أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حميد طولست - ثقافة السلام وخطاب التحجر















المزيد.....

ثقافة السلام وخطاب التحجر


حميد طولست

الحوار المتمدن-العدد: 2375 - 2008 / 8 / 16 - 10:18
المحور: السياسة والعلاقات الدولية
    


في حديث سابق لساركوزي حول أحقية امتلاك العرب للطاقة النووية بدا الرئيس الفرنسي عاقلا حكيما شديد اللباقة والتعقل حيث وقف إلى جانب العالم الإسلامي في سعيه إلى امتلاك طاقة المستقبل مذكرا العالم بأن البترول سينضب بعد حين وأن الغاز سيتبخر فيما سيأتي من الأيام. ولا بديل سوى للطاقة النووية فهل يعقل أن نحرم العرب والمسلمين من طاقة المستقبل؟؟ يتساءل ساركوزي ويربت على كتف إيران قائلا امتلكوا الطاقة النووية لأغراض سلمية ولكن لا تتطلعوا إلى امتلاكها لأغراض عسكرية. مضيفا كيف سيعيش العرب بعد سنين عديدة حين يجدون أنفسهم بدون طاقة ولا موارد. وقد اطمأن الغرب إلى مخزونهم من الطاقة النووية المدنية والعسكرية معاُ .. ألا يعشش الإرهاب في أحضان الفقر والحرمان؟؟
خطاب ساركوزي يهمنا أن نأخده على ظاهره.. وهذا الظاهر طيب رزين متفهم ومتعاون.. و يشفع له في تهوره وحماقاته وصبيانياته حين كان يجوب العالم مع خليلته مما أثار ضجة مضحكة عارمة في الصحافة والرأي العام العالمي عربياُ وغربياُ..
ولكن من الأشياء الأكثر مجلبة للضّحك الهستيري و القهقهة بصوت مجلجل، ليس هو اصطحاب الرئيس ساركوزي لصاحبته الجديدة ومبيتها معه في نفس الغرفة بأحد الفنادق المصرية. بل الأكثر مدعاة للبكاء و العويل بنفس الوقت هو أن لا يهتم العربيّ المسلم لتصريحات ساركوزي والتي لم يطلقها عن هوى، لأنه مسؤول عما يتفوه به ومحاسب عليه في بلده أمام مواطنيه ودوليا. واكتفاء هذا العربي المسلم وفي كل بلاد الإسلام بنقد كل التنظيمات والتشريعات الغربية المعاصرة من ديمقراطية و حرّية و احترام مبادئ حقوق الإنسان‮ ‬التي‮ ‬كانت‮ ‬أساس نهضة ذاك الغرب وسر تمدنه و رفاهه،‮ والتي ‬أتت متناغمة بشكل كلي‮ ‬مع الدين الإسلامي‮ ‬حتى لتكاد تبدو نسخة مستمدة أو مطورة عنه‮..، ولا يتورع ذلك العربيّ المسلم عن بيع أمه ليهرب من بلاده التي لفّها ظلام الجهل و غرقت في التخلّف و العنف و السّواد ويهاجر إلى ذاك الغرب بلاد ’الكافرين‘ التي لا يفتر لسانه عن لعنها وانتقاذها و وصف أهلها بالكفر، بعد أن أعتاد و استسهل اتّهامهم وجعلهم مشجبا يعلّق عليه كلّ همومه و سوءاته، يُلقي عليهم بكلّ اللاّئمة على ما يحصل له من غبن و تخلّف ويحملهم مسؤوليّة كل ما يجري في بلاده و ديار المسلمين، و يُعلّل فشله و هزائمه و كلّ أمراضه و حمقه بأنها من كيدهم و تربّصهم بحضارته، ولا يفكر ليل نهار إلا في محاربتهم. و كأنّ الغربيّين " الكفار " لا هم لهم إلا شغل أنفسهم و إضاعة أوقاتهم الثمينة في حبك المؤامرات ضدّة، وضد بلدان و أوطان تعتمد كلية في عيشها ومعيشها عليهم وبنسبة المئة في المئة.. إلى درجة اقتناعه بأنّ مجيء ساركوزي هذا (الغربي الكافر) وخليلته، هو ما أوحى و أوعز لهذه الأمة العربيّة المسلمة المسكينة الطّيبة المملوءة بالخير بأن تتهاون في تربية أطفالها و رجالها ونسائها وكل مواطنيها على الصدق والأمانة والوطنية، أو أن لا تعمل و لا تكدّ ككلّ الأمم التي خلق اللّه، و أن لا يخدم مواطنوها أوطانهم، و لا يبدعوا و لا يعطوا للآخر إلاّ أسوأ مثال.. يشتمون و يلعنون و يكفّرون و يخرجون من الدّين كلّ من خالف مذهبهم و رأيهم و فهمهم، و قد يصل الأمر ببعضهم حدّ استحلال دماء و أعراض هؤلاء و أولئك، و الدّعوة إلى جهادهم و التّقاتل معهم حتّى و إن كان المخالفون من الأوروبيين، يشهدون بالوحدانيّة و بأنّ محمّدا عبد اللّه و رسوله و يؤدّون الفرائض من صلاة و صيام و حجّ..
غريب أمرنا نحن العرب والمسلمين، نصف العالم المتقدم كله من أوروبا وأمريكا واستراليا واليابان وغيرها بالضّالين و الكفّار! و لا نجد حرجا من العيش عالة عليهم في كلّ شيء من الأكل و الشّرب و الملبس و كلّ وسائل و منجزات العصر الحديث ٍ، نأخذ بلا حرج‮ ‬أشكال‮ ‬الحياة المتحضرة من الغرب‮.. ‬نستورد المكيفات والسيارات الغربية‮.. ‬ونستخدم "الآي‮ ‬بود واللاب توب والبلاكبيري‮".. ‬في‮ ‬الوقت الذي‮ ‬نرفض فيه قيم الحياة الغربية التي‮ ‬مكنت هؤلاء‮ من الرقي والتقدم؟! ومن أغرب الغرائب وأعجب العجائب أن أكثرية من يعيشون في بلدان الغرب (الكافر) من العرب المسلمين، ويتمتعون بأرغد العيش، و ينعمون بالأمان و الحرّية، هم من لا يتورّعون عن وصف قيم الحياة الغربية - مضيفيهم الكرماء- بالكفر و الضّلال و الانحلال الخلقي ؟!
فليس أسهل عندهم من سبّهم و لعنهم و تكفيرهم و وصفهم بأنتن و أوسخ الصّفات و النّعوت، وهذا نكران الجميل وعدم الأمانة المستحكمة في طباعهم تجاه مجتمع يعيشون بين مواطنيه أو بلد يعيشون معزّزين مكرّمين فيه.
والأمثلة كثيرة و كثيرة، فقد دخلنا القرن الواحد و العشرون و لا زلنا نعتمد على الغرب الكافر في كلّ شيء...هم يعملون، ينتجون، يبدعون و يبنون بلدانهم...يبنون الإنسان عندهم مادّيا و معنويّا، يتعلّمون من أخطائهم، يجدّدون، يغيّرون أفكارهم و مناهجهم و سياساتهم بما يناسب مصالحهم و حياة الإنسانية جمعاء، وبما يدعّم جانبهم و يقوّيهم في عالم لا يعترف إلاّ بالقويّ...أمّا نحن فإنّنا نراوح مكاننا و زماننا و نكرّر أنفسنا و أخطاءنا و عيوبنا، بل و نكرّسها و نستميت في تبنّيها و الدّفاع عنها....و يا ويل من تجرّأ و دعا إلى التّفكّر و استخدام العقول ..!!
لاشك أنّ عطبا هائلا وتشوها مرضيا تشكّل عبر القرون، فأصاب منظومة التّفكير لدينا بشكل أعاقنا عن فهم حقيقة أنفسنا و الآخرين، و منعنا حتّى من قراءة موضوعية لتاريخنا، فتآلف في أذهاننا وبشكل غريب، المعقول و اللاّمعقول، الخرافة و الحدث الموضوعي....حتى أصبحنا نتفادى عن قصد، نقد و تمحيص كل ما يصلنا من حضارات وعلوم و ما نتلقّاه من أفكار وثقافات، و في الوقت نفسه نفاخر الآخرين و لا نتوقّف عن الاستشهاد بأنّ الإسلام دين العقل و أنّ القرآن الكريم يدعونا و يحثّنا على التّفكير والتأمل والتدبر وإعمال العقول.. لكن العقل العربي المسلم مثله مثل الكمبيوتر، فهو مجرّد "هارد واير" يعمل وفق برامج جاهزة معدّة، محدّد الغرض منها مسبقا، لا يمكنه بأيّ حال الحيد عن أهداف و نتائج "السّوفت واير" المركّب عليه. غير أنّ هذا "الهارد واير" على ما يبدو سُرّبت إليه فيروسات خطيرة عبر تلك البرامج، فأتت على معظم ملفّات العقلانيّة و المنطق و الموضوعيّة داخله فأفسدتها، و استبدلتها بملفّات الخرافات و الغيبيّات و قصص الجدات وأثقلت ذاكرته بتكاثرها و استنساخ نفسها حتّى تعطّل و بلغ حدّ التّشبّع..؟!
ومما يؤسف له حقا ويبعث على المرارة والألم والحزن معا هو ما نعيشه كعرب ومسلمين من واقع مأساوي ورثناه بسبب الفهم الخاطئ للدّين والتمسك بقشوره،‮ ‬والاكتفاء بسطحي الحضارة‮..!! مما كرّس لدينا بفعل الزّمن صورة نمطيّة سلبية انطبعت و ترسّخت في أذهاننا و عقولنا و أصبح من المتعذّر في المستقبل المنظور على الأقل مسحها أو تصويبها، هذه الصّورة النّمطيّة تتلخّص في أنّنا ربطنا ديننا بثقافة العنف اللّفظي و الفعلي، و التّجهّم و الحزن و السّواد، و الصّمت على الظلم، والتناحر حد الحسد والحقد والكراهية، و المعاداة الصارخة للخلق ولإبداع و الخير و الجمال و الحياة بكل أبعادها الإنسانية...
فقيمة الإنسان تكمن في مقدار ما يصدر عنه من قول أو فعل يجلب نفعا أو يدفع أذى أو الاثنين معا، وعلى مقدار هذا النفع أو الأذى المدفوع وعلى عدد المستفيدين منه تكون القيمة والتقييم.. وأعتقد أن هؤلاء "الكفرة" الأشرار يحبوننا أكثر بكثير مما نكرههم. ولولاهم لاستحالت حياتنا جحيماً ونارا. وقد ساهموا إلى حد كبير، وعبر المساعدات العينية، والخبرات الفنية، و الاستشارية في كثير مما ننعم به من رفاهية في الحياة. فلقد استفاد عشرات الملايين من أبناء الشعوب العربية الإسلامية من العلوم التي توصل لها الغرب، وفتحت الجامعات الغربية أمام جحافل الطلاب القادمين من الدول العربية المسلمة كافة. ومنحت الجنسية والإغراءات المادية الأخرى للإقامة في تلك البلدان لكل المتفوقين والموهوبين والمبدعين، وحتى المطاردين من بلدانهم. وأصبحت عاصمة الضباب لندن، مثلاً، مرتعاً، للأصوليين الفارين من جحيم الاستبداد، يطلقون منها بياناتهم النارية الداعية لتدمير الغرب الكافر.
لقد أعطانا الإسلام ضوءاً‮ ‬أخضر لأخذ كل ما فيه صالحنا ونبذ ما فيه ضررنا و ضرارنا‮.. ‬لنجعل ديننا صالحاً‮ ‬لكل زمان بمواءمته مع العصر،‮ ‬لا مواءمة العصر معه‮.. ‬ولكن من سيعي‮ ‬ومن سيجتهد ومن سيطور‮.. ‬إذا كانت الرموز الدينية ذاتها هي‮ ‬من‮ ‬يروج ويدعو للاكتفاء بقشور الدين وإن تضاربت مع مضامينه،‮ ‬ونحن وراءهم بالطبع مسلوبو العقل والإرادة‮.. ‬وغدا سنتحسر على ذلك كما أرانا تعالى في‮ ‬كتابه المجيد إذ نقل لنا تبرير أهل النار لضلالهم إذ قالوا‮: ""‬ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا‮* ‬ربنا آتهم ضعفين من العذاب والعنهم لعنا كبيرا‮"".‬
فندموا على طاعتهم العمياء‮.. ‬يوم لا‮ ‬ينفع الندم.
لا أدري كيف نسمح لأنفسنا بمطالبة هذا الغرب الذي نجاهره العداء و نعتبره سبب تخلفنا، ونحث على محاربته، أن يساعدنا ويرحمنا، و نحن لا نرحم بعضنا البعض حتى أصبحنا بذلك مهزلة العالم وأضحوكته، أما ساركوزي فقد ارتبط على سنة ملته بتلك التي أقمنا الدنيا ولم نقعدها بسبب زيارتها لبلد مسلم ؟؟؟؟؟؟...



#حميد_طولست (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الشوبينغ - و شبقية التسوق
- فوضى فتاوى القحط و دعاوى الإبادة
- الشارع المغربي!
- °°°الكائنات الإنتخابوية...
- الفساد والإفساد..
- صحافة الحقيقة!
- °°° كثرة المهرجانات تبديد للمال العام
- °°°الوصايا العشر الموصلات لمجلسي النواب والمستشارين
- °°°الشذوذ الجنسي.. أسبابه وهل له علاج؟


المزيد.....




- رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن ...
- وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني ...
- الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
- وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ ...
- -بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله- ...
- كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ ...
- فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
- نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
- طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
- أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق


المزيد.....

- افتتاحية مؤتمر المشترك الثقافي بين مصر والعراق: الذات الحضار ... / حاتم الجوهرى
- الجغرافيا السياسية لإدارة بايدن / مرزوق الحلالي
- أزمة الطاقة العالمية والحرب الأوكرانية.. دراسة في سياق الصرا ... / مجدى عبد الهادى
- الاداة الاقتصادية للولايات الامتحدة تجاه افريقيا في القرن ال ... / ياسر سعد السلوم
- التّعاون وضبط النفس  من أجلِ سياسةٍ أمنيّة ألمانيّة أوروبيّة ... / حامد فضل الله
- إثيوبيا انطلاقة جديدة: سيناريوات التنمية والمصالح الأجنبية / حامد فضل الله
- دور الاتحاد الأوروبي في تحقيق التعاون الدولي والإقليمي في ظل ... / بشار سلوت
- أثر العولمة على الاقتصاد في دول العالم الثالث / الاء ناصر باكير
- اطروحة جدلية التدخل والسيادة في عصر الامن المعولم / علاء هادي الحطاب
- اطروحة التقاطع والالتقاء بين الواقعية البنيوية والهجومية الد ... / علاء هادي الحطاب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - السياسة والعلاقات الدولية - حميد طولست - ثقافة السلام وخطاب التحجر