ليس اعتباطا أن تتفق قنوات خليجية في حملة منظمة ضد الشعب العراقي ، فتدس السم بالعسل ، أو تحاول قول كلمة حق يراد بها باطل ، أو تحاول خلط الأوراق .
وليس دون تنسيق أو تخطيط بين قنوات طالما كانت المنافسة بينها والخلاف على أشده لو لم يوحدها هدف جديد هو محاولة الإساءة لشعب العراق ، فيتجسد اتفاقها وتوحدها أمام هدف واحد لاخلاف بينها عليه .
فمن يقف وراء الحملة المسعورة التي تشنها هذه القنوات دون غيرها ؟
ومن المستفيد من وراء هذه الحملة ؟
ومن يحرك هذه الحملات ؟
لم ينس بعد أهل العراق التحقيقات المصورة التي بثتها قناة خليجية ضد سلطة الطاغية وكيف كانت تبث المكالمات والآراء بشكل حيادي ، كما دأبت قناة أخرى على نهج نفس الشيء .
وبعد أن تمكن الطاغية وأولاده من استئجار ضمير وذمة القائمين على هذه القنوات تحولت الى قنوات مستنسخة من أعلام السلطة الدكتاتورية القمعية وتستلم أوامرها وتنسق مع أعلام النظام وأجهزة مخابراته ، وباتت تبث كل ما يخدم النـــظام وتمنع الرأي الآخر وتسيء اليه ، محاولة أن تقدم نموذجاً سيئاً وسلبياً للأعلام العربي الذي يباع ويشترى في سوق السلطات وفقاً للعرض والطلب .
لم يستغرب الكثير من أهل العراق التحول الحاد في مواقف هذه القنوات ، حيث أن هذا الأمر يرتبط بمدى بقاء الضمير حياً أو انحداره الى الحضيض مع قبول صاحبه بهذا الانحدار .
أدت القناة التي تزعم أنها تدعم الرأي الآخر دوراً مشبوهاً نال رضا السلطان وأذنابه ، لكنها كشفت عن حقيقة وجهها لأهل العراق بغض النظر عن قومياتهم أو أفكارهم السياسية أو دياناتهم ن كما عبرت بصدق عن عرضها لصوتها مشروعاً لمن يدفع أكثر وتوظيف الكلمة وفقاً لمقدار الثمن المدفوع .
وبعد أن بدأت أصنام الطاغية بالتساقط وأنهال عليها العراقيون صفعاً بالأحذية بدأت دموع القائمين بالأشراف على هذه القنوات بالأنهمار، ويتذكر العديد من المتابعين كلمات الآسى الحسرة التي أطلقها المراسل في هذه القنوات لرحيل الطاغية ليتفاخر ببقاء حذاء الطاغية في قاعدة التمثال ، دون أن يفهم أن الصنم متمسك بقاعدة السلطة لا يقبل أن ينفصل عنها بالرغم من طرقات الحذاء العراقي فوق رأسه .
هذه القنوات لم تجرأ أن تذكر كلمة ( المخلوع ) على النظام البائد الا قبل أيام ، ولم تجرأ أن تصور مآسي القبور الا بعد بثتها كل وكالات العالم ، ولم تزل الى اليوم تردد كلمة سقوط بغداد تحسراً على رحيل الطاغية .
ثمة من يسأل الان .. ولكن أذا انتهى صدام فلماذا بدأت الحملة تأخذ شكلاً منظماً ومتناسقاً بين هذه القنوات لصالح سلطة الطاغية وبما يسيء ويشتم الشعب العراقي وقواه السياسية الوطنية ؟ وما هو سبب استمرار هذا النهج دون توقف ؟؟
أن القنوات الفضائية المذكورة لا تعمل بشكل سائب أو عفوي أنما هي تابع من توابع سلطاتها الرسمية التي تعبر عن أفكارها تحت غطاء ستار مصطنع من الحرية ومساحة محددة حرية الكلمة ،هذه السلطات التي تملك هذه القنوات ترتعب من شيء أسمه سلطة الشعب العراقي المطلقة وحرية الرأي والفكر مثلما ترتعب من الديمقراطية المرسومة في أفكار أهل العراق وحلمهم في سلطة ديمقراطية فيدرالية برلمانية ودستورية تكفل حرية عمل الأحزاب و فضاء حرية الصحافة وكرامة الأنسان وحقوقه في التعبير والاختلاف ، إضافة الى خوفها من التيار الديني والتوحد المذهبي في العراق ، مما سيجعل شعوبها تصحو على العديد من حقائق التاريخ المغيبة والكثير من حقوق الأنسان المنتهكة من قبل سلطاتها ، والا فما معنى أن تقوم الطائرات الأمريكية بقصف بغداد من القواعد الأمريكية في قطر ، وتدعو القناة القطرية لمحاربة أمريكا واستنكار صواريخها المنطلقة من قواعد قطر التي يرفرف العلم الإسرائيلي فوق بنايات عاصمتها .
والا ما معنى أن تتم متابعة المتهمين المقبوض عليهم من أقطاب سلطة الطاغية ، ويتم صرف النظر عن غياب أرواح شباب العراق واغتصاب بنات العراق وتغيب هذه القنوات عن كشف المقابر والسجون ومحنة العراق وعظام فلذات أكبادنا وضياع أعمار أهلنا في العراق وخراب أرواحنا بشكل يفضح النظام البائد .
وألا ما معنى أن تستغرب وتتباكى قناة عربية أخرى من نوم المتهمين من أزلام العهد البائد على الأرض ، ولا تستغرب من نوم شعب العراق في السجون والمعتقلات وفي بيوت دون شبابيك وسقوف وأبواب .
والا ما معنى أن تتباكى القنوات على حال المتهمين ، وتغض النظر عن تصوير جثث المدفونين أحياء ، ولاتتابع أهات ذوي المعدومين والمغيبين وتستخف بمشاعرهم الإنسانية .
لقد اتفقت القنوات المذكورة بالرهان على ورقة المحللين الستراتيجيين المبشرة بهزيمة الحلفاء وانتصار الصنم أو توقف القتال لصالح الطاغية ولما أفلست هذه الورقة راهنت على المتطوعين العرب وفدائيو صدام ولما احترقت هذه الورقة بادرت الى الطرق على ورقة وزارة النفط وأعمال النهب والسلب التي ظهرت من على شاشاتها كدليل لهمجية الشعب العراقي على حد قول أحد مراسليها .
ولما لم تنجح هذه الأوراق أستلت ورقة العرب والأكراد والتركمان لعلها تفلح في الإيقاع بين العراقيين ، لكن هذا ذهب دون أن يحقق ما يراد له .
لجأت كل هذه القنوات مجتمعة وفي وقت واحد تطرق ورقة من أقذر الأوراق التي راهنت بكل ثقلها وتكاتف مراسليها ومحلليها ومقدمي برامجها عليها وهي ورقة الشيعة والسنة .
غير أن المفاجأة أن هذه الورقة لم تبذر الخلاف ولم تنجح التفرقة بل زادت من وحدة العراقيين الدينية وبائت خططهم بالفشل والخيبة .
وبعد أن تفلس كل هذه الأوراق ستلعب القنوات المذكورة بأوراق عدم الاتفاق على حكومة مؤقتة ، وعدم قدرة العراقيين على ممارسة الديمقراطية ، وعدم قدرة العراق على أعادة مكانته الدولية اقتصاديا ، وعدم عودة الحياة بشكلها الاعتيادي ، وورقة الفيدرالية ومن ثم الطائفية والأنتخابات وقضية كركوك وثمة قضايا أخرى لم تزل قيد المراهنة ولكن الأحزاب الوطنية تكاتفت وتحالفت من أجل بناء العراق ، بعد هذا سيبحث لها الخبراء عن منافذ عديدة لبـــــث السموم في هواء أهل العراق وفي طعام أهل العراق ، فقد فشلت الحرب الداخلية بين الناس ولم تتحول بغداد الى بيروت ثانية مثلما توقعت القنوات العربية ولم يتقاتل أهل العراق مثلما تمنت ، ولم تسحل الجثث في الشوارع مثلما تنبأت ، وبالرغم من السرقات المنظمة التي قامت بها عصابات السلطة البائدة للآثار فقد أجمعت القنوات المذكورة أن الشعب العراقي من قام بسرقتها وبالرغم من الحمير المفخخة وقتل الأبرياء وتفجيرات البنايات ، وهي تعلم علم اليقين أن العراقي لا يسرق الا من جوع ولأنه باع كليته وشبابيك وباب داره ولأنه كان بلاسقف يقيه من البرد أو الحر ولأنه لم يجد الصوت العربي النقي والضمير العربي الحي الذي لايقف في صف الطاغية أنما يقف على الأقل في صف الحياد ، مع أنها كانت تشاهد وتعرف وتعلم أنها تتعامل مع سلطة ظالمة كل مافيها مشين ومرفوض ، فقد أستحوذ البعض من الناس على ما أعتقده يعود للسلطة البائدة وكتعبير رمزي لثورته ضد السلطة التي قالت عنها القنوات قبل أشهر أنها فازت بنسبة 100 بالمائة وحلفت أغلظ الأيمان على صحتها .
لم يزل أهل العراق يراقبون البرامج الملتهبة ووصلات المراسلين الخالية من كل حقيقة والخائبة ومع تبديل وجوه العديد منهم بشكل سريع ومع هروب الآخرين من غضب الناس التي لاحقتهم بالأحذية ، يبقى المخطط العام الذي وحد برامج وأخبار وتحليلات هذه القنوات يثبت بما لا يقبل الشك أن بعض الضمائر العربية قابلة للمساومة والبيع والشراء في هذا الزمن الرديء .
الحملة المنسقة بين هذه الفضائيات تتزامن مع حملة مسعورة أخرى يشنها سياسيون وكتاب وصحافيون تحت ذريعة الوطن المستباح والكرامة العربية المهدورة ، لكنهم كانوا يكتمون ضحكاتهم حين كانت سلطة صدام تستبيح الوطن وتسحق كرامة وشرف العراقي بقسوة ، وكانوا يشمتون بشعب العراق وهم يعرفون حقيقة مأساته ومحنته ، وكانوا يصمتون عن الموت والدمار والكبت الذي يحل بالناس وبالوطن ، ولم تنطلق كلمة حق مطلقاً يشيرون بها الى هذا .
الأمنيات المريضة التي تتلبسهم ، والخيالات التي تدعو لدمار شعب العراق ، والدعاء في السر من أن لا يرتب البيت العراقي حاله ، ولا تستقر الأوضاع في هذا البلد الأمين ، وأن يستمر حالهم كما كانوا سابقاً ، يأكلون من أكتاف شعب العراق ومن لحمة ويخطفون لقمة عيش أبناءه ، ويبقون يشمتون حقاً بما يصير لشعب العراق .
وبعد أن خاب مسعاهم وفشلت خيالاتهم من أن تقوم الحرب بين أبناء العراق ، وأن يتمزق توحدهم وتعبث بهم الطائفية ويفرقهم الخلاف ، وأن يصير الموت نصيب أهل العراق ، وأن ينجح التحريض فيما بينهم، الا أنهم حصدوا بؤسهم وخيبتهم فما ازدادوا الا كشفاً لحقيقة من يحركهم كأحجار الشطرنج ومن يريدهم أن يقولوا ما يريده لاما تقوله الحقيقة .. فيا لخيبتهم .
أن فضيحة كوبونات النفط لاتلوث اليدين والسمعة انما تلوث الضمير وهي دليل على قدرة السلطة البائدة على شراء الضمائر في سوق النخاسة العربية .
لقد بدأت لغة بذيئة بالأعتماد على عناصر مبتذلة في الحوار وأن القرار القاضي بمنع بعض الفضائيات من متابعة أخبار المجلس لمدة شهر في غاية السذاجة والأستخفاف بكرامة العراقيين .
أن للعراقي كرامة وللأحزاب العراقية شرف ومباديء ولرموز العراق المناضلة قيمة لاتعرفها هذه القنوات ولاتستطيع أن تصل الى مربط احذيتها فكيف تتم المعادلة ؟ وكيف يتم تحقيق العدالة في حق المسيء والمتعمد بالأساءة لشعب وأحزاب ؟؟؟