أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامر سليمان - النبش في قبور الأقباط














المزيد.....

النبش في قبور الأقباط


سامر سليمان

الحوار المتمدن-العدد: 2378 - 2008 / 8 / 19 - 04:51
المحور: حقوق الانسان
    


للمصريين تاريخ طويل في نبش قبورهم. من نبش قبور فراعينهم بحثاً عن الذهب الذي حاول الملوك اغترافه إلى الأخرة بعد أن استخلصوه من عرق الفلاحين في الدنيا إلى نبش قبور الموتى لسرقة الجثث ومن ثم بيعها إلى طلبة الطب الذين يفضل أن يتمرنوا على جثث قبل أن يمارسوا المهنة على أجسادنا الحية. ليس كل من نبش قبر يعد لصاً. فعالم التاريخ عندما بنبش القبور فهو يبحث عن كنوز من نوع أخر غير الذهب، كنوز المعرفة. والدولة عندما تنبش في قبر وجثة أحد مواطنيها بواسطة الطبيب الشرعي فهي تتحقق من أن صاحب هذه الجثة لم يمت قتلاً. نبش القبور في مثل هذه الحالات معقول.
لماذا إذن لا تريد الدولة النبش في قبور بعض مواطنيها؟ أحفاد الموتي تقدموا بشكاوى بأن بعضاً من موتاهم ماتوا غدراً، ماتوا ظلماً وعدواناً. الدولة هنا تقدم الرد القانوني والبيرقراطي المنطقي.. لقد انقضى على هذه الحوادث المزعومة مئات والاف السنين. لا شهود ولا متهمين ولا حتى ضحايا يمكن سماع شكواهم. هذه المعطيات لا تصلح لرفع قضية. أنسى. ولكن الرد القانوني لا ينفع حينما تكون القضية سياسية. السياسيون لا يقدموا فقط قوانين وسياسات وخدمات ولكنهم يقدمون أيضاً سلعاً رمزية، مثل التقدير والاعتراف. ما معنى موجة الاعترافات التي انتشرت في السنوات الأخيرة، مثل اعتراف الكنيسة الكاثوليكية بخطاياها في حق العلماء وفي حق اليهود؟ واعتراف البرلمان الفرنسي بخطايا الغير، أي خطيئة إبادة مئات الالاف والملايين من الأرمن المتهم فيها الجيش العثماني؟ ما معنى اعترافنا نحن بخطايا الغير، بجرائم إسرائيل في إبادة وتشريد الملايين من الشعب الفلسطيني؟ المعنى واضح.. السياسة فيها مواقف واعترافات، فالاعتراف بالخطايا هو تعهد بعدم تكرارها في المستقبل.
لماذا لا تريد الدولة المصرية الاعتراف بخطاياها في الماضي؟ هناك جماعة في مصر تتهم الدولة المصرية القديمة بأنها اضطهدتهم منذ أن دخلت المسيحية مصر سواء في ظل الرومان أو في عهد الحكم العربي. الرد القانوني هو أن القائمين على هذه الدولة القديمة قد شبعوا موت، لذلك فالقضية لا محل لها من الإعراب. المشكلة أن الدولة المصرية اليوم تدعي بنوتها للدولة العربية الاسلامية. والبنوة لا ترتب فقط مواريث ولكن أيضاً ديون. واحدة من اثنين.. إما أن تنكر الدولة اليوم أية علاقة لها بأمجاد الدول العربية التي حكمت مصر (وأنا أفضل هذا الاختيار)، أو أن تقدم إلى جانب أمجاد هذه الدول كشف بخطاياها في حق المصريين. الأمر نفسه يجب أن ينطبق على دولة الفراعنة. أما أن تنكر الدولة اليوم أية علاقة لها بأمجاد الدولة الفرعونية أو أن تقدم كشف حساب بالخير الذي استقطعته من الفلاحين الغلابة لكي تتمكن من بناء الاهرامات والمسلات والقصور. المشكلة أن الدولة اليوم لا تريد النبش في قبور الفراعنة، لأن النبش في الاهرامات القديمة هو دعوة للنبش في الاهرامات الجديدة. ومن يسائل خوفو اليوم عن تكاليف بناء الهرم الأكبر سيسائل الحكام الحاليين غداً عن تكاليف تشييد قصورهم وقصور أصدقائهم.
بالمثل، الدولة لا تريد سماع قصة الأقباط في مصر أبان الحكم العربي ليس فقط لأن تلك القصة هي خير دعاية للنظم العلمانية الحديثة التي لا تزال الدولة هنا تتردد في تبنيها، ولكن لأن قصة الأقباط في ظل الحكم العربي تستدعي بالضرورة الكلام عن الضرائب، سواء لأن الأقباط عوملوا معاملة ضريبية مجحفة بسبب ديانتهم (الجزية) أو لأن حكام مصر العرب قرروا ألا يستغنوا عن خدمات جباة الضرائب الأقباط ، إما بسبب الحاجة إلى كفاءاتهم الإدراية أو للاستمتاع بمشاهدة السخط على جباة الضرائب يتحول إلى سخط على ديانة جامعي الضرائب. عندما ترفض الدولة في مصر اليوم النبش في قبور الأقباط، فهي ترفض ذلك لأنها بالتأكيد ستقع على قبور جباة للضرائب، فتضطر إلى فتح ملف عمره أكثر من خمسة الاف عام، ملف يحتوى على قصة نهب عرق الفلاحين والعمال، قصة سرقة جزء هام من حصيلة الضرائب لبناء الاهرامات والقصور وليس لبناء الجسور وشق الترع.
هناك جماعة في مصر يشعر الكثير من أفرادها أنهم مواطنون درجة ثانية. وهو احساس لا ينفردون به. فمعظم أبناء وبنات الشعب المصري يشعرون بالفعل أنهم درجة ثانية أمام السلطة الغاشمة أو المال المتسلط أو القوة الحمقاء. نشطاء الأقباط يجدون جذور مظالم الأقباط في التاريخ، ويعتقدون أن مقاومتهم اليوم هو جزء من مقاومة أجدادهم في الماضي. لذلك سيعودون للتاريخ. الجيد هو أنهم يقدمون المثل للجماعات التي عانت من التمييز والاضطهاد لكي تكتب فصول جديدة من تاريخ مصر المنسي. السيء أنهم يستفزوا بعض المسلمين لكي يدخلوا في منافسة على من هو المضطهد أكثر . الجيد أنهم في عملية بحث دؤوبة في تاريخ مصر. السيء أنهم يحاكمون التاريخ بمقاييس الحاضر وأن معلوماتهم التاريخية إذا صحت لا توظف غالباً في تقديم رؤية للمستقبل ولكن في بناء رؤية طائفية منغلقة على ذاتها. هذه هي مشكلتي مع محاضرة الأنبا توماس في أمريكا والتي لاقت ما تستحقه من نقد وتفنيد من قبل الكثير من الكتاب. النبش في قبور الأقباط فيه الكثير من مضيعة للوقت إذا قام به الأقباط وفقط، ولكن فيه فوائد كثيرة لمستقبل هذا البلد إذا شارك في هذا النبش مصريون وفقط، لأن هذا القبور لا تحتوى فقط على أدلة تثبت التمييز والاضطهاد الديني ولكن تثبت أيضاً حقيقة تاريخ طويل من التعايش والتضامن بين المصريين كما على تاريخ طويل من نضال المصريين مسلمين ومسيحيين المشترك ضد السلطة التي كان يعمل بها ولها مسلمين ومسيحيين.لا تتركوهم وحدهم وهم ينبشون قبورهم لأن بعض هذه القبور تحتوي على وثائق ضرائب جائرة تم جمعها ليس لبناء الجسور وشق الترع ولكن لبناء القصور وتشييد الاهرامات. إنه مكر التاريخ.



#سامر_سليمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- أجزخانة السلام لصاحبها مرقص أبو سيف
- الوداع يا جمال
- المقاومة انتهت.. فمتى يبدأ الهجوم؟
- هل من بديل للصراع مع إسرائيل؟
- إلى زملائي في التي كانت قلعة الحريات
- مؤتمرنا القادم ضد الطائفية والتمييز الديني
- محنة مصر بين سلطة وطنية -منبطحة- ومعارضة غير وطنية -شريفة-
- الحكمة الغائبة في حركة التحرر الفلسطينية
- الدولة ليست شركة ولا محلاً للبقالة
- الدولة الدينية دولة متطفلة
- هل يعمل -اليسار الثوري- فعلاً ضد الدولة؟
- عندما تتحدث الفاشية حديث الطبقات
- البديل الاشتراكي هو ثمرة العمل الجماعي لليسار
- البديل الاشتراكي 2، بديل عن الفردية المتوحشة والعائلية المتخ ...
- الرأسمالية أنواع
- شروط تجاوز الرأسمالية
- العمود الفقري لتحالف الحرية والتقدم
- من دولة الاشتراكية الديمقراطية إلى دولة المواطنة
- لا هلال ولا صليب في السياسة
- ليس بالجيش وحده تقوم الدولة في لبنان


المزيد.....




- الأونروا: النظام المدني في غزة دمر تماما
- عاصفة انتقادات إسرائيلية أمريكية للجنائية الدولية بعد مذكرتي ...
- غوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- سلامي: قرار المحكمة الجنائية اعتبار قادة الاحتلال مجرمي حرب ...
- أزمة المياه تعمق معاناة النازحين بمدينة خان يونس
- جوتيريش يعلن احترام استقلالية المحكمة الجنائية الدولية
- العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا بشكل رسمي
- مقرر أممي: قرار الجنائية الدولية اعتقال نتنياهو وغالانت تاري ...
- جنوب السودان: سماع دوي إطلاق نار في جوبا وسط أنباء عن محاولة ...
- الأمم المتحدة تحذر من توقف إمدادات الغذاء في غزة


المزيد.....

- مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي / عبد الحسين شعبان
- حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة / زهير الخويلدي
- المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا ... / يسار محمد سلمان حسن
- الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني
- نطاق الشامل لحقوق الانسان / أشرف المجدول
- تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية / نزيهة التركى
- الكمائن الرمادية / مركز اريج لحقوق الانسان
- على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في ... / خليل إبراهيم كاظم الحمداني


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - حقوق الانسان - سامر سليمان - النبش في قبور الأقباط