|
الأمن الوطني والديمقراطية بين التوافق والتناقض
سعد الكناني
كاتب سياسي
(Saad Al-kinani)
الحوار المتمدن-العدد: 2369 - 2008 / 8 / 10 - 10:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يذكر العديد من الباحثين والكتاب السياسيين بأن موضوع الأمن والديمقراطية , قضيتان متناقضتان ، إذ أن الأمن في تحركه أحيانا" يعصف بقواعد الديمقراطية ، من اجل إن يحقق للأمن الوطني التزاماته ويذكر بعض من الكتاب والباحثين بأن الإرغام على سلوك ومنهج ديمقراطي دون ضوابط معينة ، يعد نوعا" من التسيب والإخلال بألاسس الأمنية للمجتمع من الجانب الأخر... وترى الديمقراطية أن المعتدي الأول على منهجها هو الأمن ورجال الأمن ، ولذلك فالديمقراطية مضطرة أحيانا" لمواجهتهم بشتى الوسائل القانونية المسموح بها دستوريا" إلى أن يقتنع أصحاب الأمن بضرورة الانصياع للأسس الديمقراطية أو أن تقتنع الديمقراطية بأن الأمن هو الذي يوفر للمجتمع وللديمقراطية (نفسها)الاستقرار الذي يمكن تحت لوائه ، أن تنمو الديمقراطية وتزدهر. لاشك بأن هذا الموضوع الحيوي وتلك الحرب الخفية بين الديمقراطية والأمن تكون أكثر ظهورا" في مجتمعات دول العالم النامي ومازال لهذا الموضوع تداعياته وأثاره على المجتمعات المتقدمة ، مثل المجتمع البريطاني والفرنسي أو المجتمع الأمريكي . ولكن بمظاهر وأشكال مختلفة ، وكذلك فأن تطور النظم السياسية والمتغيرات التي حدثت في المجتمعات العالمية في السنوات المنصرمة ، ولاسيما ما حدث في 11ايلول 2001 في الولايات المتحدة ، وما حصل في بريطانيا وفرنسا واسبانيا في عامي 2004، 2005. قد ألقت بظلالها الجديد على هذا الموضوع الذي تناولته اقلام بعض الكتاب والباحثين في العديد من دول العالم. فالمعروف بأن أجهزة الأمن تتطور دائما" عقب حدوث تغيرات سياسية رئيسة ، ولاسيما الحروب ، فالأمن يتطور من الناحية التنظيمية والمسؤوليات الملقاة عليه ويحدث ذلك في اغلب دول العالم ويكون لتلك التغيرات الأثر البالغ على آلية حركة أجهزة الأمن ، وحدث ذلك في روسيا عقب انهيار الشيوعية عام 1991 ، وحدث في الولايات المتحدة عقب أحداث 11 أيلول 2001 ، وحدث في العراق عقب التغير الجوهري للنظام عام 2003 ولكن على العموم ستبقى أجهزة الأمن في كافة دول العالم وفي جميع الظروف مسؤولة دائما" عن حماية النظام الاجتماعي والسياسي إزاء تهديدات البيئتين الداخلية والخارجية ووفقا" للقانون . وتختلف التهديدات التي يتعرض لها امن البلد من دوله لأخرى ومن وقت لأخر ، وعن ذلك يقول احد المسئولين في الأمن البريطاني ((انه كان يسيرا" علينا أن نحدد الأعداء الذين نعمل لمواجهتهم في الحرب العالمية الثانية وبعدها .. أما في الوقت الحاضر فقد أصبح هذا التحديد ليس امرأ" يسيرا".... فمطلوب ألان معرفة من هم الاعداء ؟ وهل ينتمون لجنسية معينة أو لديانه محددة ... ومن يمولهم.. ومن المسؤول عن تحركاتهم داخل البلاد وخارجه .. ومن هذه الأسئلة يمكننا تحديد التوجهات التفصيلية لأجهزة الأمن الخاصة بنا في بريطانيا)). وقد يكون حصر التهديدات الداخلية والخارجية لاية دولة امرا" ممكنا" الا انة يلزم قبل ذلك التعرض لموضوع رئيسي وهو تحديد مفهوما" للأمن الوطني وأسلوب عملة في حماية الشعب والوطن ، وهذا المفهوم يجب ان يكون متوائما" عند الحكومة ولدى الأحزاب السياسية ولدى الأغلبية الكبيرة من الشعب كما هو حاصل حاليا" في العراق والعالم من اتفاق عام لمعالجة الإرهاب وتجفيف منابعه ، كما يلزم التعرض للأسس والاعتبارات الديمقراطية التي يجب ان تراعيها أجهزة الأمن عند قيامها بمسؤولياتها وواجباتها الوطنية ... فهناك خيط رفيع بين ضمان الأمن الوطني والإخلال بمبدأ الحرية والممارسة الديمقراطية فمن جهة هناك أسس ومبادئ عامة يجب ان تلتزم بها أجهزة الأمن في ممارساتها ، مثل احترام القانون وتنفيذ الاختصاصات الأمنية بشكل مقبول ، وعدم الاعتداء على حرية الفرد واحترام حقوق الإنسان ، وهنا تبرز بعض الخلافات ، عند التطبيق العملي لحماية الأمن الوطني بمعنى أخر تبدأ التناقضات بين موضوعي الأمن والديمقراطية . وقد يحدث التناقص أحيانا" بسبب عدم الفهم لمعنى الديمقراطية أو عدم أدراك مفهوم الأمن الوطني ... فالديمقراطية بمعناها البسيط هو (( حكم الشعب )) وقال عنها فيلسوف الحريات العامة ((جان جاك روسو))في كتابه العقد الفريد ((أذا أخذنا تعبير الديمقراطية بمعناه الدقيق ، فأن الديمقراطية الحقيقة لم توجد أبدا" ولن توجد)) وهو يعني ذلك ، لان الديمقراطية لا تشكل مفهوما" ومعنى واحدا" على مدى تأريخ المعرفة الإنسانية لها ولمؤسساتها. إن مفهوم الديمقراطية في الفكر السياسي المعاصر ، يعني الوسيلة لانطلاق كافة قوى الشعب لمواجهة الإخطار التي يواجهها البلد (الوطن) ومن البديهي ان ذلك يتضمن اتحاد كافة القوى (رسمية وشعبية) وكما هو حاصل في أيامنا المعاصرة من اتحاد كافة قوى الشعب العراقي في مواجهة (الإرهاب). إن مشكلة الديمقراطية في المجتمعات النامية ، ليست مجرد قوانين وقواعد دستورية وحقوق وضمانات سياسية ، بل هي مشكلة تخلف في الفهم الصحيح للديمقراطية وما يحدث من تناقض بين الأمن والديمقراطية ، هو تعبير يجسده التخلف في الفهم الصحيح للديمقراطية لان استقرار الدولة ورقيها وتحضرها لايتم بأساليب قمعية اصطناعية ، وإنما يتم بأساليب ردع حقيقة قائمة على نوع الجزاء القانوني الذي يترتب على مهددي الأمن الوطني ، وقضية أخرى مهمة في هذا المجال يتعلق بأهمية موضوع ممارسة أجهزة الأمن الوطني لواجباتها بسرية لأجل إن تكون واجباتها مؤثره ومفيدة ، وعندما يتطلب الأمر إعلانها والاستفادة منها يجب إن لا تتأخر في ذلك وفقا" للقانون . لان النظام المفتوح (الديمقراطية) القائمة على (شفافية الحركة) قد يتعارض وتأدية الأمن لواجباته .. والسؤال المهم في هذا الصدد هو..كيف نطالب أجهزة الأمن الوطني بان لا تكون مقفلة (مغلقة) وان يعملوا في إطار سياسي مفتوح (الشفافية الديمقراطية) بينما هناك مجموعات إرهابية تتحرك في الخفاء وتدير أمورها بسرية مستهدفة بتحركاتها الأمن الوطني للبلد ؟؟..أليس هذا سببا" كافيا"لان يكون لهذه الأجهزة الحق في العمل بسرية تامة..؟؟ كما يجب إن لا ننسى بان إحدى مسؤوليات أجهزة الأمن هي حماية النظام الديمقراطي في البلد ومواجهة التحديات والتهديدات التي تواجه الديمقراطية من أعدائها وحسادها من الارهابين في الداخل والخارج ويصبح الأمن في هذه الحالة حليفا" وراعيا" للديمقراطية .. وهنا نوضح بأن مسؤولية الأمن الوطني لا تنحصر في الأجهزة الرسمية المتخصصة فقط بل يشارك معها قطاعات واسعة من الجماهير الواعية ، ويصبح الشعب في خدمة الأمن الوطني ، كما إن هناك مسؤولية كبرى تلقى على عاتق أجهزة الإعلام ورجالها ، لأنها أجهزة ورجال وأقلام قادرة على إحكام التوازن المطلوب بين الأمن والديمقراطية ، وفي نفس الوقت مطلوب الحذر من السقوط في الخطأ الشائع في استخدام الإعلام ورجالاته من وراء الستار لخدمة هذا الطرف أو ذاك لأنها خدمة لغير الأهداف الوطنية العليا للبلاد . ولان مثل هذه الخدمات، تعد دورانا" حول القانون والدستور والعبث بهما بأيدي الآخرين. وأخيرا" إذا ساد العقل والحكمة والقانون أعمال وتحركات أجهزة الأمن في مسيرتها التامة ، وإذا سارت الموضوعية والواقعية إعمال وتحركات القوى الديمقراطية ، آنذاك يمكن تقليل احتمالات التناقض بين الأمن والديمقراطية . فطالما هناك تفهم وانسجام ورقابة قانونية وإعلامية على ممارسات الأمن والديمقراطية سيكون هناك تقارب وتوافق ، ونضمن بأن تصرفات جميع القوى الوطنية تتم في أطار القانون والمبادئ العامة والحرية وحقوق الإنسان تحقيقا" لمصالح البلد (الوطن) العليا ، لكي نضع البلد في الطريق الصحيح نحو الأمن والاستقرار والرقي والتقدم ويقتنع الجميع بأن ازدهار الأمن هو ازدهار للديمقراطية والعكس صحيح وهكذا يعيش المواطن في مجتمع يتمتع بالعافية والرفاه . كاتب عراقي مستقل
#سعد_الكناني (هاشتاغ)
Saad_Al-kinani#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الديمقراطية في زمن المالكي
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
-
دراسة تحليلية نقدية لأزمة منظمة التحرير الفلسطينية
/ سعيد الوجاني
-
، كتاب مذكرات السيد حافظ بين عبقرية الإبداع وتهميش الواقع ال
...
/ ياسر جابر الجمَّال
-
الجماعة السياسية- في بناء أو تأسيس جماعة سياسية
/ خالد فارس
-
دفاعاً عن النظرية الماركسية - الجزء الثاني
/ فلاح أمين الرهيمي
-
.سياسة الأزمة : حوارات وتأملات في سياسات تونسية .
/ فريد العليبي .
المزيد.....
|