|
الوعي يزيل روح الانتقام من عقلية الشعب بشكل عام
عماد علي
الحوار المتمدن-العدد: 2373 - 2008 / 8 / 14 - 01:47
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
الوعي الذاتي لاي فرد هو مستوى تفهمه للوضع العام و معرفته القضايا الهامة التي تخص الشعب و مصيره و ما يخصه بشكل خاص، اما الوعي العام للمجتمع لا يمكن ان يكون حاصل جمع الوعي الذاتي للافراد ، بل تدخل في تكوين و ترسيخ و تصقيل الوعي العام للشعب مجموعة من العوامل و المؤثرات التي ليس لها اي رابط بالوعي الشخصي و التي تجعل نسبة الوعي العام للشعب ليس بمقدار مستوى نسبة الوعي الذاتي لمجموع الافراد شرطا ضروريا، و لابد من بيان المقاييس المتعددة لهذا المفهوم استنادا الى الثقافة العامة و التطور و ما يتضمنه المجتمع من العادات و التقاليد و السلوك المتبع و اخلاقياته بشكل عام و التراكمات الفكرية و نوعيتها و جوهرها من حيث المعايير الانسانية و كل ما يخص الانسان و ليس منطلقا من العقائد و الاساطير و الاديان و المذاهب و الايديولوجيات التي تتصف بالمضامين ذات الافكار المجردة المستخدمة لكافة الوسائل المشروعة و غير المشروعة في سبيل السيطرة على الوضع العام للشعب و باي ثمن. الشرق بشكل عام مليء بالصفات المضرة البالية و متوارثة من عدة اجيال متعاقبة بحيث تعمقت في الافكار و تصرفات الشعب ، ومن الصعب جدا العمل على ازالتها و مسحها ،الا انه العصر الجديد و ما يحتويه من القيم الانسانية و العقلية التقدمية له تاثيرات ايجابية على تغيير ما استقر خطئا او ثبت نتيجة سيطرة الروحانيات على فكر الاجداد او نتيجة سياسات تعسفية استخدمت ما يساعدها على فرض الافكار و السيطرة بالقوة و النار ، وراحت ضحية فرض امر الواقع مجموعة لا تحصى من ابناء الشعب، ام الوضع الاجتماعي و الارتباطات و السلوكيات القبلية له دور كبير في غرز الصفات السيئة في كيان بعض الشعوب و هذا ما تكرس لمدة غير قليلة في عقلية الافراد و المجتمع بشكل عام ايضا، ان كان المجتمع يتصف بالنخوة و الشهامة و الكرم و روح التعاون و احترام الجيرة و العرف و العادات و التقاليد الحسنة والشجاعة، ففي المقابل هناك الحقد و الغيرة و الانانية و روح الانتقام و الثار و التعصب و الاستعلاء و التكبر و استحلال مال و املاك الغير عند الغارات و النصر و السيطرة على الاخرين، و اخطر الصفات التي لها تاثير سلبي مدمر على الشعب في الشرق هو الاصرار على فرض الراي و الفكر و العقيدة و الايديولوجيا من جانب واحد دون اي اعتبار لراي و فكر و عقلية و ظروف الاخر، اي استخدام كافة الوسائل في فرض ما يؤمن به طرف ما دون اي جهد تقدمي من اجل الاقناع، و بطرق متشددة بعيدا عن الحوار او احترام الراي الاخر المخالف، و كل ذلك هو نتاج تدني نسبة الوعي العام لاسباب تاريخية اجتماعية اقتصادية معلومة. اذن الانتقام صفة او نظرة اخلاقية مكتسبة من الوضع الاجتماعي و يدخل في تكوينه الانانية و التعصب و تنفذه اصحاب الثقافات المغلقة على نفسها و يحدث في وسط او بقعة يغيب عنها القانون و بالاخص المجتمع الذي تسير عليها العقليات العشائرية المؤمنة بالصولات و الغارات و الحصول على الجواري و الغنائم، الى ان وصل العالم الشرقي الى ما هو عليه اليوم و على الرغم من التقدم الحاصل في العالم و الاحتكاكات مع الغرب و التكنولوجيا لازال صفة الثار و الانتقام مستمرة و جاء النوع جديد منه و هو الانتقام السياسي نتيجة خطا و عنجهية القيادات القبلية التي اعتمدت على الاعتقادات العشائرية في سيطرتها على الحكم و بسط نفوذها على البلاد. في ظل النظام الدكتاتوري البغيض انتشرت العديد من الصفات الشاذة في العراق ، و كذلك برزت اخرى كانت مخفية و هي في طريقها الى الزوال نتيجة التطورات التلقائية الحاصلة على المجتمع قبل هذا النظام، و كان لهذا النظام دور فعال في احياء روح التعصب و العنصرية نتيجة العقلية الدكتاتورية القبلية التي اعتمدتها في حكم و اتخاذها لها كوسيلة للسيطرة على كافة شرائح المجتمع ، و اتًبعها كسياسة فرق تسد بين افراد الشعب، و احتمائه بين حلقات من اقاربه و عشيرته و قبيلته كسواتر متتالية في الحكم ، و خلق الشقاق و النفاق بين مكونات الشعب هو الهذف الذي توصل اليه، و به سيطر و فرض نظام انعدام الثقة بين كافة مكونات القومية و الدينية و المذهبية للشعب الى ان وصلت الحال الى ترسيخ الشكوك بين افراد العائلة الواحدة ، مما جعل الكره و الحقد صفة ثابتة بين اكثرية ابناء الشعب ، و كان للمخابرات العراقية دور فعال في هذا الشان بحيث لو احس بالتعاون و العلاقات الطيبة بين عشيرتين او قبيلتين او شريحتين و احس بانه يمكن ان يكون مصدر خطر على النظام فافتعل بنفسه المشاكل و حتى ان تطلًب الامر افتعال المؤامرات مما وقع الاقتتال في اكثر الاحيان لاسباب بسيطة و به سيطر على العشائر، قبل ان يفكر احد ما يجري من ظلم و اعتداءات من قبل هذا النظام على الشعب و لتفريق الاخوة. اما بعد سقوط الدكتاتور ، اتجهت الحال بشكل عشوائي و بدون تخطيط للسيطرة على الوضع الفوضوي، لم تفلح الجهات في منع انتشار صفة التي عملت عليها الدكتاتورية بحيث طفح الى السطح ما كان مكبوتا نتيجة القمع و منه الصفات السيئة و ما توارثتها الاجيال ، و ظهر ذلك منذ اللحظات الاولى من حيث الافعال الانتقامية و استنادا على المعلومات الشخصية و قوة الجهات المسيطرة، و عمت الفوضى بعيدا عن القانون و احقاق الحق و استمرت هذه الحالة لمدة غير قليلة ، و كانت للقوى التي ارادت ان تستمر هذه الاخلاقيات يدُ في بقائها، و اليوم توضحت المؤامرات التي خلقتها النظام السابق و لاتزال ذيوله باقية لحد اليوم و يعمل و لاغراض سياسية ما يضر الشعب . الان و بعد ان تحسن الوضع الامني و خطا الشعب الخطوة البسيطة الى الامام ، هل يمكن القول ان عقلية التعامل مع هذه الآفة و صلت الى ما يمكن ان نقتنع بان الثار و الانتقامات السياسية او العشائرية لم تظهر فيما بعد ، ام ان هذا التفاؤل يحتاج الى عمل و تعاون الجميع في سبيل استئصال هذه الصفة من جذورها في كيان المجتمع، و هل يمكن ذلك بوقت قصير و بشكل نهائي؟ ان اردنا ان نكون واقعيين و نقرا ما هو الموجود على الارض فلابد ان نقول ان المستوى الثقافي للمجتمع في حال لا يمكن ان نطمئن نهائيا في هذا الامر ، بحيث لازال العقلية السائدة تحوي في ثناياها ما يؤمن بالانتقام ، والوضع الاجتماعي الذي افرز هذه العقائد و سيطرت التيارات و الحركات و الاحزاب و الاتجاهات التي تعتمد في الية تنظيماتها على التكوين العشائري القبائلي يوضح لنا ان هناك لايزال خطر هذا المرض الاجتماعي مستمر ، و هذا ما يحتاج الى تعاون الجميع، و بالاخص المؤسسات الثقافية و المنظمات الانسانية و الحكومية و الاحزاب التقدمية بشكل عام ، و بالوعي و الثقافة العليا تُزال روح الانتقام بين ابناء الشعب ولو في المستقبل البعيد.
#عماد_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الشباب و دورهم في تغيير و تطوير الوضع و الخروج عن المالوف
-
هل المراة قادرة على تحقيق اهدافها العامة لوحدها
-
الاقلام المحايدة مراقِبة للسلطة دائما و ليست موالية لها
-
بدا موسم المزايدات الانتخابية في العراق
-
الانسان اولا هو الشعار الانسب لجميع العراقيين
-
تدهور الوضع العام فرض نقض نظام التخلي عن المواطن
-
تاثيرات الخطاب السياسي و الثقافي على بعضهما في العراق اليوم
-
كيف تواجه المراة التحديات المفروضة عليها في العراق اليوم
-
افتعال ازمة كركوك في هذا الوقت، من اجل اهداف مخفية
-
دور المؤسسات التعليمية في توعية المجتمع
-
في حضرة المسؤول الشرقي المبجل
-
الاعتراف بتقرير المصير للشعوب كحق من حقوق الانسان
-
ما بين مؤتمري نقابة صحفيي كوردستان و العراق
-
مجتمع مدني و فلسفة نظام حكم جديد في العراق
-
نحتاج الى الاشتراكية ام الليبرالية في العراق اليوم?
-
نعم انها انسانة حقا
-
الاحساس بالاغتراب رغم العيش بحرية في الوطن
-
الشعب العراقي بحاجة الى الحب و الحرية و الحماس و الحكمة في ا
...
-
من هم دعاة حقوق و حرية المراة؟
-
حذار..............مازال امامنا الكثير
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
-
سيغموند فرويد ، يهودية الأنوار : وفاء - مبهم - و - جوهري -
/ الحسن علاج
المزيد.....
|