أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الفيتوري بن يونس - الاصلاح المستحيل















المزيد.....

الاصلاح المستحيل


الفيتوري بن يونس

الحوار المتمدن-العدد: 2377 - 2008 / 8 / 18 - 10:20
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
    


منذ بدايات القرن الماضي ظهرت في العالم العربي دعوات وأفكار تنادي بالديمقراطية وحقوق الإنسان امتدادا للفكر الغربي ورغم أن عمر هذه الأفكار يتعدى القرن إلا أن حصادها الواقعي مقارنة بحجمها وعمرها يعتبر هزيلا إن لم تكن عديمة الحصاد
بل إن الواقع يقدم لنا نماذجا تؤكد لنا إن هذه الدعوات رغم إلحاحها كانت مجرد آذان في مالطا – على عهدة قائل المثل – مما دفعني وربما دفع البعض غيري للتساؤل أين الخلل ، هل هو في تلك الدعوات أم انه الواقع أم كلاهما معا ؟
بالنسبة لي اعتقد أن الخلل الأول كان في مرتكزات هذه الدعوات إذ أنها في مجملها كانت ذات مرتكزات علمانية غربية وحتى ما حمل منها مرتكزا دينيا كان مجرد محاولة لرتق ثوب بال .
ومن الطبيعي أن تكون مؤذنا في الفراغ بل مارقا عن الدين عندما تتحدث إلى مجتمع شبه أمي ميزته الجمود والنسج على منوال السلف بأفكار يعتبرها رجسا من عمل الشيطان لتصادمها الصريح مع ما يعتبره معلوما من الدين بالضرورة ليس هذا فحب بل أن هذه الأفكار وليد غير شرعي لفكر كافر ملحد
أما الخلل الثاني فقد كان في المنظومة الفكرية العربية وهي منظومة بكل أسف ربتنا على التشنج ونفي الآخر تماما رغم رفعها للافتة كبيرة كتب عليها شعارات من قبيل (( رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأيك خطأ يحتمل الصواب )) و (( الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية )) ولكن بكل أسف لا يوجد في تاريخها ما يدعم هذه الشعارات إلا شواهد شاذة لا تؤكد إلا العكس انطلاقا من الشذوذ الذي يؤكد القاعدة
هذين الخللين مرتبط احدهما بالآخر ارتباط العلة بالمعلول إن صح التعبير ، فالمفكر أو المثقف أو حتى المواطن العربي البسيط المنادي بالإصلاح بمفهومه الذي وصل إليه الفكر الغربي لن يجد في الإسلام كما قدمه مفكروه ما يسند دعوته والتالي ليس أمام هذا الشخص إلا أن يتكيء متكئا غربيا محضا لأنه لو جازف ونسبه إلى الإسلام لما نال غير الاضطهاد والشيخ على عبد الرازق شاهد على ذلك ، وهو أيضا – الإنسان العربي الداعي للإصلاح- ابن للمنظومة الفكرية العربية التي لم يغير الإسلام فيها شيئا ، بل على العكس تماما هي التي وظفت الإسلام لاحقا لخدمة هذا النفي لدواع ومبررات شتى مستغلة نزوله في مجتمع بدوي لا يؤمن إلا بمنطق القوة ، وبيئة كهذه من الطبيعي أن يغيب فيها الحوار إلا من باب الجدل و لا يحكم العلاقة بين أفرادها عمليا إلا منطق التخويف والاستعباد و في أحسن الأحوال الترغيب والترهيب ولعل هذا المنطق بالذات هو ما جعل النص القرآني حافل بمفردات تصب في هذا السياق لأنه كرسالة يجب أن يفهمها متلقيها و إلا فقدت جدواها أو كما قال الأولون (( خاطبوا الناس على قدر عقولهم ))
ولعل حياة الرسول صلى الله عليه وسلم لم تكن كافية لزرع ما جاء الإسلام من اجله وان كانت كافيه لتوصيل ما جاء به ، لان ما جاء من اجله الإسلام أوسع واعم مما جاء به فالثاني وسيلة لتحقيق الأول على رأي نصر حامد أبو زيد احد ضحايا فكرنا الإسلامي والشاهد أن المسلمين لم يكد يلتحق – الرسول صاحب الرسالة - بالرفيق الأعلى حتى نسوا كل شيء إلا الصراع على السلطة التي تضمن لصاحبها القوة وفي سبيل الوصول إليها لا بأس حتى من تجريد السيوف واستعمالها إذا لزم الأمر ولم ينفع تطويع النصوص حتى لو لم يكن صاحب الرسالة ووري الثرى بعد ، وتولى ابوبكر وجاء من بعده عمر الذي اعتبره بغض النظر عن الآلية التي ولي بها السلطة أفضل تجسيد لفهم الفرق الدقيق بين ما جاء به الإسلام وما جاء من اجله وسهم المؤلفة قلوبهم وتعطيل حد السرقة عام الرمادة وزواج المتعة وما دار معه من جدال حولها وردوده عليها كلها شواهد تعكس هذا الفهم الدقيق للفرق ولكنها بكل أسف أمور مرت مرور الكرام ولم يحفل بها الفكر الإسلامي الذي دون لاحقا في ضوء قناديل من حسموا الأمور سياسيا لمصلحتهم على طريقة ابوسفيان ومن الطبيعي ألا تضئ هذه القناديل إلا لمن يضفي قلمه الشرعية على هذه المسلك و إلباسه ثوبا إسلاميا بل جعل كل فكر لا أقول يناهضه إنما يختلف معه مجرد اختلاف خارج عن الإسلام يعتبر صاحبه مرتدا حده القتل في اختراع لحد لا اثر له في القرآن الذي يعلنها صراحة (( من شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر )) أو على الأقل خارجيا ، وفكر ولد على هذه الأرضية من الطبيعي أن يتجاهل عمرا ومواقفه وان بررها من باب سد المنافذ في وجوه معارضيه تبريرات لا تتفق مع ما جاء من اجله الإسلام بل ضمن آليته هو التي تكرس واقعا لا يحمل من الإسلام إلا اسمه لأنه بكل بساطة سياسيا ليس إلا فسيفاء عربية فارسية رومانية غير متناسقة ولم يعد أمير المؤمنين مرتبط معهم بعقد جامع مانع يقول (( أطيعوني ما أطعت الله فيكم فإن عصية فلا طاعة لي عليكم )) بل تغيرت نصوص هذا العقد ليتحول هؤلاء المؤمنين إلى مجرد بهائم تعلف في حظيرة أميرهم على رأي نزار رحمه الله وكان من الطبيعي أن ينشأ في ظل هذا المعطى إن تتلاشى الدولة ويصبح أمير المؤمنين هو الدولة والدولة هي أمير المؤمنين وفي هكذا وضع يصبح حال الناس رهنا بمشيئة أمير المؤمنين فإذا كان هذا الأمير جيدا عامل بهائمه برفق وان كان غير ذلك عاملهم بما رأى أنهم أهله وترتيبا على ذلك يكون من الطبيعي أن يولد فكر يبلغ حد مناقضة نفسه عندما كان إمام المسجد يصلي على محمد وعلى آل محمدا في ديباجة خطبته ويلعن عليا وأهل بيته في خاتمتها دون أن يسأل هذا الإمام نفسه لماذا اصلي على علي في بداية الخطبة والعنه في خاتمتها ولكن سرعان ما تفطن أهله إلى ذلك وأوقفوا ذلك ونتيجة هذا وذاك اجتماعيا ينشأ وضع يفوق به العرب العطشى إلى ملذات الحياة المتحررين من روح الإسلام كل تصور وما تصوره كتب التاريخ عن حياة المجون والخلاعة وما إلى ذلك لا اعتقد انه خطر في بال العن الشياطين.
كل هذا الأمر له مبرراته اتساقا مع صاحب الأمير (( الغاية تبرر الوسيلة )) الذي ولد بعد ذلك ولكن الكارثة الكبرى أن هذا الفكر كساه أصحابه برداء القداسة أو اكتسي به لاحقا من قبل من لهم مصلحة في تكريس الواقع وتحول من مجرد فكر إلى نص مقدس لا يجوز المساس به وحسب الراحل صادق النيهوم في شريعة من ورق أصبح الإسلام الذي قدمه لنا الفقهاء والذي لا يرفع من الإسلام إلا شعاراته وهو نسخة مزورة عن سبق إصرار وترصد عن ذلك الإسلام الذي جاء به محمد نصا وترجمه عمر واقعا معاشا هو المقدس وبالتالي فإن نقدها ليس له إلا عقوبة واحدة هي الردة أو على اقل تقدير الخروج عن الدين والشواهد كثيرة وهي بكل آسف في واقعنا المعاش أكثر منها في سابقه ، فإذا كان الحلاج و السهروردي مثلا من الماضي ، فإن طه حسين وعلى عبد الرازق ونصر حامد أبو زيد ومصطفى المهدوي ونجيب محفوظ وصادق النيهوم وغيرهم كثر ولو لم يحاكم هذا الأخير على حد علمي قضائيا وان حوكم فكريا ورفضت مناقشة رسالته للدكتوراه في مصر بحجة عداؤها للأديان مثلا مازال بعض أصحابه يرزقون وهي كارثة أستطيع تفهم دوافع أصحابها ودواعيهم و أجد لهم بدلا من العذر ألفا ولكنها ولدت واقعا يشبه تماما ما حصل في أوروبا العصور الوسطى من صراع بين الدين والواقع وحسم لمصلحة الواقع وهو ما قد يحدث عندنا وليس ذلك بمستبعد خاصة مع سابقة أتاتورك في تركيا وما ترتب عليها من نتائج لن يكون آخرها القضية التي ينظرها القضاء حول حل حزب العدالة والتنمية الحاكم بحجة تنافي توجهاته مع المبادئ العلمانية التي تقوم عليها الجمهورية التركية .
اعتقد أن الفهم الضيق للإسلام هو ما دفع برجل مثل أتاتورك لفعل ما فعل فالإسلام وفقا لما أرساه الفقهاء وهم للأمانة حاولوا تلمس مقتضيات عصرهم في الحدود التي لا تمس قداسة الحاكم الإله لم يكن قادرا على أن يستوعب فكرة الحاكم البشري الموظف بعقد محدد المدة وربما يفسخ عقده حتى قبل نهاية مدته وفقا لنصوص هذا العقد لأنه ببساطة أصل فكريا ليحاربها بشراسة ، وبالتالي لم يجد الرجل أمامه من خيار إلا العلمانية وبتطرف يشبه تطرف اللذين تنكب فهمهم وطبيعي أن التطرف لا يولد إلا تطرفا مضادا وهو الحصاد الذي يحصد في تركيا الآن .
في ظل هذا الفهم للإسلام باعتباره المرجعية المقدسة تكون فكرنا بل رضعناه أما عن جدة ورغم اتصالنا بالأفكار الديمقراطية وانبهارنا بها إلا أنها ظلت مجرد دعوات لم يستطع حتى أصحابها تمثلها واقعا بل ضربت مثلا صارخا عن الانفصام بين الواقع والنظري ويحضرني في هذا المقام مقولة للحقوقي التونسي منصف المرزوقي عندما قال لمضيفه في برنامج الاتجاه المعاكس ما معناه أن كل منا مشروع دكتاتور والواقع اشد دلالة على صحة هذه النظرية فالبيت العربي باعتباره الدولة الصغيرة تغيب عنه الديمقراطية كمسئولية فالأب ليس ديمقراطيا مع أبناءه وزوجته إلا بقدر ما لا يتعارض ذلك مع ما يريد ، وبالتالي فإن الأب في العالم العربي أما أن يحكم أولاده كأعتى دكتاتور بقوة عضده في المقام الأول وبمساعدة بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية في المقام الثاني وفي هذه الأثناء ليس لهم إلا الأمنيات التي تصل حد الدعاء عليه كي يتخلصوا منه بحادث سيارة أو حتى أزمة قلبية إلى أن يستطيعوا الإفلات من قبضته ويستطيعوا فعل ما يحلو لهم حتى من باب اغاضته فحسب بل ربما تصل بهم الأمور إلى الانتقام منه إن لم يمنعهم الدين من باب الخوف من عذاب الله يوم القيامة ليس إلا ،
أو أب قرأ سطرين عن الحرية والديمقراطية ولم يستطع أن يفرق بينها وبين التسيب فأرخى لهم الحبل على الغارب يفعلوا ما يشاءون
وحتى من حاول أن يفعل شيئا فأنه اصطدم بجدار المجتمع بكل قيمه التي تحدثنا عنها فلم يقدم لهم في أحسن الأحوال إلا مرض عدم التكيف وما يصاحبه من أعراض وما يؤدي إليه من نتائج ليست إلا مرضا ينعكس في اقل مظاهره على الترفع والتعالي .
ومن هنا تكون أي دعوى للإصلاح والديمقراطية في العالم العربي عديمة الجدوى إذا لم تهدف أولا إلى خلق الإنسان الديمقراطي بدء من محاولة تأسيس فكري إسلامي يتمثل ما جاء من اجله الإسلام غير مقتصر على ما جاء به بل ومستعينا بكافة الأفكار الإنسانية التي تعلي من شأن الإنسان وكرامته ، قبل أن يحصل للإسلام في بلداننا ما حصل له في تركيا وانتهاء بجعل الديمقراطية تربية ونمط حياة قبل أن تكون مجرد دعوة نظرية
و إلا فأن أية دعوة للديمقراطية حتى ولو حققت نجاحا مؤقتا تمثل في إجراء انتخابات وبرلمانات فأن مآلها إلى الانتكاسة وما أسهل التزوير عندنا وإذا لزم الأمر فما أسهل تعديل الدستور



#الفيتوري_بن_يونس (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295





- دراسة: السلوك المتقلب للمدير يقوض الروح المعنوية لدى موظفيه ...
- في ظل تزايد التوتر المذهبي والديني ..هجوم يودي بحياة 14 شخصا ...
- المقاومة الاسلامية بلبنان تستهدف قاعدة حيفا البحرية وتصيب اه ...
- عشرات المستوطنين يقتحمون المسجد الأقصى
- مستعمرون ينشرون صورة تُحاكي إقامة الهيكل على أنقاض المسجد ال ...
- الإعلام العبري: المهم أن نتذكر أن السيسي هو نفس الجنرال الذي ...
- ثبتها فوراً لأطفالك.. تردد قناة طيور الجنة 2024 على نايل سات ...
- الجنائية الدولية تسجن قياديا سابقا في أنصار الدين بمالي
- نزع سلاح حزب الله والتوترات الطائفية في لبنان.. شاهد ما قاله ...
- الدعم الأميركي لكيان الاحتلال في مواجهة المقاومة الإسلامية


المزيد.....

- مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي / حميد زناز
- العنف والحرية في الإسلام / محمد الهلالي وحنان قصبي
- هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا / محمد حسين يونس
- المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر ... / سامي الذيب
- مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع ... / فارس إيغو
- الكراس كتاب ما بعد القرآن / محمد علي صاحبُ الكراس
- المسيحية بين الرومان والعرب / عيسى بن ضيف الله حداد
- ( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا / أحمد صبحى منصور
- كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد / جدو دبريل
- الأبحاث الحديثة تحرج السردية والموروث الإسلاميين كراس 5 / جدو جبريل


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني - الفيتوري بن يونس - الاصلاح المستحيل