|
بلاد تائهة..
تحسين كرمياني
الحوار المتمدن-العدد: 2366 - 2008 / 8 / 7 - 04:42
المحور:
حقوق الانسان
قيل أن أساس وقوة تقدم كل بلد وسر نجاحه أو تمركزه مع بلدان الحاضرة يرجع لسبب وجيه هو قوة مواصلاته،كون المواصلات عصب الحياة المدينية المتقدمة،والمتمثلة بخطوط سكة الحديد المتوزعة من مركز العاصمة وحتى التشعبات القصية لأريافه،أو الشوارع السريعة محكمة التبليط والتي تشبه إلى حدٍ ما توزع الأوردة والشرايين الدموية في جسد الإنسان من القلب وحتى قمة الرأس وأخمص القدمين وتوقف أي شريان أو وريد يحدث شلل ما في جزء من الجسد،وكذلك البلد حين يتوقف فيه عصب خدمي،تشل فيه الحياة.. بسبب تعاقب كوابيس سياسية رعوية على بلدنا حرمنا من هذه النعم،والعجيب في الأمر أننا لم نتأثر بذلك،كون البدائل دائماً وأبداً تستحدثها الضرورة الملحة..!! *** ربما سيادة دولة القانون من أساسيات التطور الاجتماعي والحضاري كون القانون يحدد واجبات الفرد ويؤمن حريته ويحقق له استحقاقاته،خصوصاً بعد انسلاخ السلطة القضائية من مخالب السلطة السياسية الحاكمة ليكون القانون خارج إرادة الساسة وتدخلاتهم المزاجية للّعب بأوراقه كما يشتهون،ما يلفت النظر ويجذب الغضب هو ما يطفح على سطح الواقع من خروقات تنافي أخلاقياتنا وتطرح الكثير من الاستفهام حول مصير واقع حالنا المتردي وعدم تدخل أصحاب العلاقة رغم تعكزهم على مبررات قانونية ووجود حماية(حصانية)لهم،قد لا نجد أصحاب السيادة لديهم من الوقت الفائض للتوقف على ما تبرز وبشكل متواصل من(منافيات)تغدو بمرور الوقت سدود عاثرة في قوادم الأيام،فهم في حرب مع الزمن،مستنفرون كي يمسكوا بخيط مصيرنا السياسي،هاملين الخصوصيات الفردية المستحدثة كون القانون سلموه لأصحابه الشرعيين وهم بطبيعة الحال ما يزالون يترقبون المستقبل وما ستسفر عنها قوادم الأيام من استحقاقات الكيانات السياسية الرابحة وحقائب كيانات الظل،قبل أن تمتد أيديهم لتقليب صفحاته وتطبيق بنوده على من يقع فريسة أو يسقطه جهله إن لم نقل عناده تحت عجلاته الساحقة.. القانون كتاب حيوي ذو مخالب ـ لا ترحم ـ راقد على رف مهمل،حين يستفيق من سباته وينفض عن بنوده غبار التهميش سيسحق كل مستأسد أو عارض يجترح حدود سيادة البلد وأمن مجتمعه،ولكن إرجاء التطبيق الفعلي في هذه المرحلة الغائمة للقوانين ستشجع الكثير ممن تخثر عقله أو سبت على السير في مسالك مجهولة وتمنح فرص ملائمة للتجاوزات على حساب الآخرين،وحين يأتي اليوم الموعود سنجد أنفسنا أمام مشكلات عسيرة التعامل معها،إذا ما أخذنا بنظر الاعتبار أننا خرجنا في التو من آتون مرعب بعد نضال مرير،سيجابه القانون شرائح من المجتمع بسبب ضبابية الجو وجدت نفسها تائهة في مسارات وجدتها خادمة لها أوان الفوضى،شرائح تجاوزت على الحق العام وغرقت فيه،لابد من اللجوء إلى مطلب التعويض كحل ملائم يناسب المرحلة من جهة ومن جهة ثانية بغية عدم مس أي فرد بضر أو فتح ثغرات جديدة للألم العراقي المستفحل،لابد من توفير مطالب العيش الريئسة من سكن وفرص عمل وحماية قانونية فعّالة لهم،قبل تطبيق حذافير القانون بعد قيام الدولة على ساقين من حديد..!! *** ربما تجاوزنا أو تعلمنا فك الإختناقات المرورية باللجوء إلى الأزقة والمسالك الوعرة وضرب الأرصفة لعبور السيطرات المزاجية،لكن ثمة مشاكل تحتاج لتوعية أكثر مما تحاج إلى تخليق أزمات،وهناك فرص متوفرة لمعالجة التسيب الحاصل طالما هذه التجاوزات تتوزع بين وزارات لم تنشغل كوادرها بمعمعة الوضع الأمني،وليس مقالنا هذا سوى رؤية قابلة لتسقيط عدسات أُخَر على جوانب مماثلة تمس حياتنا في راهنها وقوادمها،ومن الممكن التسرع بإجراءات قد لا تكلف كثيراً لو قامت الجهات ذات العلاقة بوضع خطط مدروسة وحل الإشكاليات الحاصلة قبل استفحالها،لنحص قليل منها لأهميتها وكونها تتعلق بحياة الفرد وثقافته وصحته،جمالية المكان ودوره في عكس الوعي الحضاري للبلد..!! *** 1ـ أطباء بلا بورد..!! البلاد بحاجة إلى مراكز صحية تحديداً في هذه المرحلة،كوننا نستقبل تيارات أمراض وجدتنا أجساد مؤهلة للحضانة والتناسل بسبب وضعنا النفسي المتراخي،بل يزيد الطين بلّة حساسيتنا المزمنة جرّاء ما يجري ليس أمام العين فحسب بل تلك المشاهد المؤلمة والتي تعرضها القنوات الفضائية من موت مروّع وعلى الهواء الطلق ناسفين أخلاقيات المهنة وسياسة التعامل الفلسفي والثقافي مع ما يجري على أرض الواقع وما ينسجم مع الذوق العام،صار القلق عنواناً لكل أزمة وافدة،لكن هل يسمح أن تتشعب المراكز الصحية إلى متاهات ومتاجرات بأرواح الناس،صحيح أن الوضع المعاشي عسير،لكن ليس للحد الذي يجعل كل من هب ودب،أن يكون طبيباً لمعالجة الناس وتخليصهم من مستحدثات الزمن،أينما تكن هناك مجموعة بيوتات وشوارع تجارية تستقيم غرف بعضها كانت بيوت تم استغلال(نوم القانون)وتمفصلت إلى ردهات على أيدي جموع من غير إجازات رسمية،أو شهادات تم صياغتها بطرق ملتوية،نجد أن الغرف قذرة،رطبة،عطنة،بلا تبريد طبعاً،تتلاعب الفئران والصراصير كما تحب وتشتهي،أثاث عفن،دواء من غير ترخيص ، ماء آسن،وهواء راكد،بين عشية ليلة وضحاها أصبحوا(أطباء)بلا بورد،هم يشخصون ـ بيقين ثابت ـ تلاوين الأمراض مهما كانت مسمياتها،يصرفون وفق مزاجهم الدواء،لا بل لديهم في مدارج(وسخة)كل أنواع العقاقير،فهم في الوقت الراهن أطباء وصيدلانيين وزارقوا أبر،ليس ذلك فحسب،تجد(المغذي)معلقاً بقضبان نوافذ انتفت الحاجة إلى الزجاج كونه عرضة للتهشيم جراء الانفجارات والإطلاقات العشوائية،نوافذ درفاتها أوراق كراتين،يضخ المغذي(الماء المقطر)إلى عليل يتمدد على سرير أو أريكة سيئة الفراش،وحوله جيش ذباب وتحت رحمة الظلام طبعاً،هناك في تلك المنزويات يقيم بعضهم عمليات(صغرى)بلا تردد أو ارتداء بدلة بيضاء ولبس كفوف نايلون،يا ترى من المسؤول عن مراقبة صحة المجتمع..ومن يراقب تفشي هذه الظاهرة..ومن مسؤول عن فحص الشهادات والإجازات الرسمية الممنوحة في ذلك العهد القديم الذي ولى من غير رجعة..صحيح أن الأطباء هم السبب كونهم يرفعون(سعر الكشفية)كلما شح البنزين أو ارتفعت أسعار الفواكه والخضر،وأن أصحاب العيادات الجانبية يعالجون من غير دفع(الكشفية)وأن أسعار أدويتهم تقل بكثير أسعارها في الصيدليات التي لم تعد(خافرة)كما كانت،يا ترى لم لا تقوم الجهات المتخصصة ببناء مجمعات صحية تجارية أو تمنح تسهيلات لمجاميع من الأطباء لبناء مجمع يجمع معظم الاختصاصات وفق خرائط تليق بالمهنة المقدسة،كواجهة حضارية من جهة ومن جهة ثانية رصد الخروقات ومراقبة المتطفلين والمتاجرين بأرواح الناس من أجل مال سهل..!! *** 2ـ ذبائح الشوارع والطرقات..!! قديماً كان يعرف كل متبضع أو متبضعة أين هم القصّابون،في ركن نظيف تتراص الدكاكين وهي تبرز(الكاشي)المرمري وتتدلى اللحوم الممهورة بختم الرقابة الصحية،مع وجود زيارات متكررة من قبل لجان صحية تحاسب بضميرها،لا بأخذ وجبة غداء دليل سكوته،اليوم ترك كل قصّاب مكانه المخصص ولجأ إلى مكان يعج بالناس،كون أمكنتهم باتت بعيدة ووجود بدائل طالما اللحم واحد والسعر متفاوت،أينما تتزاحم الأكتاف وفي أي سوق كان،في الطرقات الرئيسة،في رأس كل(دربونة)تستقيم أكواخ من قصب أو صفائح ويقف عمود خشبي(قذر)لجندلة أغنام وأبقار وماعز عليلة أو مجهولة المصدر،ينام بظله قطط وكلاب سمنت(وتبربعت)ناهيك عن جيوش الذباب والزنابير،كل صباح يأتي صبيان(لم يكملوا دينهم)بملابس لا تليق بالمهنة،يتمنطقون أحزمة عريضة تتدلى منها سكاكين وسواطير،ينحرون ذبيحة أو ذبيحتان حسب متطلبات الصرف بلا تكلفة ألسنتهم ترديد(أسم الله)على الحلال لتحليله على المستهلكين،سرعان ما تندلق أحشاء وحوايا لتعج المكان برائحة الفساد،(كوارع)و(كروش)مطروحة على أرصفة الشوارع،ليس من أثر لمعالم صحية،والغريب في الأمر هو قبول الناس بالأمر الواقع والشراء برغبة،طالما المثل(عند البطون تعمى العيون)ما زال ساري المفعول،لا أحد يعرف حال الذبيحة قبل نحرها..أكانت عليلة أم(فطيسة)..من أجاز ذبحها ليتهنى بها الناس..؟؟يا ترى لم لا تعاد النظر في هذه القضية المتعلقة بصحة الإنسان وتلويث بيئته وتقام أماكن مخصصة كما كانت سابقاً للقصّابين،أين لجان الرقابة الصحية وأين كفاحهم ضد(إرهاب البكتريا) للمحافظة على صحة مجتمعهم..؟؟ *** 3ـ معارض على أعصاب الناس..!! يبدو أن الديمقراطية سلاح ذو حدين،طالما الحد الأمين غائب أو مغيّب لأسباب سياسية بحتة،صار الحد القاتل هو في متناول اليد،طالما الفرصة مناسبة وهي بالتالي تجلب المال بلا تعب،كيف نفسر حال(معارض السيارات)المنتشرة في الأسواق والشوارع وكل منعطف استولى عليه صاحب يد طويلة وسيجها تحت ذريعة(مشروع خدمي)،صارت شوارعنا تغص بالمركبات المستوردة،تؤرق سير السابلة،كون المركبات متراصة على الأرصفة وداخل حوض الشارع،ترى أين هو دور رجال البلدية..من المسؤول عن منحهم إجازات بيع المركبات في وقت غير مرغوب به لعدم وجود تطبيق فعلي وعملي للقوانين المرورية،لم لا تكون المعارض خارج حدود التجمعات السكانية والأسواق الشعبية،كي تخلو الشوارع للسابلة وننجو من معمعة الإختناقات المرورية المتأزمة..؟؟ *** 4ـ تجاوزات..تجاوزات!! ناس بنوا بيوتاً على أراضٍ هي من عائديات الدولة،أملاك تعود لمعظم الوزارات،كالدفاع والسكك والبلديات والأوقاف والمالية،سحبوا الكهرباء وفق رغباتهم بلا مقاييس طبعاً،وتم استخدام قابلوات خارجة عن السياقات المتعلقة بحسابات الطاقة،كل واحد راح يكتشف طريقة ماكرة ومفيدة لتمشية أموره المتبقية،يسحب خطّين حار ووخط بارد ليتمتع بكهرباء عال العال،(هو ومن بعده فليأتي الطوفان)،بل راحوا يمدون خراطيم مياه فوق العادة،إذ كان المسموح به هو نصف أنج سابقاً،نجد أن أرهاط من الناس بدأت تمد(أبو الأنج)كي يحصل على أكبر كمية من الماء،رابطاً(ماطور مائي)يسمونه(حرامي)يحوّل الهواء داخل الأنابيب إلى ماء،و(ليذهب الجار إلى النار)حتى انهم حفروا سواء كانت شوارع أو ساحات بحثاً عن الأنبوب الـ(رئيسي)ويثقبون بالـ(دريل)لأحداث ثقب وربط(قفيص)تم تحويره إلى ما يرغب من(أنجات)،ووجد البعض تثقيب الأنبوب الرئيس من الأسفل يسحب كل الماء الموجود داخل أنبوب الشبكة،لا أحد يحرك ساكناً لمقتضيات مصلحة الآخرين،ضعف الماء وضعفت الكهرباء،وتهالكت الشوارع والطرقات،الجهات ذات العلاقة تنظر بعين وتتغاضى بعين..والعجيب في الأمر أن أصحاب قراءة المقاييس،الماء والكهرباء،يأخذون(الجباية)من هذا ولا يأخذون من ذاك،واحد يعيش في بلده تعيساً بـ(فلوس)وواحد يعيش متنعماً..(ببلاش)..!! *** 5ـ ما يتعلق بالمركبات..!! بين دكاكين المخضر والقصابين وأصحاب المواد الغذائية،نجد دكاكين تتخصص بالأدوات الاحتياطية للسيارات،دكاكين لتبديل الدهن والـ(البنجرجية) والسمكرة،تتشظى شرر النيران من الـ(ولدنات)،ضربات المطارق تهوى بلا رحمة على هياكل أصبحت خارج الخدمة،بحثاً عن أيام أُخَر للعمر،من أجل هدف واحد،شد خزان(محوّر)للحصول على كمية وافرة من مادة البنزين،تتداخل الكوميديا بين مآسي وملاهي،وحده الإنسان العراقي الذي فاق صبره صبر الصخور الرسوبية،يدفع من عمره فاتورة غالية،يحرق أعصابه وهو يزيد من مساحة أمله،كي يفيق القانون من سباته ويبدأ برحلة حصاد السعادة للصابرين و(الكاظمين الغيظ)في بلاد أرخت حبل(النهوض من كبوتها)لأمد ـ ليس أو ربما ـ بعيد..!!
#تحسين_كرمياني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
سر هذا الضحك
-
من سيربح العراق
-
لا تلعنوا آب رجاء..
-
هل حقاً كاد أن يكون رسولا..
-
ما الشعر
-
لغة الثقافة ولغة السلطة..تاريخ شائك بالتحديات
-
أصل الكورد والبحث عن الهوية
المزيد.....
-
وزير الدفاع الإيطالي: سيتعين علينا اعتقال نتنياهو وجالانت لأ
...
-
كندا تؤكد التزامها بقرار الجنائية الدولية بخصوص اعتقال نتنيا
...
-
بايدن يصدر بيانا بشأن مذكرات اعتقال نتانياهو وغالانت
-
تغطية ميدانية: قوات الاحتلال تواصل قصف المنازل وارتكاب جرائم
...
-
الأمم المتحدة تحذر: توقف شبه كامل لتوصيل الغذاء في غزة
-
أوامر اعتقال من الجنائية الدولية بحق نتانياهو
-
معتقلا ببذلة السجن البرتقالية: كيف صور مستخدمون نتنياهو معد
...
-
منظمة التعاون الإسلامي ترحب بإصدار المحكمة الجنائية الدولية
...
-
البنتاجون: نرفض مذكرتي المحكمة الجنائية الدولية باعتقال نتني
...
-
الأونروا: 91% من سكان غزة يواجهون احتماليات عالية من مستويات
...
المزيد.....
-
مبدأ حق تقرير المصير والقانون الدولي
/ عبد الحسين شعبان
-
حضور الإعلان العالمي لحقوق الانسان في الدساتير.. انحياز للقي
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
فلسفة حقوق الانسان بين الأصول التاريخية والأهمية المعاصرة
/ زهير الخويلدي
-
المراة في الدساتير .. ثقافات مختلفة وضعيات متنوعة لحالة انسا
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نجل الراحل يسار يروي قصة والده الدكتور محمد سلمان حسن في صرا
...
/ يسار محمد سلمان حسن
-
الإستعراض الدوري الشامل بين مطرقة السياسة وسندان الحقوق .. ع
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
-
نطاق الشامل لحقوق الانسان
/ أشرف المجدول
-
تضمين مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج الدراسية
/ نزيهة التركى
-
الكمائن الرمادية
/ مركز اريج لحقوق الانسان
-
على هامش الدورة 38 الاعتيادية لمجلس حقوق الانسان .. قراءة في
...
/ خليل إبراهيم كاظم الحمداني
المزيد.....
|