|
صحافة الحقيقة!
حميد طولست
الحوار المتمدن-العدد: 2369 - 2008 / 8 / 10 - 10:17
المحور:
الصحافة والاعلام
الحرية الإعلامية هي عنوان الرقي وميزان درجات الأمم. ولتاريخ الأفكار كما لتاريخ الشعوب حوادث وأطوار تمر فيها تلك الأفكار والآراء متخبطة في سيرها، تصطدم حيناً بما يعيق خطواتها وتندفع حيناً متقدمة إلى الأمام، أو أنها قد تصادف في انتقالها - كما يصادف البدر المنير- سحابة كثيفة تخفي نورها المتألق فتدفن زمناً في طيات الخفاء إلى أن تمر السحابة فتعود إلى الظهور.. ومهما اختلفنا حول سقف الحريات المتاحة في المغرب إلا انه و انصافا للحق فإنها تتمتع بمكانة مرموقة على صعيد حرية الرأي والتعبير، أي أنها بدأت بالفعل تقطف ثمار الإصلاحات السياسية، وهذا في حد ذاته يعتبر واحدا من أهم المنجزات. حيث لم يعد أحد ينكر مبدأ حرية التعبير والنشر، كعمود فقري لحقوق الإنسان، كما أثبتته الإعلانات الدولية لحقوق الإنسان كمبدأ، وأكدته عشرات من مواثيق المنظمات المختصة، لاسيما اليونسكو التي نادت بحق المواطن في الإعلام، وأدانت كل قمع ورقابة ومطاردة للصحفيين، وحبس للكلمة الحرة الشريفة ورصدها بحقد واضح بغية قمعها و تقزيمها ومنعها من ممارسة حقها وتنحيتها عن أداء رسالتها النبيلة في فضح التجاوزات و جعل القارئ في قلب الأحداث. ومع ذلك مازال السجال يثار حول حرية الرأي وحول مدى هذه الحرية وحدودها، وما عليها من التزامات، وما يحيط بها من خطوط حمراء و خضراء وأخرى بلا لون كتلك التي بشر ببعضها وزير العدل الإشتراكي المرحوم بوزوبع والمتمثلة في تحريك مجموعة من المتابعات القضائية في حق الصحف المستقلة بدعوى زرعها اليأس في صفوف المغاربة و المس بالمقدسات الوطنية. إضافة لإنشاء خلايا لمراقبة كل ما ينشر في الصحف الوطنية و الجهوية، و بالتالي خلق مقص جديد للرقابة يجعل كل صاحب قلم حر معلبا داخل حرية صحفية ناعمة وبراقة ومخادعة تخطف الأبصار ولا تعطي إلا نزرا قليلا من السلطة تعويضا عن سلطات أخرى يظل المخزن ممسكا بزمامها وغير راغب في التنازل عنها. ومع كل هذا وذاك، ورغم الحملة العدائية التي تقودها جهات كثيرة غير المخزن تجاه هذه الحرية، والماضية وفق استراتيجية حزبية في انتهاكاتها لحق إبداء الرأي والتعبير، والتي وصلت إلى عقوبة الحبس التي لا تزال تلاحق العمل الصحافي. فإن تاريخ الصحافة في المغرب لم يشهد زمناً أصبح فيه النشر متاحا لعموم الناس مثل أيامنا هته التي تحول فيها الجميع إلى صحفيين وناشرين، بمجرد الحصول على رخصة بسيطة من أي محكمة في أي مدينة، بعدما كان نشر سطرين في صحيفة -بالنسبة للإنسان العادي وحتى أكبر المثقفين-، أقرب إلى المستحيل. و رغم أنه ليس هناك تناسب طردي بين حرية النشر والقراءة، فقد ارتفعت وتيرة الأولى بشكل كبير جدا. ولو كان الفيلسوف الإغريقي سقراط حياً لربما طالب بمنع الغوغاء والرعاع والبسطاء من الصحافة والنشر بكل أنواعه الورقية والالكترونية، تماماً كما دعا إلى منعهم من الانخراط في العملية الديمقراطية، لكونهم – برأيه - أناساً غير جديرين بالديمقراطية لانحدار مستواهم الثقافي والفكري، وكون الديمقراطية، حسب فهمه، من مهام علية القوم من مثقفين ومفكرين وفلاسفة. وكذلك فعل من بعده سبينوزا. لا شك أن نظرة سقراط و سبينوزا إلى العوام فيها الكثير من الأرستقراطية المقيتة التي ترفضها المواثيق العالمية لحقوق الإنسان، و يرفضها الديمقراطيون الحقيقيون رغم أنهم يؤمنون في الآن ذاته بأن الإعلام والتنوير هما أصلاً من مهام المثقفين والعالمين، لأنه "لا يمكن للأعمى أن يقود الأعمى، ولا للفاسد أن يوجه الناس نحو الصلاح". رغم أن تعدد الجرائد الورقية والإلكترونية وتنوعها، شكل سابقة وفتح أفقاً لم يكن ليخطر ببالنا حتى في الاحلام، وغدا نوافذ ضوء في عتمة هذا العصر، و قنادل تفضح ما خلف الدهاليز والأقبية السرية وما تحت طاولات المزايدات في أسواق النخاسة السياسية و مفاتيح تفتح أبواب المستحيل وتردم مستـنقعات الأباطيل وتطير صواب السلطة والمتحكمين في الخبر وانسياب المعلومات، حتى الديمقراطيين منهم. لذا يجب ألا ينفلت هذا الفتح الإعلامي العملاق من عقاله، وهو لم يتنفس بعد الحرية خارج إطار الوصايات والتعليمات المعلبة والفوقية والتي اعتبرت أقصى درجات حرية الرأي، وألا ُيـترك له الحبل على الغارب كي لا يتحول إلى وبال على الناس والصحافة نفسها، لإن حرية الإعلام، تتصل بحقوق الجمهور، والحرية ليست مطلقة، وأن الوجه المقابل لها هو المسؤولية، مسؤولية تبدأ من الضمير الذي يقيم الخبر قبل نشره، ومن مبادئ الامتناع عن نشر المعلومات التي قد يضر نشرها بالحياة الاجتماعية أو سمعة الوطن.. أعتقد أنه آن الأوان أن يتفتق ذهن الديمقراطية، وحتى الديكتاتورية عن ضوابط جديدة لتقنين ميدان الصحافة وضبط وسائل النشر، وعدم تركها لمن هبَّ ودبَّ، يعبث بها وفيها الرعاع والغوغاء والجهلة والمتطرفون والمتعصبون والإرهابيون والساقطون وقراصنة الكلام. يرمون فيها غثاءهم وزبالتهم وقاذوراتهم وأفكارهم المسرطنة والمريضة دون حسيب أو رقيب. وأن يشرع المسؤولون القوانين الملبية للمطلب الحضاري المتماشي بلا شك مع النهج الديمقراطي، والمتعلق بإلغاء عقوبة حبس الصحفي إلغاء كليا بما فيه الحبس الاحتياطي، ما سيعطي بلا شك مساحة أكبر للعمل الصحفي المتنامي بصحفه المتعددة بشكل عام، والذي أخذ في الاتساع والتطور وفي تقديم خدمة صحفية أفضل للمواطن المغربي ممهدا لنمو صحافة جيدة ورفيعة المستوى وشاملة في تناول الكثير من القضايا الحيوية الصالحة التي لا ترقى بالصحافة وحدها بل تصل إلى رقي المجتمع المغربي وتقدمه وتطوره، إضافة إلى تنقية الجسم الصحفي من الكثير من الشوائب العالقة به وإدخاله تحت أضواء ديمقراطية ورقابية سليمة تمكنه من تعديل مساره وتصحح الكثير من الأمور التي تنتشر وراء انعدام الرقابة أو العمل تحت ستار الظلام باسم حرية زائفة.. فقد حان الوقت لأن تأخذ قوانينا مجراها بحق الذين يسيئون – ومن كل الأطراف - لهذا الجهاز التواصلي النبيل. وبالطبع فإنني لا ادعو هنا لفرملة التعدد الإعلامي العظيم، ووضع العصي في عجلته بالمنع والمصادرة. لأنني لست مع المنع، و لست مع القمع، ولا أدعو لإغلاق مكاتب الجرائد وحبس الصحفيين وتغريمهم ما لا يطيقون، فهذا ليس واردا ولن يرد في تفكيري، لأنها قضية مبدئية أومن بها في فضاء مفتوح للرأي وللفكر وللفكرة وللحوار وللسجال السياسي الرصين الملتزم بحضارية حوار المختلفين.. وفيما عداه، فهناك تحفظات شديدة ضد الانفلات بما يشكل من خطر على النسيج الاجتماعي وعلى حرية رأي الفرد المختلف.. فلا يمكن أن يقبل أي صحفي ديمقراطي بحملة يقودها أي كان ضد من يخالفه الرأي من المواطنين بالقذف والتشهير وتشويه السمعة والاعتداء على الخصوصيات، كما لا يمكن لمن يحترم نفسه من الصحفيين أن يرضى لصحافة بلاده، جهوية كانت أو وطنية،أن يعبث بها المارقون باسم الحرية والديمقراطية. فالديمقراطية صنو النظام، وليست انفلاتا، كما يظن بعض أتباع نظرية الفوضوية (Anarchism ) والحرية المنفلتة. فكلنا يعرف أن أجمل ما أنتجته الديمقراطية هو القانون الصارم وتطبيقه بإحكام. فهناك في الديمقراطية الغربية، -التي نتطلع دوما للوصول لبعض ما وصلت إليه في هذا الميدان-، قوانين صارمة ورائعة لضبط الإعلام و مكافحة الفوضى الإعلامية تقاضي على القذف والتشهيرالشخصيين؛ وهناك ضوابط ضد التبشير بكراهية عرق ما، أو دين ما؛ وهناك التزامات أخلاقية مبدئية، سبق وحددتها اليونسكو عن دور وسائل الإعلام في نشر أفكار التسامح، وضد كل أشكال التمييز العنصري، أو الديني، أو التمييز بين الجنسين، وذلك صونا لكرامة الناس والشعوب من القذف والتشهير وتشويه السمعة والاعتداء على الخصوصيات. فحرية الصحفي المطلقة، في حقل يعتبر من اشرف الأعمال وأكثرها نقاء. هي مسؤولية الكلمة، والدقة في توخي الصدق والتركيز على المصلحة العامة للوطن والمواطنين. وتبعا لذلك يبقى الواجب على كل عامل في هذا الحقل أن لا يغريه ما يسمى "بالسبق الصحفي" فيسارع إلى نشرأي خبر في صحيفته، قبل إن يحصل على الأدلة القاطعة الواضحة حتى لا يوقع نفسه في مسؤولية النشرالمغرض، ويخسر مصداقيته التي تعتبر ركنا أساسيا في العمل الصحفي، تلك المصداقية التي تحقق لح الاحترامه في محيطه المحلي و الجهوي و على الصعيد الوطني. فمن واجب العامل في مهنة المتاعب الشريفة ألا يستغل حرية الصحافة لمصلحته الخاصة أو لمصلحة أخرى غير مصلحة النزاهة والصدق والوطنية، وألا يستغل الحرية في إطلاق الاتهامات غير المبررة وغير الصحيحة ضد من أراد، ففي ذلك خيانة لشرف المهنة وإساءة لحرية التعبير والصحافة باعتبار أن هذه الحرية هي أهم واخطر الحريات في المجتمع ولذا يعتبر المساس بها وانتهاكها مؤشرا وتوطئة لانتهاك بقية الحريات الأخرى. فاعتراض طريق الصحافة، بالعبث بها أو بمنعها من أداء رسالتها أو بتقيَدها بالقوانين والتوجيهات المراقبة والمحتكرة للمعلومة بحجبها أو بتعطيل انسيابها، هو انتهاك لحرية المجتمع، إن حرية التعبير المكفولة دستوريا، حق للمجتمع يجب أن نعض عليه بالنواجذ ونهيئ الطرق والوسائل لتعزيزه ودعمه بكل الوسائل من اجل رفع الغبن عن مهنة ليست طرفا في نزاع ما، وليست إرهابيا يروع العالم، ولا تمتلك سلاحا كيماويا ولا جرثوميا ولا نوويا، فكل ما لديها هو سلاح اسمه الحقيقة كل الحقيقة التي يبحث عنها كل واحد منا وهته هي الصحافة ،صحافة الحقيقة!
#حميد_طولست (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
°°° كثرة المهرجانات تبديد للمال العام
-
°°°الوصايا العشر الموصلات لمجلسي النواب والمستشارين
-
°°°الشذوذ الجنسي.. أسبابه وهل له علاج؟
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
السوق المريضة: الصحافة في العصر الرقمي
/ كرم نعمة
-
سلاح غير مرخص: دونالد ترامب قوة إعلامية بلا مسؤولية
/ كرم نعمة
-
مجلة سماء الأمير
/ أسماء محمد مصطفى
-
إنتخابات الكنيست 25
/ محمد السهلي
-
المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام التقليدية في المجتمع.
/ غادة محمود عبد الحميد
-
داخل الكليبتوقراطية العراقية
/ يونس الخشاب
-
تقنيات وطرق حديثة في سرد القصص الصحفية
/ حسني رفعت حسني
-
فنّ السخريّة السياسيّة في الوطن العربي: الوظيفة التصحيحيّة ل
...
/ عصام بن الشيخ
-
/ زياد بوزيان
-
الإعلام و الوساطة : أدوار و معايير و فخ تمثيل الجماهير
/ مريم الحسن
المزيد.....
|