|
وجع الموت لأهلنا في العراق من يشعر به؟
سامي الاخرس
الحوار المتمدن-العدد: 2371 - 2008 / 8 / 12 - 07:31
المحور:
حقوق الانسان
من وجع لوجع ، ومن فاجعة لفاجعة نتصفح ساعات يومنا التي طالت وقست كقسوة الدهر حتى ثملنا من قسوتها ، وأسكرتنا من عذابات خمرها المعتقة بالحنظل ، إنه الوجع الفلسطيني الذي أصبح يتجول في شرايين دمائنا ، ويعيش فينا ومعنا ، ويقيم إقامة دائمة ليصادر كل همسة ونسمة فرح ممكن أن تتوغل أو تتسلل لحظة تحت أنين الليل لنقسم إننا ابتسمنا وفرحنا ، وهزمنا محيط الألم الذي يغرقنا ويحاصرنا . يخطفنا الموت دوماً إليه ، يخطف الأعز لدينا من قادة وأدباء ومقاتلين ومفكرين ورجال لا تجدهم سوي وقت الشدائد عندما تنادي فلسطين أغيثوني . ولم نجد أمامنا سوي بيوت العزاء التي لا تبرح قلوبنا بدمعها وحزنها حتى أصبحت ملاذنا ومكان ترفيهنا وسبيل علاقتنا وارتباطنا بالحزن . وما أن يهادننا الموت لحظات بطبيعته يهاجمنا الموت الآتي من بقعة شجون أخرى ويقتلعنا من وحي الصمت الذي نعيشه ، إنه الموت الآتي من بغداد (العراق ) والأيادي الآثمة لصراصير سوداء ملثمة بحقدها تنكل وتعذب وتقتل لاجئي فلسطين المشردين بلا وطن أو مأوي ، بلا سماء أو هواء أو أمان ، تخطفهم أيادي الحقد لذنب وحيد إنه لاجئ فلسطيني . هذا اللجوء الذي لم يختاره ولم يعشقه ولم يتمناه بل هو لجوء قسري أجبر إليه وجد نفسه يعيشه لأنه اسلم أمره لجيوش العرب وهي توعده بالنصر والعودة للديار . إنه اللاجئ الذي لم يجد بقعة رحيمة يلجأ إليها فإن هرب من فرق الموت في بغداد تتلاقفه فرق الموت الأخرى في صحاري الحدود ، والجميع صامت كصمت القبور وكأننا جميعاً قد استقر بنا الحال والقرار أن نتركهم يواجهون مصيرهم ، وأبدينا موافقتنا بأن نتركهم قرابين رخيصة لتشبع بهم صراصير المليشيات ظمآها وحقدها ذبحاً وقتلاً ، صمت يكتنفه رائحة المؤامرة من عازفي لحن الناي من حكومتنا بفرعيها الشمالي والجنوبي ، خرست ألسنتهم وعميت قلوبهم ، وأغلقت أذانهم في الوقت التي تهطل علينا عشرات التصريحات اليومية من المتحدثين والوزراء والناطقين الإعلاميين تتغزل بالوطن وبالمواطن والمصلحة الوطنية العليا ، وتغازل الفلسطيني بخفي حنين ، ولكن سنعذرهم ربما تناسوا أن لاجئ العراق فلسطيني ، عملاً بالمثل القائل " البعيد عن العين بعيد عن القلب " . إنه العراق .. أقحوانه القلب التي لا زالت تلحن معزوفتها الشرقية ، وتئن من شدة الوجع المشترك ، تئن ويتردد صدي صوتها وصراخها عاشت الأمة العربية ، عاشت فلسطين حرة عربية ... صدي لم يعد يثير فينا حنين مسلوب من قلوب رحيمة غادرت ماء الرشيد لتترك صراصير سوداء تعبث بشواربها النجسة بأرواح اللاجئ الفلسطيني والمواطن العرقي . من هناك من بغداد يطل الموت على اللاجئ الفلسطيني الذي أصبح لا يملك حتى خيمته التي غادر فلسطين يحملها والأمل يراوده بالعودة يوم أن تنتصر الجيوش العربية التي وعدت ولا زلنا ننتظر الوعد والوفاء بالوعد .... ولكن هيهات هيهات فليس فينا من يفي بالوعد . نتجاهل الموت في العراق أحيانا تحت وطأة الموت الآخر الذي يحصد الأرواح بحروب الوهم في غزة هاشم والضفة الغربية ، غزة التي يقود بها اللاجئ نفسه حربا ضد اللاجئ الآخر ، وتئن مخيماتها كما تئن بغداد من موت تجنيه الأيدي والحصار ، ولكنه في النهاية موت بنكهة حزن واحدة ، وتتواصل عملية البحث عن هوية وسط الجثث المسجاه على أضرحة الموت المعكتف بمحرابنا ليقودنا إلى لجوء لا أمل به للعودة للديار ، ولكنه لجوء ينبعث من رائحة الأمل الذي لم ولن يغادرنا أبداً. لغة واحدة ومشهد واحد نعيش على أطلاله ، لا نشاهد سوي جثامين تتناثر هنا وهناك ، تبحث عن قلب رحيم ، وكفن تسافر به إلى حيث اللاعودة ، مشهد يهاجمك من بغداد ، ومن غزة ، ومن الضفة الغربية ، ومن الأنفاق ، ومن البحر ، والمهاجم ملثم والسيناريو واحد يبدأ بموت وينتهي بموت ، لا يؤمن بالحياة ولا يعترف بكرامة المرء وحقوق الآدميين . حتى نحن الأحياء الذين أسعفنا الحظ أن نبقي على قيد الحياة لم يعد لنا مكان أو ملتقي يجمعنا سوي بيوت عزاء ورحلة استذكار لمحاسن الموتى وجميعنا يقول " اذكروا محاسن مواتكم " لأنه سيأتي الوقت الذي يقولها غيرك على روحك . إنها بغداد .. وغزة وبيروت والضفة الغربية التي تتحدث بلغة الفقيد والمرحوم الفلسطيني ، فلم تعد ذاكرتها تسعفنا لاستذكار ملامح الحياة والسبب الخشية من حفلة تعريه على أنغام البندقية وتبادل القهقهات العاليات الساخرات لتطوي كرامة المرء معها مع مطويات الموت التي تهاجمنا ، وسجلات الوفاة التي نستخرج منها شهادات الوفاة المباحة في كل زمان ومكان لا قيد عليها ولا حظر . في بغداد كما في غزة ، كما في الضفة الغربية ، كما هو حال كل فلسطيني في بقاع الأرض غير مباح لك الفرح ، وغير مباح لك التعريف بهويتك لأنك لا تملك شهادة البراءة وصك الغفران ، وإن بحثت عنهما ستقابلك في طريقك أعقاب الموت أو التعذيب ولا خيار بينهما . ونمضي ويمضي معنا الشاهد ، ليستمع لقصة حزن بحبر اسود ويسأل السائل ماذا نفعل ؟ إن أردنا معرفة الجواب فاسألوا لاجئي العراق أو لبنان أو حتى غزة ، أو الضفة الغربية عن السبب ، أو أسألوا معالي رئيس وزراء الجنوب ، ومعالي رئيس الوزراء في الشمال ، وأعضاء المجلس الوطني واللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وأمناء وقادة الفصائل والأحزاب ، وأعضاء المجلس التشريعي واللاهثون لحقائب الاستوزار ستجدوا الجواب . أسألوا السكارى متي يستفيقوا ؟!
#سامي_الاخرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
محمود درويش فراقك كفراق وطن
-
انقلاب موريتانيا عسكر وحرامية
-
لماذا أفلت حزب العدالة والتنمية التركي من أنياب المحكمة الدس
...
-
رحلة حياة في مطار الذاكرة
-
دلال المغربي عذرا لقد ظلموك وسلبوا راحتك
-
أين الأحواز يا عرب ؟
-
أثمرت لتهدئة قبل موسم الحصاد
-
حديث عابر مع صديق سوري
-
جامعاتنا جامعات مفاسد وضرار (2)
-
صيف لبنان وشتاء حزب الله
-
سلاح مقاومة ام سلاح مستتر ؟!
-
ستون عام وعام
-
فصائل وقيادات ورقية تتحدث باسمنا في القاهرة
-
السعودية تبتدع حلا لمشكلة الفقر والفقراء
-
انتخابات بيرزيت دلالات ومؤشرات
-
حماس وكارتر ومنظمة التحرير
-
غزة بقعة من فردوس الحياة
-
سخريات من أصحاب الأقلام الثقافية
-
المبادرة اليمنية وقابليتها للحياة
-
قمة دمشق دراما مملة
المزيد.....
-
دول تعلن استعدادها لاعتقال نتنياهو وزعيم أوروبي يدعوه لزيارت
...
-
قيادي بحماس: هكذا تمنع إسرائيل إغاثة غزة
-
مذكرتا اعتقال نتنياهو وغالانت.. إسرائيل تتخبط
-
كيف -أفلت- الأسد من المحكمة الجنائية الدولية؟
-
حماس تدعو للتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية لجلب نتنياهو و
...
-
وزير الدفاع الإسرائيلي يوقف الاعتقالات الإدارية بحق المستوطن
...
-
133 عقوبة إعدام في شهر.. تصاعد انتهاكات حقوق الإنسان في إيرا
...
-
بعد مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت.. سيناتور جمهوري يوجه تحذي
...
-
قادة من العالم يؤيدون قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الا
...
-
معظم الدول تؤيد قرار المحكمة الجنائية باعتبار قادة الاحتلال
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|