|
الأسطورة وأثرها في الفكر السني والشيعي (1)
عبدالحكيم الفيتوري
الحوار المتمدن-العدد: 2373 - 2008 / 8 / 14 - 11:22
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
(1-4)
بادي ذي بدء أؤكد على إيماني المطلق بالوحي وبما جاء به القرآن الكريم من أخبار وقصص وأوامر ونواهي وذلك في إطار المبدأ الإيماني القيمي( تصديقه فيما أخبر،وطاعته فيما أمر ). بعبارة أخرى على الرغم من استفادتي من كتب علماء الميثولوجيا في طرحهم النقدي لفلسفة الاسطورة إلا أنني لا اتفق مع طرحهم جملة؛ من حيث عدم تفريقهم لما هو وحي مقدس مصدره عالم الغيب والشهادة سبحانه، وبين غيره من المصادر البشرية التي يعتريها ما يعتري الجهد البشري. وبالتالي فإن المقال لا يتجه نحو الوحي المقدس القرآن الكريم ، وإنما صوب الفكر الإسلامي بالبحث والتنقيب في ثناياه عن الاسطورة وأثرها في تشكيل المخيال العام عند السنة والشيعة.
ربما لا يبدو الاهتمام بنقض فكرة الاسطورة عند الطائفتين لأسباب تاريخية وأيدلوجية معروفة حيث كانت الاسطورة وسيلة فعالة لإدارة الصراع السياسي والمذهبي لدرجة صيرورة الاسطورة إلى عقيدة راسخة وبالتالي أصبح نقد الاسطورة نقضا للعقيدة جملة.ولكن مكمن الخطر وموطن الداء أن يتوهم البعض في زماننا بأن الاسطورة وسيلة فعالة ينبغي توظيفها للحصول على ذات النتائج الطائفية لكسب معارك تاريخية قد فارقها الزمان والمكان والانسان، على الرغم من أن منطق العقل يقرر بأن كسب المعارك ليس كسبا للحرب !!
بنظرة سريعة في الفكر الإنساني الحديث نجد أن علماء الميثولوجيا اهتموا بفلسفة الاسطورة وقسموها حسب موضوعاتها إلى خمسة أقسام: الاسطورة الرمزية، وأسطورة التكوين، وأسطورة البطل الإله، وأسطورة الطقوس. وأضافوا إليها حزمة من المفاهيم المفتاحية لفهمها، كمفهوم الخرافة، واللامنطق، واللامعقول، واللازمكان في بعض الاحيان.(1)
كذلك عرفوا الاسطورة بتعريفات متقاربة المعاني، فمنهم من عرفها بأنها: قصة متداولة أو خرافية، تتعلق بكائن خارق أو حادثة غير عادية. فهي قصة مخترعة أو ملفقة.(2) ومنهم من ذهب إلى أنها: حكاية مجهولة المؤلف تتحدث عن الأصل والعلة والقدر، ويفسر بها المجتمع ظواهر الكون والانسان تفسيرا، لا يخلو من نزعة تربوية تعليمية.(3) وذهب غيره إلى أن الاسطورة: ليست سجلا تاريخيا مضبوطا للاحداث الجارية عبر ماضي الجماعات، بل هي تمثل تاريخا قبليا، تتوارثه الأجيال المتعاقبة عن طريق التلقين .(4)
إذن: الاسطورة قصة مخترعة بالكامل، أو نصف أختراع، أو ملفقة جملة حول إنسان أو حدث أو صفة، تقنع الأتباع بعظمة ذلك الانسان، أو قدسية تلك الصفة، أو تميز ذاك الحدث بحرمة أو ببركة زائدة. وبهذه الحيثيات يتم إقناع الأتباع بضرورة الانقياد لهذه الشخصية أو تقديس ذلك الحدث في الزمكان، ومن ثم تتظافر جهود الأتباع على توريث الاسطورة إلى الأجيال المتعاقبة بطريقة المشافهة وعبر سلسلة رجال قريب عهد بزمان ظهور الشخصية المؤسطرة، ومن ثم تنتقل الاسطورة من طور المشافهة إلى مرحلة التدوين حيث يتم تدوينها عبر مدونات ومراجع تلك الطائفة صاحبة براءة اختراع الاسطورة !!
فإذا كان ذلك كذلك فإن للاسطورة وظائف سياسدينة تؤدية، ومن تلك الوظائف نقل التصورات الدينية الفردية إلى تصورات جمعية مؤسسة، تدفع عن الفرد وطأة مجابهة منطق العقل والبرهان. وتحمل صانعي الاسطورة أو المستفيدين منها من إقامة شعائر ومراسيم وطقوس عبادية تميز هذه الطائفة عن غيرها من الطوائف. وبحيث تصبح هذه الشعائر والطقوس بمثابة الأمتداد الطبعي للخطاب الوحي المقدس، ويتم تقديمها في صور قواعد، وحكم، وأمثال، وأحاديث يسهل تداولها وتناقلها بين الأجيال في إطار العاطفة والانفعالية والتمجيدية التي تمكنهم من إضفاء ثوب القداسة على مؤسسي الطائفة ورموزها من حيث الذوات والألقاب والمناقب والسير. ولعل في أبواب المناقب والكرامات والمعجزات في كتب الطائفتين ما يشير إلى سطوة الاسطورة وامتداها عبر التاريخ والجغرافية والانسان، حيث تنطلق كتب المناقب في تقديمها للأشخاص المؤسسين للمذهب أو الطائفة في اطار الانفعالية وليس على أسس عقلية تتطلب بطبيعتها المنطق والبرهان والمحاكمة والاختبار. وبالتالي يتأكد أن ثمة علاقة وثيقة بين كتب المناقب وتوطين الاسطورة عند اتباع الطائفتين خاصة وأن كتب المناقب تعد سليلة الاسطورة وابنها الشرعي. (5)
ولعل العناية الفائقة بتدوين كتب مناقب الرموز الدينية في المذهبية الإسلامية هو العامل الإساسي الذي دفع بالعقل المسلم إلى تجاهل دور سنن الكون، وحركة التاريخ، وتحليل وقائعه تحليلا منطقيا، ومن ثم الاعتماد على المعجزات والخوارق وما هو خارج عن سنن الكون وحركة التاريخ بمنطق ما ترك السلف للخلف شيئا، أي الماضي صار حاضرا، والبشري أصبح مقدسا، وبالتالي كل اجتهاد وأبداع لا يكون له علاقة بأقوال وأفعال تلك الرموز المؤسطرة فهو رد، لأن الميثولوجية المذهبية لا تنظر إلى التابع باعتباره خلاقا لأفكاره، مبدعا لاجتهاداته، مشكلا لحاضره، مستشرفا لمستقبله، بل بكونه أعمى مقلدا لتلك الرموز ومن حق الأعمى والمقلد اتباع البصير وتقليده وعدم الخروج على قيمه وافكاره. لذلك نرى جل كتب المناقب لا تحفل إلا بمناقب الرموز التي لها ارتباط بالسماء أو بالرسول(=أي مناقب مقدسة؛كجبريل يقرئ فلانا السلام، وإن لم يبعث فيكم محمد رسولا لبعث فيكم فلانا. وجبريل أوصى بإمامة فلانا...وهلم جرا). ولا يخفى أن هذا الأسلوب المتبع عند الطائفتين في تقديم رموز المذهب في إطار المقدس ما هو إلا محاولة للارتقاء ببشرية الرمز إلى أسطرتها، وذلك بالارتفاع به من طور الإنسان العادي إلى أطوار الغريب والعجيب والخيالي. كذلك تدفع بحقيقة مفاداها أن كتب المناقب والسير في المذهبية الإسلامية قد خرجت بامتياز من رحم الاسطورة .
ومن هنا فإن البحث العلمي لفهم مرحلة تشكل الفكر المذهبي السني والشيعي يقتضي منا توفير كل مستلزمات البحث والحوار الموضوعي مع التاريخ، وأحسب أن طرح البعد الاسطوري والخيالي والتقديسي( الميثولوجيا ) وفهم أبعاده يعد اللبنة الأساسية في فهم مرحلة تشكل الفكر المذهبي والطائفي، وتفسير الواقع الاجتماعي، ومعرفة آليات تطور عملية تشكل الفكر في سياقه البنيوي الثقافي ومساقه الاجتماعي والسياسي. باعتبار أن فلسفة الاسطورة في ذاك الزمكان تعد بمثابة المحضن الحقيقي الذي احتضن مرحلة تشكل المذهبية والطائفية الدينية في تاريخ الطائفتين .
واللافت للنظر أن عدم مراعاة وفهم حيثيات فلسفة الاسطورة والخيال في الفكر الديني جعل لتقديس البشر سبيلا إلى عقول الناس والسيطرة عليهم من قبل المستنفعين من رجال الدين والسياسة(=السيف والقلم)خاصة في مرحلة التدوين وإطارها التدافعي بين المذاهب والطوائف والفرق. ويتجلى ذلك في ممارسة إضفاء الاسطورة والغريب على رموز المذهب والطائفة، وربط ذلك ببعد عقدي. وتكمن خطورة توظيف فلسفة الاسطورة( الميثولوجيا ) في بعدها الديني حين تقدمها السلطة الحاكمة للاتباع( =الرعية )على أساس ديني يقوم بدور استقرار الاجتماع السياسي، ويصبح التقرب من السلطة الحاكمة من قبل رجل الدين بإضفاء القداسة على رموز الصراع المذهبي والطائفي، وذلك بصناعة المنتجات الاسطورية والخيالية المسندة إلى الدين بطريقة المشافهة والأسانيد. وربما كانت سياسة توظيف الأسطورة من طرف( السيف،والقلم )في بعدها الاجتماعي السياسي من أجل إحداث الصدمة والاندهاش لدى الأتباع( =الرعية )،مما يولد لديهم خضوع تام،ومقدرة عالية لخوض حروب شرسة مع مخالفي( السيف،والقلم ). ويبدو أن توظيف الاسطورة في بعدها المنهجي من( السيف،والقلم )كان بمثابة إيذان بمرحلة جديدة لمزاحمة الوحي بمصادر بشرية متنوعة، يصعب معها ممارسة عملية النقد والمراجعة والتجديد، وبها يتم الانتقال بعقل التابع( الرعية )من مرحلة فهم مقاصد الوحي إلى حفظ نصوصه واستذكارها، ومن طور إعمال العقل إلى إقالته جملة. والغريب أن بعض هذه الرموز التي ألبست ثوب القداسة والاسطورة والخرافة من طرف( السيف،والقلم )تعد من أبرز مؤسسي فكر التجديد والنقد والمراجعة والتمرد على عقلية الخرافة والاسطورة وتقديس الذوات والأشياء. ولعل ما فعله الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع وفد الزط( =السودان،الهند )عندما أراد هذا الوفد تقديس الإمام علي ورفعه بالمنطق الاسطوري إلى مرتبة الخالق، حيث نكل بهم أشد تنكيلا بطريقة لا يقرها الوحى المنزل، فقد ذكر ذلك الكليني في كافيه بعدما سرد قصته مع وفد الزط(... فقال لهم: لئن لم تنتهوا وترجعوا عما قلتم في وتتوبوا إلى الله عز وجل لا قتلنكم فأبوا أن يرجعوا ويتوبوا فأمر أن تحفر لهم آبار... ).(6)
كذلك زهد الإمام علي في إستلام زمام الخلافة والسلطة بعد مقتل الإمام عمر مقابل حرية رأيه واجتهاده وعدم رضاه بالتقليد وإقالة عقله، فقد جاء ذكر تلك الحادثة عند الطبري وغيره، أن الإمام علي بعد مناقشة طويلة مع عبدالرحمن بن عوف؛ المكلف بالاشراف على سير عملية انتخاب الخليفة، وقد كان علي وعثمان هما المرشحين للخلافة، فقال عبد الرحمن لهما:( إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلن أيها الرهط على أنفسكم سبيلا. ودعا عليا فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملن بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. ودعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي قال نعم، فبايعه ).(7)
وفي رواية أخرى نهض الثلاثة( عبدالرحمن،وعلي،وعثمان ) إلى المسجد فصعد عبد الرحمن المنبر، ونادى عليا ثم أخذ بيده وقال:( هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال علي: اللهم لا، ولكن على جهدي من ذلك وطاقتي، فأرسل يده ثم نادى: قم إلي يا عثمان، فأخذ بيده وهو في موقف علي الذي كان فيه فقال: هل أنت مبايعي على كتاب الله وسنة نبيه وفعل أبي بكر وعمر؟ فقال عثمان: اللهم نعم، فرفع رأسه إلى سقف المسجد ويده في يد عثمان ثم قال: اللهم اسمع واشهد، اللهم إني قد جعلت ما في رقبتي من ذاك في رقبة عثمان، وازدحم الناس يبايعون عثمان ).(8)
يتبع
#عبدالحكيم_الفيتوري (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
المرأة والازدراء المركب (5)
-
المرأة والازدراء المركب 4
-
فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (3)
-
المرأة والازدراء المركب (3)
-
المرأة والازدراء المركب(2)
-
تطور العقل وتدرج الشرع (2)
-
فلسفة تطور العقل وتدرج الشرع (1-3)
-
المرأة والازدراء المركب (1-5)
-
الإمام الشافعي راح ضحية ضربة قاتلة من مالكي !!
-
الإمام الشافعي وحقيقة شعاره رأي صواب يحتمل الخطأ،ورأي غيري خ
...
-
الإمام الشافعي ومشروعه الأصولي
-
الإمام الشافعي ...وتوظيف النسب في السياسديني.
-
الإمام الشافعي...وقيمة حرية الرأي !!
-
هل الملائكة تلعن المرأة من أجل شهوة الرجل؟!!
-
الإمام مالك...وقيمة حرية الرأي!! (2)
-
الإمام مالك ...وقيمة حرية الرأي (1-2)
-
لن يفلح قوم ولوا أمرهم امرأة... وإشكالية الفهم
-
أبو حنيفة ضحية الفكر التأثيمي !!
-
قراءة نقدية لحديث(النساء ناقصات عقل)5
-
السلف .. والرأي الأخر
المزيد.....
-
وجهتكم الأولى للترفيه والتعليم للأطفال.. استقبلوا قناة طيور
...
-
بابا الفاتيكان: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق
-
” فرح واغاني طول اليوم ” تردد قناة طيور الجنة الجديد 2025 اس
...
-
قائد الثورة الإسلامية: توهم العدو بانتهاء المقاومة خطأ كامل
...
-
نائب امين عام حركة الجهاد الاسلامي محمد الهندي: هناك تفاؤل ب
...
-
اتصالات أوروبية مع -حكام سوريا الإسلاميين- وقسد تحذر من -هجو
...
-
الرئيس التركي ينعى صاحب -روح الروح- (فيديوهات)
-
صدمة بمواقع التواصل بعد استشهاد صاحب مقولة -روح الروح-
-
بابا الفاتيكان يكشف: تعرضت لمحاولة اغتيال في العراق عام 2021
...
-
كاتدرائية نوتردام في باريس: هل تستعيد زخم السياح بعد انتهاء
...
المزيد.....
-
شهداء الحرف والكلمة في الإسلام
/ المستنير الحازمي
-
مأساة العرب: من حزب البعث العربي إلى حزب الله الإسلامي
/ حميد زناز
-
العنف والحرية في الإسلام
/ محمد الهلالي وحنان قصبي
-
هذه حياة لا تليق بالبشر .. تحرروا
/ محمد حسين يونس
-
المرحومة نهى محمود سالم: لماذا خلعت الحجاب؟ لأنه لا يوجد جبر
...
/ سامي الذيب
-
مقالة الفكر السياسي الإسلامي من عصر النهضة إلى ثورات الربيع
...
/ فارس إيغو
-
الكراس كتاب ما بعد القرآن
/ محمد علي صاحبُ الكراس
-
المسيحية بين الرومان والعرب
/ عيسى بن ضيف الله حداد
-
( ماهية الدولة الاسلامية ) الكتاب كاملا
/ أحمد صبحى منصور
-
كتاب الحداثة و القرآن للباحث سعيد ناشيد
/ جدو دبريل
المزيد.....
|