في الصفحة ١٩١ من الكتاب جاءت عبارة جذبت انتباهي عند التحدث عن تطور اوروبا تقول "جرى الانتقال الى العبودية المقيتة واستغرقت سبعة قرون". وعبارة العبودية المقيتة حفزتني على كتابة هذا المقال الذي لا علاقة له بنقد الكتاب او ابداء الراي فيه. كان المقصود من الفقرة التوصل الى ان الانتقال الى المراحل التاريخية المعروفة، المشاعية البدائية والعبودية والاقطاع والراسمالية استغرق في اوروبا مددا طويلة وان التحولات المماثلة في الشرق لابد ان تستغرق مددا طويلة هي الاخرى لكي ترتفع الى مستوى التطور الاوروبي ولذلك فان وصول الشرق الى مرحلة الثورة البرجوازية مثلا ما زال بعيد الاحتمال.
وليسمح لي القارئ ان اقتبس جزءا من الفقرة التي جاءت فيها هذه العبارة لان ذلك يتيح لي ان ابدي رأيي حول عبارة العبودية المقيتة.
"حاول فهد في كتاباته ان يبرهن على صواب استخدام النظرية الماركسية ليس في البلدان الراسمالية المتطورة فحسب بل في البلدان المتخلفة ايضا. وانطلق في ذلك من الطابع الاممي لجوهرها وعالميتها. وكان مصيبا في هذا التوجه، شريطة ان يستخدم النهج الماركسي في التحليل وتشخيص الاوضاع وطرح المعالجات العملية لتلك الاوضاع بصورة صحيحة. واعتمد فهد في تحليلاته على موضوعات لينين التي اراد خلالها البرهنة على امكانية انتصار الاشتراكية في الشرق المتخلف، بخلاف ماركس الذي اكد بان الاشتراكية اذا انتصرت ففي غرب اوروبا حيث الحركة العمالية المتطورة، ودعم ذلك بموضوعته المعروفة بان اي تشكيلة اجتماعية ـــ اقتصادية جديدة لا يمكن ان تظهر وتنتصر الا بعد ان تصل التشكيلة القديمة الى ذروة التطور فالانحلال. وربط ذلك بنوعين من الثورات التي تحسم تلك العملية: ثورة من تحت وثورة من فوق. واعتمد ماركس في تحليله هذا على المسيرة التاريخية الحتمية لانتقال المجتمعات من تشكيلة الى اخرى بفترات تاريخية غير قصيرة ومتباينة. ففي الشرق مثلا جرى الانتقال من المشاعية البدائية الى المجتمع الطبقي الاول في فترة استغرقت ثلاث الاف سنة وما زالت بقايا وعناصر المشاعية البدائية موجودة هنا وهناك في المجتمعات التي ما تزال تدور على محيط المراكز الراسمالية المتقدمة او التي تعيش على هامش الراسمالية. واما في الغرب فان الانتقال جرى الى العبودية المقيتة واستغرقت سبعة قرون. كما استغرقت عملية الانتقال الى الاقطاع في اوروبا خمسة قرون. واذا اعتبرنا الثورة الفرنسية ١٧٨٩ كانت تجسيدا لبداية ناجحة في الانتقال الى الراسمالية التي لا زالت تتوغل الى الاجزاء البعيدة عنها، نرى انها احتاجت الى اكثر من قرنين من الزمن. فكم سنحتاج يا ترى من الزمن كي نرى ذروة تطور الراسمالية وانحلالها في بلادنا، رغم التحولات الكبيرة الجارية على الصعيد العالمي؟"
من حق الباحثين طبعا ان يمقتا العبودية ومن حقهما ايضا ان يمقتا الاقطاع وحتى الراسمالية. فنحن نعيش اليوم في عصر قانون حقوق الانسان الذي يمنح كل انسان على الارض كامل الحقوق من حرية ابداء الراي والتظاهر والاضراب وتكوين المنظمات التي تمثله وحق العمل والنشر الخ ... بل اننا نعيش في عصر ادرك فيه بعض الناس ان قانون حقوق الانسان ليس سوى حبر على ورق. فعلى الورق يتمتع كل الناس بكامل هذه الحقوق وفي الواقع لا يتمتع بالحقوق سوى قلة من الناس في العالم كله. ففي حقوق الانسان يوجد حق صيانة الملكية الخاصة ويعني هذا الحق حق قوارين رؤوس الاموال في استغلال شعوبهم وشعوب العالم اجمع للمحافظة على ملكياتهم الخاصة. ولكن المسألة هي هل كان العبد عند التحول من المشاعية البدائية الى العبودية يمقت العبودية هو الاخر؟
في المشاعية البدائية لم تكن الجماعات البشرية تستطيع انتاج ما يكفي لسد رمقها ولم تبلغ قوى الانتاج، الجماعات العاملة على الطبيعة لتحويلها الى ما يخدم مصالحها والطبيعة التي يعملون عليها، درجة من التطور بانها تنبج ما يزيد على حاجياتها المباشرة من طعام وكساء وماوى. فكان مصير الاسير في الصراعات بين الجماعات البشرية القتل او حتى اكل لحوم الاسرى اذا لم تتوفر المواد الغذائية الكافية من لحوم الحيوانات مثلا. وكان هذا الامر طبيعيا وعادلا في تلك الفترة. وما ان توصلت قوى الانتاج الى انتاج ما يزيد عن الحاجات المباشرة الا واصبح بالامكان تركيز بعض الانتاج في ايدي قلة من المجتمع مما ادى الى ضرورة الانتقال الى النظام العبودي. ففي النظام العبودي ادرك المجتمع ان من الافضل استخدام الاسير كعبد لقاء لقمة عيشه من قتله او اكل لحمه. وذلك ليس حبا بالعبد او عطفا عليه بل فقد لان ابقاءه على الحية يشكل مصدر ربح لمالك العبد اذ اصبح بامكان العبد ان ينتج اكثر مما يستهلكه من اجل البقاء حيا. لذلك فان التحول من قتل الاسرى الى استعبادهم كان خطوة تقدمية انقذت حياة الاسير من القتل وابقته على قيد الحياة كعبد. لذلك لم ير العبد في النظام العبودي نظاما مقيتا بل راه نظاما عادلا. ولكن استمرار النظام العبودي فترات طويلة وتطور قوى الانتاج خلال ذلك جعل النظام العبودي نظاما مقيتا لدى العبيد فحدثت ثورات العبيد التي حتمت مجيء النظام الاقطاعي بديلا للنظام العبودي. ولم يكن القن في هذا التحول يرى النظام الاقطاعي نظاما مقيتا بل يراه نظاما عادلا جعله حرا بعض الشيء لان الاقطاعي لا يحق له قتله بل بيعه وشراؤه فقط واصبح القن مالكا للارض يحرثها ودور الاقطاعي هو ان يستلب انتاج القن من ارضه. ويصح الامر نفسه على التحول من الاقطاع الى الراسمالية.
ولكن اين نشأ اول قانون لحقوق الانسان؟ ان اول قانون لحقوق الانسان معروف تاريخيا كان قانون حمورابي في ارض الرافدين. فقانون حمورابي سجل حقوق الانسان في عصر العبودية حين كان الانسان هو سيد العبيد ومساعدوه ولم يكن العبد يعتبر انسانا بل حيوانا ناطقا. وقانون حقوق الانسان الاول كنظيره قانون حقوق الانسان الحالي ليس له واقع الا بصيانة حقوق استغلال الطبقة الحاكمة للطبقات الكادحة. فالانتقال الى النظام العبودي حدث في ارض الرافدين وعلى النيل وفي الصين والهند حين كانت اوروبا ما تزال في عصر المشاعية البدائية.
ومن الذي الغى العبودية رسميا؟ هل الغيت العبودية في اوروبا ام في البلدان الشرقية المتخلفة؟ ان الديانات السماوية الثلاث هي التي الغت العبودية الانسانية جزئيا. ففي الديانات السماوية الثلاث التي نشأت كلها في الشرق الاوسط تحولت عبودية اسياد العبيد الى عبودية الله. فبدلا من اسياد العبيد البشريين اصبح حسب هذه الاديان سيد عبيد واحد هو الله واصبح البشر كلهم عبيدا لله. ولكن الله شأنه شأن سائر اسياد العبيد لا يستطيع ان يضمن استغلال عبيده وحده بصورة مباشرة بل يحتاج الى اعوان ينفذون الاستغلال في سبيله. فكان رجال الدين وكلاء الله في استغلال البشرية منذ اول دين سماوي جاء به النبي موسى وحتى يومنا هذا. وليس الاستغلال الديني للبشر امرا خفيا ينبغي ان نكشفه بل هو مجمل تاريخ استغلال البشرية والحروب حتى يومنا هذا. فحتى بوش زعم انه انما استعبد الشعب الافغاني والشعب العراقي بامر من الله ولا ندري اين سيامره الله في التوجه في المستقبل لاستعباده. اهو الشعب السوري ام الشعب الليبي ام الشعب الايراني ام الكوري الشمالي؟ الله اعلم وبوش هو المنفذ لارادة الله.
ان التاريخ لا يسير سيرا متسلسلا سلسا. فرغم ان الشرق كان مهد الحضارة حين كانت اوربا ما تزال في عصور الظلام ادت الظروف التاريخية الى ان اوروبا تقدمت على الشرق في حضارتها وجاء التحول الى الاقطاع والراسمالية في اوروبا قبل دول الشرق التي عانت من عصر الظلمات. وبلغت التشكيلة الراسمالية ذروة تطورها ودرجة انحلالها منذ امد بعيد. وتطورت الراسمالية من مرحلة المنافسة الى المرحلة الامبريالية مما اقتضى ان يتوصل لينين الى قوانين المرحلة الامبريالية التي لم تتوفر لماركس وانجلز ظروف اكتشافها. وكان من النتائج التي توصل اليها لينين حول المرحلة الامبريالية امكانية حدوث الثورة في بلد واحد وامكانية حدوث الثورة في الحلقة الضعيفة من السلسلة الامبريالية.
وبالفعل اندلعت اول ثورة اشتراكية ظافرة بعد كومونة باريس في روسيا القيصرية التي حدثت فيها الثورة البرجوازية وكانت اضعف حلقات السلسلة الامبريالية.
كان من اهم اكتشافات لينين الاقتصادية في المرحلة الامبريالية سيطرة الراسمال المالي على تطور النظام الراسمالي بدلا من الراسمال الصناعي. وكان هذا يعني اتجاها جديدا في طريقة الاستغلال الراسمالية. في عهد المنافسة الراسمالية كانت طريقة الاستغلال الراسمالية للمستعمرات تتركز في نهب ثرواتها وتصريف منتجاتها في المستعمرات بالدرجة الرئيسية. فحدثت مثلا ابادة النساجين الهنود نتيجة تصدير المنسوجات البريطانية الرخيصة الى الهند. ولكن الاستغلال في المرحلة الامبريالية، مرحلة سيطرة الراسمال المالي على سائر اشكال الراسمال، أضاف الى اشكال الاستغلال القديمة شكلا جديدا هو شكل توظيف الراسمال في المستعمرات لاستغلال الايدي العاملة الرخيصة والمواد الخام المحلية توخيا لمضاعفة ارباح الراسمال. فكان من نتيجة ذلك خلق طبقة عاملة في المستعمرات قبل ان ينمو النظام الاقطاعي بصورة طبيعية الى ذروة نموه ودرجة الانحلال. وكان ارتباط المستعمرات بالسوق العالمية الامبريالية عاملا اساسيا في تحويل اسلوب الانتاج في المستعمرات ايضا الى اسلوب راسمالي. لذلك فان التطور في المستعمرات لم يتطلب وصول الاقطاع الى ذروته والى درجة الانحلال لكي تصبح الثورة البرجوازية قابلة للحدوث في المستعمرات واشباه المستعمرات. وهذا ما استطاع لينين ان يراه فتوصل الى ان الثورة الاشتراكية يمكن ان تحدث في بلد راسمالي متاخر وفي بلد واحد وتوصل الى ان الثورات يمكن ان تحدث في المستعمرات ايضا. واذا تتبعنا تاريخ الشرق الاوسط نجد ان الثورات البرجوازية تحققت فعلا في العديد من بلدانه. فثورة مصدق في ايران كانت ثورة برجوازية رغم فشلها والقضاء عليها. وكانت الثورة المصرية مثلا ثورة برجوازية بكل ما في الكلمة من معنى وهكذا حدث في العراق في ثورة تموز ايضا ولم تشذ عن ذلك ثورة الخميني الايرانية رغم ان الطابع الديني تغلب عليها. سوى ان الاحزاب الشيوعية التي تخلت عن الماركسية كنظريتها الهادية لم تشعر بتحقيق هذه الثورات البرجوازية وبقيت حتى يومنا هذا، رغم اعترافها بان هذه الثورات قد جاءت بالبرجوازية الى الحكم، جاهلة بهذا التحول وما زالت تنتظر استكمال الثورة البرجوازية بمجيء حكومة ديمقراطية شعبية او ما يشابه ذلك لاستكمال الثورة البرجوازية وتمهيد الطريق للانتقال الى الاشتراكية. فنظرية ماركس في ضرورة حدوث الثورة في اوروبا الصناعية وحدوثها في اغلب دول اوروبا في الوقت ذاته كانت صحيحة بالنسبة للمرحلة التي كانت تمر بها الراسمالية في عهدهما. ونظرية لينين صحيحة في طروف المرحلة الامبريالية وليس في نظرية لينين الغاء لنظرية كارل ماركس بل مجرد تطوير الماركسية لما يتفق والظروف الجديدة التي يمر بها النظام الراسمالي. يبدو لي من المناسب ان اشير هنا الى كتاب سوفييتي قراته قبل عشرين عاما كتبه مبعوث سوفييتي لتقديم المساعدة والمشورة لشعوب افريقيا واعتقد انه كان في الكونغو. بعد ان قضى هذا المستشار السوفييتي عدة سنوات في افريقيا توصل الى ان هذه البلدان ليس فيها بروليتاريا وطنية ولهذا توصل الى ان الحركة الثورية في هذه البلدان يجب ان تقودها عناصر البتي برجوازية لفترات طويلة. ويبدو ان هذا المستشار الكبير لم يعتبر عمال مناجم الذهب والالماس وسائر المعادن ولا المشاريع الصناعية الاخرى مثلا عمالا وطنيين نظرا الى انهم يعملون في مشاريع يمتلكها الاستعماريون. ووفقا لهذا المفهوم يكون عمال السكك والموانئ وابار النفط في عراق الحكم الملكي ليسوا عمالا وطنيين نظرا الى انهم يعملون في مشاريع يمتلكها البريطانيون. (ربما تتاح لي فرصة التحدث عن هذا في حلقة اخرى تتعلق بالثورة الاشتراكية في الاتحاد السوفييتي).
وبما انني تطرقت في المقال الى اول قانون لحقوق الانسان، قانون حمورابي، ارجو القارئ ان يسمح لي بالتحدث قليلا عن حقوق الانسان وقوانين حقوق الانسان. لان حقوق الانسان ليست ثابتة وانما هي حقوق متغيرة بتغير ظروف المجتمع واشكاله واهدافه وانظمته وقوانين حقوق الانسان هي ذاتها قوانين متغيرة وفقا لتغير هذه الحقوق. ولذلك توجد انواع عديدة من حقوق الانسان يعبر عنها قانون حقوق للانسان في اللحظة التاريخية المتعلقة به او لا يشرع عنها اي قانون. ولكن جميع قوانين حقوق الانسان لا يمكن ان تتجاوز في محتواها اوضاع وحقوق الطبقات او الجماعات التي تقوم بتشريعها. فلم يعرف التاريخ طبقة او جماعة تسن قانون حقوق من شأنه ان يضر بحقوقها ومصالحها او يؤدي الى الغائها.
ان حقوق الانسان هي حقيقة واقعة في لحظة معينة من لحظات تاريخ كل مجتمع. وليس من الضروري ان تسجل هذه الحقوق في قوانين. ولكن الحقوق قي كل الاحوال يجري تنفيذها وفقا لمصالح الطبقات الحاكمة في تلك اللحظات التاريخية.
اورد فيما يلي امثلة من حقوق الانسان في ظروف مختلفة ولمجتمعات مختلفة:
اخرج موسى عددا من عبيد الفرعونية من مصر الى صحراء سيناء على انهم يهود يقودهم الى ارض الميعاد التي وعد الله ان يعطيها لليهود باعتبارهم ابنه البكر وشعبه المختار. وقد وردت هبة الله لليهود في الكتاب المقدس ولو ان الكتاب المقدس لم يكتبه الله او النبي موسى بل كتبه عزرا الكاتب (العزير) اثناء وجوده في الاسر في بابل. وحين وصل اليهود الى فلسطين بعد تجولهم في الصحراء اربعين عاما ودخلوها بعد ان كان موسى قد فارق الحياة امر الله اليهود بتدمير اريحا تدميرا كاملا بسكانها وبيوتها وحيواناتها باستثناء الذهب والحديد وباستثناء عاهرتين كانتا عميلتين للجيش الغازي. وفعلا دمر اليهود اريحا عن بكرة ابيها بموجب الحقوق التي منحهم الله اياها. وكان بين الغزاة جندي اغراه الشيطان بان يحتفظ بثوب لزوجته فامر الله عن طريق وكلائه بان يقتل هذا الجندي مع عائلته وحيواناته رجما بالحجارة فنفذت ارادة الله ادق تنفيذ. فحقوق الانسان هنا تمنح اليهود او العبريين كل الحقوق وتحرم سكان اريحا من اية حقوق وهذه الحقوق شرعية بموجب الكتاب المقدس.
وفي حكم الاسلام امر الله المسلمين بغزو او فتح كل البلاد فجاء الفتح الاسلامي وكانت الحقوق انذاك امام شعوب البلاد المفتوحة اما اعلان الاسلام او القتل باستثناء اهل الكتاب وهذه الحقوق مسجلة تاريخيا وتعتبر من امجاد الاسلام.
وامر الله المسيحيين بتحرير مكان ولادة المسيح فجاءت الحروب الصليبية وكانت حقوق جيوش هذه الحروب ان يقتلوا كل من يعترض سبيل تقدمهم نحو بيت لحم مقر ولادة المسيح. وفي نفس الوقت قرر الله عرض عقاراته في السماء للبيع الى محاربي الحروب الصليبية الذين كانوا يذهبون بلا امل في العودة فكلف وكيل عقاراته على الارض وفي السماء ببيعها فباع الملايين من هذه العقارات واصبح من حق كل فلاح ان يشتري قطعة ارض في السماء لقاء تقديم القسم الاكبر من خبز اطفاله لهذا الوكيل.
وكان من حق المسيحيين في محاكم التفتيش ان يطلبوا من المسلمين واليهود اما ان يعلنوا اعتناقهم للمسيحية او ان يقتلوا حرقا وهم احياء فقتل الكثير منهم واعتنق الاخرون المسيحية وهرب من استطاع الهرب الى بلدان اخرى.
وامر الله هتلر بجعل العنصر الالماني سيدا على البشرية فشن حروبه التي تتوجت بالحرب العالمية الثانية وقتل الملايين من شعبه وشعوب العالم الاخرى تحقيقا لارادة الله. ولكن يبدو ان الله لم يامر هتلر بذلك ولذا خذله بدون ان يحقق حلمه في استعباد البشرية.
وأمر الله بوش بأن يدافع عن الولايات المتحدة في ارجاء العالم فاستعبد افغانستان والعراق والحبل على الجرار ولا ندري ان كان الله قد امره فعلا بذلك ام ان مصيره سيكون شبيها بمصير هتلر.
ونحن اليهود نعلم ان الله اهدانا فلسطين لتكون وطنا لنا وهذا مكتوب في التوراة. ونحن نصر على نيل حقنا هذا. وها ان قادتنا الصهاينة اليهود والصهاينة المسيحيين وبعض الصهاينة المسلمين ايضا ووكلاء الله الربابنة يقودوننا يساندهم قادة العالم الامبريالي ويسلحونهم في النضال من اجل نيل حقنا الذي وهبنا الله اياه. الا ان هؤلاء الفلسطينين، عدا القلة منهم، يعصون امر الله ويقاومون تقدمنا نحو نيل حقنا وحتى اطفالهم يتجرأون برمي دباباتنا بالحجارة. لذا فهم ارهابيون يستحقون منا القتل والسجن وتدمير بيوتهم ومنعهم عن ممارسة حياة انسانية وتحويل فلسطين كلها الى سجن دائم الخ...
بامكان الانسان ان يجد عددا لا نهائي من امثلة حقوق الانسان المماثلة في ارجاء العالم مكتوبة في قوانين او غير مكتوبة. ولكني احب هنا ان اشير الى نوع من هذه الحقوق عانيت منه انا شخصيا. ففي ١٩٥٨ بعد الثورة رأت قيادة الحزب الشيوعي العراقي ان الله حرم اليهود من حق الالتحاق بالحركة الشيوعية. ولذلك اقترحت على الشيوعيين اليهود المتبقين في السجون ان يعلنوا اسلامهم. وكان على الشيوعي اليهودي الاختيار بين حقين. فاما ان يعلن اسلامه وبهذا يكتسب حق الالتحاق بالحركة الشيوعية او ان يجابه حكم الاعدام. وبما ان الحزب الشيوعي لم تكن له القدرة على الاعدام بالشنق او الحرق او الرجم فكان حكم الاعدام لديه منع الشيوعي من ان يكون شيوعيا. وهذا كان نصيبي ونصيب كل من لم يوافق على اعلان اسلامه.
والمثل الاخير الذي اود الاشارة اليه من امثلة حقوق الانسان هو ما حدث مؤخرا في العراق. فقد اوعز الله الى وكلائه في العراق او مرجعياته بان يصدروا القرار ١٣٧ الذي يقوض حقوق المرأة العراقية ومن ورائها حقوق المجتمع العراقي كله كخطوة نحو رفع العراق الى مستوى مجتمع ما قبل الف وخمسمئة سنة وتكوين مجتمع على طراز مجتمع الخميني وطالبان وسائر المجتمعات التي تتخذ الشريعة التي وضعها هؤلاء الوكلاء وفق تصورهم لارادة الله اساسا لحقوق الانسان.
ولكننا حين نتحدث عن حقوق الانسان في ايامنا لا نقصد مثل هذه الحقوق المحدودة المفعول بل نقصد قانون حقوق الانسان المعترف به من قبل جميع دول العالم تقريبا. فهذا القانون العالمي اعترف لكل انسان بكامل حقوقه. وميزة هذا القانون انه اعترف بان كلمة انسان تشمل كل البشر. فحتى العامل والفلاح والزنجي تشملهم كلمة انسان في هذا القانون. وطبيعي ان اي قانون لحقوق الانسان كسائر القوانين التي يضعها الانسان لا يمكن ان تعلو على مصالح السلطات التي تشرع القانون. فقانون حقوق الانسان العالمي هو في الواقع قانون لا يمكن ان يعلو على حقوق العالم الامبريالي الذي نعيشه.
يضمن قانون حقوق الانسان لكل انسان حقوق واسعة مثل حقوق ابداء الرأي والنشر والتجمع والتظاهر والاضراب والعمل واعتناق الديانة التي يشاؤها ومساواة المراة بالرجل ومنحها حق اختيار زوجها وحق العمل المتساوي مع عمل الرجال الخ. وملايين العاطلين في العالم الراسمالي يتمتعون بكل هذه الحقوق ولكنهم مع الاسف كسالى لا يحبون العمل اذ ان من يريد ان يعمل يجد العمل في كل الاحوال والظروف. وان كسل العاطلين هذا يجبر الحكومات الراسمالية ان تقتطع جزءا من ميزانياتها المخصصة لشراء الاسلحة لتقدمها للعاطلين عن العمل رغبة في ابقائهم على قيد الحياة للطوارئ ولاستخدامهم عند الحاجة. وملايين الجياع في بقاع عديدة من العالم كالحبشة على سبيل المثال لا الحصر يتمتعون بكامل الحقوق التي يقدمها لهم قانون حقوق الانسان. فهم يتمتعون بحق النشر والتجمع وتكوين الاحزاب والاضراب والتظاهر ولكنهم مع الاسف لا يستعملون هذه الحقوق. فهل ذنبنا نحن مشرعي قانون حقوق الانسان ان كان هؤلاء الجياع يفضلون الموت جوعا على ممارسة حقوقهم؟ وقانون حقوق الانسان يمنح كل انسان حق المحافظة على ملكيته الخاصة وزيادتها ولكن قلة من البشر فقط يمارسون هذا الحق فيستغلون شعوبهم وشعوب العالم كله وينهبون ثرواتهم ويستعبدونهم من اجل زيادة ارباحهم الى الحد الاقصى. فهل ذنب هؤلاء الامبرياليين اذا كان هناك من يتقاعس عن استعمال هذا الحق؟ ان الحق مضمون لكل انسان وبقي على الانسان نفسه ان يستغله او لا يستغله.
هذا هو واقع قانون حقوق الانسان. ولكن المظلومين والمستعبدين ما زالوا يطالبون الظالمين والمستعبدين بتطبيق قانون حقوق الانسان. فحيثما يجري استغلال الامبرياليين لشعب واستعباده ينادي قادته اساطين هذا القانون بتطبيقه. هذا ما نشاهده كل يوم مثلا حين يطلب الفلسطينيون من الولايات المتحدة وبريطانا واوروبا وما يسمونه بالمجتمع الدولي الضغط على اسرائيل لتطبيق حقوق الانسان وهم الذين يوجهون اسرائيل ويدفعون لها الاجور للقيام بخرقه. وهذا ما تناضل من اجله منظمات حقوق الانسان في ارجاء العالم مما لا يؤدي الى اية نتائج تضر بالظالمين رغم طيبة هؤلاء الناس ورغبتهم الحقيقية الصادقة في تحقيق حقوق الشعوب المظلومة المستعبدة
حسقيل قوجمان
٢ شباط ٢٠٠٤