|
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الديني والسياسي (3) .
سعيد الكحل
الحوار المتمدن-العدد: 2380 - 2008 / 8 / 21 - 10:32
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
إن الاستعداد الذي عبر عنه المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية بوضع تمييز صريح وفصل واضح بين المجال الديني وبين المجال السياسي ، يمثل نقلة نوعية في خطاب الحزب والتي ستلزم قيادته وقواعده بضرورة الالتزام بها وأجرأة الفصل بين الممارستين ـ الدعوية/الدينية التي هي من مهام حركة التوحيد والإصلاح ، والسياسية التي يتولاها الحزب ـ على مستوى الواقع اليومي . وتكمن أهمية هذا الاستعداد للفصل بين المجالين في الابتعاد التدريجي بأعضاء الحزب عن أنشطة الحركة وتحريرهم المتدرج من سطوة إيديولوجيتها وعقائدها التي تحاكم الواقع وتوجه السلوك وفق تصور محدد للدين وعلاقته بالشأن العام كما هو وارد في ميثاق الحركة « فنحن نجعل الكتاب والسنة المصدر الأعلى لكل مبادئنا و منطلقاتنا وأهدافنا، والموجه الأسمى لاختياراتنا واجتهاداتنا، ونجعل ما تضمناه فوق آرائنا و قوانيننا و قراراتنا. » ، بحيث يصير المجال السياسي ، وفق هذا التصور ، جزءا لا يتجزأ من المجال الديني ؛ ومن ثم تقييد كل مبادرات الحزب وإخضاعها لرؤى الفقيه وفتاواه . وهذا ما يقرره ميثاق الحركة ويؤسس له كالتالي « واهتمامنا بالمجال السياسي نابع من إيماننا الجازم بأن للإسلام حكمَه في كل شأن من شؤون الحياة علمه من علمه وجهله من جهله، ونابع من كون السياسة تتداخل مع حياة الناس اليومية وتوجه أفكارهم واهتماماتهم وتعبئهم وتشجعهم ضد أشياء أو لصالح أخرى، ولا يجوز إبعاد الإسلام عن الشأن العام وقد أنزله الله تعالى شاملا كاملا ليحكم الواقع الإنساني عامة وخاصة» . وباعتبار هيمنة الفقهي /الدعوي على الحزبي/السياسي ، فإن فك الارتباط بينهما أو التمييز بين المجالين يتطلب جهدا واجتهادا دءوبين يعيدان تحديد مفهوم الحزب وحصر وظائفه . ولعل الاجتهادات الأخيرة التي نشرها الأستاذ يتيم تؤسس للخطوات الأولى لهذا الفصل والتمييز بحيث يقتصر مفهوما الحزب والسياسة على التالي : (أ ـ فالحزب في الدولة المعاصرة : أداة لتنظيم المواطنين الذين يتقاسمون اختيارات سياسية وبرنامجية معينة . ب ـ والوظيفة الأساسية للحزب السياسي هو تدبير الشأن العام إما من خلال موقع التسيير أو من خلال موقع المعارضة . ج ـ ومنطق السياسة يقول إن العمل السياسي عمل تنافسي تداولي مما يقتضي تنسيب العمل السياسي والاجتهاد السياسي واعتباره اجتهادا سياسيا في ظل المرجعية الإسلامية . والسياسة شئنا أم أبينا ومهما تطهرنا أخلاقيا فهي مجال للتدافع عن المصالح وحتى إن لم تكن تلك نيتنا ولم يكن ذلك هو سلوكنا فإن الآخرين لن ينظروا إلينا إلا على أننا ننافسهم على مصالحهم بل نفسد عليهم تلك المصالح) التجديد 31/5/2008 . إن الفصل /التمييز بين الدعوي وبين السياسي لم تألفه الحركة الإسلامية في المغرب كما في العالم العربي ، ومن ثم لم يكن بمستطاعها التنظير له في أدبياتها . بل إن العكس هو الحاصل والسائد . من هنا تكتسي اجتهادات الأستاذ يتيم أهميتها التي لا ينبغي أن تخفى عن كل دارس أو مهتم مهما تباينت قناعاته الفكرية . ويستند الأستاذ يتيم في نزوعه "العلماني" هذا إلى معطيات موضوعية تخص طبيعة الدولة المعاصرة ، وأخرى تاريخية ارتبطت بالإرهاصات الأولى للتمييز بين وظائف المسجد وبين باقي المؤسسات . هكذا نقرأ للأستاذ يتيم ( ومراعاة طبيعة الدولة المعاصرة واستحضار خصائصها تفرض علينا الانتباه إلى أنها قائمة على التمييز بين السلط، وإلى مأسسة الأعمال والتخصص فيها بدل الصورة البسيطة الأولية التي كانت السلط فيها ممركزة أو يمكن أن تجتمع في شخص واحد. ومن بين أهم صور ذلك التمييز بين السلطة الدينية والسلطة السياسية، وهو تمييز ينبغي أن لا يفهم على أنه نزوع علماني بقدر ما هو ضرورة تنظيمية (مثلا لم يعد المسجد بؤرة لكل الأنشطة بل بدأت تتميز عنه عدة أنشطة (النشاط التعليمي والعلمي بنشأة المدارس والجامعات، فلم يعد المسجد الأداة الأساسية للتواصل والإعلام). وحتى إذا سميناه علمانية ولا غرو في ذلك، فالأمر لا يتعلق بعلمانية شاملة أو علمانية استئصالية وإنما هي علمانية وظيفية لا تتعارض بأن تبقى المرجعية العليا للإسلام وأحكامه ومقاصده وقيمه ومبادئه. وعلى هذا الأساس لا يمكن أن نعتبر أعضاء الحركات الإسلامية الذين ينشغلون بالدعوة والتربية وليس لهم انتماء سياسي بأنهم يمارسون العلمانية بمفهومها السلبي وإنما يمارسون مهامهم في إطار تمييز مفيد لإتقان الأعمال وإحسان أدائها. ). وعلى هذا الأساس ، ووفق الآراء التي خلص إليها الأستاذ يتيم ، جاءت أطروحة المؤتمر السادس لحزب العدالة والتنمية تعيد تحديد مفهوم الحزب كالتالي ( حزب العدالة والتنمية حزب سياسي ذو مرجعية إسلامية ، له برنامج سياسي مدني يعمل على تطبيقه وفق القواعد الديمقراطية ، ويجيب عن الأسئلة المطروحة سياسيا وليس دينيا ، وهو يسعى إلى الإسهام في تدبير الشأن العام من قبل مواطنين مدنيين ذوي خبرة في الشأن العام وفق القواعد الديمقراطية ، وليس من قبل رجال دين أو أئمة أو فقهاء يبينون الأحكام الشرعية في النوازل المعروضة عليهم . فالمجال الأساسي لاشتغال الحزب هو مجال تدبير الشأن العام ، بما يعنيه ذلك من تأكيد على التمييز بين مجال الاشتغال السياسي وأدواته وخطابه ، ومجال اشتغال الحقل الديني والدعوي وأدواته وخطابه ) . وقبول أعضاء الحزب تداول هذه الأطروحة ومناقشتها وإقرارها داخل المؤتمر يعدّ تطورا نوعيا في مسار الحزب الذي ظل الذراع السياسية لحركة التوحيد والإصلاح والمترجم لرؤاها الفقهية والسياسية في عموم قضايا المجتمع ، وخاصة تلك المتعلقة بمطالب النساء وأوضاعهن القانونية والاجتماعية أو القضايا المرتبطة بالإبداعات الفنية والأدبية .
#سعيد_الكحل (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
متى تضع الحكومة كرامة المواطن في مقدمة اهتماماتها ؟(1)
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (2).
-
أزمة التعليم من أزمة تدبير الشأن العام .
-
متى يصبح القانون هو ملجأ كل المواطنين وحامي حقوقهم؟
-
حزب العدالة والتنمية على خطى الفصل بين الدين والسياسة (1).
-
الوطن شعور بالأمان والكرامة أولا .
-
الأمان نعمة يزعزعها الإرهابيون ويفرون لطلبها .
-
لنقطع مع ثقافة التيئيس والتبخيس .
-
لما تصبح التهدئة انتصارا .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(5)
-
جماعة العدل والإحسان وإشكالية الترخيص القانوني .
-
هيبة الدولة من كرامة المواطن .
-
تيار الإسلام السياسي خصم أم حليف للتيار الجهادي ؟(4)
-
الإرهاب وتنوع الخطط والمخططات .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (5)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (4)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (3)
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (2) .
-
أي بلال : الحق لا يعرف بالرجال (1)
-
أية إستراتيجية لمواجهة الإرهاب ؟
المزيد.....
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
-
إيهود باراك يفصح عما سيحدث لنتنياهو فور توقف الحرب على غزة
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|