أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ادوارد سعيد - أزمة ليهود أمريكا















المزيد.....

أزمة ليهود أمريكا


ادوارد سعيد

الحوار المتمدن-العدد: 142 - 2002 / 5 / 26 - 09:35
المحور: القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير
    


نظمت قبل بضعة أسابيع في واشنطن تظاهرة صاخبة مؤيدة لإسرائيل، تزامنت تقريبا مع فرض الحصار على جنين. وكان جميع الخطباء شخصيات بارزة بينهم أعضاء في مجلس الشيوخ وزعماء منظمات يهودية رئيسية وأشخاص مشهورون آخرون، وعبر كل واحد منهم عن تضامن ثابت مع كل ما كانت تفعله إسرائيل. وجرى تمثيل الإدارة الأميركية بشخص بول وولفويتز، الرجل الثاني في وزارة الدفاع. وهو أحد صقور اليمين المتطرف واعتاد منذ أيلول الماضي إطلاق تصريحات حول "إنهاء" بلدان مثل العراق، وباعتباره أيضاً أحد مؤيدي إسرائيل الأشد حماساً، فقد كرر في خطابه ما قاله الآخرون مشيداً بإسرائيل ومعبراً عن دعم كامل غير مشروط لها. لكنه أشار في صورة غير متوقعة وبشكل عابر إلى "معاناة الفلسطينيين"، وتعرض بسبب هذا التعبير إلى أصوات استهجان تعالت واستمرت إلى حد منعه من مواصلة إلقاء كلمته، فترك المنصة وكأن عاراً لحق به.

مغزى هذه الحادثة هو أن تأييد يهود أمريكا العلني لإسرائيل في الوقت الحاضر لا يطيق ببساطة التسامح مع أي إقرار بوجود شعب فلسطيني، إلا في سياق الإرهاب والعنف والشر والتعصب، بالإضافة إلى ذلك يفوق هذا الرفض لرؤية أي شيء يتعلق بوجود "طرف آخر"، ناهيك عن السماع به، يكثر تعصب النزعة المناهضة للعرب وسط الإسرائيليين الذين هم، بالطبع على الخط الأمامي للصراع في فلسطين، وإذا أخذنا في الاعتبار التظاهرة الأخيرة المناهضة للحرب التي شارك فيها 60 ألف شخص في تل أبيب، والعدد المتزايد لجنود الاحتياط الذين يرفضون الخدمة في الأراضي المحتلة، والاحتجاج المتواصل لمثقفين وتنظيمات (وإن كانوا قلة)، وبعض استطلاعات الرأي التي تظهر أن غالبية الإسرائيليين مستعدين للانسحاب مقابل سلام مع الفلسطينيين، فإن هناك على الأقل دينامية من النشاط السياسي وسط اليهود الإسرائيليين، لكن هذه ليست الحال في الولايات المتحدة.

قبل أُسبوعين، نشرت مجلة "نيويورك" الأُسبوعية التي يبلغ حجم توزيعها مليون نسخة، ملفاً بعنوان "أزمة ليهود أمريكا"، يدور حول أن الأمر "في نيويورك، كما في إسرائيل، هو أزمة بقاء". لن أحاول أن أُلخص النقاط الرئيسية في هذا الادعاء المثير للاستغراب سوى أن أقول أنه رسم صورة عن ألم عميق بشأن "أعز شيء في حياتي، دولة إسرائيل"، حسب ما نقلت المجلة عن شخصية بارزة في نيويورك، حتى يخيل للمرء أن وجود هذه الأقلية الأكثر رخاء ونفوذاً بين كل الأقليات في الولايات المتحدة مهدد فعلاً، وذهب أحد الأشخاص الآخرين الذين نقلت عنهم المجلة إلى حد الإيحاء بأن اليهود الأميركيين على حافة محرقة ثانية. يؤيد معظم اليهود الأميركيين بالتأكيد، كما ذكر كاتب إحدى المقالات، ما فعلته إسرائيل في الضفة الغربية بحماس، قال أحدهم على سبيل المثال أن ابنه هو الآن في الجيش الإسرائيلي، وأنه "مسلح وفي وضع خطر ويقتل أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين".

ويلعب الشعور بالذنب، لكونهم مرفهين في أمريكا، دوراً في هذا النمط من التفكير المغرق بالاوهام، لكنه في المقام الأول نتيجة لانعزال ذاتي غير عادي في عالم من الخيال والأُسطورة مصدره تربية ونزعة قومية طائشة من نوع فريد في العالم. ودأبت وسائل الإعلام الأميركية والمنظمات اليهودية الرئيسية منذ تفجر الانتفاضة قبل حوالي سنتين على نشر شتى أنواع التهجمات على التربية الإسلامية في العالم العربي وباكستان وحتى في الولايات المتحدة، وشمل ذلك اتهام السلطات الاسلامية، بالاضافة إلى السلطة الفلسطينية بزعامة ياسر عرفات، بتربية الصغار على كره أمريكا وإسرائيل، ومزايا التفجيرات الانتحارية، والتمجيد المطلق بالجهاد، لكن لم يقل شيء يذكر عن نتائج ما جرى تلقينه لليهود الأميركيين عن النزاع في فلسطين، أنها منحت لليهود من قبل الله، وأنها كانت خالية، وأنها حررت من بريطانيا وأن السكان الأصليين فروا لأن زعماءهم طلبوا منهم ذلك. وأن لا وجود عملياً للفلسطينيين ما عدا في الفترة الأخيرة كإرهابيين، وأن كل العرب مناهضون للسامية ويريدون أن يقتلوا اليهود.

في كل هذا التحريض على الكره لا وجود إطلاقاً لحقيقة أن هناك شعب فلسطيني، وما يكتسب دلالة أكبر أنه لا يجري أي ربط بين الحقد لدى الفلسطينيين ومشاعر العداء تجاه إسرائيل وبين ما تفعله إسرائيل بحق الفلسطينيين منذ 1948.

فالأمر يبدو كما لو أن تاريخاً كاملاً من التشريد وتدمير مجتمع واحتلال مستمر منذ 35 عاماً للضفة الغربية وغزة، ناهيك عن المذابح وعمليات القصف والطرد ومصادرة الأراضي وأعمال القتل والحصار والإذلال وسنين من العقاب الجماعي والاغتيالات المتواصلة على مدى عقود، لا يعني شيئاً لأن إسرائيل كانت ضحية لغضب الفلسطينيين وعدائهم ومناهضتهم غير المبررة للسامية. لا يخطر في بال معظم مؤيدي إسرائيل الأميركيين أن ينظروا إلى إسرائيل باعتبارها المخطط الفعلي للأفعال المحددة التي نفذت باسم اليهود من قبل الدولة العبرية وأن يربطوا بالتالي هذه الأفعال بمشاعر الغضب والانتقام لدى الفلسطينيين.

المشكلة في الواقع هي أن الفلسطينيين كبشر لا وجود لهم، أي كبشر لديهم تاريخ وتقاليد ومجتمع وعذابات وطموحات مثل كل الشعوب الأُخرى. وتفسير هذا الموقف الذي يتبناه معظم مؤيدي إسرائيل من اليهود الأميركيين وليس كلهم بأي حال هو مسألة تستحق التمعن فيها. إنه يعود إلى الدراية بأنه هناك سكان أصليون في فلسطين -كل الزعماء الصهاينة كانوا يعرفون ذلك وتكلموا عنه- لكن لم يمكن الاعتراف بهذه الحقيقة إطلاقاً لأن ذلك قد يمنع عملية الاستيطان. ولهذا السبب دأب الصهاينة بشكل جماعي على إنكار هذه الحقيقة أو الكذب بشأنها بتقديم حقيقة مضادة خصوصاً في الولايات المتحدة حيث لا تتوافر الحقائق على نحو يتيح التوثق منها. وعلى مدى عقود جرى تعليم الأطفال بأنه لم يكن هناك أي فلسطينيين عندما وصل الرواد الصهاينة ولذا فإن هذا الخليط من البشر الذي يقذف الحجارة ويقاوم الاحتلال ليس سوى مجموعة من الإرهابيين الذين يستحقون القتل. الفلسطينيون، باختصار لا يستحقون أي شيء يقرب من وجود فعلي جماعي والتالي يجب أن يتم تحويلهم واذابتهم في صور سلبية أساساً. وهذا بالكامل هو نتاج تربية مشوهة تعطى على جرعات إلى ملايين الصغار الذين يشبون من دون أي إدراك إطلاقاً لحقيقة أن الشعب الفلسطيني جرد من صفاته الإنسانية كلياً لخدمة هدف سياسي- أيديولوجي يتمثل على وجه التحديد بالحفاظ على مستوى عال من التأييد لإسرائيل.

ما يثير الاستغراب حقاً هو أن أفكار التعايش بين الشعوب لا تلعب دوراً في هذا النوع من التشويه. فبينما يريد اليهود الأميركيون أن يعترف بهم كيهود وأميركيون في أمريكا، لا يبدون استعداداً لإعطاء مكانة مماثلة كعرب وفلسطينيين لشعب آخر اضطهد منذ البداية من قبل إسرائيل.

لا يمكن للمرء أن يدرك عمق المشكلة التي تتجاوز السياسة العادية إلا إذا عاش لسنوات في الولايات المتحدة. فالقمع الثقافي للفلسطينيين الذي جرى بسبب التربية الصهيونية انتج إحساساً مشوهاً على نحو خطر بالواقع يصبح فيه كل ما تفعله إسرائيل شيئاً تفعله كضحية. فحسب المقالات المختلفة التي اقتبست منها أعلاه، يشعر اليهود الأميركيون الذين يعيشون أزمة بالتبعية الشيء ذاته مثل اليهود الإسرائيليين اليمينيين الأكثر تطرفاً بأنهم معرضون إلى الخطر وأن بقاءهم مهدد. وواضح أن لا علاقة لهذا بالواقع بل هو يرتبط بالأحرى بحالة من الهلوسة تتجاوز التاريخ والحقائق بنرجسية منفلتة تماماً. ولم تتضمن مقالة نشرت أخيراً دفاعاً عما قاله وولفويتز أمام التظاهرة أي إشارة إلى الفلسطينيين الذين تطرق إليهم في كلمته بل دافعت عن سياسة الرئيس بوش في الشرق الأوسط.

هذا تجريد للصفات الإنسانية على مستوى هائل، وتفاقمه سوءاً كما ينبغي القول، التفجيرات الانتحارية التي شوهت كفاح الفلسطينيين وانتقصت من مكانتهم إلى حد كبير. فكل حركات التحرر في التاريخ أكدت أن كفاحها يتعلق بالحياة لا بالموت. لماذا يكون كفاحنا استثناء؟ كلما أسرعنا بتثقيف أعدائنا الصهاينة وبينا أن مقاومتنا تعرض التعايش والسلام كلما أصبحوا أقل قدرة على قتلنا ساعة يشاؤون والإشارة إلينا كإرهابيين. لا أقول أنه يمكن تغيير شارون ونتنياهو. إنني أقول أن هناك جمهوراً فلسطينياً، نعم فلسطيني، بالإضافة إلى جمهور إسرائيلي وأميركي يحتاج المرء إلى تذكيره عبر الاستراتيجية والتكتيك أن القوة المستندة إلى الأسلحة والدبابات والقنابل البشرية والبلدوزرات ليست حلاً بل لا تخلق سوى مزيد من الوهم والتشويه على كلا الطرفين.



#ادوارد_سعيد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المبادرة السعودية تكرار لسابقاتها
- الطريق المسدود ... هل إسرائيل أكثر أمناً الآن؟


المزيد.....




- أين بوعلام صنصال؟.. اختفاء كاتب جزائري مؤيد لإسرائيل ومعاد ل ...
- في خطوة تثير التساؤلات.. أمين عام الناتو يزور ترامب في فلوري ...
- ألم الظهر - قلق صامت يؤثر على حياتك اليومية
- كاميرا مراقبة توثق لقطة درامية لأم تطلق كلبها نحو لصوص حاولو ...
- هَنا وسرور.. مبادرة لتوثيق التراث الترفيهي في مصر
- خبير عسكري: اعتماد الاحتلال إستراتيجية -التدمير والسحق- يسته ...
- عاجل | نيويورك تايمز: بدء تبلور ملامح اتفاق محتمل بين إسرائي ...
- الطريقة المثلى لتنظيف الأحذية الرياضية بـ3 مكونات منزلية
- حزب الله يبث مشاهد استهداف قاعدة عسكرية إسرائيلية بصواريخ -ن ...
- أفغانستان بوتين.. لماذا يريد الروس حسم الحرب هذا العام؟


المزيد.....

- الرغبة القومية ومطلب الأوليكارشية / نجم الدين فارس
- ايزيدية شنكال-سنجار / ممتاز حسين سليمان خلو
- في المسألة القومية: قراءة جديدة ورؤى نقدية / عبد الحسين شعبان
- موقف حزب العمال الشيوعى المصرى من قضية القومية العربية / سعيد العليمى
- كراس كوارث ومآسي أتباع الديانات والمذاهب الأخرى في العراق / كاظم حبيب
- التطبيع يسري في دمك / د. عادل سمارة
- كتاب كيف نفذ النظام الإسلاموي فصل جنوب السودان؟ / تاج السر عثمان
- كتاب الجذور التاريخية للتهميش في السودان / تاج السر عثمان
- تأثيل في تنمية الماركسية-اللينينية لمسائل القومية والوطنية و ... / المنصور جعفر
- محن وكوارث المكونات الدينية والمذهبية في ظل النظم الاستبدادي ... / كاظم حبيب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - القومية , المسالة القومية , حقوق الاقليات و حق تقرير المصير - ادوارد سعيد - أزمة ليهود أمريكا