طلال احمد سعيد
الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 04:01
المحور:
المجتمع المدني
الفيدرالية احدى (بركات) الدستور العراقي , وهي نظام يقصد به تقسيم العراق الى دويلات وفق خطى (ديموقراطية) .وقد نصت المادة (119) من الدستور العراقي على الحق لكل محافظة او اكثر تكوين اقليم باحدى طريقتين , الاولى طلب من ثلث الاعضاء في كل مجلس من مجالس المحافظات , والثاني طلب من عشرالناخبين في كل محافظة ترغب في تكوين اقليم .
الذي يتفحص نص المادة اعلاه , يجد ان طلب اقامة الاقليم ( الفيدرالية ) ليس امرا عسيرا , وقد يكون بمنتهى السهولة واليسر فأي مجلس محافظة يسيطر عليه حزب سياسي يمكنه ان يوفر ثلث من اصوات اعضاءه لهذا الغرض , كما ان الكثير من الناشطين السياسين يمكنهم بسهولة ان يجمعوا طلب يساوي عشر عدد الناخبين لنفس الغرض .
في احدث خبر نشرته الصحف العراقية , يذكر ان النائب وائل عبد اللطيف اعلن عن اطلاق حملة لجمع تواقيع الاف المواطنين للمطالبة بتطبيق الفيدرالية في محافظة البصرة , واشار السيد عبد اللطيف ان البصرة لن تشهد استقرارا امنيا كاملا وتطورا اقتصاديا كبيرا ما لم تطبيق فيها الفيدرالية , واضاف بأعتقاده ان تطبيق الفدرالية في البصرة من شانه ان يجعل منها المدينه الاكثر انتعاشا في البلاد بألاستناد الى الثروات التي تتمتع بها (وهنا مربط الفرس) . ويؤكد السيد وائل عبد اللطيف ان المطالبة بأقامه الفيدرالية تندرج تحت المفاهيم الدستورية و القانونيه التي وردت في تشريع الدولة العراقية , وهي اشارة واضحة لما نص عليه الدستور العراقي .
بعد اجراء قراءة بسيطة لتصريحات النائب البصري نجد ان احدى مبررات اقامه الفيدرالية هي ردة فعل لنظام صدام حسين الشمولي , الذي لم يلتفت الى المحافظات بشكل عام , وهذا مبرر غير صحيح على ما نعتقد لان الضرر الذي اصاب اهل البصرة اصاب كل العراقيين . ولو عدنا قليلا الى الماضي لاكتشفنا ان محافظات العراق كانت تعيش في احسن الاحوال ضمن الانظمة العراقية المتعاقبة , قبل ان يثب صدام حسين الى السلطة . وقد كانت البصرة مدينه مزدهرة في العهد الملكي ومابعد العهد الملكي , ولم تنطلق منها اية شكوى ضد السلطات الحاكمة انذاك , لذلك فان التذمر من وضع المدينه خلال حكم البعث ليس مبررا كافيا للخروج بمشاريع غريبه تحوم حولها الشبهات .
الفيدرالية التي تؤسس على الطائفية سوف تزيد من الاحتقان , وربما تكون سببا في نشوء النزاعات المحلية , ومما لاشك فيه ان الثروات الطبيعيه ستكون في طليعه الاسباب التي تقف وراء الصراعات في المناطق التي يراد لها ان تطبق مثل هذه الانظمة .
بعد سقوط النظام انطلقت دعوات لاقامه فيدراليات في العراق , ومنها فيدرالية الوسط والجنوب , ومن المؤلم ان نقرر هنا انه منذ خمس سنوات خلت كانت الرؤيا في العراق غائبة لبناء دولة عراقية حقيقة , بسبب هشاشة الوضع السياسي , لذلك فأن الدعوة للفيدرالية تستند الى فراغ سياسي واقتصادي وامني . وازاء هذه الصيحات المفزعة صرنا نشعر اننا نراوح بين الدولة و اللا دولة , فنجد من السهل ان تنطلق شهيه ايه جهة كي تعلن انفصالها عن الحكومة المركزية , وتكوين كيان شبه مستقل او حتى مستقل , ولعل احتدام الصراع على مدينه كركوك قد اعطى اشارة البدء للبحث عن عروش جديدة .
الاحداث التي يعيشها العراق تعيد الذكرى الى الفوضى التي حلت بالبلاد بعد انهيار الامبراطورية العثمانيه التي حكمت العراق اربعة قرون . ففي عام 1921 تقدم بعض وجهاء البصرة بطلب للانفصال عن العراق , وقد وقف الانكليز انذاك ضد الطلب , وبقيت البصرة ثغر العراق ومدينته الفضلى , التاريخ الان يعيد نفسه فالقوات البريطانيه متواجدة في البصرة ولاندري هل سيكون لها دور في كبح جماع الساعين للانفصال .
بتاريخ 26-9-2007 تبنى مجلس الشيوخ الاميركي قرارا غير ملزم , يتمثل بخطة لتقسيم العراق الى ثلاث كيانات ( كرديه وشيعيه وسنيه ) وعلى اساس فيدرالي , مع حكومة مركزية مكلفة بامن الحدود وادارة الموارد النفطية فقط . ومن دواعي السخرية ان يستند قرار مجلس الشيوخ الامريكي على نظام الفيدرالية في مشروع التقسيم المقترح .
الفيدرالية نظام سياسي وخيار ديموقراطي يقام وفق اطر محددة وشروط معروفة . ان اهم اسس اقامه الفيدرالية هي اللغة و التاريخ والجغرافية والاقتصاد , والفيدرالية من حيث العموم تهدف الى التوحيد وليس الى التفريق , والامثلة امامنا كثيرة فالولايات المتحدة توحدت عن طريق النظام الفيدرالي , ودولة الامارات المتحدة توحدت عن طريق النظام الفيدرالي , ونفس الشي ينطبق على روسيا والصين .
من البديهي ان نؤكد هنا ان تفعيل التجربة الفيدرالية ياتي عن طريق ترسيخ الثقافة الديموقراطية , واشاعة اعلى درجات الشعور بالمواطنه . الديموقراطية هي التي تقود الى الفيدرالية والعكس ليس صحيحا , لذلك فأنه كلما كانت المبادى الديمقر اطية راسخة و تمارس بشكل متكامل كلما كان الكلام عن الفيدرالية امرا مقبولا . الفيدرالية اذن ليست وصفة جاهزة وليست نصوصا جامدة نطبقها هنا ولا نطبقها هناك تبعا لرغبات سياسية ولتحقيق غايات معينه .
الديموقراطية في العراق مازالت نبته صغيرة بحاجة الى الرعاية وهي في طور التجربة كي تصبح فكرا وممارسة حقيقية , لذلك فأن الادعاء بأن مشاريع الفيدرالية و الاقاليم تنطلق من العملية السياسية الديموقراطية هو امر مرفوض , لان الديموقراطية لايمكن ان تزدهر في ظل نظام تسيطر عليه مباديء المحاصصة الطائفية والمذهبيه و القومية , ان نظرة عابرة لاي من تشكيلات الدولة العراقية تثبت بما لايقبل الشك ان العراق غارق بطريق المحاصصة , وهذا بحد ذاته يمثل خللا كبيرا وضعفا في المسيرة الديموقراطية , فمن المستحيل ان تنتعش الديموقراطية في عراق مسيس على هذه الطريقة .
لقد ايدت اكثرية الشعب العراقي منح كردستان حكما فيدراليا , في الوقت الذي لم يكن لاحد تصورا كاملا حول حقيقة هذا النوع من الانظمه , وفيدرالية كوردستان استندت الى احكام الدستور الفضفاضة , التي لم تضع ضوابط او شروط لقيام مثل هذا النظام وكانت النتيجة ظهور مشاكل كثيرة بين حكومة الاقليم و الحكومة المركزية ومنها على سبيل المثال لا الحصر ما نصت عليه المادة (112 - اولا ) من الدستور التي تقول ( تقوم الحكومة الاتحادية بأدارة النفط و الغاز المستخرج من الحقول الحالية ... الخ ) وقد فسرت ادارة حكومة كردستان هذه المادة بان كلما لايقع ضمن الحقول الحالية فهو خارج عن ادارة الحكومة المركزية , وبالتالي يحق لادارة الاقليم ان تقوم بعمليات لاستخراج وتسويق النفط وما اليها . هذا التفسير بالذات سوف يكون سابقة تنهج على نهجها فيدراليات المستقبل .
انما يجري على ارض العراق يؤكد فشل العملية السياسية الطائفية , والعراقيون مصابون بألاحباط لما تمخض عنه الوضع بعد 9-4-2003 , فلم يلمس ابناء هذا الشعب اي تقدم في اي ميدان من ميادين الحياة , يضاف الى ذلك حقيقه مؤلمه فبعد ان كان العراق مجتمعا يعيش حالة التوحد والانسجام على مر التاريخ , حصلت اصطفافات جديدة ادت الى محاور طائفية ومناطقية وقوميه , وبعد الوحدة الجغرافية للبلاد اخذت مشاريع الانقسام و التقسيم تعلن بلا تردد .
ان التداعيات التي تحصل على الساحة العراقية , والتي تفرز كل يوم نوعا من انواع الانقسام و التشرذم , ان هذه التداعيات تدفع يوما بعد يوم الى المطالبة بأقامه المشروع المدني العلماني , بأعتباره مفتاح الحلول , فألدولة المدنيه لا تمثل طائفة او مذهب او قوميه انما تمثل كل العراقيين , وهي تؤمن اولا واخيرا بوحدة العراق ارضا وشعبا . ان الاحداث التي تمر بالبلاد تدعو كل العراقيين الى وحدة الصف والى تبني مثل هذا المشروع للتخلص من المشاكل المتفاقمة والتي تحيط بالعملية السياسية الجارية في الوقت الحاظر والتي هي المسؤولة عن التشظي العراقي .
المطلوب من الشعب العراقي الواعي ان يرفض بكل شدة مشاريع التقسيم و الفيدراليات والاقاليم وان يتمسك بارض العراق وطنا للجميع .
#طلال_احمد_سعيد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟