أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عاصم بدرالدين - في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية!















المزيد.....

في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية!


عاصم بدرالدين

الحوار المتمدن-العدد: 2382 - 2008 / 8 / 23 - 01:33
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


نالت وثيقة حزب الله مع إحدى التيارات السلفية السنية ضجة أكبر من حجمها، وحيكت حولها مشاريع وأهداف غريبة، بعدها منطقي وممكن، وأغلبها خرافي. لا نستطيع استيعاب وثيقة "العقد والوعد" بغير أنها محاولة إعلامية من حزب الله لامتصاص الغضب السني، ولإعادة بناء صورته كحزب مقاوم مؤتمن على وحدة المسلمين. لكن هذه المحاولة فشلت، وربما كان يعرف الحزب نفسه موتها قبل إعلانها، لأن الطرف الآخر ضعيف جداً بحيث يعجز عن اعتبار نفسه ممثلاً للحالة الشعبية السنية الهائجة آنياً. فمثلاً لماذا لم ينجح حزب الله في إقناع الإخوان المسلمين في التوقيع على هذه المعاهدة رغم أن علاقته السياسية والحوارية معهم مقبولة وخطوط التواصل غير مقطوعة؟ وهو حكماً سعى لذلك لمعرفته بقيمة هذا التنظيم في الشارع السني الديني تحديداً. من البديهي القول إن إقدام الإخوان المسلمين على توقيع هذه الوثيقة يعني، ببساطة، نبذهم من الشارع السني المحتقن حتى حدود الذروة خصوصاً بعد أحداث بيروت وطرابلس. إذاً ماتت الوثيقة أو دخلت في لحظاتها الأخيرة. ولنؤكد ضعف الطرف السني وانعدام صفته التمثيلية، كما غياب التوازن بين قطبي الوثيقة، ندلل إلى التراجع السريع من قبل السلفيين الموقعين "لدراستها مع أهل العلم والدراية من أبناء الدعوة السلفية". فأهل العلم والدراية أهم شأناً ونفوذاً منهم.

من أسباب قيام هذه الوثيقة، وسقوطها لاحقاً نستنتج أمرين:
أولاً: هناك اعتراف ضمني، وخاصة من قبل حزب الله بعدما سخر جوقته زاعماً أن الصراع محض سياسي، أن علاقة الشيعة بالسنة اليوم وصلت إلى نقطة اللا عودة. وأن الإحتراب الأهلي الأخير كان له ترسباته الطائفية المؤذية، وأكثر من ذلك أكد لنا إدعاءنا السابق، أن ما يجري اليوم في لبنان، ما هو إلا صراع طوائفي، بين طائفة تسعى للتقدم واحتلال المركز الأول في هرمية السلطة، لاعتقادها أنها تمتلك شتى أنواع النفوذ مما يؤهلها للسيطرة، وأخرى تعمل للحفاظ على مركزها الأول، ونفوذها في تحريك العجلتين الاقتصادية والسياسية، وطائفة ثالثة هامشية تسعى للعودة بأقل الإمكانيات والصلاحيات(المارونية) ورابعة هامشية تسعى للحفاظ على نفسها ووجودها (الدرزية). على أن الطائفتين الهامشيتين لا تشاركان في الإحتراب المسلح إلا عرضاً.

ثانياً: يشي التراجع، والبيانات الصادرة عن الجماعات السلفية المختلفة، والتي أجمعت على عملها تحت سلطة تيار المستقبل، أن للأخير سلطة فاعلة على التيارات السلفية المتحركة في شمال لبنان. وهذا النفوذ ليس ببسيط، فالجماعة التي أقدمت على توقيع الوثيقة، رفضت أن تعتبر نفسها مواجهة لتيار الحريري أو ضده بل أشارت إلى أنها حازت على موافقته قبل الإقدام على التوقيع وهو ما نفاه نواب التيار فيما بعد. بمعنى أن التحرك السلفي العنفي الذي تشهده اليوم طرابلس، والذي شهده مخيم "نهر البارد" الفلسطيني منذ حوالي العامين لم يكن ببعيد عن أجواء تيار المستقبل، إنما طبعاً بطريقة غير مباشرة أو ربما مباشرة، من يدري؟! فهؤلاء كانوا مستفيدين على ما تبدى لنا من الحماية التي يؤمنها التيار للجماعات الدينية المتعصبة والتي تشكل بالنسبة له عصباً انتخابيا مهماً جداً وخاصة في عاصمة الشمال.

في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية:
إعلامياً شطحت مخيلة بعض الكتاب والمحللين إلى أماكن بعيدة جداً لا تعبر عن الواقع بطريقة صحيحة لا بل تتجاوز التغير الذي طرأ على الاجتماع السني، ما بعد الحرب الأهلية مع توقيع اتفاق الطائف كمرحلة أولى، وما بعد اغتيال الرئيس الحريري في شباط 2005 كمرحلة ثانية للتحول الاجتماعي-السياسي.

في المرحلة الأولى، ما بعد "وثيقة الوفاق الوطني" التي أنهت الحرب الأهلية، دخلت السنية السياسية في مرحلة جديدة، إذ كانت تشارك قبل هذا التاريخ، في السلطة بشكل هامشي في ظل صلاحيات ملكية لرئيس الجمهورية الماروني. فمع الطائف ونتيجة للتغير الإقليمي وغياب الكولونالية الأوروبية "المسيحية" وفقدان المسيحيين للداعم، أستطاع السنة عبر رئاسة الحكومة أخذ كل الصلاحيات الملكية من الرئاسة الأولى.
فعلى المستوى السياسي، ولئن كان الفريق المسيحي منهار ومشتت ومعتكف عن ممارسة العمل السياسي، إرادياً أو جبرياً (بسبب الوجود العسكري السوري) وبعد نفي الجنرال ميشال عون، واعتقال قائد القوات اللبنانية سمير جعجع واعتكاف كل من آل إده وشمعون وجميل عن العمل السياسي، صار السنة هم واجهة لبنان السياسية، مع مشاركة شيعية ودرزية بسيطة وهامشية جداً من الجانب الماروني (المسيحي عموماً).. وليس من باب المبالغة القول أن رفيق الحريري آنذاك كان رئيس الجمهورية الفعلي، أما رئيسا الجمهورية الياس الهرواي وإميل لحود فكانا صوريين.. مع تجاهل الوجود السوري النافذ والمسيطر الأول طبعاً.
أما اقتصاديا، فكل المؤرخين يشهدون أن البرجوازية المسيحية، والتجار المسيحيين هم المحرك الأول للاقتصاد اللبناني ذي الوجهة الخدماتية، حتى الإحصاءات تشير إلى غلبة مسيحية في عدد المستثمرين. قد يكون هذا الأمر ثابت وغير متغير إلا أن التأثير الأول على الحركة الاقتصادية انتقل أيضاً إلى التيار السني الحاكم في البلد وعلى رأسه رئيس الحكومة رفيق الحريري الاقتصادي والمستثمر قبل احتراف العمل السياسي.

الذي أبغيه من هذا العرض البسيط للحراك السلطوي، أن فكرة السنية السياسية متكونة ومتجسدة وفاعلة قبل هذه الوثيقة السخيفة والبالية التي وقعها حزب الله مع أحد أطراف السلفية السنية. وهذه السنية السياسية دخلت في عمقها بعد اغتيال الرئيس الحريري، مترافقة مع تضامن عصبي مذهبي داخل الطائفة المذكورة، على أساس أن وجودها مهدد، باغتيال الشخصية -المشروع- الذي جعل منها الطائفة صاحبة الرقم واحد في البلد. وراح اللبنانيون غير السنيين يطلقون على هذه المرحلة: لبننة السنة! ومع أن هذه اللبننة لا تذكرنا إلا بتاريخ نرجسي لبناني مقزز ومقرف تجاه أي آخر "غريب".. فإن اللبنانيين عموماً فرحوا بهذه التسمية وجميعهم يسعون لنيلها!

هذا عمودياً.. أما أفقياً، فهناك شريحتين أستطاع الرئيس الحريري جمعهما تحت لواء تياره أو نفوذه المالي والسياسي منذ بداية مشروعه، المدعوم سعودياً، والذي نستطيع تأريخ بداياته قبل اتفاق الطائف بسنة أو أكثر بقليل. وهذا الجمع استحال، بعد استشهاده إلى رابطة عصبية قوية صعبة الاختراق، ككل الروابط التقليدية الأولية التي تدور في فلك المذهبية والقبلية.

الشريحة الأولى هي الواجهة المدينية البيروتية، حيث التجارة والحرية والفردية، من القيم الأساسية التي تتبناها هذه الجماعة بنسب متفاوتة طبعاً.. ومن نافل القول أن هذه الشريحة آخذة بالاضمحلال منذ ما بعد الاغتيال المفصلي.
والشريحة الثانية المخبأة في جيب الأولى، والتي تشكل كتلة لا يستهان بها من حيث العدد -وسيلعبون دور المقرر في الانتخابات القادمة- والتأثير على التوجه العام لتيار المستقبل وخصوصاً بعد الاغتيال المفجع للمؤسس. هذه المجموعة الآخذة في الأتساع هي الشريحة الدينية المتعصبة والأصولية السلفية، ومركزها الأس في الشمال حيث الثقل السني. وتأكيداً لنفوذ الثانية على الأولى (نلفت إلى أن الأولى هي الواجهة النيابية والوزارية والقيادية لتيار المستقبل) نسأل: لماذا تتحرك دعاوى السلفيين دائماً قبل الانتخابات النيابية أو البلدية (عام 2005 و 2008) أليس من أجل استغلالها انتخابيا؟ ولماذا منع الجيش من استخدام القوة في الخامس من شباط 2006 عند اجتياح الأشرفية من قبل المتشددين السنة؟ وأخيراً تجميد وثيقة "العقد والوعد" سريعاً.. الخ!

إن تثبيت وجود سنية سياسية "تخلط السياسي بالديني والعسكري"، لا يحتاج إلى عمامة رجل دين سياسية مشابهة لتلك الموجودة عند الشيعة. بل إن السنية السياسية وصلت إلى قمة خلطها ما بين السياسي والديني والعسكري ونفورها من الأخر وعزلتها وتقوقعها وعصبيتها في ظل قيادة مدنية تجارية اقتصادية ليبرالية.. ونقصد بطبيعة الحال: آل الحريري. فهذا هو المفتي، المرجعية الدينية الكبرى لدى سنة لبنان، يعلن وقوفه خلف الرئيس فؤاد السنيورة، رئيس الحكومة اللبنانية السني وأحد أعضاء تيار المستقبل (فيما لم يقف خلف الرئيس عمر كرامي حين نزلت الجماهير لإسقاطه ولا يشك أحد بسنيته!)، ومن ثم يدعو للكشف عن قتلة رئيس الوزراء السني رفيق الحريري زعيم تيار المستقبل.. كلها معادلات دالة على الخلط والتماهي حتى أننا ما عدنا قادرين، حالياً، على التمييز بين تيار المستقبل ودار الإفتاء.. كذلك الأمر بالنسبة لتجمع حزب الله-حركة أمل- والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، إذ يسيطر الأول على الثاني والأخير!

إن عملية انتقال الطائفة من الانفتاح إلى الانغلاق من التمدن إلى التعصب، ترتبط بعاملين اثنين كأي جماعة اجتماعية يطالها التغيير، أحدهما داخلي ويتجسم في القابلية التي مثلها مشروع الراحل رفيق الحريري. وثانيهما خارجي ويتجسد في المزاحمة الطائفية على السلطة وإثبات النفوذ على الساحة اللبنانية أولاً... وعلى الساحة الإقليمية تتابعاً (صراع إيران الشيعية والخليج العربي السني) وهاكم الشيعة كمثال نافر...



#عاصم_بدرالدين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- المواجهة مع حزب الله
- إلى محمود درويش: سيأتي الموت ويأخذنا معك
- بعض مفارقات التعامل اللبناني مع الذاكرة
- في نهرها: فلسطين حقاً عربية!
- العبارة المصرية كنموذج للغرق العربي
- إشكالية العلاقة بين العلماني والطائفي في لبنان
- الإنتخابات في لبنان:أبعد من السلاح، وأكثر من هيئة رقابية
- فؤاد شهاب يعظكم
- الهيئة العربية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
- لا لعقوبة الإعدام في قضية الزيادين
- حينما يتمادى القمع
- علمانية الخميني بين الولاية المطلقة والغيب المقدس!
- ذلك السلاح.. في إنتظار التسوية
- ليس بئس العلمانية التركية، على بؤسها، إنما بئس الإسلام العرب ...
- الطائف ليس المشكلة الأساس
- إستفحال الإستغباء بالتصفيق
- العلماني خارج دائرة الإنغلاق
- وماذا عن الجيش؟
- صراع أبدي
- الإنتفاخ الطائفي


المزيد.....




- طلع الزين من الحمام… استقبل الآن تردد طيور الجنة اغاني أطفال ...
- آموس هوكشتاين.. قبعة أميركية تُخفي قلنسوة يهودية
- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - عاصم بدرالدين - في تسييس السنة على الطريقة اللبنانية!