|
السنة والشيعة - الإصلاح الممكن
الفيتوري بن يونس
الحوار المتمدن-العدد: 2378 - 2008 / 8 / 19 - 04:49
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
انتهيت في مقالتي السابقة ( الإصلاح المستحيل) إلى ما مؤداه أن الإصلاح السياسي مستحيل ما لم يسبقه إصلاح فكري وتحديدا في الفكر الديني والذي يحتاج بدوره إلى تربية وتأصيل لمبدأ قبول الآخر. وفي هذه المقالة سأقف عند نتيجة من نتائج الفهم الموجه للدين وهي الخلاف الحاد بين السنة والشيعة الذي وصل حد وصم كل طرف للآخر بالكفر . وبنظرة تاريخية سريعة نجد أن بداية هذا الخلاف ظهرت مع يوم السقيفة أو لأكن أكثر تحديدا كان هذا اليوم مقدمة لظهوره ، إذ انه في الوقت الذي كان أهل البيت وعلى رأسهم الإمام علي كرم الله وجهه مأخوذين بهول الفاجعة التي حلت بهم ممثلة في التحاق الرسول صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى ، شغل بقية المسلمين بالصراع الذي وصل إلى تجريد السيوف من أغمادها حول من يخلفه وبشكل أكثر وضوحا من يتبوأ سدة السلطة في الدولة التي كانت حتى ذلك الوقت عربية وهو لم يوارى الثرى بعد وقد حاول الفقه السني لاحقا أن يجد تبريرا دينيا لهذا التصرف. وطبيعي أن يترك هذا الأمر أثره العميق في نفوس أهل البيت إذ فسروه من ناحية على أن السلطة كانت عند المسلمين أهم من وفاة رسولهم نفسه ، ومن ناحية أخرى رأوا أنهم سلبوا حقهم في خلافته باعتبارهم أهل بيته وان هذا الحق ينحصر في الإمام علي تحديدا ، وهو ما يجد تفسيره في تأخره عن مبايعة أبي بكر ، وزاد الطين بلة أن أبا بكر قرر أن الرسول لا يورث ، وهو موقف أو قرار زاد من الألم في نفوس أهل البيت وعلى رأسهم فاطمة ابنة النبي وزوجها علي واعتبروا أن الغرض منه سياسي في المقام إذ انه من الناحية المادية لم يترك الرسول ما يستحق عناء المطالبة به ويهدف تحديدا إلى حرمان على من وراثة الرسول صلى الله عليه وسلم في حكم الدولة العربية من بعده. وتوفي أبو بكر واستخلف من بعده عمرا في موقف اعتبره أهل البيت امتدادا للمؤامرة ضدهم ، إذ من الثابت تاريخيا أن عمرا هو من ولى أبا بكر يوم السقيفة ، وبالتالي ليس استخلاف ابوبكر لعمر إلا تنفيذ لاتفاق مسبق بين الرجلين يوم السقيفة أو على الأقل ردا للجميل ومرة أخرى لم يبايع علي الخليفة الجديد الذي أصبح فيما بعد أميرا للمؤمنين إلا متأخرا مرغما حسب رأي الشيعة . ورحل عمر ولكنه في نزعه الأخير كون مجلسا للشورى لاختيار أمير المؤمنين من بعده ، وقد رأى فيه عليا أنه شكل بطريقة تضمن عدم توليه هو بالذات هذا المنصب لوجود خلاف بينه وبين اثنين من أعضاءه – طلحة والزبير - وهكذا كان وتولى عثمان زمام الأمور في الدولة الإسلامية والتي لم تعد منذ ذلك اليوم إسلامية بل أموية خالصة وحدث ما حدث في خلافة عثمان وأخيرا ولي علي الأمر ولكن بعدما كان عثمان قد أسس لسيطرة بني أمية ، الأمر الذي أدى بمعاوية والي الشام – يثير ثباته في منصبه منذ توليه له عدة تساؤلات خاصة أيام عمر - إلى الخروج عن ولي الأمر بل بمطالبة هذا الولي تسليم قتلة عثمان ولعل قصة قميص عثمان التي أصبحت مثلا يضرب على اختلاف الهدف المعلن عن الهدف الحقيقي مثلا على قوة بني أمية التي أسسها عثمان . إلى جانب ذلك حدث خلال ولاية علي أمر كان له أثره اللاحق وقد تمثل هذا الأمر في خروج أم المؤمنين عائشة على علي بل وصل الأمر حد الحرب في الموقعة المعروفة تاريخيا بموقعة الجمل على خلفية موقف علي كرم الله وجهه من عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك وإشارته على الرسول صلى الله عليه وسلم بتطليقها . وانتهت خلافة علي بمقتله كرم الله وجهه وتكريس سلطة بني أمية ممثلة في معاوية وفي دولة بني أمية حدث ما حدث من تنكيل بأنصار علي وأهل بيته وبلغت المأساة ذروتها في كربلاء ومثل بالإمام الحسين وأصبح سب علي وأهل بيته على منابر الدولة الإسلامية جزء من الإسلام وطبيعي أن يكون مصير من يلمح ولو تلميحا إلى الميل إلى علي الموت ، ولم يجد هؤلاء المناصرين لعلي إلا التقية الذي أصبح فيما بعد سمة من سمات الفكر الشيعي عامة . على هذه الخلفية التاريخية نكون غير منصفين إذ طلبنا من الشيعة أن يقفوا موقف غير الذي هم عليه الآن لأن لكل فعل رد فعل مساو له في القوة معاكس له في الاتجاه. ومادام السنة قد اصلوا لكل التصرفات السابقة تأصيلا دينيا وجعلوا من انتقاد هذه التصرفات خروجا عن الدين فمن الطبيعي أن يكفروا الشيعة ، وإذا كان هذا موقف السنة من الشيعة فمن الطبيعي أن يكفرهم الشيعة باعتبار أن هذا التأصيل خروج عن القرآن . كل هذا الأمر يجعل من الإصلاح بين الطرفين صعبا ولكن ماذا لو نظرنا إلى تصرفات أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم على أنها تصرفات بشرية مدفوعة برؤية سياسية وأهداف معينة لا علاقة لها بالدين . ألا يخرج هذا الأمر السنة من مسألة تكفير من انتقد أبا بكر وعمر ويخرج الشيعة من تكفير من انتقد عليا وغيره . وباختصار يجب أن ننظر للأمر على انه خلاف سياسي يمكن أن يحل خاصة إننا نصلي إلى قبلة واحدة ونعبد ربا واحدا ونحج إلى بيت واحد ونصوم شهرا واحدا ونؤدي زكاة واحدة وهذه هي أركان الإسلام وما عداها فمسموح الاختلاف فيه . واختم مقالتي بأننا نحن السنة مدينين باعتذار سياسي لإخوتنا الشيعة لما ارتكبناه في حقهم من أخطاء وما مارسنه ضدهم من اضطهاد .
#الفيتوري_بن_يونس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الاصلاح المستحيل
المزيد.....
-
دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه
...
-
في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا
...
-
المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه
...
-
عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
-
مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال
...
-
الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي
...
-
ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات
...
-
الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
-
نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله
...
-
الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية
المزيد.....
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
-
الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5
/ جدو جبريل
المزيد.....
|