اعتقد كثير من العرب ان اعتقال صدام من قبل الاميركيين وعرضه على الشاشات اشعث اغبر فيه مهانة لذواتهم، غير انه يمكن الجزم انه لو اتيح لكل واحد منهم/منا زيارة الحفرة التي اختبأ فيها ساعة القبض عليه لأمكن له ان يتخلص من ذلك الشعور بالارتباط الروحاني مع مهانة الرئيس المهيب. لانه سيكتشف ساعتها المضامين الحقيقية للقول الشعري المشهور: "أسدٌ علي وفي الحروب نعامة".
لكن، تباً للاميركيين، فهم ينوون تخريب الحفرة، وحرماننا من الوقوف على نهاية احد انصاف الآلهة العرب، وافقادنا الدليل الملموس على ان هذا الاستكبار والاستعباد والتسلط على الشعوب انما هو كذبة كبيرة لا تصمد امام هبات الريح.
كم نتمنى لو تظل هذه الحفرة موجودة شاهدا على حقيقة «الاسياد» الذين يوحون للناس انهم قادة عظماء، ويعيثون في الارض افسادا وتخريبا بحثا عن المجد الشخصي، ويقنعون الحالمين بالحرية بالتضحية في سبيلهم بالروح والدم، فاذا هم في الحقيقة مجرد نعامة تختبىء في حفرة اذا ما شعرت بخطر يقترب من ذاتها المقدسة!
كان يفترض ان تبقى تلك الحفرة اثرا من عصر الستالينية العربية في ارض العراق، ذلك ان الحضارات العظيمة السابقة في ارض الرافدين تركت اثارا تتناسب وعظمتها وابداعاتها، ولهذا كان طبيعيا ان يترك عصر الظلام قبوا مظلما، وان تخلف «حضارة» تكميم الافواه ومصادرة الحريات حفرة تصادر حرية ساكنها وتكتم صوته عن اهل الارض وتبقيه حياً لكن كالميت على الشاكلة نفسها التي كان يعامل بها مظاليم عهده الميمون البائد.
غير ان الاميركيين يصرون على عبثهم حتى في هذه المسألة، ويواصلون استخفافهم بآثار العراق في هذه الحفرة الصغيرة، وهم بذلك يؤكدون انهم «محتل متجبر» ذلك انهم يتصرفون كما لو ان العراق وما فيه ملك لهم، من نفطه الى اثاره، ويتصورون ان اعتقالهم السيد الرئيس القائد في تلك الحفرة يجعلها من مقتنيات امبراطوريتهم، فيصير من حقهم التصرف بها كيفما شاءوا. لا! فتلك الحفرة واحدة من نوادر الزمان العربي، يجب ان تظل في يد العراقيين، بل العرب كلهم، الذين عاشوا مرحلة «لا صوت يعلو فوق صوت المعركة» وصدقوها، وزمن القادة الملهمين وصدقوهم. كي تتاح فرصة اكتشاف الحقيقة للذين لا يريدون - حتى الان - تصديقها!
يبقى عزاؤنا، اذا دمرت تلك الحفرة، ان نهايةعصر مسرحيات الانقلابات الثورية وشعارات الجعجعة الفارغة الكاذبة، حدثت في زمن ثورة الاتصالات والتكنولوجيا، ما مكن العالم من رؤية الرئيس الملهم على تلك الصورة وما سيمكن العراقيين والعرب من الاحتفاظ بتلك الصور التي يظهر فيها الرئيس الذي طالما ارعبهم، شاهدا على هذا الزمان العربي المر واثرا مثاليا في مجموعة اثاره، تعويضا عن الحفرة التي ستذهب مع الريح تماما كما ذهب صاحبها.