوه بأنه هناك الكثير من المقالات والمواقف لشخصيات تتباهى بالعمل الديمقراطي العام ولكنها تتمرغ بمواقف غاية في العنصرية والفاشية إذا تعلق الأمر بحقوق الأكراد , بعض هذه المواقف واضح لا لبس فيه وبعضه الأخر موارب ومراوغ ولكنه يحمل دلالته السلبية في مضمونه وتأويله .
افهم بان المطلوب رسميا وللكثير من الأنظمة العربية وجود عدو افتراضي , يوجه ثقافة الخوف والتسلط ويكون ناظما للملمة القطيع بعد أن قارب على الانتفاء دور العدو السابق , ولكن ما هو مبرر الكثير من مثقفي وسياسيي البعد الأخر الباحثين عن الديمقراطية أو هكذا كنا نحن المثقفين الكورد نتصور ! أليس من واجبات من يسعى إلى الديمقراطية في مجتمع تعددي خلق حوافز الانسجام بين مكونات مجتمعها ! .
يبدوا أن منظومات المعرفة القومجية لا تدرك بان قاعدة السيلية هي التي قادت العمليات العسكرية الأمريكية وان الجيش الأمريكي دخل من الكويت وان البحرين ملتقى الفيالق الأمريكية , ناهيك عن السعودية بلاد الحرمين , وليبيا وجماهيريتها العظمى وبرنامجها النووي أو تعويضاتها لضحايا الطائرات التي أسقطها المد الثوري الليبي أيام زمان , أما العلم الإسرائيلي فلم نجده يرفرف في اربيل أو السليمانية ولكنه يرفرف في القاهرة قلب العروبة وعمان والدوحة والرباط ونواكشوط والحبل على الجرار , ففي كل بقعة من بقاع المحيط والخليج يتواجد أمريكي جيشا ومصلحة وحتى في المكان الذي لا يتواجد فيه , يهلل القومجية لقدومه وحتى تدخُله لإنقاذ أخوتهم في الدين أو الهوية ؟ الم يكن الأولى مناطحة الأمريكيين ومستضيفيهم أم أن البحث عن ضحايا لنفث السادية هو المطلوب .
لا أخفيكم بأنني تأنيت كثيرا قبل أن اعبر عن موقفي هذا , بعد أن تعرضت اربيل إلى إرهاب مزدوج والى ضحايا أبرياء بالمئات , كان هاجسي هو التقليب في المواقف المنددة – على الأقل بياناتيا - بهذا الإرهاب العنصري , وخاصة من لدن أخوتنا الذين نعيش بينهم ونرتبط معهم بالدين والدولة والمصير , واليوم هو الخامس على الجريمة وأنا اقلب صفحات الانترنت ومواقع الإطراف القريبة من السلطة أو المتماهية معها أو البعيدة عنها والمعارضة لها , ولكنني لم اعثر على أي إدانة لما حصل من إجرام , الأمر الذي خلق لدي تشاؤم واستياء وازدراء للكثير من القوى المنادية بالديمقراطية وبحقوق الإنسان .
آلا يحتاج الأمر وعلى اقل تقدير إلى موقف إنساني بحت , أم أن التضامن الإنساني أيضا له ما يعيقه ويقيد حركته إذا تعلق الأمر بالأكراد ؟ الصمت والأصح ما نلمسه راهنا هو تصامت له ركائزه وجذوره , وبالتالي له أيضا تداعياته التي يشكل محورها الرضى , بمعنى هناك رضاء ضمني على قتل الأكراد ؟
الصمت الرسمي له ما يبرره , والصمت الصدامي له مسوغاته , ولكن صمت معارضي الاستبداد له نكهة خاصة وقراءة تأويلية يستشف المرء منها الكثير من الدلالات والتجليات القاطنة في العقل الباطن , والتي تلتقي مع ذات المنهجية الصدامية أو الاستبدادية لا فرق , وان افترقت الشخوص المتناقضة شكلا في العديد من القضايا , ولكن يبدوا إنها تلتقي في الموقف من القضية الكردية ومن حق الأكراد الإنساني , وهذا الاتفاق الجنتلماني ينفي أي وجود مساواتي مشترك , ويطعن في إخاء الدين والإنسانية , ويحيله إلى ذاتوية رؤيوية تبجل الذات القومية وتدين ما عداها , مع اللجوء غالبا إلى نزعة مستديمة للتسويغ يتأسس عليها خطاب أغلبية القوى والفصائل المعارضة , النـزعة التي اعتقد بأنها باتت إشكالية ميدانية بعد أن سكنت لعقود في الوعي الباطن , وجلياً أن هذا الوعي الانفصامي تجاه القضية الكردية والوجود الإنساني للشعب الكردي يستمد حيويته من كاريكاتير الخوف من الأكراد , الخوف إلي يشكل الفكرة المحركة لهذا الوعي وتجليه الانفصامي .
حقيقة أن من قام بالإرهاب والأجرام في اربيل مقتنع بما فعله , فهو نتاج للقهر المنظم الذي وجد أخيرا متنفسا له , في الثأر ولعق الدماء , مؤمنا بالدم المتناثر , ولعل قناعته وإيمانه هذا يأتي من تصوراته عن الشعب الكردي بمجمله , كأعداء مفترضين قتلهم سيدخله الجنة , وهو في هذا نتاج حالة عامة وليست فردية , تهمش الأخر المختلف قوميا وتحيله إلى دونيات وتبعيات مختلفة , ما أن يتحرك للتخلص منها حتى يواجه بتناثر أشلاء وحقد دفين , إذ لا حق لكردي في فيدرالية أو حقوق إنسانية أو قومية مهما صغرت لأنها وفق المنطق التناثري الأنف الذكر , تخرج عن دائرة العصبية القوموية التي هدمت العقل الإنساني واذكت روح الثأر والعداء للأخر .
أن ما حدث في اربيل عبثية حياة عاشها الأكراد في فضاء جغرافي متماه بالجيرة والتعايش المشترك , أو هكذا يحب الأكراد أن يسموه , على الرغم من سياسات الصهر والتطويع السلمية والعنفية , النافية للوجود الإنساني والداعية إلى القتل على الهوية , هذا هو الكردي التائه بين الإسلام وبين ما يفعله به دعاة الإسلام والأخوة والجوار , يعيش دون امتلاك أية حقوق واجبة التطبيق , وعندما تتوفر بعض هذه الحقوق كالحق في الحياة , تنشر الجغرافيا السياسية في الذهنية الكردية البسيطة والشعبية "الخوف في الموت من الموت" .
هو درس أخر في سلسلة الدروس المأساوية يستوجب فقط التفكير والتفكير والتفكير وليس شيء أخر ؟؟؟.
القامشلي 5/2/2004
كاتب كوردي سوري .
#مشعل_التمو (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟