أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أحمد جميل حمودي - التربية المقارنة: تاريخانية المجال ومراحله المتطورة(3)















المزيد.....


التربية المقارنة: تاريخانية المجال ومراحله المتطورة(3)


أحمد جميل حمودي

الحوار المتمدن-العدد: 2363 - 2008 / 8 / 4 - 10:40
المحور: التربية والتعليم والبحث العلمي
    


يمكن القول بأن التربية المقارنة مجال قديم وحديث في الوقت نفسه. فان الاهتمام بوصف النظم التعليمية الاجنبية او التعرف عليها يرجع الى زمن طويل يصعب تتبع بدايته على وجه التحديد. الا انه يمكننا تقسيم تاريخانية المجال الى مرحلتين متمايزتين/فاصلتين:
1-مرحلة ما قبل التأريخ العلمي للتربية المقارنة:
ربما كان اول من اهتم بدراسة مرحلة ما قبل التاريخانية العلمية للتربية المقارنة هو شنايدر المؤرخ الالماني المعروف, وتلاه في ذلك بريكمان.... لكنه من الملاحظ ان دارسو التربية المقارنة درجو على التأريخ لها بروادها الاوائل من الاوربيين والامريكيين, على الرغم من ان بين العلماء العرب من يستحق عن جدارة ان يذكر على انه من روادها ايضا. ويأتي في مقدمة هؤلاء ابن بطوطة وابن جبير وابن خلدون. فقد تعرض ابن بطوطة في رحلته المشهورة المسماة " تحفةالنظّار في غرائب الامصار وعجائب الاسفار" الى اشارات عن المدارس وانماط التعليم في بعض البلاد التي زارها. فهو مثلا وصف المدرسة المستنصرية التي تنسب الى الخليفة المستنصر بالله في القرن الثالث عشر في بغداد, " لكل مذهب( من المذاهب الاربعة المعروفة) ايوان فيه المسجد وموضع التدريس وجلوس المدرس في قبة خشب صغيرة على كرسي عليه البسط, ويقعد المدرس عليه السكينة والوقار لابسا ثياب السواد معتمّا(لابسا العمامة) وعلى يمينه ويساره معيدان يعيدان كل ما يمليه....".
كذلك ابن جبير الرحالة العربي المشهور وصف في القرن الثاني عشر مدارس بغداد واهمها المدرسة النظّامية. اما ابن خلدون فقد كتب في مقدمته فصلا ممتعا عن تعليم الولدان واختلاف مذاهب المدن الاسلامية في طرقه( طرق التدريس). " فأما اهل المغرب فمذهبهم في الولدان الاقتصار على تعليم القرآن فقط واخذهم اثناء المدارسة بالرسم ومسائله واختلاف جملة القرآن فيه, لا يخلطون ذلك بسواه في شي من مجالس تعليمهم...... وأما اهل الاندلس فمذهبهم تعليم القرآن والكتاب من حيث هو, وهذا هو الذي يراعونه في التعليم فلا يقتصرون لذلك عليه فقط. بل يخلطون في تعليمهم للولدان رواية الشعر في الغالب والترسّل واخذهم بقوانين العربية وحفظها وتجويد الخط او الكتاب. وأما اهل افريقية فيخلطون في تعليمهم للولدان القرآن بالحديث في الغالب ومدارسة قوانين العلوم وتلقين بعض مسائلها......". وربما كان من الاشارات القليلة التي يعترف بها كاتب غربي بفضل ابن خلدون ما ذكره بريكمان من ان ما كتبه ابن خلدون عن اوجه التشابه والاختلاف الثقافي والتربوي في مختلف المجتمعات يؤهله بدون تحيز لان يكون باحثا في التربية المقارنة.
2-مرحلة التأريخ العلمي للتربية المقارنة:
اما التربية المقارنة كميدان من ميادين الدراسة فتعتبر حديثة النشأة نسبيا. فما قبل الحرب العالمية الثانية كانت ماتزال التربية المقارنة في مهدها, على الرغم من وجود رواد مهمين امثال "ماثيو ارنولد" في القرن التاسع عشر بتقاريره عن التربية في اوربا, وكاندل في القرن العشرين بما كتبه عن النظم التعليمية في الدول المختلفة. ومنذ منتصف العقد الخامس للقرن العشرين أي سنة 1945 بدأت اليونسكو تسهم بنشاط في الدراسات المقارنة وبمطبوعاتها التي تنشرها عن التربية ومشكلاتها في بلاد العالم المختلفة. وكثير من المواد التي ظهرت في ميدان التربية المقارنة كانت بالضرورة ذات طابع وصفي تحليلي. ونضرب ببعض الامثلة من هذه المساهمات في المجال المذكور, منها ما كتبه سنة 1930 كل من هانز وهسن كتابهما عن "السياسة التعليمية في روسيا" , وفي سنة 1933 كتب كاندل كتابا بعنوان"دراسات في التربية المقارنة" Studies in Comparative Education , وفي سنة 1939 نشر مايرMeyer كتابه عن "تطور التعليم في القرن العشرين" , وفي سنة 1949 نشر هانز كتابه عن التربية المقارنة....... وغير ذلك من الدراسات والكتب. واستطيع القول ان هذا الانتاج المعرفي في المجال ينتمي الى مرحلة الوصف والتحليل ولتبدأ بعدها في نهاية الخمسينات وبداية الستينات مرحلة المنهجية العلمية, فظهرت جهود ومؤلفات جادة في الميدان, من ابرزها ما كتبه كل من نوح واكشتاين بعنوان " نحو علم للتربية المقارنة" 1959 وما سطره بيريداي عن الطريقة المقارنة في التربية سنة 1964, وهولمز مشكلات التربية: دراسة مقارنة سنة 1965 وغرانت Grant عن "المجتمع والمدارس والتقدم في اوربا الشرقية في العام 1969.
دور المراكزوالمنظمات الدولية في تطوير المجال:
يهمنا ان نشير الى ثلاثة مراكز لعبت دورا هاما في تطوير التربية المقارنة وتقدمها , وهي :
-المركز الدولي للتربية بجنيف.
-معهد التربية بجامعة لندن.
-المعهدالدولي لكلية المعلمين بجامعة كولومبيا بنيويورك.
اما منظمة اليونسكو فقد اشرنا الى بعض جهودها آنفا, وكذلك ماقامت به من جهود منظمة التعاون الاقتصادي لدول اوربا OECD, ومن المنظمات التي ساهمت في تطوير المجال البنك الدولي في مجال البحوث والدراسات المقارنة. وهو يعتبر مصدرا هاما للمعلومات بالنسبة للباحثين وغيرهم. الا انه يعاب على دراسات البنك الدولي انها ليست متاحة للباحثين لانها عادة جزء من برامج البنك للمعونة والقروض للدول النامية, ومن الدراسات الهامة التي نشرها البنك واثارت اهتماما كبيرا: التربية جنوب صحراء افريقيا 1988 على الرغم من الانتقادات التي وجهت للسياسات المبطنة في هذه الدراسة. ومما يزيد من اهمية هذه الدراسات التي يقوم البنك بها ان جهود اليونسكو في مجال الدراسات المقارنة بدأ يتضاءل في السنوات الاخيرة الى حدّ كبير. وبالنسبة للمنطقة العربية نلاحظ تضاؤل جهود المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم (الاليكسو- تونس) في مجال الدراسات العربية المقارنة في السنوات الاخيرة, بعد ان كانت منشورات المنظمة مصدرا مفيدا للدارسين والباحثين في التربية المقارنة. لكن من ناحية اخرى يجب الاشادة بجهود مكتب التربية العربي لدول الخليج, الذي يقوم بنشر دراسات واحصاءات تعليمية هامة تعتبر مصدرا مفيدا للدارسين والباحثين وان كانت غالبيتها خاصة بدول الخليج العربية.
الموسوعات والمجلات الدولية في مجال التربية المقارنة:
من التطورات الهامة ظهور موسوعات التربية الدولية المقارنة في السنوات الاخيرة, والتي تعتبر مرجعا رئيسيا هاما لكل باحث في الميدان. ومن اهم هذه الموسوعات: الموسوعة الدولية للتربية بأجزائها العشرة وناشر الموسوعة هيئة بريطانية متعددة الجنسيات وتصدر الموسوعة بشكل طبيعي باللغة الانجليزية. اما مجلات التربية المقارنة والتي تعتبر مصدرا حيويا للباحثين لانها تحتوي على دراسات ومعلومات حديثة ومتجددة باستمرار. منها:
- مجلة التربية المقارنة التي تصدرها الجمعية الامريكية للتربية المقارنة والدولية.
- مجلة التربية الكندية والتربية العالمية.
- مجلة التربية المقارنة/انجلترا
- مجلة التربية الدولية / معهد اليونسكو للتربية في هامبورج بألمانيا.
وهناك مجلات تربوية متخصصة تنشر دراسات مقارنة من اهمها:
- Journal of Education policy ,Washington
- Journal of Education Administration ,England
- The International Journal of Higher Education and Educational planning ,British

مراحل تطور التربية المقارنة:
درج دارسو التربية المقارنة على تقسيم المراحل التي مرت بها التربية المقارنة في تطورها الى ثلاث مراحل متمايزة, اتسمت كل مرحلة بسماتها الاساسية وروادها ومناهجها الخاصة. وسنحاول ان نعرض لتطور التربية المقارنة في ضوء المراحل التالية:
1-المرحلة الأولى: مرحلة النقل والاستعارة
تعتبر هذه المرحلة بداية التاريخ العلمي للتربية المقارنة. ويعود تاريخها الى العقد الثاني من القرن التاسع عشر, وعلى وجه التحديد سنة 1817 عندما نشر "مارك انطوان جوليان" الباريسي كتابه المعروف" خطة ونظرات مبدئية عن عمل في التربية المقارنة". ويعتبر جوليان الرائد الاول لهذه المرحلة, ولذلك يشار اليه عادة على انه ابو التربية المقارنة ومؤسسها. والذي اهّله لذلك ما يشير اليه دارسو التربية المقارنة من منهجه التحليلي المرتّب. ويصفه بيريداي بانه اول دارس للتربية المقارنة يتميز بالعقلية العلمية, وان هذا هو الذي جعله يبدأ المرحلة الاولى لدراسة التربية المقارنة. ويقول كازمياس ان جوليان كان يعتبر علم التربية المقارنة مشابها لعلم التشريح المقارن. ومن رواد هذه المرحلة ايضا "فيكتور كوزان"(1792-1867) في فرنسا الذي وصف في تقريره عام 1831 التربية في بروسيا وصفا مباشرا. وعبر فيه عن اعجابه بجوانب كثيرة منها, وبصفة خاصة ما يتعلق منها بطابعها العالماني وادارتها المركزية وكفاءة المدارس وفعالية الاجهزة التعليمية في تحقيق الاهداف القومية. وقد كان لهذا التقرير اثره على الآراء التربوية في كل من فرنسا وامريكا وانجلترا. وكان كوزان يعتقد ان عظمة الشعوب لا تتحقق بكونهم غير مقلدين وانما بالتقليد النافع والمفيد لما لدى الشعوب الاخرى والاستفادة منها مهما كان. وكذلك من رواد هذه المرحلة "هوراس مان"(1796-1859) في امريكا والذي ضمّن تقريره السابع الذي كتبه سنة 1843 بعد قضاء ستة اشهر في اوربا عدة مقارنات بين هذه الدول من حيث تنظيم المدارس وطرائق التدريس. ودعا الى عدم صبغ التربية بالصبغة الطائفية, وزيادة تدخل الولاية في التعليم. وكان يعتقد ان المشكلات الراهنة لها جذورها التاريخية التي توضحها وتشرحها وتلقي الضوء عليها. وكان يرى ضرورة تحقيق التقارب الاجتماعي بين الطبقات الغنية والفقيرة في التعليم, بحيث يجمع اولادهم في مدرسة واحدة. وقد توّج جهاده عندما نجح سنة 1840 في انشاء اول مدرسة ابتدائية عامة. ولذلك يعتبر مان ابو المدرسة العامة في امريكا.وقد سار على خطى مان, "هنري برنارد"(1811-1900) فكان معجبا مثله بالافكار التربوية البروسية. وايضا كان كهوراس مان من انصار فكرة المدرسة العامة. ومعظم المواد التعليمية التي جمعها من النظم التعليمية الاخرى تاريخية وصفية. ومن اقطاب هذه المرحلة كذلك "ماثيو ارنولد"(1822-1888) الانجليزي الذي في كتابه "التربية الديمقراطية" عقد مقارنة بين التربية في فرنسا وانجلترا. وقام بتسجيل ملاحظاته الدقيقة حول الفروق المتعلقة بشخصية الامة وطابعها. ونادى بضرورة تنظيم التعليم الثانوي في انجلترا. وكان يعتقد ان ذلك سيؤدي بالضرورة الى ترقي الطبقات المتوسطة في انجلترا عن طريق التعليم, ولعل هذه النظرة سبقت عصرها حيث بلغت رؤية الحراك الاجتماعيSocial Mobility عن طريق التعليم أوجها في الستينات والسبعينات من القرن العشرين. ونختم برواد هذه المرحلة ب"اوشنسكي" الروسي(1824-1870) الذي استطاع ان يعقد مقارنات واعية ,عرضها بدقة وتحديد. وقد اعترف اوشنسكي بالفروق القومية, واكد عدم امكانية نقل التقاليد القومية التي تؤثر في التربية, ولكنه مع هذا اقترح امكانية نقل انظمة عقلانية وفكرية من دولة لاخرى. ومن خلال تصنيفاته للنظم التعليمية وتطبيقاتها ومشكلاتها توصّل الى بعض المباديء العامة. ومنها قوله بأن اسلم اساس لاصلاح التعليم يتوقف على الرأي العام للشعب.
المرحلة الثانية: مرحلة القوى والعوامل الثقافية
هي المرحلة التي احتلت النصف الاول من القرن العشرين. وقد شهدت هذه الفترة نشاطا كبيرا, مثل ظهور دائرة المعارف التربوية التي كتبها بول مونرو في خمسة اجزاء بين عام 1911 و1913 . ودائرة المعارف التي اعدها فوسترواطسون في اربعة اجزاء بين 1921-1923 , والكتاب السنوي للمعهد الدولي في التربية الذي اصدره كاندل في الفترة بين 1925-1944 ...... وغير ذلك من المطبوعات التي يصفها هانز بقوله:" ومهما كانت قيمة الافكار التي تضمنتها هذه المطبوعات عن النظم الاجنبية فان الهدف الرئيسي كان ذا طابع نفعي عملي لاصلاح التعليم". ويعتبر "مايكل سادلر" عادة مؤسس هذه المرحلة ورائدها. وان كان قد سبقه ليفازير الفرنسي وتبعه على الطريق كل من فردريك شنايدر في المانيا وكاندل واوليخ في امريكا وهانز ومالينسون ولاواريز في انجلترا وروسللو في سويسرا. وجميعهم اهتموا بالأسس التربوية والقوى والعوامل الثقافية والاجتماعية التي تستند عليها التربية في الدول المختلفة. وجميع هؤلاء اتجهوا في تفسير الاختلافات بين الظواهر التربوية الى الملاحظات الدقيقة المضبوطة داخل النظام المدرسي وخارجه. وكان عملهم مدفوعا بالاتجاهات الانسانية التحررية .ووجدوا في التربية أحسن أمل للانسان. ووجدوا في التربية المقارنة أعظم الامكانيات لتحسين المدرسة والمجتمع.
وتحت تأثيرهؤلاء انتقلت التربية المقارنة من مرحلة جمع المعلومات الوصفية الى المرحلة التحليلية التفسيرية للعوامل المختلفة التي تؤثر على نظم التعليم .ويسمي بيريداي هذه المرحلة بمرحلة "التنبؤ" لأن هدف هذه الدراسات المقارنة لم يكن الاستعارة ،وانما التنبؤ بمدى امكانية نجاح نظام التعليم في بلد ما على أساس ملاحظة الخبرات المشابهة للدول الاخرى. وكان الاهتمام بالدراسات المقارنة في هذه الفترة لحماية الاصلاحات التعليمية والتنبؤ بما يحتمل حدوثه اذا سار الاصلاح في نفس الاتجاه الذي سار فيه في دولة اخرى مع مراعاة اختلاف الظروف.
ويعتبر "كاندل"(1881-1965) من اشهر رجال هذه المرحلة بل من اشهر رجال التربية المقارنة. وكان كاندل يرى أن وظيفة التربية المقارنة ليست المفاضلة بين النظم التعليمية او تحديد أيها أحسن .ان القيمة الحقيقية للتربية المقارنة هي اغناء واخصاب افكارنا وتفكيرنا, وهنا يشير كاندل بوضوح الى البعد الاكاديمي للتربية المقارنة.وكان كاندل لايكتفي بالوصف، انما بالتفسير والشرح.وكان يهتم بشرح العوامل التي تسبب حدوث ظاهرة تعليمية ما، أو خصائص تربوية معينة .وقد نظر كاندل الى الثقافات التي درسها من منظور تاريخي وحاول أن يؤكد الطابع القومي لكل منها. وقد أكد كاندل في منهجه المقارن ان هناك قوى معينة سياسية واجتماعية وثقافية تحدد طابع النظم القومية للتعليم . وقد ردد بصورة اخرى العبارة الشهيرة لسادلر :" ان ما يحدث خارج المدرسة يحدد ما يحدث بداخلها بل قد يكون اهم منه". ويتبع "هانز"(1888-1969) , كاندل من حيث اهمية مساهماته في هذه المرحلة. وقد اعترف هانز بانه مدين لكاندل الذي اكد اهمية المنهج التاريخي في التربية المقارنة. مع ان كاندل لم يصل في تحليل العوامل التي توصل اليها بنفس التفصيل الذي نجده لدى هانز. وقد اعتبر هانز ان الخطوات الرئيسية للتربية المقارنة تتمثل في دراسة كل نظام قومي للتعليم على حدة في اطاره التاريخي وارتباطه بالطابع القومي والثقافية القومية، وكذلك جمع المعلومات عن النظم القائمة للتعليم في الدول المختلفة.وتتركز نظرية هانز حول نقطة هامة هي ان النظم القومية للتعليم تمثل التعبير الخارجي للنمط القومي وشخصية الامة، بمعنى انها تكشف عن شيء مميز للشعب الذي تنبت فيه. وقد اشار هانز الى العوامل التي تعمل على تكوين الامة المثالية,وربما تأثر بفكرة هيجل عن الامة الذي اعتبر ان احسن نموذج لها هو ان تكون من قومية واحدة .وقد حدد هانز خمسة عوامل لهذه الامة المثالية هي: 1- وحدة الجنس 2- وحدة الدين 3- وحدة اللغة 4- وحدة الارض 5- السيادة السياسية.
ويعتبر "مالينسون"(1890- ) من اتباع مدرسة كاندل وهانز وشنايدر وهو يولي اهتماما كبيرا للتفصيلات التاريخية. ويهتم ايضا في تفسير الحركات التي تلقي الضوء على التربية. فهو ينظر الى التربية في ضوء حركات عامة على مدى زمني كبير كتفسيره للقرن التاسع عشربأنه قرن الثورة الصناعية وما يترتب عليها من خلق الحاجة الى افراد متعلمين.ان لب منهجه يتمركز حول فكرته عن "النمط القومي" وتأثيرها على تشكيل الطابع القومي للتعليم. ويقول مالينسون ان هناك اتفاقا على ان الهدف من التربية هو اعداد المواطن للحياة الديمقراطية. بيد ان المفهوم يختلف من بلد الى بلد اخر. لان كل بلد تفسره بما يساعدها على بناء نمطها القومي. ويرى مالينسون ان شخصية الامة او نمطها القومي هو الذي يشكل آمالها واهدافها ومؤسساتها الاجتماعية والسياسية والثقافية. ويدلل مالينسون على وجهة نظره بامثلة كثيرة من الشعب البلجيكي .ويقابل بين النمط القومي الالماني والايطالي مشيرا الى انه السبب وراء النجاح الذي حققه هتلر والفشل الذي مني به موسولينيي. ولكن ماذا يقصد مالينسون بالطابع او النمط القومي؟ وللاجابة على هذا السؤال يجب ان نذكر اربع مكونات اساسية هي الوراثة, والبيئة, والتراث الاجتماعي والتربية . ومن الواضح انه بهذا يتشابه مع هانز بدرجة كبيرة. ويرى مالينسون انه من الممكن حدوث تغيير بطىء في الطابع القومي نتيجة عدة عوامل من اهمها:
1-منافسة المجموعات الاكثر تقدمية، ومن ثم الصراع من اجل البقاء القومي.
2- الاكتشافات العلمية.
3- تقديم معتقدات جديدة وتقبلها تدريجيا .
4-التربية بما لها من تاثيرغير مباشر, من حيث انها تعمل وتؤثر على النوعية الفعلية للمجموعة.
بيد انه يرى ان مثل هذا التغيير يحدث ببطء, بل انه يحذر من ان محاولة استخدام التربية عمدا للتغيير الثقافي القائم الذي يخدمه النظام التربوي محكوم عليها بالفشل مالم يكن هذا التغيير بطيئا ومتمشيا مع النمط القومي.
اما "جوزيف لاورايز" الذي شغل منصب استاذ التربية المقارنة في جامعة لندن منذ سنة 1947حتى 1970, فقد لعب دورا هاما في اثارة التفكير في التربية االمقارنة. وقد عبّرعن عدم رضائه عن مفهوم الطابع او النمط القومي, لكنه اشار الى امكانية تحديد مجموعة من التقاليد القومية نابعة من الاتجاه الفلسفي للشعب. وهو يعتقد ان منهج "النمط القومي" له دور في الكشف عن الحقائق والتفسير, على الرغم من ان هذا المنهج فيه نقاط ضعف من الناحية النظرية. وهو يعتقد انه من الممكن خفض العناصر المكونة او التي يجب اخذها في الاعتبار.ويرى لاوايز ان الطريقة او الاسلوب الاكثر مناسبة هو اسلوب التقاليد الفلسفية ما دام معظم دراسي التربية المقارنة قد استخدموا بصورة ما المنهج الفلسفي . وهو يرى ان هناك انماطا قومية في الفلسفة اواساليب مختلفة للجدل الفلسفي مثل البراجماتية الامريكية والمثالية الالمانية والعقلانية الفرنسية والتجريبية الانجليزية والمادية الجدلية للاتحاد السوفيتي.
المرحلة الثالثة: المنهجية العلمية
تتميز هذه المرحلة بدراسة التربية المقارنة على اساس منهجي علمي واستخدام الاسلوب العلمي ومناهجه في الدراسات المقارنة.ويعتبر ارثر موهلمان رائد هذه المرحلة وتبعه كل من جورج بيرايدي في امريكا وبرايان هولمز وادموندكنج في انكلترا , ويتركز اهتمام موهلمان حول تصنيفه للمشكلات التعليمية وتحليل النظم التعليمية على اساس اطار نموذج نظري.وهو يعتقد ان اي نظام تعليمي هو نسيج مركب بجذوره الى الثقافة المتأصلة لشعبه, ومن ثم كان على باحث التربية المقارنة ان يستخدم كلاّ من الطريقة الثقافية وطريقة الموضوعات. ويقصد بالطريقة الثقافية دراسة المجتمع الذي نشأ فيه النظام التعليمي من حيث ان هذا النظام هو وليد المجتمع بثقافته الاصلية. ويقصد بطريقة الموضوعات دراسة الموضوعات والمشكلات التي تتصل بالنظام التعليمي. ويؤكد موهلمان ان على دارس التربية المقارنة ان يتخذ لنفسه اطارا نظريا يستخدمه في دراسته وتحليله للنظام التعليمي, وان مثل هذا الاطار ينبغي ان يكون مناسبا للتحليل المنظّم للاتجاهات المعاصرة للنظام, وللعوامل البعيدة المدى كالتكنولوجيا والعلوم والعوامل الاقتصادية والفنية, وهو يرى ان مثل هذا الاطار المزدوج يساعد على عمل موازنة بين الادلة والبراهين التجريبية الحالية وبين التاثير المستمر للقيم الثقافية. ويخلص موهلمان من ذلك الى الاشارة الى الحاجة الى ما أسماه بقانون "الشكل او التركيب" الذي يساعدنا على دراسة التربية في شكلها الراهن بل وفي تطورها التاريخي. وهو يقيس على سبيل المثال (النموذج التركيبي) لهرسكوفيتش الذي يتضمن العناصر التالية:
أ- الثقافة المادية ومظاهرها التكنولوجية.
ب- المؤسسات الاجتماعية, وتشمل المنظمات الاجتماعية والتربية والتركيب السياسي.
ج- الفرد والكون والمعتقدات والمقدسات.
د - الفنون الجمالية, وتشمل الفنون الشعبية والزخرفية والموسيقا والرقص.
ه – اللغة.
ويبدو ان ما يقدمه لنا موهلمان على انه اطار نظري ليس اكثر من مجرد تصنيف او توصيف لمجموعة من العوامل التي تبدو احيانا انها غير مرتبطة, والى جانب هذا فانه من الصعب تطبيق مثل هذا الاطار في الواقع, وهناك فائدة قليلة عنما نقتصر على تصنيف المشكلات في قائمة تضم مجموعة من العوامل المرتبطة بعيدة المدى. ولكن على الرغم من هذه الانتقادات فان موهلمان يعتبر رائد المدرسة المعاصرة للتربية المقارنة وهي "المدرسة المنهجية".




#أحمد_جميل_حمودي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التربية المقارنة: الابعاد المتعددة في طور الالفية الجديدة (2 ...
- التربية المقارنة: محدّدات المفهوم (1)
- الاتجاه النقدي( الراديكالي) اليساري: التطبيقات التربوية المم ...
- وظائف الإدارة وتطبيقاتها المدرسية
- العوامل الاجتماعية/ غير المدرسية المرتبطة بالتحصيل الدراسي: ...
- الطفل والأسرة العربية: التفاعلات, بناء الأدوار, القيم..
- القراءة للجميع أم الخبز للجميع؟: واقع القرائية في العالم الع ...
- رفاهية اليأس!
- وداعا ايها المسيري مفكرا ومناضلا
- الأمّية الجديدة:تدني مستوى اللغة العربية عند غير المتخصصين ف ...
- الأسرة العربية والتنشئة الاجتماعية
- هل التعليم عامل ترابط أم استبعاد اجتماعي?
- الاتجاه الراديكالي اليساري: رؤية نقدية للتربية


المزيد.....




- تحقيق CNN يكشف ما وجد داخل صواريخ روسية استهدفت أوكرانيا
- ثعبان سافر مئات الأميال يُفاجئ عمال متجر في هاواي.. شاهد ما ...
- الصحة اللبنانية تكشف عدد قتلى الغارات الإسرائيلية على وسط بي ...
- غارة إسرائيلية -ضخمة- وسط بيروت، ووسائل إعلام تشير إلى أن ال ...
- مصادر لبنانية: غارات إسرائيلية جديدة استهدفت وسط وجنوب بيروت ...
- بالفيديو.. الغارة الإسرائيلية على البسطة الفوقا خلفت حفرة بع ...
- مشاهد جديدة توثق الدمار الهائل الذي لحق بمنطقة البسطة الفوقا ...
- كندا.. مظاهرات حاشدة تزامنا مع انعقاد الدروة الـ70 للجمعية ا ...
- مراسلتنا: اشتباكات عنيفة بين -حزب الله- والجيش الإسرائيلي في ...
- مصر.. ضبط شبكة دولية للاختراق الإلكتروني والاحتيال


المزيد.....

- اللغة والطبقة والانتماء الاجتماعي: رؤية نقديَّة في طروحات با ... / علي أسعد وطفة
- خطوات البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- إصلاح وتطوير وزارة التربية خطوة للارتقاء بمستوى التعليم في ا ... / سوسن شاكر مجيد
- بصدد مسألة مراحل النمو الذهني للطفل / مالك ابوعليا
- التوثيق فى البحث العلمى / د/ سامح سعيد عبد العزيز
- الصعوبات النمطية التعليمية في استيعاب المواد التاريخية والمو ... / مالك ابوعليا
- وسائل دراسة وتشكيل العلاقات الشخصية بين الطلاب / مالك ابوعليا
- مفهوم النشاط التعليمي لأطفال المدارس / مالك ابوعليا
- خصائص المنهجية التقليدية في تشكيل مفهوم الطفل حول العدد / مالك ابوعليا
- مدخل إلى الديدكتيك / محمد الفهري


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - التربية والتعليم والبحث العلمي - أحمد جميل حمودي - التربية المقارنة: تاريخانية المجال ومراحله المتطورة(3)