|
كيف تصبح كاتبا مبدعا: الفصل الأوّل
عزالدّين بن عثمان الغويليّ
الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 10:12
المحور:
الادب والفن
في هذه السّلسلة سأقدّم لكم مختلف النّظريّات الأدبيّة ومختلف الأدوات التي تساعد كلّ شخص طموح إلى الكتابة والإبداع. وسأهتمّ بالرّواية والقصّة القصيرة وبنظريّات النّقد الأدبيّ فقط.
توطئة:
في كلّ البلدان الغربيّة تدرّس في المعاهد والجامعات مادّة اسمها "تعليم الإبداع الأدبيّ" Creativity فهل يمكن فعلا تعلـّـم الخلق والإبداع الأدبيّين؟ والجواب في غاية البساطة: إذا كان المرء يمتلك موهبة وخيالا ولا يعرف أساليب الكتابة وتقنيّات الأشكال الأدبيّة فإنّ بإمكانه أن يتعلـّـم طرقا عديدة وأساليبَ بواسطتها يصوغ ما تجود به قريحته وما يتلجلج في خياله من أفكار في شكل أدبيّ معيّن. فالكتابة تفكير وخيال ووجهات نظر وفلسفات تصدر عن "باثّ" تجاه "متلقّ" أو تجاه جمهور من "المتلقـّـين"، والأدب بناءات مختلفة لكلّ منها أسس وأعمدة تمسك ذلك البناء ومحتويات يتضمـّـنها ذلك البناء. لقد ذكرت الموهبة والخيال في إجابتي على السّؤال الذي طرحته أعلاه، فهل أنّ بعض النـّـاس فقط يمتلكون الموهبة والخيال، وهم الكتـّـاب، أم هل أنّ كلّ شخص يمتلكهما؟ الجواب على هذا السّؤال يكون بنعم، فأرجو ألاّ تندهشوا. كلّ ما في الأمر هو أنّ الشـّـخص لا يدرك أنّ له موهبة وقدرة على الإنشاء ويظلّ غافلا عن هذه الحقيقة، ولكنّ قواه العقليّة وقدراته الذّهنيّة سجينة أو نائمة، وكلّ ما يفعله مدرّس الإبداع الأدبي هو أن يوقظ تلك القوى الكامنه فينا. وفي هذا الصّدد أشير منذ البدء إلى أنّ تلك القوى الذهنيّة موجودة أيضا إلى جانب قوى أخرى "روحيّة" في طبيعتها تتمثـّـل في الإحساس والعواطف والتـّـفاعل النـّـفسي مع الواقع الذي يفجـّـر تلك الأحاسيس والعواطف ويجعل الكاتب يبتدع عالما من الخيال تتدافع فيه الأفكار والمعاني. العقل، إذا، وعاء للذّهن والرّوح وعاء للعاطفة، واللـّـغة وسيلة لتشييد البناء الأدبيّ.
الفنـّـانون بأنواعهم، من رسّامين وسينيمائيّين وأدباء، وغير الفنـّـانين، من محامين وقادة أحزاب ومدرّسين، يدرسون طرق الإبداع، وكلّ شخص يدرسه أكان بنـّـاء أو مهندسا أو طبـّـاخا أو سائقا، لأنّ عمليّة العيش نفسها إبداع وفنّ. ثمـّة ناس يعيشون في روتينيّة ويتصرّفون بنفس الطـّـرق ويتعاملون مع النـّـاس بنفس الطـّـرق، وثمـّـة أناس آخرون يرغبون في أن يبدعوا في أساليب حياتهم وفي طرق تعاملهم مع النـّـاس وذلك عبر ممارسة ما أسمّيه "الإبداع في طرق العيش" الذي هو أكتشافٌ وإعادة اكتشاف للقوى الإبداعيّة الكامنه في كلّ فرد. المدرّس مثلا عندما يكتشف أنّ بإمكانه أن يبدع في طرق تدريسه قد يجدّد في تطبيق مناهجه البيداغوجيّة وينشئ بالتـّـالي أجيالا من المتعلـّـمين تحبّ الإبداع. ألم يحثـّـنا "المبدع العظيم" وهو الله على التـّـأمـّـل والتـّـدبّر والتـّـبصّر؟ فلماذا لا نمارس الإبداع ونجرّب الفكرة التي دعوت إليها وهي أن نضطلع بعمليّة تحرير قوانا الذّهنيّة والرّوحيّة وإطلاق العنان إليها لكي تحلـّـق وتسموَ وترتقي؟
كلّ النـّـاس يقولون إنّ الأدب فنّ، ولكنـّـهم لا يدركون أنّ الطـّـريق التي يسلكها الكاتب إنـّـما هي طريق روحيّة فإبداعه ممارسة لقواه الذّهنيّة والرّوحيّة على السّواء. وأمـّـا الوسيلة التي تساعد كلّ شخص في عمليّة الإبداع فهي المطالعة أوّلا ثمّ التـّـفكير والإحساس ثانيا، فكونوا، أيـّـها القرّاء العرب، منفتحين على إبداعات الغير لأنـّـها تجارب يصنعها الواقع المُلهمُ، كما ألمحتُ، ويشكـّـلها التـّـفكير والتـّـأمـّـل والإحساس، والإنفتاح يستدعي التـّـسامح. النـّـصّ عبارة عن "حقول دلاليّة" تتمثـّـل في كلّ المعاني والإيحاءات والأفكار التي نفهمها من خلال عمليّة فكّ الرّموز الكتابيّة، إلاّ أنّ الشـّـيء الذي لا يدركه النـّـاس هو أنّ القارئ أيضا يحمل حقولا دلاليّة تتضمـّـنها اللـّـغة التي بها يقرأ. Semantics الكاتب والقارئ يحملان أفكارا ورؤى قد تكون دينيّة أو علميّة أو خرافيّة تتمثـّـل في المنظومة الثـّـقافيّة التي يكتسبها كلّ واحد منّا خلال حياته. وفي عمليّة الإبداع ليس المهمّ أن يدعو الكاتب لتلك الثـّـقافة التي يحمل أو أن يدافع عنها ولكنّ المهمّ هو أن يكون قادرا على استعمالها في البناء الذي يشيّده وهو النـّـصّ الأدبيّ الذي يقدّمه لنا وللغير. بإمكاننا أن ننظر إلى استعمال الثـّـقافة بطريقة مجدية من طرف الكاتب كعمليّة إخراج لشحنات "روحيّة" شبيهة بالشـّـحنات الكهربائيّة المفيدة للقارئ لأنـّـها تنير عقله وتصقل روحه. وإذا كان الكاتب والقارئ متشابهين في ما أسماه علماء اللـّـسانيات "الحقول الدّلاليّة"، ما ينطبق على الكاتب ينطبق على القارئ أيضا. ولكي أكون واضحا منذ البدء أقول إنّ الإبداع هو الإنسياب المنـظـّـم للأفكار والأحاسيس النـّـاتجة عن التـّـجارب وعن الملاحظة والتـّـأمـّـل. الإبداع إذا ليس مجرّد شرح ونقاش لأفكار أو لنظريّات أو مجرّد تعريف لصور ذهنيّة أو لأشياء محسوسة بل هو تدفـّـق وانسياب جميل يقدّم للقارئ مجموعة من التـّـجارب ويؤثـّـر فيه. قد يقرأ القارئ لملحد أو مشكـّـك أو مستهتر فيستاء ولكن من الأجدر به أن يبحث عن التـّـجارب المعروضة في العمل الأدبيّ الذي قرأ ويتـّـخذ منها منطلقا لتغيير حياته.
نستشفّ ممّا ذكرت أنّه ثمـّـة مبادئ تحكم عمل الكاتب والقارئ على السّواء. الكاتب يحلم والقارئ يحلم فإن لم تتطابق أحلامهما فعلى القارئ ألاّ يؤمن بل أن يفهم. وهذا القول يبيّن لكم أنـّـي لا أدعو إلى مجرّد الإتـّـباع لما كتب الكاتب بل إلى تدبّر ما كتب بهدف المعرفة. وفي هذه السّلسلة سأقدّم لكم الأدوات اللاّزمة لكي تبدعو، فالإبداع، يا سادتي، طبيعتنا. ولو تأمـّـلتم هذه الفكرة لوجدتم أنّ الحياة كلـّـها إبداع: التـّـاجر إن لم يبدع في إقناع الزّبون لن يبيع بضاعته، وسائق التـّـاكسي إن لم يفكـّـر في أقاصيص وحكايات يتجاذب أطرافها مع حريفه يكون عمله روتينيّا أو مـُـقلقا والأمّ إن لم تستنبط قصصا وأمثال لأبنائها قد تجد صعوبة في تربيّتهم أو في التـّـواصل معهم، والموسّسة إن لم تصنع قصصا تستنهض بها همم العمـّـال تقع في المصاعب، إلى آخر ذلك. الحياة الحديثة والتـّـفاعل فيما بين النـّـاس قصص وميتاقصص Metanarratives (الرّموز والمعاني التي نجدها وراء القصص). هذا ما قالت به نظريّات ما بعد الحداثة التي طوّرها الفرنسيّان: جون فرنسوا ليوطار وجون بودريّار. (لكنّ أوّل من استعمل الكلمة بمعناها الحاليّ كان العربيّ الأمريكيّ إيهاب حسن). ما يعطـّـل هذه الخاصّية الطـّـبيعيّة فينا هو عدم سعينا إلى تفجير الطـّـاقات الإبداعيّة فينا. الموهبة إذا، في تفكيري، موجودة لدى كلّ النـّـاس ولكنّ ما تحتاجه هو الرّعاية لكي تتفتـّـح كالزّهرة وتـُـبـرز جمالها للنـّـاظرين. نعم. بإمكان كلّ شخص أن يُنشئ ويخلق ويبدع إذا ما عرف كيف يفجّر طاقاته الكامنة وبإمكانه أن يتعلـّـم ذلك باستعمال هذه الوسائل والمعلومات التي أعرضها وأشرحها في هذه السّلسلة.
النـّـظريّة الأدبيّة من المستحسن الإلمام بها ولكنـّـها ليست مهمّة في حدّ ذاتها. فليكن دأب كلّ كاتب لا أن يكتب طبقا لنظريّة معيّنة بل أن يخلق شيئا جديدا جميلا، أن يتحسّس المكامن الموجودة في ذهنه وروحه، وأن يقدّم الطـّـرق والمعابر التي سلكها وعيه وإدراكه وحسّه وفهمه، وهذه كلـّـها يمكن تسميّتها قوى الإبداع. الوعي والإدراك والحسّ والفهم هي قوى الإبداع التي تمثـّـل التـّـركيبة الرّوحيّة للكاتب والقارئ معا. أنا لا أعتبر القارئ مجرّد متلقّ بل إنّ وظيفته أن يوسّع ويدعم وعيه من خلال ما قرأ، فإذا لم يفعل صار كالببّغاء يردّد ما يسمع. الإنسان مطالب من طرف كلّ الدّيانات السّماويّة أن ينظر داخل نفسه وأن يتغيّر لكي يؤدّي الرّسالة المكلـّـف بها على أحسن وجه. إلاّ أنّ مشكلة الإنسان الذي يريد أن يبدع تبقى دائما كيفيّة تجاوز الخوف وامتلاك الثـّـقة بالنـّـفس، فإذا ما تجاوز الخوف والخجل وامتلك الثـّـقة بنفسه يكون قد أزاح من طريقه عقبتين تعطـّـلان قواه الإبداعيّة. أقول هذا لأنّ الإبداع عمليّة تتحكـّـم بها الإرادة والنـّـفس فاكتب لنفسك قبل أن تنوي الكتابة لغيرك، كما قال غوسطاف فلوبار، فإذا كنت راضيا عمّا كتبت فقد نجحت. الكتابة شبيهة بعمليّة الإنتحار أو بعمليّة المشي على الأشواك لأنّ المعوّقات كثيرة في بلداننا العربيّة تمنع الكتــّـاب المبتدئين من نشر أعمالهم وكذلك القلـّـة من الكتـّـاب الذين تربّعوا على عرش السّوق الأدبيّة يفعلون كلّ ما في وسعهم من أجل تحطيم كلّ كاتب مبتدئ حالم.
ومن المسائل المهمّة في عمليّة الإبداع ألاّ ينطلق المرء في الكتابة من الحاجة بل أن يكتب انطلاقا من اتـّـصافه بالفضيلة: لا يجب أن يضع في حساباته العائدات المادّية بل أن يكتب لأنـّـه يؤمن برسالة معيّنة بإمكانه أن يضطلع بها، أن يكون كاتبا واعيا بذاته. أقول هذا لأنـّـي أومن بأنّ الكتابة عمليّة روحيّة قبل أن تكون مهنة أو مورد رزق. ولئن اعتمد الكاتب الحالم فيما يكتب على ما يسمع فإنـّـه لن يبدع سواء أنشرت أعماله ونال مكانة أم لا لأنّ ما كتبه يندثر من الأذهان بسرعة. الكاتب يعاني من واقع مأسويّ لا يقدّم إلهاما ومن قسوة الكتــّـاب والنّاشرين حتـّـى أنّ ردود الفعل التي تملأ قلبه تكون نزعة تحطيميّة وثورة وتشاؤما. ولكن على الكاتب ألاّ يقنع بمنزلة الكاتب الذي يقاسي أو بشعور الضّحيّة. وعليه الاّ يتقهقر أمام المثبّطين للعزائم إلى أن تصبح حياته إبداعا وأعمالا فنـّـية منسابة كالسّيل.
المبادئ الأساسيّة المتحكـّـمة بعملية الإبداع:
الكثير من النـّـاس يميلون إلى الاعتقاد بأنّ أحلام الكتـّـاب شخصيّة وطموحاتهم مثاليّة صرفة ويخافون من أن يطرقوا باب الإبداع، وهي فكرة مغروسة فيهم عبر ما تلقـّـوه من ثقافة. هذا النـّـوع من التـّـفكير يجب تفكيفه، أي تطبيق نظريّة "التـّـفكيكيّة" عليه. هم يتحدّثون عن تجربة تفرض نفسها على الكاتب وتجعله أكثر وعيا وأكثر إحساسا بوظيفته في عالمه الضّيـّـق أو الشـّـاسع. ثمّة تواصل وتمازج وتناسق بين كلّ مكونـّـات العالم الذي يعيش فيه الفرد، وليس الإبداع سوى التـّـخلـّـص من الموانع والعوائق التي تحدّ أو تمنع القوى الإبداعيّة. الواقع يُلهم الكاتب فيمرّ بتجربة تفجّر إبداعه الذي يسعى من ورائه إلى بناء جسر تواصليّ مع القارئ وإذا ما عرف القارئ هذا فإنـّـه يمرّ بنفس التـّـجربة ويبدع بدوره. أقول يبدعُ القارئ لأنّ قواه الإبداعيّة قد تستيقظ وتبدأ في العمل فيغيّر من حياته انطلاقا من تفاعله مع النـّـصّ. وسواء اعتقد النـّـاس أنّ الإبداع يخلق التـّـجربة أو أنّ التـّـجربة هي التي تؤدّي إلى الإبداع فسيّان عندي لأنـّـي أومن بمقولة "أقرأُ فأعرفُ" أيّ أنـّـي أكتشف وكلـّـما قرأت أكتشفتُ من جديد. الخلق (الإبداع، التـّـأليف) إذا يبدو شخصيّا ولكنـّـه ناموس طـبيعيّ يحكم الحياة برمـّـتها. وما أريد التـّـشديد عليه هنا هو أنّ الإمتناع عن الإبداع أو القول بأنّ الكتـّـاب صنف متميّز من البشر لا يمكن إنشاء ما أنشأوا يـُـعدّ في نظري مناقضا لطبيعتنا القائمة على نزعة واضحة نحو الإبداع.
قد حاولت أن أوضـّـح في الفقرة السّابقة أنّ الفكرة المحمولة عن الإبداع خاطئة لكنّ ذلك لا ينفي أنّ طريق المبدع طريق ملتوية ولا نهائيّة، ولن يقطع منها أشواطا إلاّ عندما يلتزم ويحاول باستمرار وبإصرار. نحن متعطـّـشون دوما إلى الإبداع أي إلى إيجاد معاني جديدة للذّات والواقع، ولكنّ عمليّة التـّـأمـّـل مؤلمة أو شاقـّـة ممّا يجعلنا ننسحب من أوّل الطـّـريق. وقد يبدو لنا أنـّـنا سخّرنا أحلامنا وطموحاتنا وآمالنا للآخرين وبذلك ضيّعنا طاقات دون جدوى، وينتابنا الحزن ولكنّنا لو عملنا على التـّـعرّف على المبدع الموجود بداخل كلّ واحد منّا وتعهّدناه بالرّعاية فإنّا قد نجتاز الألم ونفجّر طاقاتنا من جديد. وهذا هو المبدأ الأوّل في عمليّة الإبداع: لكي تبدع يجب عليك أن تجد ذاتك المبدعة أوّلا. ذاتك المبدعة تتمثـّـل في الخصائص التي تميّزك عن باقي المبدعين كأسلوبك المتميّز في الكتابة ولغتك وكيفيّة تنظيم الأفكار والمعاني التي تبتدع. الإبداع الأدبيّ انسياب منظـّـم أو تداع حرّ للوعي، كما ألمحتُ. الكتابة عند بعض النـّـاس تدوينٌ لما يفيض به الخاطر ولكن ليس هذا كلّ ما في الأمر: يجب أن يكون ما تكتب جميلا، يهزّ المشاعر ويحرّك الذّهن ويبعث على التـّـفكير والتـّـأمـّـل. لا تتوخّى الغموض وإنّما اجعل كلماتك زاخرة بالمعاني قابلة للتـّـأويل وحكـّـم فيما تكتب "النـّـاقد" الموجود بداخلك المتمثـّـل في تلك النـّـزعة الجامحة إلى تحقيق "الكمال" فيما تكتب، لكن لا تنهزم أمامه لأنّ النـّـقد السـّـلبيّ الصّادر من داخل نفسك التـّـوّاقة إلى الكمال لا يمثـّـل حقائق. ولكي أشرح هذه النـّـقطة أكثر أقول: لا يجب أن تنظر إلى ذلك النـّـاقد على أنـّـه صوت العقل فيك وإنـّـما اعتبره من المعيقات التي تمنعك من الإبداع. ولا أقصد بهذا ألاّ تتفاوض معه بل اعمل على تجاوزه إلى أن تدرك الجانب الآخر من ذاتك حيث يكمن صوتك المتميّز الخاصّ بك.
الجانب الواعي في أذهاننا وهو الضّمير الموجود لدى كلّ إنسان يعمل دوما على إدراك الواقع الخارجيّ وتقييمه بهدف الحفاظ على بقائنا فهو يلاحظ ويحلـّـل، في نطاق وظيفته تلك، لكي يمنعنا من الإنزلاق نحو ما هو ضارّ أو خاطئ ويتـّـبع في ذلك مبادئ واضحة أوّلها تحذيرنا من ولوج كلّ أرض مجهولة ونحن بطبيعتنا ننصت إليه عندما نقوم بعمليّة تقييميّة لأعمالنا. وفي مقابل هذا، يدفعنا الفضول ورغبتنا في التـّـعرّف على المجهول ورغبتنا في إعادة صياغة الواقع وإعادة بناء الحياة إلى الإنتاج وإلى إنشاء المعاني والصّور. هذا ما أسمّيه "الرّوح الإبداعيّةّ" التي تمكـّـننا من التـّـغلـّـب على كلّ ما يهدّد بقاءنا. وهذا يقودني إلى المبدإ الثـّـاني في الكتابة وهو: أن ينصت الكاتب للضّمير الواعي فيه وأن يعمل على تجاوزه لكي يجد روحه الإبداعيّة. ولن يجدها إلاّ عن طريق التـّـأمـّـل والتـّـمرّن في نفس الوقت. التـّـأمـّـل طريق تؤدّي بنا إلى إدراك المجرّد والمعنويّ والمثاليّ وبالتـّـالي إلى المرور بحالات إستلهام تجعل رؤانا واضحة شفـّـافة. التـّـأمّل سبر لأغوار النـّـفس يؤدّي لتفجير الطـّـاقات الخلاّقة فيها التي هدفها إنشاء بناء أدبيّ. فلا يعجب القرّاء إن قلت لهم إنّ بداخل الذّهن موطن هو منبع الحكمة يمكـّـننا من الاستلهام والتـّـبصّر والإدراك. ومن المبدعين الذين أنتجوا أعمالا عظيمة عبر التـّـأمّل أذكر لودفيغ فيتغنشطاين، مؤلـّـف كتاب "تراكتاتوس لوغيكوس"، وهو كتاب في المنطق. كان فيتغنشطاين يقضّي فترات طويلة في فنلدا في كوخ منعزل، بين الثـّـلوج، كلـّـما أراد التـّـفكير في مسألة فلسفيّة ما.
إنّ تقضية فترات مع الذّات تجعلنا نكتشف فيها قوانا الإبداعيّة فإذا ما وجدناها علينا أن نتعهّدها بالرّعاية لكي تنمو وترتقي. تلك العلاقة الحميميّة بين الكاتب وذاته المبدعة تمكـّـنه من التـّـعرّف على مواطن الضّعف في ذاته والعمل على تجاوزها. الأدب هو فنّ استعمال الصّور الرّمزيّة. ولكي يبدع المبدع نجده ينهل من المنابع الموجودة داخل ذاته إلى جانب واقعه وعالمه طبعا. الأدب يولد ويرتقي عبر العناية بالذّات وما نشعر به من ألام واغتراب وتعاسات يوجّه تلك العناية إلى أن ننجح في نهاية المطاف في وضع مخطـّـطات لأعمال أدبيّة طموحة.
وأمّا لغة الأدب فعلى المبدع أن يقوم بتطويعها أوّلا وأن يغوص في أعماقها لكي يقوم بتوظيفها في أدبه ثانيا. وكما قلت لغة الأدب هي الصّورة والرّمز وإن كانت نظاما من العلامات المحسوسة (المرئيّة)، كما أكـّـد ذلك فرديناند دو سوسّير، ولذلك تبقى المهمّة الصّعبة كيفيّة تحميل تلك المدوّنة العلاماتيّة محتوى رمزيّا. الرّمز فيه جانب محيّر وفيه نوع من السّحر ممّا يجعلنا ننجذب إليه ويجعلنا نشيّد بناءات ترابطيّة غرضها فكّ الرّمز ذاته. وللـّـغة إيقاع ووتيرة ونبرة نستشفـّـها ونحن نقرأ ما كتبنا. فإن لم يتبيّن الكاتب الأصوات الموجودة في المقاطع الصّوتيّة المكتوبة فإنـّـه لم يستعمل حاسّة السّمع وهو يقرأ.
أمّا أهمّ شيء يساعد الكاتب فهو سعيه إلى ملاقاة التـّـجربة والبحث عنها وإذا ما صادفها عليه ألاّ يتهرّب منها. أقدّم مثالا على هذه الفكرة: عندما يسافر كاتب على متن قطار مكتظّ بالمسافرين فإنّه قد يعمل جاهدا على إلهاء نفسه بقراءة صحيفة ويغفل عن تلك التـّـجربة المتمثـّـلة في وجود الأعداد الهائلة من المسافرين. المحيّر إذا يكمن في المرئيّ وليس في اللاّمرئيّ.
تحصيل شيء من الشـّـعور بالثـّـقة والطـّـمأنينة:
الكاتب يحتاج إلى نوع من التـّـشجيع الذي قد يلقاه من رفاقه ولا يجود به عليه كتـّـاب آخرون. هذه حقيقة: الكاتب المبتدئ يعلق ما بين حلمه الذي يعذّبه وخوفه من الفشل لفترة قد لا تنتهي أبدا. وحتـّـى الأب والأمّ يتمنّيان، دوما، لطفلهما ذاتا يصفانها بالمعقوليّة فيصرفانه عن الأدب لإيمانهما بأنّه "مهنة غير مربحة" أو "تجارة كاسدة" وبذلك يقتلان فيه ملكة الإبداع. هل عندما يؤلـّـف شابّ ما قصّة قصيرة أو قصيدة شعريّة سيساعد بذلك والديه، مادّيا، على تجاوز الواقع الاقتصاديّ المعقـّـد؟ طبعا لا، ولذلك عندما يقول أنا كاتب أو شاعر فإنّه يثير سخريّة النّاس. الأدب في أذهاننا هواية مفلسة مسبقا ولذلك يعيش الكاتب في حالة من اللاّأمن وبعض الكتـّـاب يسقطون في فخّ التـّـسويق لبضاعتهم فيكتبون عن المواضيع التي يحبّها عامّة النّاس وهي الجنس وقصص الغرام المثيرة لأنـّـهم يعلمون أنّ القارئ يجتذب ممّا يقرأ لذّة ويستتثمرون ذلك لأغراضهم الشـّـخصيّة. وكما قلت كاتب من هذا النّوع لا يكتب انطلاقا من الفضيلة بل انطلاقا من نوايا شخصيّة ضيّقة.
هكذا إذا تصبح حياة الكاتب المبتدئ تجربة غير محبّذة فيها شعور بالمرارة وبالضّباع وفيها اليأس والغضب. ولكي يتغلـّـب الكاتب على الواقع المعقـّـد عليه أن يشعر بطمأنينة وأن يجد الحماية والرّعاية. وعليه، في سعيه إلى الرّقيّ بأدبه، أن يقارن ما كتب بمؤلـّـفات أدبيّة لكتـّـاب كبار كطريقة في النـّـقد الذّاتي من دون الوقوع في المازوشيّة الأدبيّة التي تهدم ولا تبني. التـّـقدّم في هوادة والإيمان بأنّ الأخطاء ضروريّة يجعلان الكاتب يتغلـّـب على العدوّ الموجود بداخله.
العدوّ الموجود داخل الذّات يتمثـّـل في الخوف، ومقاومته تقتضي التـّـخلـّـص من كلّ الاعتقادات السّلبيّة، كالقول مثلا أنا لا أصلح بأن أكون كاتبا. ويجب أن تكون المقاومة عمليّة واعية. الأفكار السّلبيّة التي نحملها مترسّخة في الثـّـقافة التي تلقـّـينا ولكنّها أفكار وليست حقائق. الأرض مثلا لم تكن أبدا مركز النـّـظام الشـّـمسيّ ولكنّ النّاس كانوا يعتقدون أنّها كذلك. وإذا كان لكلّ واحد منّا عدوّ كامن بداخله يحجب عنه قواه الإبداعيّة فإنّ له أيضا مناصر مفيد جدّا يتمثـّـل في الدّوافع المختلفة التي تحثـّـنا دوما على إثبات الذّات. هذه الدّوافع هي الرّغبات المختلفة التي تعتلن في شكل إثباتات متعدّدة إيجابيّة كقولك على سبيل المثال أنا قادر على تأليف رواية. ولو جاهرتَ بتلك الإثباتات لتعرّضت أيضا لسخريّة النّاس، ولهذا السّبب على كلّ كاتب أن يُقنع بها نفسه خلال عمليّات التـّـأمـّـل لا أن يجاهر بها.
تكوين معنى أو معان للهويّة:
إيمان الكاتب بالقوى الإبداعيّة الموجودة في ذاته هو سلوك هدفه تحرير تلك القوى الخلاّقة. وما يزيده قوّة هو أن يكوّن لنفسه معنى للهويّة يميّزه عن غيره من الكتـّـاب. أن يفكـّـر الواحد منّا يعني أن يشكّ، لكنّ الشـّـك السّلبيّ في القدرات الذّاتية وفي الذّات نفسها يكون تحطيميّا. ومن هذا المنطلق يجدر بالكاتب أن يكوّن لنفسه هويّة مستقلـّـة تستند إلى إيمانه بمثل وقيم وأراء معيّنة ولمعان وصور يحملها عن نفسه. هذا الأمر يجعله لا يقتفي آثار كتـّـاب معيّنين أو يقلـّـدهم وإنـّـما يصنع لنفسه ذاته الخاصّة به. وإذا ما وُفـّـق في ذلك فإنّه يصبح بدوره مثلا وقدوة للغير. وقد قلت إنّ الهويّة ترتكز على إيمان الكاتب، أي على وعيه، فكم من كاتب تبوّأ مكانة لا تزال منحوتة في الأذهان بفضل القضايا التي آمن بها ودافع عنها: فيكتور هوغو، على سبيل المثال، تحمّل العيش في المنفى بسبب أفكاره، وغيره كثر. والهويّة ليست مجرّد معان يحملها الشـّـخص بل ممارسة يوميّة مستمرّة ليس الغرض منها أن يطلق الكاتب على نفسه اسما عظيما أو أن يصنع لنفسه هالة ومكانة يستمدّان وجودهما من سلطة زائفة.
على الكاتب أن يكون يدا قويّة بفكره وإبداعه وليس بولائه أو بالموالين له، وعليه أن يكون قلبا ملؤه الحنوّ وأضلعا ملؤها الأحاسيس الجيّاشة وصدرا نقيّا وعقلا نيّرا وصوتا شريفا. فإذا لم تكن هذه الأشياء من مكوّنات شخصه وهويّته فهو غير جدير بتسمية كاتب مبدع. كلّ شخص يكتب ولكن ليس كلّ كاتب بمبدع. في العالم الغربيّ، تجد كتـّـابا يبدعون في ميادين عديدة، الواحد منهم يحمل درجة بروفيسّور، تكتب إليه لتسأله في أمر ما فيمنحك شيئا من وقته ويردّ على استفسارك. لماذا؟ لأنّه ببساطة مؤمن بأنّ سلطته العلميّة لا تخوّل له بأن يترفـّـع عن شخص عاديّ سعى إلى الاستنارة برأيه. شعراؤنا لازالوا يمارسون الهجاء في شعرهم، وكتـّـابنا يمارسون الدّعاية في كتاباتهم. وإذا كان الكاتب على هذه الصّفات لماذا يكتب عن الألم إذن؟ وأيّة مصداقيّة، وأيّة هويّة لديه سوى بهرجان زائف قائم على غير سند؟
الأديب المبدع إذا لم ينصت لأصوات الغضب ولتأوّهات المعذّبين وإذا كان همّه أن يجد لنفسه مكانا على منصّات التـّـشريف فحسب حاد عن أخلاقيّات المبدعين. وليست هذه الهويّة التي اختار لنفسه بهويّة الكتـّـاب العظام. ولست أعني بهذا ألاّ يسعى الكاتب إلى امتلاك نوع من السّلطة بل العكس، تلك السّلطة ضروريّة للكاتب المبدع لكي يؤدّي وظيفته في تغيير العقول. كم كتابا تشتريه ثمّ تشعر عند مطالعة الصّفحات الأولى كأنّك قد رميت بالمال الذي دفعت إلى ألسنة النّار. وهذا إشكال من نوع آخر لن أعرض إليه وإنّما أقول فقط إنّ الكاتب المبدع يجب أن يعمل على أن يكون ما يكتب مفيدا وممتعا ومستحوذا على الإهتمام وذلك يدعم سلطته الإبداعيّة ويساهم في تدعيم الإقبال على الأدب بصفة عامّة.
الحياة يشكـّـلها الكتـّـاب المبدعون وكلّ المشاريع التـّـغييريّة والمخطـّـطات العظيمة تكون بادئ الأمر أفكارا في أدمغة الكتـّـاب ثمّ تتبلور وتكبر وتتـّـضح إلى أن تأخذ شكلها النـّـهائيّ. فإذا وضع الكاتب أفكارا عظيمة لكنّه استبعد القارئ من مخيّلته فقد وضع عملا منقوصا. وبما أنّ ما أنا بصدد تناوله موجّه إلى المبتدئين فإنّي أحثـّـهم فقط على أن يقوموا بخطوات متـّـزنة وأن يسيروا في تؤدة وأن يجعلوا القارئ محور اهتمامهم. هذا ما تقول به به "نظريّة النـّـقد من خلال تجاوب القارئ": Reader-response Theory أو Reader-response criticism المعارضة بشكل مطلق للشـّـكليّة ولنظريّة "النّقديّة الجديدة". وسأعرض للنّظريّات النّقدية في فصل لاحق، منذ أفلاطون إلى يومنا هذا.
لكي بعبّر الكاتب ولكي ينتج أدبا يجب أن تكون لديه "ذات" يعبّر عنها. الكاتب المبدع يصنع الفضيلة من الحرمان وينسج الأمل من المعاناة ويغدق بلا مقابل وتلك قوّته التي لا نجدها عند غيره.
الهويّة انتماء لأرض وشعب وقضيّة. والانتماء يمكّن الكاتب من الاستلهام. وبهذا يمكن القول إنّ الأدب والفنّ ينبعان من العالم الذي فيه يعيش الكاتب والمبدع وكأنّهما خزّان موجود تحت الأرض الذي على سطحها يمشيان. وعي الكاتب والمبدع إذا موجود في الأرض وليس فوق السّحب أو في الفضاء الخارجيّ، فإذا أرادا أن يجرّبا لحظات من الإستلهام فعليهما أن ينصتا وأن يحسّا وأن يتأمـّـلا بإيمان عميق ليجدا الجمال المنشود. وليعلم كلّ كاتب أنّ الإبداع صفة طبيعيّة في كلّ إنسان، كما أسلفت، وليبدأ بالبحث عن صوته الإبداعيّ وليجدنّه. وليس ثمّة من محطـّـم للقوى الإبداعيّة سوى تقوقع الكاتب في قصره العاجيّ لأنّ ذلك يؤدّي إلى قطيعة بينه وبين العالم الذي هو مصدر الإلهام. الإنسان لا يمكن أن يتعلـّـم شيئا إلاّ إذا انتقل من المعلوم إلى المجهول وهو عالم الخيال اللاّنهائيّ، فالإبداع يتأتـّـى من الظـّـلمة القاتمة ومن الألم ومن الصّراع المرير. الطّريق شاقّة والرّحلة طويلة فعلى الكاتب أن يتزوّد لها بكلّ ما يساعده على الوصول إلى مقصده: عليه أن يلمّ بالتـّـقنيات وأن يمتلك الأدوات وأن يغذّي خياله وأن يصقل قواه الإبداعيّة وأن يعالج التـّـعريفات والثـّـقافات وأن يربّي الطّموح وأن يطلق العنان للرّوح لكي تخوض التـّـجارب وتبحث عن النّور.
انتظروا الفصل الثـّـاني: من هو الكاتب؟ والفصل الثـّـالث: النـّـظريّات النّقديّة في الأدب. عزالدّين بن عثمان الغويليّ
#عزالدّين_بن_عثمان_الغويليّ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إبراهيم نصر الله: عمر الرجال أطول من الإمبراطوريات
-
الفلسطينية لينا خلف تفاحة تفوز بجائزة الكتاب الوطني للشعر
-
يفوز بيرسيفال إيفرت بجائزة الكتاب الوطني للرواية
-
معروف الدواليبي.. الشيخ الأحمر الذي لا يحب العسكر ولا يحبه ا
...
-
نائب أوكراني يكشف مسرحية زيلينسكي الفاشلة أمام البرلمان بعد
...
-
مايكروسوفت تطلق تطبيقا جديدا للترجمة الفورية
-
مصر.. اقتحام مكتب المخرج الشهير خالد يوسف ومطالبته بفيلم عن
...
-
محامي -الطلياني- يؤكد القبض عليه في مصر بسبب أفلام إباحية
-
فنان مصري ينفعل على منظمي مهرجان -القاهرة السينمائي- لمنعه م
...
-
ختام فعاليات مهرجان القاهرة السينمائي بتكريم الأفلام الفلسطي
...
المزيد.....
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
المزيد.....
|