كثيرةٌ هي الكتب التي تصدرُ في المملكة المتحدة ، وتتناولُ شــؤوناً تعنينا بهذا القدر أو ذاك ، لكني بين حينٍ وآخرَ ، أهتـمُّ بواحدٍ منها ، اهتمامَ المستطلِــعِ لا الخبيرِ ، فأنا في النهاية لستُ كائناً سياسياً …
ولديّ الآن كتابٌ صدرَ قريباً عن دار الدّلو Verso بعنوان " امبراطورية رأس المال " Empire of Capital من تأليف إيلين ميكسيس وود ، رأيتُــهُ جديراً بإلقاء ضوءٍ .
تتابِـعُ الكاتبةُ التحولَ العميقَ الذي طرأ على السياسة الخارجية الأميركية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية ، وترى أن الولايات المتحدة برزت قوةً مسيطِـرةً ، لكنّ سيطرتها ، بسبب الحرب الباردة ، اتخذت شكل تحالفٍ عضويّ ، مع أوربا الغربية أساساً ، مما سمح بظهور فكرة " الغرب " بصورتها المعاصرة ، وأخفى السيطرة الأميركية تحت ستارٍ من التحالفات والتعددية .
بعد انتهاء الحرب الباردة ، حصلَ ما يمكن أن يدعى فراغَ سلطةٍ ، قبل أن تتحدد معالـمُ الفترة التالية ، أي بروز الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى ، متحررةً من التهديد السوفييتي ، ومن أي التزامٍ بتحالفٍ أو اعتبارٍ غيرِ مصالحها الخاصة .
تهتم الكاتبة بشرح طبيعة الإمبراطوريات وتسبيبها ، مستعرضةً امبراطوريات الإغريق والرومان والصينيين والإسبان والعرب المسلمين والبنادقة والهولنديين والبريطانيين ، ومبيِّـنةً الفروق والتمايزات بين هذه الإمبراطوريات لتستخلص أن الإمبراطورية قد لا تستدعي الإستحواذَ على الأراضي ، وهي ترى أن الإمبراطورية الأميركية الجديدة هي " امبراطورية اقتصادية " ، وأن الوحدة الكلاسيكية للإمبراطورية الأميركية الجديدة هي الدولة القومية ذات السيادة The Sovereign Nation-State وليس المستعمَــرةThe Colony .
وممّـا يمنح هذه الإمبراطورية شكلاً وتعبيراً دستوريينِ ، اتفاقياتُ بريتن وودز ، الغات ، صندوق النقد الدولي ، البنك الدولي …
وترى الكاتبة أن الحرب على الإرهاب ليست حماقةً من جانب الولايات المتحدة ، إذ أن هذه الحرب ، على الضد من محاربة الدولة القومية ، لا يمكن إحراز النصرِ فيها ، لكنّ هذا هو ما تريده الإمبراطوريةُ ، فالمبدأُ الأميركي الجديد مؤسسٌ على حربٍ بلا نهاية ، تحبِـط وتهددُ المخاطرَ الثلاثةَ التي تواجهها الهيمنةُ الأميركية :
الدول الفاشلة – الدول الشــريرة – والقوى الرئيسة الأخرى : الصين ، روسيا ، اليابان، الإتحاد الأوربي .
وفي الوقت نفسه ، يتكفل الجبروت العسكري الأميركي بتطويع الدول القومية وتهديدها ، هذه الدول الضرورية
لإدامة نظام العولمة .
تنتهي الكاتبةُ إلى القول:
" هذه الحرب التي ليس لها من غايةٍ أو زمنٍ ، هي حربُ امبراطوريةٍ بلا نهايةٍ ولا حدودٍ أو حتى أراضٍ "
لندن 2/2/2004