أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 2-3















المزيد.....

في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 2-3


قاسم حسين صالح
(Qassim Hussein Salih)


الحوار المتمدن-العدد: 2368 - 2008 / 8 / 9 - 10:15
المحور: المجتمع المدني
    


ثالثا": حوادث النهب والفرهود.
تعرضت بغداد الى اكثر من عشرين حادثة نهب وفرهود ، لكن اوجعها في تاريخها الحديث ما جرى في اسبوع اسقاط النظام السابق ، 9 نيسان 2003 .
ولا يعنينا هنا الحديث عن اسباب النهب الجمعي البشع لممتلكات الدولة والناس ، فقد تناولناها في موضوعات سابقة ، انما الذي يعنينا هو المعطى السيكولوجي لهذه الاحداث المتعلق بالفساد المالي تحديدا" .
يتوزع الناس في كل الصفات عادتا" على شكل منحنى اعتدالي ، بمعنى ان القلّة منهم تكون في طرفي المنحى الطبيعي والكثرة منهم في الوسط . ففي صفة الذكاء مثلا" يكون القلّة من الناس عباقرة يقعون في طرف قبابلهم في الطرف الاخر قلة من الاغبياء جدا" فيما الكثرة تكون في وسط المنحنى من ذوي الذكاء المتوسط وما حوله . وقل الشيء نفسه فيما يخص قيمة " الحلال والحرام " . فالقلة من الناس لا تقرب الحرام حتى لو توافرت لهم الفرصة للاخذ شيء ثمين كالذهب ، تقابلها قلّة من الناس لا تحلل ولا تحرّم ، فيما الكثرة منهم يقعون بالوسط ، بمعنى ان بينهم من يرتكب السرقة ، الاختلاس ... اذا امن العقوبة ، وبينهم من لا يرتكبها خوفا" على اعتبارهم الاجتماعي، واخرون لايرتكبونها الا عندما يطرقون السبل المشروعة للحصول على الرزق الحلال ، وتغلق الابواب بوجوههم فيضطرون الا ان يسلكوا سبيل الحرام . وهكذا هم الناس يتفاوتون في " قوة الضمير " ، ووضع كهذا يشير الى ان المنظومة القيمية للمجتمع تكون في حالتها الطبيعية .
وبوصفي شاهد عيان لما حدث من اعمال نهب وفرهود في مدينة بغداد اثناء سقوط النظام حيث كانت شقتي بموقع استراتيجي ( مجاور وزارة الحكم المحلي ، وقابل وزارة العدل ، قريبا من مبنى مؤسسة الاذاعة والتلفزيون ووزارة الثقافة والاعلام وفندق منصور مليا والمتحف العراقي وثلاثة فروع لمصرفي الرشيد والرافدين ومبنى الرقابة المالية ومركز صدام للفنون ) فقد بدأ اعمال النهب " في 8 نيسان قبل السقوط بيوم " نفر قليل كانوا من محترفي السرقة ومجرمين اطلق سراحهم بعفو قبيل بدء الحرب ، ثم اخذ الناس يتكاثرون تدريجيا" حتى صاروا في التاسع والعاشر من نيسان جموعا" .
والتفسير السيكولوجي للحالة التي يتحول فيها فعل نهب ممتلكات الدولة والناس من افراد الى جماعات و حشود ، هو ان بين المتفرجين مترددين دخلوا وهم يراقبون المشهد في حوار مع النفس ( ينهبون ام لا ينهبون ؟ ) ولان المنهوبات كانت مغرية : اكياس من الدنانير ودفاتر دولارات تنقل الفرد من الحضيض الى مستوى الرفاهية ، فانهم خرجّوها بقولهم : (ما دام الناس كلهم " هكذا بصيغة التعميم ! " يقومون بهذا العمل فهذا يعني ان العمل ليس حراما" ، أو ان الحساب عليه يكون خفيفا" ). وهذا ما اسطلحنا على تسميته ( فتوى الشارع ) التي من خصائصها انها تنتقل بعدوى نفسية وتنتشر بشكل سريع في السلوك الجمعي بتبريرات تبيح اخذ الملكية العامة وتضعف الشعور أو تلغيه بان هذا الفعل حرام .
ولقد اطلق على تلك الجماعات من الناهبين والمفرهدين مصطلح " الحواسم " تداول بعدها العراقيون مسحة لها دلالة تقول : بعد مرور سنة على الحواسم وشراء عدد منهم شقق في عواصم دول عربية ، ظهرت فئة من العراقيين اطلق عليها مصطلح " النوادم " تعني انهم ندموا على فرصة اضاعوها !. والمفارقة انه يوجد حاليا" في بغداد عمارات يطلق عليها الحواسم بناها اصحابها من سرقة البنوك . ولا ندري ان كان الناس يتداولون هذا المسمّى من باب التباهي بالشطارة ام تذكير لكبار المسؤولين بالسلطة بان الفساد يعلن عن نفسه متبخترا" وانتم عنه ساكتون .
والنتيجة التي نخلص اليها هي ان اعمال النهب والفرهود اذا وصلت الى الحد الذي تنهب فيه جموع من الناس الممتلكات العامة والخاصة فان الامر يفضي الى ان تضعف قيمة " الحلال والحرام " ويتخلخل " الضمير الجمعي للناس" ، ويعمد عدد من الافراد الذين يتولون مراكز مسؤولة بالحكومة الى ممارسة الفساد ، ويشيع بين اخرين حين تكون السلطة قد تهاونت في محاسبة من نهبوا الوطن والناس .
يضاف الى ذلك ما تلا اعمال النهب من اشعال الحرائق . فبعد اربعة ايام ، وتحديدا" في 12 نيسان 2003 شهدت بعيني اشتعال النار في الطابق العلوي من بناية البنك المركزي العراقي ، والركن الايسر الارضي من مبنى وزارة العدل ، ومبنى الاذاعة والتلفزيون ، ومبنى وزارة الاعلام ، ثم كانت الحرائق اينما ادرت وجهي في سماء بغداد .
والنتيجة السيكولوجية الناجمة عن هذا الفعل هي ان اعمال الحرائق اضعفت او الغت قيمة احترام " الملكية العامة " في المنظومة القيمية التي تحكم السلوك ، واسهمت في قبول الفساد واشاعته بين من تخلخلت منظوماتهم القيمية والذين عصفت الاحداث بضمائرهم.

رابعا .غياب الأنموذج القدوة
على مدى أربعة عقود ، لم يظهر في السلطة التي حكمت العراق مسؤول ينظر له الناس نظرتهم الى عبد الكريم قاسم بوصفه انموذجا قدوة في النزاهة . فرئيس النظام السابق " صدام حسين " أنفق جزءا كبيرا من أموال الشعب في بناء قصور خرافية . وأخذ المال اغتصابا يعد فسادا ماليا واداريا . فرئيس الجمهورية ليس أكثر من موظف في الدولة له راتب محدد وامتيازات محددة.
والمفارقة ، أن رئيس الدولة الذي يتسبب في حصول كارثة لشعبه ينبغي عليه ، في الأقل ، أن يواسي الناس ويداريهم ، غير ان صدام حسين استمر يزيد في بناء قصوره ، فشكّل بذلك " انموذجا " للفساد المالي والاداري ، وراح يعيش حياة الرفاهية غير مكترث بشقاء العراقيين وبؤسهم الذي كان هو سببه .
وجاء المسؤولون الكبار في النظام الجديد فلم يظهر بينهم من يمكن عدّه " الأنموذج القدوة " ، بل أن كثيرين منهم توزعوا بين من اختلس أموالا طائلة في اثناء توليه السلطة وهرب بها او هرّبها خارج العراق ،وبين من صار يتقاضى رواتب وامتيازات اكثر مما يستحق ، فراتب رئيس مجلس النواب – في سبيل المثال – خمسة وستون مليون دينارا في الشهر !.
وبهذا الاجراء تكون السلطة الجديدة قد ادخلت اسلوبا جديدا في الفساد نصطلح على تسميته ب ( الفساد الشرعي ) بأن " شرعنة " الفساد بقانون يمنح المسؤول الكبير في السلطة راتبا وامتيازات ما كان يتقاضى نظيره في النظام السابق حتى ولا نصفها . وبهذا تكون السلطة الجديدة قد ارتكبت نفس خطيئة النظام السابق بأن خلقت ايضا فئة جديدة من الأغنياء بثراء سريع فيما العامة من الناس يعيش اكثرهم حالة الفقر والبؤس .
وحصل أن شعر المسؤولون الصغار في السلطة الجديدة بالحيف بسبب الفرق الكبير بين رواتبهم ورواتب وامتيازات المسؤولين الكبار الذين يعملون معهم ، فتوزع كثير منهم بين من تواطأ مع مسؤول كبير " مفسد " لتسهيل الأمور واقتسام الغنائم ، وبين من اعتمد على طريقته الخاصة في الفساد .
وقضية أخرى هي أن المسؤولين السياسيين في الأحزاب الكبيرة بالعراق صاروا يملكون عقارات و " مولات " وشركات ومحلات تجارية كبيرة ..فخلقوا بذلك قناعة لدى العراقيين بأن السياسة عندنا ليست " فن ادارة شؤون الناس وخدمتهم " انما وسيلة للحصول على الثروة ..وأن هذه الوسيلة غير نزيهة .
والمعطى السيكولوجي لما حصل ، أن غياب الأنموذج القدوة للنزاهة في السلطة يفضي الى افتقاد الناس من يقتدون به . وحين لا يوجد " مثل أعلى " للنزاهة فان التزام الناس بقيمة النزاهة يضعف . وقديما قيل : " كيف يكون الراعي ..تكون الرعية " . ولقد ابتلي العراقيون " براعي " أفسد التصرف بأموالهم الطائلة ، وحين ولّى ابتلوا " برعاة "خلفوه ..أثروا بفساد " شرعنوه " وصاروا في نهمهم للمال مثل جهنم : يسألونها هل امتلئت تقول هل من مزيد . . فزادوا في افساد أخلاق الموظفين والناس ايضا .
واذا كان النظام السابق احتكر المسؤوليات الأدارية لمنتسبي حزب البعث وعشيرة رئيس النظام ، فان السلطة الجديدة تقاسمت هده المسؤوليات بحصص أشاعت الفساد الاداري بحالة جعلتها تبدو مبررة لواقع حال على اعتبار أن لكل حزب حصة وأن له الحق بالتصرف بها كيف يشاء ، وعلى طريقة " أسكت وأنا أسكت ".
وثمة عاملان سيكولوجيان هنا ، الأول : ان معظم المسؤولين الكبار في السلطة الجديدة يتحكم بهم ( قلق المستقبل ) والخوف من المجهول فيحتاطون له بأساليب مشروعة وغير مشروعة "ومشرعنة". والثاني : اعتقادهم بأن وفرة المال تمكنهم من البقاء في السلطة .

خامسا :الاحتلال
تؤكد التقارير ، الرسمية والصحفية ، الصادرة من داخل امريكا ان عددا من الشركات الامريكية العاملة بالعراق مارست وما تزال عمليات فساد مالي كبيرة لاسيما تلك المرتبطة بنائب الرئيس الامريكي دك تشيني . واذا كان بعض المسؤلين ورجال الأعمال العراقيين قد مارسوا فسادا ماليا فان المفسدين الامريكيين علّموهم وجرؤّهم على ممارسة عمليات فساد ما كانوا ليجرؤا عليها بمفردهم .
والمعطى السيكولوجي الذي احدثه الاحتلال لدى عدد من المسؤلين والموظفين ورجال الاعمال العراقيين ان لسان حال الواحد منه صار يقول : " ما دام المحتل ينهب العراق وليس له من رادع ..فلماذا لا أنهب أنا وطني. "
ولقد خلقت سلطة الاحتلال اجواء نفسية شجعت على اشاعة الفسادين المالي والاداري ..والسياسي ايضا .فمع الاحتلال جاء الارهاب ، وكاد أن يتحول الاحتراب الطائفي بين السّنة والشيعة الى حرب أهلية ، وتحولت الحياة الى فوضى ، وصار الناس لا يأمنون يومهم ويتوقعون الشر في غدهم .
وفي أجواء نفسية كهذه فان الناس تسيطر عليهم سيكولوجية " الحاجة الى البقاء " التي من خصائصها أنها توجه سلوكهم نحو اية وسيلة تساعدهم على البقاء حتى لو كانت غير مشروعة . وكان الفساد المالي هو الوسيلة التي مارسها عدد من العراقيين في موقع المسؤلية ، فيما كانت السرقة وسيلة من ليست لديهم وظيفة ، من المتذرعين بمقولة " الضرورات تبيح المحظورات ".
وما دام الاحتلال باق فان كل أنواع الفساد ستبقى .






#قاسم_حسين_صالح (هاشتاغ)       Qassim_Hussein_Salih#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 1-3
- دور وسائل الاعلام في اشاعة ثقافة تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة
- هيئة النزاهة تستخدم جهاز كشف الكذب
- الشخصية العراقية ..وسيكولوجيا الخلاف مع الآخر
- الاتفاقية العراقية الأمريكية ..وسيكولوجيا الورطه !
- نحو بناء نظرية في الابداع وتذوق الجمال في العالم العربي (الح ...
- في سيكولوجيا الدين والتعصب
- دروس من 9 ابريل / 4- العراقيون ..وسيكولوجيا الانتخابات
- دروس من 9 أبريل 3- تبادل الأدوار بين السنّة والشيعة
- دروس من 9 أبريل- تحليل سيكوسوسيولوجي
- دروس من 9 أبريل / 1- سيكولوجية الاحتماء
- الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة /مدخل لثقافة المص ...
- الكراهية والتعصب..واذكاء الشعور بالمواطنة(مدخل لثقافة المصال ...
- الكراهية والتعصب..واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المصا ...
- الكراهية والتعصب ..واذكاء الشعور بالمواطنة (مدخل لثقافة المص ...
- دور وزارة التعليم العالي ....
- مؤتمر الخدمات النفسية والرعاية الأساسية عقب الكوارث ، الرؤى ...
- حوار مع فرويد - 5
- حوار مع فرويد -4
- حوار مع فرويد -3


المزيد.....




- كاميرا العالم ترصد خلوّ مخازن وكالة الأونروا من الإمدادات!
- اعتقال عضو مشتبه به في حزب الله في ألمانيا
- السودان.. قوات الدعم السريع تقصف مخيما يأوي نازحين وتتفشى في ...
- ألمانيا: اعتقال لبناني للاشتباه في انتمائه إلى حزب الله
- السوداني لأردوغان: العراق لن يقف متفرجا على التداعيات الخطير ...
- غوتيريش: سوء التغذية تفشى والمجاعة وشيكة وفي الاثناء إنهار ا ...
- شبكة حقوقية: 196 حالة احتجاز تعسفي بسوريا في شهر
- هيئة الأسرى: أوضاع مزرية للأسرى الفلسطينيين في معتقل ريمون و ...
- ممثل حقوق الإنسان الأممي يتهرب من التعليق على الطبيعة الإرها ...
- العراق.. ناشطون من الناصرية بين الترغيب بالمكاسب والترهيب با ...


المزيد.....

- أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال ... / موافق محمد
- بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ / علي أسعد وطفة
- مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية / علي أسعد وطفة
- العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد / علي أسعد وطفة
- الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي ... / محمد عبد الكريم يوسف
- التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن ... / حمه الهمامي
- تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار / زهير الخويلدي
- منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس ... / رامي نصرالله
- من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط / زهير الخويلدي
- فراعنة فى الدنمارك / محيى الدين غريب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - المجتمع المدني - قاسم حسين صالح - في سيكولوجيا الفساد المالي والاداري 2-3