يتميز التاريخ الكردي بخصوصية نادره في مجال تراكم عبر ودروس غنية ومعبره في صفحاته حول مختلف جوانب مسيرة حركة الشعب الكردي القومية التحررية خلال قرون ، ومما يضفي الاهمية البالغة على التجربة الكردية اذا جاز التعبير حدوثها في مراحل زمنية متعدده ومتفاوته من التاريخ السياسي للمنطقه ومن ضمنها – كردستان التاريخية التي كانت مسرحا لمواجهات عسكرية وحضارية وقومية واقتصادية من قبل الامبراطوريات القديمة والحديثة (الرومانية واليونانية والاسلامية – العربية والعثمانية والصفوية) بحيث يكون الاكراد قد دخلوا في عمليات اختبار وتفاعل طوال تاريخهم مع عدد من شعوب الارض الاوروبية والآسيوية المسيحية والاسلامية السنية والشيعية بما تحمل من ثقافات وعادات وعقائد ، واخذوا منها الكثير مما يناسبهم كما منحوا الآخرين بما يفيدهم حسب طبيعة الحياة وسنة العلاقات بين بني البشر .
ومن اجل أن لا نتوه في مجاهل الازمان الغابره ولانغوص بعيداً في اعماق التاريخ نترك هذه المهمة للمؤرخين واصحاب الاختصاص ونعود قليلاً جداً الى الوراء لمعالجة مسألة بالغة القيمة والاهمية تتكرر فصولها وملابساتها في كل الاوقات والمراحل ألا وهي حقيقة ومضمون موقف الساسة والمثقفين من النخب في القوميات السائده تجاه حقوق الشعب الكردي وخاصة في تقرير المصير السياسي ، كما لابد أن نستتبع ذلك باستكشاف اهداف ومرامي المواقف الاخيره وتحديداً بعد تحرير العراق ، والمنحى – الملتوى – لبعضها والاساليب الملتبسه لبعضها الآخر الى درجه التحايل على الحقائق والتلاعب بالمصطلحات لدى طرح القضية الكردية وبالذات مصير اكراد العراق على ضوء تمسكهم بالحل الفدرالي في اطار عراق ديموقراطي تعددي متحد .
منذ أن تقاسمت الامبراطوريتان العثمانية والصفوية موطن الاكراد قبل اكثر من خمسة قرون غلب الطابع الدموى الاستئصالي من جانب القوى السائده في تعاملها مع الاكراد وحركاتهم الاستقلالية مع استثناءات قليلة حدثت بين الحين والآخر بمبادرات السلاطين والخلفاء والقاده العسكريين وحكام اقاليم كردستان من الترك والفرس ، كانت تتخذ الوعود والكلام المعسول سبيلا لاستمالة الزعماء الاكراد وما أن يمر وقت قصير حتى يقلبون ظهر المجن مرة اخرى وينسون ما قالوه بالامس .
يكشف لنا التاريخ الكردي مدى ما تعرض له هذا الشعب من استغلال واحتيال وما قدمه من ضحايا من دماء زعمائه وقادته ونشطائه بل وثوراته بسبب الوثوق بعهود العدو وتأمين جانب الخصم والمستغل من القوميات السائده ، والركون الى اتفاقيات وعهود مقطوعه باغلظ الايمان ، باسم الاخوة الاسلامية حينا ومواجهة العدو أحيانا، والمصير المشترك تارة، والانتظار لقدوم النظام الاشتراكي الذي سيزيل استغلال الانسان للانسان ، ويعترف بحق تقرير المصير لجميع الشعوب والقوميات ، أو التريث لحين تحقيق الوحده العربية التي ستؤمن حقوق كل القوميات غير العربية ، وعدم الاستعجال والتحلي بالصبر لحين حل الازمات الوطنية والاقليمية عندها يمكن التفرغ لحل القضية الكردية في اجواء الاستقرار .
ولكن النتيجه كانت المزيد من الاضطهاد والاقتلاع والتهجير وتحقيق خطوات كبرى على طريق التعريب والتتريك والتفريس ووقف التطور الطبيعي لمجتمع كردستان في اجزائها الاربعة وحرمان الاكراد من كافة الحقوق لاسباب عنصرية ، وترك القضية الكردية دون حل بل وتأزيمها واضافة تعقيدات انسانية وسياسية وجغرافية اليها يوماً بعد يوم الى ان وصلت الى وضع تحولت فيه الى شغل شاغل لبلدان اربعة تقتسم الشعب الكردي بموجب التقسيم الاستعماري المعروف ، تعقد من اجلها اللقاءات والاتفاقات الامنية ولاتخفي عداءها لاي حل مطروح كما تحولت الى مصدر لاستنزاف الطاقات البشرية والاقتصادية بسبب قرار الانظمة الحاكمة بالاخذ بالحل العسكري – الامني وعدم الالتزام بالمبادئ الديموقراطية والوطنية بشأنها.
حكماء أم مفسدون
من مفارقات عصرنا الراهن وبعكس كل التوقعات المتفائلة تنضم قافلة من الكتبة المحسوبين على فئة المثقفين والمتعلمين في صفوف شعوب القوميات السائدة (التركية – الفارسية – العربية) الى مفاهيم الانظمة الدكتاتورية والتوتاليتارية الشوفينية حول الموقف من القضية القومية الكردية الموزعة كما ذكرنا بين البلدان الاربعة ، ليس ذلك فحسب بل تقوم بتقديم الخدمات الاعلامية لهذا الاتجاه واجيانا كثيرة تقوم بدور المنظر والمبرر على طريق تغطية الجرائم ضد الانسانية المتبعة بحق الاكراد. وكل من يتابع الاعلام العربي في هذه الايام وتحديداً منذ طرح اكراد العراق مشروعهم الفدرالي للسلام والشراكه مع عرب العراق " يشعر بالالم والحزن ليس لأن المواقف الرسمية تقف ضد الحق الكردي ولاترغب في استتاب الامن والاستقرار في العراق ولا تريد أي تغيير ايجابي يؤدي الى نظام ديموقراطي مستقر في العراق لان كل ذلك من اهدافها وطبيعتها منذ ان قامت انظمتها الاستبداية المعادية لشعوبها ولمصالح اوطانها. بل لأن العديد من الاقلام" – اخترنا من هذه النماذج نزار حيدر – صالح القلاب – حسين العودات – سلام عبود الذين كتبوا في صحف السفير ، والشرق الاوسط ، والسياسه ". والاصوات المفروض فيها أن تكون الى جانب الحق والعدل وان تدعو الى التآخي والصداقة بين العرب والاكراد وتطالب بايجاد الحل الديموقراطي للقضية الكردية على قاعدة مبدأ حق تقرير المصير والاتحاد الاختياري ، وتحمل سيوف الانظمة المستبده وتقف في خندقها وتصبح طرفاً في المعركة العنصرية ضد الشعب الكردي وذلك عندما ترفض ارادة هذا الشعب في الخيار الفدرالي في العراق الديموقراطي المتحد تحت حجج وذرائع واهبه وفي اطار – تقمص – دور – الحكيم – الذي يسدي النصائح للاكراد ممزوجة بنفس قومي عنصري مبطن بالتهديد والوعيد بعظائم الامور ، وتطالب اكراد العراق بالتخلي عن الحقوق وعدم المطالبة بما يريدون والسكوت والانتظار لان الظروف الاقليمية غير مناسبه وان وضع العراق لايحتمل أن يحقق الاكراد طموحاتهم لذلك يجب تأجيل حق تقرير المصير في الاتحاد الاختياري حتى يستعيد العراق عافيته وعند ذلك لكل حادث حديث .
واصوات اخرى تتهم القيادة السياسية الكردية بالغباء والقصور وعدم فهم طبيعة موازين القوى التي لاتصب في مصلحة حرية الشعب الكردي كما تزعم ، وآخرون يبشرون بزوال مرحلة المفاهيم القومية واعتبار حق تقرير المصير للشعوب من المبادئ البالية التي لاتستحق التأييد ، والاندماج مع القومية السائدة هي الحل ، وهناك من وضع الاكراد أمام خيار مر – بشكل تعسفي - : الفدرالية ستلد الحرب الاهلية في العراق . ولاننسى الذين يضعون حواجز عالية بين النضالين القومي والوطني لاكراد العراق ويزعمون بوجود التناقض بين الجانبين .
أي لايجوز الجمع بين أن تكون كردياً ووطنياً في آن واحد . هذه المعادلة الجديدة التي وضعت خصيصاً للشعب الكردي دون سائر شعوب العالم .
من العبث تضييع الوقت ومناقشة اصحاب الاقلام التي تنفي وجود الكرد وتصادر حقوقه وتفتري على الحقائق القائمة ،وتتجاهل المبادئ ، ولكن لابأس من مخاطبة هؤلاء الذين يتقمصون دور - الحكماء الناصحين – والمدعين بانهم ليسوا اعداء بل واصدقاء ويريدون الخير للاكراد ويضعون حزمة من الـــ – ولكن – كشرطـ ملاصق لادعائهم، ولشدة حرصهم يناشدون القيادات الكردية بالمزيد من التعقل والتزام جانب الصبر وذلك بالتخلي عن دفع الاكراد نحو الهاويه أي بوقف المطالبه بالفدرالية كحل للقضية الكردية في العراق .
تجاوباً مع رغبة هؤلاء بالتعامل مع – نصائحهم – بنية حسنة أتوجه اليهم باسئلة مباشره وعند الاجابة يمكن فهم نواياهم والتحقق من صدقية توجهاتهم ومدى حرصهم على الاكراد وعلى الصداقة العربية – الكردية ودعمهم لحقوقهم وهي : هل يعتبر هؤلاء ان هناك شعباً كردياً مجزءً بين دول اربعة ، وان موطنهم كردستان مقسمه بينها ايضاً ، هل يعترف هؤلاء بأن الشعب الكردي يستحق أن يقرر مصيره السياسي كأي شعب آخر في العالم هل يعتبر هؤلاء أن القضية الكردية بما هي مسألة قومية تدخل في عداد حركة التحرر الوطني، هل يعترف هؤلاء بأن دولة العراق تشكلت بمبادرة الكولونيالية البريطانية وبمعزل عن قرار وارادة واستفتاء شعب كردستان . هل يؤمن هؤلاء بأن حل المسألة القومية الكردية في العراق يعزز من فرص الديموقراطية والاستقرار في كل العراق .
ان الاجابة على هذه الاسئله كفيلة بمعرفة نواياً كل من يبدي الاهتمام بمصير العراق والاكراد والعرب ، واذا أثبت هؤلاء صدق نواياهم في الوقوف الى جانب الحق والعدل والمبادئ الديموقراطية والانسانية حينها يمكن مناقشه – نصائحهم – بروية وطرح – نصائحنا – ايضاً حول مبادئ الصداقة والشراكة والتعايش والمساواة والديموقراطية . والفدرالية الكردستانية التي تشكل الاطار السليم للحل المنشود .
اما اذا كانت – نصائحهم – ستاراً لمقاصد اخرى وقفازاً من الحرير يخبئ السموم وتنظيراً لنهج الانظمة الشوفينية الاستبدادية وكمينا مخططا للايقاع بالشعب الكردي وقيادته السياسية وتمنعهم – قومجيتهم المفرطه خاصة وان البعض من هؤلاء قد اعماهم التعصب القومي حتى من ذكر كلمة كردستان واطلاق تسمية شمال العراق بدلا منها فكيف لنا نحن الوطنييون والقومييون الديموقراطييون الحريصون على العلاقات مع الشعب العربي الصديق والمتضامنون مع قضايا الامة العربية وعلى رأسها قضية فلسطين . أن نأمن جانب هذا البعض وان نطمئن الى نواياه وان نأخذ – نصائحه – محمل الجد فنضطر أن نقول لهم حينذاك وفروا نصائحكم لاسيادكم لان الحركة السياسية الكردية قد بلغت سن الرشد ( ولكم دينكم ولنا ديننا) وان الساحة الثقافية والسياسية العربية مازالت بخير مادام فيها أمثال : معمر القذافي ، وحازم صاغيه وحميد المطبعي ، وعبدالمنعم الاعسم وكاظم حبيب وفاتح جاموس ، ومنذر الفضل ونزار نيوف وأخرون غيرهم من الذين التزموا بالمبادئ التي آمنوا بها ودعوا اليها حول حرية الشعوب وحقوق الانسان والأهم من ذلك استوعبوا حقائق التاريخ ومتطلبات العصر ، وهم بمواقفهم الصادقه تجاه اصدقائهم الاكراد وحقوقهم يخدمون قضاياهم القومية العربية ، ويقدمون الدعم لمسيرة شعوبهم نحو التقدم ويؤكدون ضمنا أن حل المسألة الكردية في العراق وسوريه وبشكل سلمي وحسب ارادة الاكراد وقرارهم هو حاجة عربية ايضاً ليس بالمفهوم الحضاري فحسب بل تقتضيه شروط تحقيق التغيير الديموقراطي والاصلاح السياسي وتعديل الدساتير والقوانين التي باتت العنوان الرئيسي للمرحلة الراهنة ، كما تتطلبه ايضاً المصالح العربية في كسب ود اكثر من /40/ مليون كردي في المنطقة الذين يشكلون الكتله القومية الثالثة أو الرابعة في الشرق الاوسط .
- رئيس رابطة كاوا للثقافة الكردية [email protected]