بدر الدين شنن
الحوار المتمدن-العدد: 2374 - 2008 / 8 / 15 - 10:49
المحور:
الحركة العمالية والنقابية
قد يحمل عنوان هذا المقال الغرابة وعدم الدقة . وللتوضيح ، فإن القصد من وراء هذا التوصيف للنقابية الرسمية ، هو كشف المآلات التي وصل إليها التنظيم النقابي الرسمي ، من خلال إلتزامه ب " النقابية السياسية بديلاً للنضال المطلبي " أي إلتزامه بقرارات وتوجهات الحزب والحكومة في الحقول السياسية والاجتماعية والاقتصادية ، وتخليه عن النضال المطلبي ، الذي يعكس حقيقة أن جل النقابيين في الهيئات النقابية في العقود الأخيرة هم من المنتمين لحزب البعث الحاكم ، دعماً لطموحات الرأسمال السلطوي المتنامي لتحقيق التراكم المالي السهل غير المشروع ، وكذلك لإضاءة الإرتباك الذي أحدثه توجه النظام الحاسم نحو الخصخصة واقتصاد السوق في صفوف التنظيم النقابي ، وخلخل الاعتبارات شبه " الأيديولوجية " ، لدى عدد من النقابيين لابأس به ، التي تشكل خلفية " النقابية السياسية " ، وهز بعنف القاعدة التي يرتكز عليها .. عمالياً .. ومالياً ..
فطوال أربعة وثلاثين عاماً ، كان الغطاء " للنقابية السياسية " وتجميد ، أو إلغاء ، النضال المطلبي ، هو دعم عملية ، بناء القطاع العام ، وبناء اقتصاد وطني يحمل برنامج التحول التدريجي المخادع نحو " الاشتراكية " أي دعم النظام الذي يقود هذه العملية .
والآن .. بعد أن أخذ القطاع العام يتلاشى بفعل متعمد .. بعد أن نهب وتم تخريبه بفعل متعمد .. من قبل أركان هذا النظام ، والاقتصاد بات تحت رحمة اقتصاد السوق وشروطه الداخلية والخارجية المؤلمة ، وبدل حمولته ببرنامج الآلام الاجتماعية ، التي ستضرب أولاً الطبقة العاملة ، وذلك بمضاعفة حجم البطالة عن طريق الخصخصة والتعامل مع الرساميل الوافدة في الحقل العقاري وليس في الحقل الصناعي ، وانخفاض القدرة الشرائية للأجور والرواتب ، وارتفاع الأسعار المتصاعد ، وتوسيع قاعدة الفقر الأسود بملايين جديدة محرومة مهمشة من الطبقات الشعبية ، الأمر الذي أدى إلى إ سقاط " النقابية السياسية " بمضمونها السابق المسوغ لها ، أصبح من الموضوعية أن تكتسب " النقابية السياسية " تلقائياً توصيفاً يتناسب ومرحلة التحولات الليبرالية الاقتصادية ، التي ا ستسلم لها التنظيم النقابي الرسمي ، وبدأ هذا التنظيم يتخذ الإجراءات للقيام بدور نقابي جديد يخدم الليبرالية الاقتصادية الزاحفة كالتصحر على كل مثاليات ومخادعات " النقابية السياسية " الرسمية .
وهذا ما يستوجب التأكيد ، قطعاً للتأويل والالتباس ، على أن مايحدث الآن للنقابية الرسمية ، لم يكن مفاجئاً .. أو غير متوقع .. وإنما كان يسير بخطوات ثابتة مواكبة لخطوات الحكومة السافرة في عملية التحولات الاقتصادية الجارية منذ سنوات طويلة ، وذلك من خلال حضور ممثلي هذه النقابية الرسمي ضمن إطار فريق العمل الواحد ، مع الحزب والادارة والحكومة . وقد صرح رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال أكثر من مرة ، أن كل ما يمس العمال والقطاع العام لايتخذ بشأنه قرار حكومي إلاّ بمشاركتنا . بل وخص النائب الاقتصادي " الدردري " بشهادة حسن سلوك ، بأن الأخير وعد ، أنه لن يخطو خطوة اقتصادية واحدة دون العودة إلى الاتحاد العام أولاً .
ربما كان تسارع إيقاع إجراءات الخصخصة واقتصاد السوق ، هو الذي عجل بالوصول إلى هذه المآلات البائسة للنقابية السياسية ، وكان مصدر إرتباكها . ولهذا ، فإن النقابية الرسمية بدأت تعد العدد لملاقاة المرحلة الجديدة ، التي تتمثل إحدى تجلياتها في نقص عدد المنتسبين للنقابات ونقص رصيدها المالي ، نتيجة تقلص وخصخصة القطاع العام ، وذلك بالتوجه نحو القواعد العمالية في القطاع الخاص ، لجذب العمال في هذه القواعد للإنتساب إلى النقابات لتعويض النقص الحاصل في عدد المنتسبين إليها وبالتالي النقص في رصيدها المالي ، ولتعويض دورها المتناقص في الفريق الواحد مع الادارة والحكومة في القطاع العام بالعمل على الانخراط في فريق عمل واحد مع أرباب العمل والحكومة في القطاع الخاص ، لمواصلة دور النقابية الملتزمة ، ليس بتوجهات ومصالح الرفاق في " الحزب القائد " وحسب هذه المرة ، وإنما بتوجهات ومصالح أرباب العمل في القطاع الخاص أيضاً، من خلال ماسماه أحد النقابيين الرسميين ، بالتعاون النقابي مع أرباب العمل في مرحلة التحولات الاقتصادية الليبرالية وتداعياتها على الاقتصاد ، أي على أرباب العمل . بمعنى أداء خدمة ا ستمرار تجميد النضال المطلبي ، لتوفير فرص النجاح في زحمة اقتصاد السوق الذي تختلط فيه المصالح المحلية بالدولية وتشتد فيه المنافسة .
المأساة المضحكة ، أنه عند بدء الإعداد للتوجه النقابي الرسمي نحو عمال القطاع الخاص ، لم يعرف القادة النقابيون عمداء " النقابية السياسية " كم هو عدد عمال القطاع الخاص . وأين تتموضع تجمعاتهم الأساسية ، وفي أية مهن وأية مراكز إنتاجية . وتم اكتشاف أن ليس لدى النقابية السياسية نقابيون متمرسون أو قادة نقابيون في القطاع الخاص . أي بين أربعة ملايين عامل من اصل خمسة ملايين يشكلون حجم الطبقة العاملة السورية . وبدأ التخمين حول مطالب العمال في القطاع الخاص والشروط والصعوبات التي يعانون منها ، لوضع برنامج مطلبي ، لجذب هؤلاء العمال المهمشين أربعين عاماً نقابياً إلى الانتساب للنقابات التي اكتشفت أخيراً أنهم بلا أطر نقابية ، وليس للنضال من أجل تحقيقه ، فهذا يتعارض مع التفكير النقابي " الاستراتيجي " الذي يتطلب الانخراط في فريق عمل واحد مع أرباب العمل للتصدي للمهام " الاستراتيجية " في ميدان اقتصاد السوق . وقد خلصت نتائج المداولات في اللقاءات النقابية الرسمية ، إلى أنه يجب " خلق " قادة نقابيين في القطاع الخاص . وتلخيص البرنامج المطلبي العتيد حول الاستقالات وبراءات الذمة المسبقة ، التي ينتزعها أرباب العمل من العمال قبل تشغيلهم لديهم . أما معدلات الأجور والأسعار والحريات النقابية وحق الاضراب للدفاع عن الحقوق العمالية ، فهذه أمر ليست من تقاليد " النقابية السياسية " .
مامعناه بالضبط ، هو ا ستنساخ " النقابية السياسية " بثوب جديد وا سم جديد " ملبرل " ، لتوسيع الدور النقابي الرسمي ضمن فريق عمل واحد مع الحكومة وسادة الاقتصاد القدامى والجدد . وتعبيراً عن ذلك ، فقد وقع الاتحاد العام لنقابات العمال على " عقد العمل اللائق " مع أرباب العمل والحكومة . وقد صرحت الدكتورة ندى الناشف مديرة المكتب الإقليمي في منظمة العمل العربية أن ( برنامج العمل اللائق صمم بهدف مساعدة الحكومة لتنفيذ أهداف الخطة الخمسية العاشرة ) . التي تتضمن الخصخصة واقتصاد السوق . كما صرح عماد غريواتي رئيس اتحاد الغرف الصناعية في سوريا أن ( العقد بين الرأ سمال والعمل هو القوة الضامنة لاستقرار المؤسسات .. ) . أما النقابي أحمد الحسن عضو المكتب التنفيذي في الاتحاد العام لنقابات العمال فقال ( لقد وقععنا العقد .. عقد العمل اللائق .. على مضض ) .
وقد لخص النائب الاقتصادي " الدردري في تصريح له بتاريخ 17 - 2 - 2008 كل ما يجري في الحقل الاقتصادي بما يلي : إن كل ما تقوم به الحكومة من إصلاح في السياسات النقدية والنظام المالي والمصرفي وإصلاح السياسة الضريبية وتحرير التجارة وتحسين بيئة الاستثمار هي وسائل وليست أهدافاً ، فالهدف الحقيقي الإرتقاء بمعيشة المواطن السوري وقدرته على ممارسة حقوقه الد ستورية ..
وما جرى في الستة أ شهر الماضية ، من ارتفاع في الأسعار ، وغلاء معيشة متزايد غير مسبوق ، وتوسيع حملات الاعتقالات لحملة الرأي ، يشير إلى عدم مصداقية النائب " الدردري " . كما يشير إلى حجم التواطؤ النقابي الأسوأ القادم ، لارتباطه بالآفاق " الدردرية " الاقتصادية للنظام ، التي تلخص مآلات التحولات غير المطابقة لمصلحة البلاد عامة والطبقة العاملة وبقية الطبقات الشعبية خاصة ، وإنما هي مطابقة فقط لمصلحة شريحة تمثل رأ سمالي السلطة وشركائهم الطامحين للشراكة مع الاتحاد الأوربي ومنظمة التجارة العالمية .
وهنا لابد من السؤال ، إلى متى ستبقى الاختناقات النقابية .. وإلى متى الانتظار .. حتى تبدع الطبقة العاملة السورية قيادتها النقابية المناضلة .. المدافعة عن حقوقها وحرياتها .. وعن لقمة عيشها ومستقبل أبنائها .
#بدر_الدين_شنن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟