محمود القبطان
الحوار المتمدن-العدد: 2368 - 2008 / 8 / 9 - 05:38
المحور:
حقوق الانسان
المحطة الأولى:
قرر المغترب الذي يعيش بعيدا عن أهله السفر إلى العراق بعد أن ضرب الحنين فيه أشواطا بعيدة وبعد أن مضى على زيارته الأخيرة 5 سنوات,وان كانت السفرة غير مخططاً لها.نزل أول الأمر في إحدى دول أوروبا الشرقية.وهو في طريقه إلى إحدى المحال التجارية استقل المترو,وفي هذه الأثناء شاهد ملصقا وعليه علم العراق بشكل قطرة دمع او نفط ,هكذا كان الرسم .فأجتاح هذا المغترب نوعا من حب الاستطلاع,فسأل رفيقه عن هذا البوستر وما دخل العلم العراقي هنا إلا اللهم إذا كان الهدف كشف النفاق الأمريكي وبكائهم على العراق عبر النفط فسوف أكون قد فهمت فكرة البوستر.فلم انتظر طويلا لأعرف النص الذي يبين أرقام عن القتل والاغتصاب,ولم استغرب بهذا لاسيما والملصق البوستر قد أشرفت عليه وزارة الإعلام وقد تبنته إحدى المنظمات الإنسانية,ولكن ما أثار ألمي الكذب الذي الصق بالنص وهو الأخطر الذي يقول إن عمليات الختام للنساء في العراق بلغت 60 إلى 70% .المغترب ذهل من هذا الافتراء الذي لم يستند على أية حقيقة ولكن السؤال من أين أتوا بهذه الكذبة ومن يروجها ولماذا؟وهذا الملصق كان في أكثر من محطة مترو وقد يمر عشرات العراقيين من أمام هكذا بوستر .
في هذه الدولة الديمقراطية الجديدة في أوروبا الشرقية يتواجد العراقيون بنسبة لا باس بها وقد شكلوا عدة منظمات لحقوق الإنسان او لمتابعة طالبي اللجوء واتحاد الجالية العراقية وربما هناك أكثر من منظمة أخرى,وسؤالي أوجهه لهم .أيها الأخوة الم تشاهدوا هذا البوستر المعيب والذي يتحدث عن ختان النساء في العراق الذي لم يحدث في يوم من الأيام في اشد الأرياف تخلفا,أين السفارة العراقية من هذا الحدث الذي تزاحم المتنافسون على العمل فيها لشغل أي منصب من فراش وحارس إلى وظيفة السفير, ولكن هكذا كذب لم يحرك في الجالية أية امتعاض حتى ناهيك عن الاحتجاج!
المحطة الثانية:
وصل المسافر إلى سوريا وإذا به يرى عالما أخر يختلف كليا عما رآه لحد ألان.الكل تريد أن تتجاوز على الوقوف بانتظام,الكل يصيح الأطفال في بكاء لا ينقطع,الجندي يحاول الابتزاز وأكداس من الأوراق الزرق والوردي المخصص للعراقيين,معظم المسافرين لا يكتبون وان كتبوا فلا يحملون أقلاما,هرج ومرج.يقف صاحبنا أكثر من 1,5 الساعة ثم يأتي الجواب أين الكارت؟ يرجع يكتب الكارت وإذا بجندي يخبره انك عراقي الأصل ومهما كان جوازك عليك إملاء الكارت الوردي.يملا المسافر الكارتين ,وانتظار 1,5 ساعة أخرى ثم يصل إلى شباك الفرج.يرمى الكارت الأزرق, وتبدأ الأسئلة الاسم والأب والكنية ومن أين لك هذه الكنية لماذا غير مثبتة في الجواز وبعد أن يخبرهم أن المعلومات في كارت العراقيين مثبتة بالعربي ليس كما في الجواز وتمشي الأمور وإذا بمسافر أخر عنده نفس الجواز طلبوا منه الكارت الأزرق.على كل حال الأمور أسهل بما لا يقاس عما يجري للعراقيين في الأردن من إهانة والتأكيد على الأسماء الشيعية.سعر الفيزة للأجنبي 27 دولارا وللعراقي 50 دولارا.قيل إن ثلثي ميزانية سوريا للتسليح,ومع ذلك ترى البناء والأعمار على أشده وأما الزراعة والخضار الذي تتمتع به هذه الدولة الجارة للعراق والتي لا تملك أعشار ما يملكه العراق , فتراه على مد البصر منذ أن يخرج المسافر من دمشق باتجاه اللاذقية وكسب,وهناك يرى المسافر عمل الإنسان الدءوب وفي كل شبر من هذه الأراضي.لم يرى هذا المغترب بيوت من الصفيح أو الطين ولمدة 3 أيام من سفرة سياحية,لم ينقطع الكهرباء إلا مرة واحدة لمدة ساعتين خلال أسبوع من تواجده هناك.
المحطة الثالثة:
اثنا المغادرة من مطار دمشق إلى بغداد من صالة الحجاج ,فليس هناك أقذر من هذه القاعة,مع المعاملة غير اللائقة بعد دفعة ابتزاز مؤلمة,تدافع على الكراسي المرقمة أصلا,أوقات الطائرات العراقية لا تخضع للقوانين العالمية أو الإنسانية,على قاعدة كل شيء قابل للتغيير.ليس من تقيد أو رقابة على المسافرين,إحدى المضيفات قالت إن طائراتنا أمينة لا يحدث معها أية حادثة,جوابا على سؤال المغترب حول استعمال التلفون الخلوي أثناء التحليق.بالمناسبة الطائرة مستأجرة من الطيران السوري ومن النوع القديم أما طاقم الحماية فهم من التيار الصدري!!المطار الجميل جدا في استقبال المسافرين والفيزة للمغترب بسعر 1250 دينار عراقي فقط!!أي بما يساوي دولارا واحدا فقط.بغداد مغلقة من الجوانب بجدران الكونكريت,يلاحظ المغترب انتشار كبير للشرطة والجيش,لا يلاحظ الإنسان أي عمل استفزازي من قبل هذه القوات.المؤلم إن القوات الأمريكية لها قوانينها الخاصة بها.لا يمكن لأية عجلة تجاوزهم,سيارات مظللة مع سيارات الحماية لا تنقطع اثنا النهار والأسلحة من شباك سيارات المرافقين مثبتة لكن الأمر للعراقيين أصبح أكثر من منظر عاد يومي.طائرات الهليكوبتر الأمريكية لا تنقطع من الطيران على طول ساعات اليوم ال24.شارع أبو نؤاس في طريقه لان تعود الحياة له.كان فيه احتفال الشيوعيون العراقيون لمناسبة العيد الذهبي لثورة 14 تموز.اشترى الزائر كتبا لم يستطع اقتنائها من قبل,وهذا كنزه الجديد.حدث أن ذهب إلى وسط بغداد إلى الباب الشرقي واقتنى كنزه الجديد عله يعوض بعض الشئ مما فاته من الكثير من الأدب والعلوم الأخرى .في يوم أخر قرر أن يذهب إلى شارع الرشيد وشارع المتنبي.لم يعد شارع الرشيد كما كان وكتل بشرية وكونكريتية لم يعهدها من قبل,الباعة انتشروا على كل الشارع ,قوات الأمن منتشرة وبشكل مكثب يبعث على الطمأنينة لمن يبيع ويتسوق هناك.رأى المغترب بناية بيت لنج وقد تآكلت بعد أن كانت إحدى معالم شارع الرشيد أما بناية البلداوي فأصبحت هيكل مهمل,فحركت يديه الكاميرا ليأخذ صورة وان كانت مؤلمة لهذه البناية وما اخذ الصورة الأولى إلا وطوق من قبل قوات الأمن والشرطة مع أسلحتهم.وبعد أن جرد من الكاميرا والجواب على أسئلة رجال الأمن أعلمهم انه مغترب ولم يرى شارع الرشيد منذ أكثر من ربع قرن,وبعد فحص الصور كانوا في غاية الأدب واللياقة والاعتذار ارجعوا الكاميرا ,لكنه لم يأخذ صورا لتمثال الشهيد عبد الكريم قاسم حيث ينتصب منذ العام الفائت في المكان الذي حاول فيه جلاوزة البعث أن يغتالوه وبعد شفائه قال حكمته المشهورة عفى الله عما سلف .وكانت الفكرة أن يصور التمثال الجميل وحيث كانت قبل أيام احتفالية اليوبيل الذهبي لثورة تموز المجيدة من قبل مدنيون ديمقراطيون وفي هذه الاحتفالية قالوا أنهم شكلوا قائمة مشتركة لانتخابات محافظة بغداد,الناس ,الشارع ينتظر هذه الانتخابات بلهفة.لم استطع أن التقط صور للتمثال لان قوات عسكرية مكثفة كانت بالقرب من موقع التمثال ولم أكن في مزاج أن أقع في فخ أخر. وبمناسبة العيد الذهبي لثورة تموز استبدل اسم شارع 14 رمضان إلى شارع الزعيم الشهيد عبدا لكريم قاسم. زار المغترب هذا أكثر من مكان في بغداد والنجف فكانت الطرق مؤمنة جدا مع بعض التكثيف العسكري الضروري.التصحر كبير و خطير في العراق.الوعي الصحي متدني جدا,المدن مهملة جدا بالرغم من حملات التنظيف السطحية جدا.بيع البنزين مازال في الشوارع وبأسعار عالية وغيرنقي.
مشروع إضاءة الشوارع الرئيسية لبغداد بالطاقة الشمسية بدأ العمل فيه وقد أضئ قسم كبيرا من بغداد
بهذا النوع الجديد من التنوير وقد غابت العتمة الكاملة من بغداد والعمل جاري ومستمر ويشاع إن الوزارة المعنية تنوي إضاءة الشوارع الفرعية أيضا.وخرجت من بغداد حيث كان الطريق السريع مؤمن من قبل رجال الشرطة والجيش.لكن المغترب انتظر 15 ساعة كاملة قبل أن تفتح الحدود أمام الجموع الهائجة المتعبة ولم يعرف السبب لهذا الإغلاق وكل سائق يفسر حسب المزاج أما المسافرين فلا حول ولا قوة لهم إلا الانتظار الممل تحت رحمة الشمس الحارقة وفد نفذ الماء والأكل إلا ما تفضلت به قوات حرس الحدود من تقديم الماء لأكثر من ألف مسافر.وبعد عناء الانتظار لمدة 3,5 ساعة في انتظار الخروج إلى الحدود السورية يقع المسافر في مطب الابتزاز السوري والدفع العلني ,الرشوة, بالإضافة إلى رسوم الفيزة. والمضحك والملفت للنظر إن الشعب العراقي أصبح كله من التجار درجة أولى مع هوية مصدقة تثبت ذلك لكي يتسنى للعراقي المسكين إن يدخل أبواب الجنة إلى سوريا, والهوية سعرها 100 دولار فقط لا غير,ويمكن تصور المهزلة المؤلمة والمضحكة معا عندما يكون الباص مع 40 تاجر مرة واحد وهذا حال كل السيارات التي تصل سوريا.متى يستطيع العراقي ان يسافر وبجواز تحترمه كل دول العالم؟
المحطة الأخيرة:
رجع العراقي المغترب إلى وطنه الثاني و باشر عمله.اتصلت به سيدة من عراقه تطلب موعدا لولدها بسبب الم في رجله منذ أسابيع,وبعد الاستفسار عن الم ولدها قالت إن أصيب به منذ إن كان المالكي في السويد .شر البلية ما يضحك!!
ملاحظة:المغترب لم يكن غيري انا.
#محمود_القبطان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟