|
أزمة يسار أم أزمة يساريين؟
عبداللطيف كداي
الحوار المتمدن-العدد: 2372 - 2008 / 8 / 13 - 11:09
المحور:
في نقد الشيوعية واليسار واحزابها
كيف يمكن تخليق الحياة العامة؟ وكيف يمكن إعادة الثقة للمؤسسات الفاقدة للمصداقية الشعبية؟ وما السبيل إلى لإقناع المواطن المغربي بجدوى الانتخابات وأهمية المشاركة فيها؟.. كلها تساؤلات عريضة تطرح اليوم على نطاق واسع من قبل مختلف الفاعلين السياسيين، يطرحها مناضلو اليسار والأطراف الحكومية، علاوة على أنها كانت حاضرة في الخطاب الملكي أمام افتتاح الدورة التشريعية الحالية. والثابت في هذه الطروحات، مهما تعدد أطرافها، أنها تثير إشكالية بالغة التعقيد يصعب في الآن أن تصاغ لها حلولا ناجعة تمكن من معالجة التعاطي السلبي معها. لاشك أن المتأمل للمسار "الديمقراطي" المغربي تثيره سلسلة التراجعات التي شهدها في السنوات الأخيرة، وأشكال الجزر والمد التي تؤشر على وجود نوع من التردد والشك المصحوب بسلبية مفرطة، مما راكم الخيبة والإحباط على مدار السنوات القليلة الماضية، فكلما قطعنا شوطا أو بدا لنا ذلك كلم تراجعنا قليلا إلى الوراء، ولعل الأمثلة في هذا الباب هي بالكثرة التي لا يمكن حصرها سواء في المجال السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي أو الثقافي. لكن ما ينبغي التساؤل حوله في هذا المقال هو ما موقع اليسار بكافة مكوناته ودوره الحاسم في هذا المسار المتعثر؟ أي كيف تفاعل اليسار مع المسألة الديمقراطية بما فيها قضية الانتخابات؟ غني عن البيان أن مشاركة بعض مكونات اليسار كانت غير واردة إطلاقا في التجربة الانتخابية، ونخص بالذكر الأحزاب التي دعت إلى موقف المقاطعة (النهج-الطليعة)، أما بخصوص الأحزاب التي شاركت بالفعل في هذه الاستحقاقات فالملاحظ أنها شهدت تحولات عميقة على مستوى بنيتها التنظيمية وعلى مستوى خطها السياسي والإيديولوجي، والواضح أن الأحزاب سواء تلك التي شاركت قديما(الاتحاد الاشتراكي- التقدم والاشتراكية) أو حديثا (الاشتراكي الديمقراطي- جبهة القوى- اليسار الاشتراكي-المؤتمر الاتحادي) فهي قد تأثرت بشكل كبير بنتائج العملية الانتخابية خاصة بالنسبة لمن حصلوا على نسبة من التمثيلية في المجالس المنتخبة، فالانتخابات إذن أسهمت في إفراز توجهات جديدة داخل معظم هذه الأحزاب، توجهات أملتها وجود أطر حزبية قيادية في الغالب داخل المؤسسات المنتخبة، ودفع في اتجاه خلق ثقافة جديدة تؤسس لتصور انتخابوي ضيق الأفق، مما رهن العمل السياسي لهذه الأحزاب بكامله في مسألة الانتخابات، وأصبح التاطير السياسي والتعبئة الجماهيرية والمشروع المجتمعي والتواجد في الشارع... مجرد شعارات غارقة في القدم. إن أحزاب اليسار اليوم تشكو من غياب واضح على مستوى المرجعية أو النظرية السياسية، هذا الغياب يجعل الممارسة السياسية لهذه الأحزاب تعرف ارتباكا كبيرا، الأمر الذي راكم لديها مجموعة من الأخطاء والانحرافات، فأصبح القرار السياسي بيد مجموعة من الأشخاص هم وليدي التجربة الانتخابية بكل ما تحمله من سلبيات، تحكمهم التطلعات الذاتية المحضة، وحسابات المصلحة الشخصية لا المصلحة الحزبية. وما نعنيه بغياب أو ضعف المرجعية السياسية في اشتغال هذه الأحزاب هو عدم وجود حلول نظرية وفكرية للمشكلات السياسية المطروحة وانسداد الأفق الحزبي، فعندما تجد هذه الأحزاب نفسها أمام مشكلة ما تبادر أول ما تبادر إليه إلى شن حروب طاحنة بين أعضائها تنتهي في الغالب بالانشقاق وولادة حزب جديد ينضاف إلى الخريطة الحزبية بنفس التركيبة والذي يكون في الغالب الأعم ليس نتيجة خلاف ونقاش فكري أو إيديولوجي بقدر ما هو وليد غياب هذا النقاش وغياب المرجعية الفكرية ذاتها. إن الفكر يؤطر الممارسة السياسية –الحزبية، فبدون وعي سياسي لا يمكن خلق ممارسة سياسية فاعلة، والحال أن أحزابنا تعمل على تغييب هذا الوعي عنوة لتخلق جوا من التدجين السياسي في صفوف مناضليها بعدما كان هذا مقتصرا على أساليب المخزن العتيقة، فتساهم عن إصرار في خلق مناخ انتهازي وممارسة لا عقلانية واجترارية، تجعل من هذه الأحزاب منخورة داخليا غير قادرة على قيادة التغيير السياسي والاجتماعي أو حتى على صياغة المشروع المجتمعي والدفاع عنه. أما على المستوى التنظيمي فإن الغائب الأكبر داخل هذه الأحزاب يظل هو الديمقراطية، فالمؤامرات والدسائس والمعارك الطاحنة التي تعتمل داخليا تستهدف في العمق القضاء على أي مشروع للديمقراطية الداخلية وضرب كل الآليات التي تمكن من تدبير الاختلاف داخليا بما يهيئ على الدوام أجواء متوترة تساعد على مزيد من الانتكاس. وبالتالي راكمت البنى الحزبية ولسنوات طويلة روحا استبدادية تعمل على إقصاء كل التيارات والحساسيات الأخرى التي تحيد عن نهج القيادة الحزبية، مما جعل البنية التنظيمية لهذه الأحزاب هشة غير قادرة على استيعاب روح العمل الديمقراطي، فلا مكان فيها لغير الرأي الواحد الأوحد يستفرد فيه "القيادي" بالقرار، ويستأجر "الميليشيات" وذوي المصالح الحزبية لإخماد أي "ثورة" في مهدها. الأمر الذي يكشف عن وجود أسلوب تنظيمي متخلف غارق في التسلط والتسيب في آن، لا تشكل فيه المؤتمرات واجتماعات الأجهزة الحزبية إلا فرصة أخرى لتأكيد الزعامة الحزبية. ويبقى السؤال الآخر الذي لابد من طرحه: من هو مناضل اليسار اليوم؟ فعلى مدار السنوات الماضية لوحظ ذلك التحول الذي جعل من أحزاب اليسار أحزابا نخبوية بالتدريج، بعيدة بذلك عن ملامسة القضايا الاجتماعية، وبالتالي عاجزة عن استقطاب الفئات الاجتماعية صاحبة المصلحة في التغيير( الطبقات الشعبية الكادحة)، هذه القوى التي بوأت اليسار مكانة مرموقة وغير مسبوقة في العديد من بقاع العالم، لقد ظل اليسار على الدوام مرتبطا بنضالات الجماهير الشعبية والطبقات المسحوقة، فهو المعبر عن همومها وآلامها، هو صوت من لا صوت لهم. هذا هو اليسار الذي أضحى اليوم أكثر عزلة وغربة. لقد فقدت أحزابنا اليسارية الرؤية الاجتماعية النابعة من المرجعية السياسية التي تعمل على توجيه هذه الأحزاب نحو القضايا الاجتماعية المركزية وتعبئة الرأي العام والفئات ذات المصلحة في التغيير، وتأطير المواطن وتوعيته بقضايا مجتمعه. لقد انخرط مناضلو اليسار في حروب مواقع صغيرة طاحنة أسهمت فيها الصحافة المكتوبة بحيز وافر، وبدلا من التحام هذا "المناضل" بقضايا المجتمع وفئاته نجده قد انعزل هو الآخر مع جزء من رفاقه داخل حانات المدينة، متخذا له ركنا من أركانها، متأملا المشهد السياسي وما سيتمخض عنه، أو في أحسن الأحوال يعد مع رفاقه هجوما مضادا على بعض رموز القيادة "الفاشية"، ولا يهم في ذلك أن ينسج علاقات مع رموز المخزن أو البوليس أو حتى بائعات الهوى. ما عاد مناضل اليسار يحمل القيم والمبادئ ذاتها، وما عادت سلوكياته مستمدة من الفلسفة التي زعزعت صرح العالم بما حملته من قيم جديدة مناهضة للظلم والاستبداد، "فمحنة " اليساريين في بلدنا اليوم تختلف شكلا ومضمونا عن "ابتلاءات" الماضي القريب. فهم اليوم غير مطاردين وغير مقصيين، لكنهم أضحوا متخاذلين إلى أبعد ما تتصور، تخاذل بطعم المرارة والخيبة والذل...، ففي غمرة ما نشاهده من مسلكيات غريبة على تقاليد اليسار ومرجعياته، هذه المسلكيات التي تستند على واقع الممارسة السياسية الحالية، كما تتغذى من الاحباطات التي يعيشها "المناضل اليساري"، فهذا النزوع نحو مظاهر الارتزاق السياسي، والانجرار إلى الأساليب الانتهازية الرخيصة بكل ما تنطوي عليه من حيل ودسائس، والانحياز الكبير للبحث عن مواقع معينة دون فعالية تذكر...تبقى أكبر العناوين البارزة لأغلب سلوكيات مناضلي اليسار راهنا التي لا نجد لها تبريرا، اللهم الانسلاخ عن كل مضيء وجميل في حياتنا.
#عبداللطيف_كداي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
كوريا الجنوبية.. المحكمة الدستورية تعقد أول جلسة تحضيرية لمح
...
-
لماذا تريد أمة المليار ونصف المليار المزيد من الأطفال؟
-
ما صحة ضرورة التخلي عن السكر؟
-
هل توجد حضارات خارج كوكب الأرض؟
-
OpenAI تبحث إمكانية تطوير روبوت ذكي
-
بوتين: التعاون بين روسيا وكوريا الشمالية يلبي المصالح الأساس
...
-
دونالد ترامب وعد بوقف جنون التحول الجنسي في أمريكا
-
تركيا تُرتّب البيت السوري على طريقتها
-
إسرائيل.. إصابات وتعليق العمل في مطار بن غوريون بسبب صاروخ م
...
-
الجمعية الوطنية في كوريا الجنوبية تعتزم التصويت على عزل الرئ
...
المزيد.....
-
عندما تنقلب السلحفاة على ظهرها
/ عبدالرزاق دحنون
-
إعادة بناء المادية التاريخية - جورج لارين ( الكتاب كاملا )
/ ترجمة سعيد العليمى
-
معركة من أجل الدولة ومحاولة الانقلاب على جورج حاوي
/ محمد علي مقلد
-
الحزب الشيوعي العراقي... وأزمة الهوية الايديولوجية..! مقاربة
...
/ فارس كمال نظمي
-
التوتاليتاريا مرض الأحزاب العربية
/ محمد علي مقلد
-
الطريق الروسى الى الاشتراكية
/ يوجين فارغا
-
الشيوعيون في مصر المعاصرة
/ طارق المهدوي
-
الطبقة الجديدة – ميلوفان ديلاس , مهداة إلى -روح- -الرفيق- في
...
/ مازن كم الماز
-
نحو أساس فلسفي للنظام الاقتصادي الإسلامي
/ د.عمار مجيد كاظم
-
في نقد الحاجة الى ماركس
/ دكتور سالم حميش
المزيد.....
|