عزيز الدفاعي
الحوار المتمدن-العدد: 2364 - 2008 / 8 / 5 - 07:31
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
(كركوك عمامتي التي لا اقبل ان تسقط عن رأسي ماحييت ) اية الله العظمى السيد علي السيستاني
يستعين البعض من المراقبين بتجزأة الاحداث للوصول الى نتائج قد تعين على رسم سيناريو المستقبل, ويضطر اخرون الى الاستعانة بالعرافين والمنجمين.
وحين تتعطل ادوات التحليل ضمن قوانين السياسة المعاصرة يلجا البعض الى قوانين الطبيعة لتفسير الاحداث واستنسال الرؤيا والاستبصار الحذر, دون ان يدعي احد ما امتلاك الحقيقة كاملة او ان لديه عيون زرقاء اليمامة بالوراثة السياسية او الجينية!.
لكن الموضوعية والحياد في تحليل أي ظاهرة بعيدا عن الانحياز لهذا الطرف اوذاك يستوجب تحليل الابعاد الثلاثة للقضية وهذا ماسنسعى اليه في قراتنا (لملف كركوك).
تقول قوانين الكيمياء.. التي تستند على التجارب والاستنتاج:- ان الفرق بين المركب والخليط (أي بين التوافق والانسجام التام)هو ان الاول ناجم عن اتحاد عنصرين او اكثر يفقدان خصائصهما ومن الصعب فصلهما, اما الخليط فأن مكوناته تبقى غير منسجمة وقابله للفصل والتجزئة بيسر.
ويقول القانون الثاني للديناميكيا الحرارية (في نظام مغلق يجب ان تسود الفوضى والاضطراب بمرور الزمن)...
حكمة الله تعالى ان يكون نظام الكون مغلقا, وان تكون حركة الكواكب والنجوم مغلقة,....جسد الانسان والحيوان نظام مغلق ,دورة الحياة في النباتات هي ايضا نظام مغلق ,لهذا السبب تسود الفوضى بمرور الوقت وتتراكم المشكلات وتتزايد ثم لا يستطيع النظام الحفاظ على ذاته فينفجر ويتهاوى .....هكذا هي نهاية التاريخ والخليقة!......
يمكننا اذا ان نطبق هذا القانون على جميع الاشياء والظواهر التي نعيشها وتحيط بنا وسوف نكتشف الى أي حد ان هذا القانون دقيق وحاسم في حياتنا .
لكن هل يمكن ان ينطبق هذا القانون على الاوضاع السياسية ؟؟هل يمكن اعتماده في تفسير الحالة السياسية الراهنة في العراق؟لنرى هل سيساعدنا على فهم عقدة كركوك ؟
تمهيد لابد منه.......
ساد الحياة السياسية في العراق فترة طويلة من الجمود والتحجر بفعل الخوف والتغييب للشخصية الوطنية العراقية بعد سقوط الخلافة العباسية في بغداد على يد المغول, ولم تتحرك موجة واحدة في دجلة والفرات على مدى ثمانية قرون من الهيمنة العثمانية, لكنها اهتزت بشدة بفعل تأثير اوروبي هو الاحتلال البريطاني خلال الحرب العالمية الاولى الذي دفع بشدة بفعل (قانون القوى المتعادلة)الذي صاغه الامريكي غالبرث الى ظهور اول حزب سياسي هو (جمعية النهضة) في النجف و(حركة الجهاد) الديني والوطني ضد الاحتلال .
ثم سادت فترة اخرى من الجمود السياسي حين امسك المكون السني الوريث تأريخيا للسلطة مفاتيحها وتحفظ الشيعة , وبقي الاكراد مشدوهين بعد خديعة (اتفاقية سيفر)ولم تظهر دولتهم الحلم بل رسمت الحدود الجديدة فواصل بين قومية كبيرة لا تملك من حاضرات( كردستان الكبرى) سوى الخارطة وتجربة (جمهورية مهاباد) اليتيمة المغدورة .
واهتزت مياه النهرين ثانية دون امتدادات حين حاول الضباط السنة بقيادة رشيد على الكيلاني القيام بانقلاب ضد الاحتلال ضمن تقاليد انقلابات الجنرالات الذين ورثوا بكر صدقي, لكن المحاولة فشلت وقدم البريطانيون مفاتيح السلطة للشيعة الذين تولى اربعة رؤساء وزراء منهم الحكومة حتى نهاية الحقبة الملكية رغم تحفظ مرجعياتهم الدينية على ذلك .
وتحركت الموجة مرة اخرى بعد انقضاء الحكم الملكي ونجاح جبهة الاتحاد الوطني وقوى اليسار الماركسي التي اسست( للجمهورية الاولى) التي اجهضت عام 1963لتفتح الطريق لاحقا لسلسلة من الانقلابات التي رسمت ملامح( الجمهورية الثانية) والتي مهدت و كرست دولة العشيرة والطائفة والقائد التأريخي في (الجمهورية الثالثة) حيث اختزلت الدولة والسلطة والقرار في (مجلس قيادة الثورة) الذي اختزل بالقائد الضرورة وذاته السلطوية المقدسة التي جسدتها آلاف التماثيل المزروعة له في مدن العراق لتطل بعيونها على الشعب الذي استحضر( القائد الضرورة)في احلامه وكوابيسه .
وهل كانت للعراقين احلاما انذاك ؟
كان يمكن للجمود والتحجر ان يستمر لثلاثة عقود ونصف لولا دور العامل الخارجي الذي كسر النظام المغلق بحثا عن محتوى وشكل جديد وافق يختلف تماما عن الافق القديم, وقد حدث ذلك للمرة الخامسة في نيسان 2003 ليؤسس لنظام( الجمهورية الرابعة) في العراق التي كان من ابرز معالمها الاسلام السياسي والفدرالية والمحاصصة والتوافق .
الاستنتاج الجدلي للتأريخ العراقي يظهر انه منذ ان اسس سرجون الاكدي الدولة العراقية قبل 4376 عاما ,حين ادرك اهمية منابع النهرين في كردستان للوسط والجنوب (ارض السواد)وحتى وطأت الدبابات الامريكية ظهر جسر الجمهورية بدلالاتها السياسية بهشاشة نظام الجنرالات ودولة الحزب الواحد, ظهر ان العامل الخارجي كان دوما قادرا ومؤثرا على كسر دائرة الانغلاق السياسي....
كيف لا وهو الذي رسم شكل الخارطة ومنع حصول الاتراك بالامس على ولاية الموصل .
لكن المفارقة المحيرة التي لابد ان تثير اسئلة كبيرة هي ان كثيرا من الامبراطوريات البائدة والسائدة وجدت في احتلال العراق صكا يثبت عظمتها الكونية المطلقة, لكنها سرعان ما اصيبت (بلعنة سرجون الاكدي) وتهوات بعد سنوات وجيزة ,والذي لايصدق فليقرا التاريخ من الاسكندر المقدوني حتى افول التاج البريطاني المعظم !!
المشروع الامريكي في العراق لم يحمل معه حلولا جاهزة لبرميل البارود من فسيفساء التعدد العرقي والديني والعقائدي والسلوكي الذي يسميه البعض جزافا (باقة ورد) حين توهمنا و اصبنا بالصدمة في ساحة الفردوس.
كان هناك تصور لدى مراكز الابحاث في (جورج تاون)ان كسر الانغلاق لوحده كفيل بخلق تفاعلات ستقود في المحصلة الى تحرير القوى العلمانية واللبرالية والمغيبين سلطويا رغم ان ورقة المعارضة التي شرعنت الغزو كانت دينية و قومية .وهنا اخطا من راهنوا على تجربة المعسكر الاشتراكي بعد سقوط جدار برلين عام 1989 وامكانية تكرارها في العراق .
تصور العراقيون ان الولايات المتحدة التي ازاحت النظام البعثي خلال ثلاثة اسابيع من الممكن ان تحقق المعجزات السياسية والاقتصادية, ولم يدرك الا قلة قانون عمل الديناميكيا الحرارية في بلد احيط بانظمة مجاورة طالما شعرت بالغضب او الزعل والخوف مماحدث من تغير خطير في بغداد في نيسان 2003 ولم يكن العراق البلد الملائم لتحريك كرة البليارد السياسي بعد 11 سبتمبر ضد الانظمة الجمهورية والملكية المحيطة به التي تحركت بذكاء ودهاء لاستخدام الورقة الدينية ضد الشيعة والاكراد بما اغرق البلاد في اتون حرب طائفية لم يعرفها العراق في تأريخه ابدا .
لنقرب الصورة اكثر بأستخدام المفردات والمرجعيات :
الاشتراكية ,الرأسمالية ,الجمهورية الاسلامية,المظلومية,الانقلاب ,الطائفة,الزعيم الاوحد,الدين والعشيرة,التعددية,الحزب الواحد,الجبهة الوطنية,التحالفات,الطريق الوطني الديمقراطي ,الاشتراكية العربية,الهوية الوطنية,حقوق الاقليات,حركة عدم الانحياز,الاوبك ,الاصلاح الزراعي ,التأميم, ,التخطيط,مفردات رافقت الملكية والجمهوريات الاربع دون وعي كامل حتى لدى النخبة بأبعادها وتجلياتها الحقيقية على الارض وتفاعلاتها في الوجدان العراقي .
ولنقربها مكانيا:
الكويت ,الاحواز,الموصل,شط العرب,كركوك,الحياد.....شكلت قنابل تفجرت في ايدي الكثير من قادة الدولة العراقية, ونحر بسببها اغلب زعماء العراق الحديث ,وسالت دماء غزيرة وبددت ثروات وانتهكت سيادة العراق ومصالحه وخسرنا اغلب هذه القضايا.... ضاعت الاحواز واخرجت من الخارطة, ولا اريد ان اعلق شيئا حول الكويت! ,تقاسمنا شط العرب مع ايران .... فهل هناك بقية؟
ولنقرب الصورة نخبويا :
فيصل الاول,عبد الاله ,نوري السعيد,جعفر ابو التمن ,ياسين الهاشمي ,ارشد العمري,محمد الصدر,بكر صدقي,الجومرد ,عبد الوهاب مرجان,صالح جبر,مله مصطفى البرزاني ,يوسف سلمان يوسف ,عبد الناصر ,عبد الكريم قاسم,عبد السلام عارف,احمد حسن البكر,محمد حديد ,عزيز محمد ,كامل الجادرجي,محمد باقر الصدر,عارف البصري,طاهر يحيى,ميشيل عفلق ,فؤاد الركابي,عبد الخالق السامرائي,خير الدين حسين,طالب شبيب,محمد محمد صادق الصدر,سعدون حمادي,عزيز الحاج,صدام حسين وغيرهم ....علامات بارزة في سياسة النخبة وصناعة القرار كان يمكن ان يساهم عطائها في ظل نظام دستوري مدني سلمي تراكمي في بناء الدولة وخلق مركب وطني يصوغ المواطنة العراقية في اطار التعددية ضمن هوية عراقية مشتركة, لكن الحسابات السياسية والاديولوجيا والعقائد المنغلقة والتبعية والانقلابات اجهض بناء الدولة وترسيخ مفاهيم المواطنة بغض النظر عن القومية والطائفة .
ان التحليل الماركسي قد يجد صدقا في تفسير تجليات الحالة العراقية هنا تأريخيا او مايصفه هيغل( بمكر التاريخ) ويفسره الاسلام السياسي بانه قضاء الله وقدره !.
ان افراط البعض من قادة العراق في تفسيرمفهوم السيادة كمعنى مطلق لايستند على فهم واضح لتأثير القوى السياسية والاقتصادية الكبرى في العالم وتداخل المصالح والمدفوع في كثير من الاحيان بهدف الاحتفاظ بالسلطة والظهور بثياب القائد الذي لا تنحني هامته امام الغرباء, بأستثناء شخصيتين هما محسن السعدون الذي ادرك قواعد لعبة الامم ,ونوري السعيد الذي طبقها بحنكة ودهاء ومكر.
لقد القى اغلب ساسة العراق اوراقهم في هذه السلة الدولية او تلك دون وعي تام بميزان القوى الدولية والاقليمية ولم يراهنوا ابدا على حصان رابح ....لم نعرف في سياستنا الخارجية او الداخلية شيئأ اسمه (اوراق الضغط)والمساومات والمصالح البعيدة المدى, وانصب اهتمامنا على الاعلام السلطوي حتى اليوم .ولم ننفق أي شي يذكر على مراكز الابحاث التي هي المصنع الوحيد في جميع دول العالم لصناعة القرار والموقف الصائب والصحيح.
ان المفارقة ان اغلب من ساهموا في صناعة التأريخ العراقي الحديث ملكيا وجمهوريا حتى هذه اللحظة كانت لهم صلات مباشرة بشكل او باخر مع جهات اجنبية, دون ان يقلل ذلك او يطعن في ولاء ونزاهة الكثيرين منهم. لكن اول شي كانوا يقومون به بعد تسلمهم للسلطة هو السعي لنفض ايديهم من الحلفاء الخارجيين الذين اوصلوهم للقصر الجمهوري للحصول على برائة ذمة وطنية بهدف الظهور بصورة الزعيم الوطني النزيه امام الملايين من العراقيين .
التأريخ السياسي العراقي المعاصر لم يشهد قدرة داخلية نخبوية على كسر النظام المغلق والبعد الواحد وصياغة مركب وطني او القدرة على صياغة الهوية الوطنية بعيدا عن تأثيرات الدين والقومية والطائفة بل احتفظ كل مكون بصك ملكيته لجزء من هذه الدولة رغم انها اقدم كيان سياسي في التأريخ شرع اول دستور, بينما نجحت دول ظهرت على سطح الخارطة الكونية خلال عقود قليلة منصرمة في تحقيق هذا الهدف مثل ماليزيا رغم تعدد قومياتها واديانها واعراقها وهي دولة مسلمة ايضا .
لم يفاجئنا السفير بول بريمر في الحوار الذي اجرته معه هذا اليوم( قناة الحرة) بتكرار ادعاءاته السابقة التي اوردها في كتابه والدفاع عن سياسته في العراق بعد سقوط النظام السابق فما فعله هو الاستجابة لمطاليب تقاسم السلطة بين من يفترض انهم جاءوا لبناء دولة موجدة ديمقراطية دستورية.
والا بماذا نفسر الفشل في حل ازمة كركوك حتى هذا اليوم؟
عندما سئل الفيزيائي البريطاني (ستيفن هوكينج) واضع قانون الديناميكيا الحرارية عما يعنيه بالنظام المغلق قال(راقبوا وحسب منزل هجره سكانه .......)!
#عزيز_الدفاعي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟