|
السيد مصطفى الخليل في المحاويل
عدنان الظاهر
الحوار المتمدن-العدد: 2360 - 2008 / 8 / 1 - 11:24
المحور:
سيرة ذاتية
من هو مصطفى الخليل ؟ هو السيد مصطفى علي الخليل والد كل من نزار وعامر وقصي ولؤي والكريمات الثلاث نجلاء كبراهنَّ ثم أُسامة فمأرب . ستبقى ذكرى هذا الرجل المتميز والنادر خالدة لا تنفصل عن تأريح ناحية ( قضاء ) المحاويل والذين عاصروه من أهاليها منذ أواخر ثلاثينيات القرن الماضي حتى قيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 حيث أضطرته مستجدات الثورة إلى تصفية أعماله هناك والإقامة مع عائلته في بغداد. لأبي نزار أقارب في القصبة القريبة من المحاويل والمسماة ( ألبو مصطفى ) تقعُ على ضفاف نهر الفرات / فرع الحلة . كانت لأبي نزار في وسط المسافة تقريباً بين هذه القصبة والمحاويل أرض زراعية خصبة ليست مترامية الأطراف تستقي ماءها من شط المحاويل المتفرع من نهر الفرات . وحين تشح مياه النهر صيفاً وينخفض مستوى الماء فهناك ماكنة لسحب الماء خاصة بمزرعة أبي نزار يقوم على تشغيلها عاملٌ مختص . قلت قبل قليل سوف لا ولن ينسى أهل المحاويل هذا الرجل الفذ المترفع عن الدنايا العفيف اليد واللسان الكريم الرحيم والمتواضع بكبرياء الرجل الذي يعرف قدرَ نفسه بحسبه ونسبه وأخلاقه وما أنجب من بناتٍ وأولاد لا بما كان يملك من أراض ٍ زراعية . كان هو نفسه مَن يتسوق في الصباحات الباكرة فيقصد علوة المخضرات ثم يتجه نحو محل ( حسيّن القصاب ) حيث حصته اليومية منه فخذ خروف إذا كان وحيداً ونصف خروف كامل إذا كان بعض أولاده وبناته معه يقضون بعض الوقت في المحاويل . كان يخرج للتسوق صباحا ً بقامته المديدة بدشداشة بيضاء وعباءة خفيفة والسدارة لا تفارق رأسه. كان يجلس في بعض مقاهي المحاويل ولا سيما مقهى شريكه فيها السيد مجيد المِحِمد ( أبو حميد وشهيد الذي توفيَ للأسف مبكرا ً) مع باقي مرتاديها من فلاحي القرى والأرياف المجاورة وكانت له في هذه المقهى نركيلة خاصة لا يمسها أحد ٌ غير أبي نزار . أما ليلاً صيفاً فكان يرتاد نادي المعلمين بدشداشته البيضاء والعباءة والسدارة مع مسدس لا يفارقه ليلاً . كان يلعب الطاولي في الأغلب مع صديقه وجاره في السكن السيد أحمد عباس ( أبو شهاب ) مدير مدرسة المحاويل الإبتدائية لفترة طويلة قبل أن ينتقل إلى الحلة . كان هو الغالب في اللعب في الكثير من الأحيان إذْ كان أبو نزار لعيبا ً ماهراً لا يُجارى . ألحقَ أبو نزار بالجزء الخلفي من بيته ( طولة ) جمع فيها عدداً من الخيول كان يشارك في بعضها في مباريات الخيول في بغداد ( الريسز ) في حين كان يستخدم البعض الآخر منها وسيلة ً نقل لتفقد مزرعته . إختفت مجموعة الخيول إذ ْ إبتاع أبو نزار سيارة حمراء اللون أمريكية الصنع من نوع ( ميركوري ) كان أول سائق لها هو السيد ( صاحب ) الشقيق الأصغر للحلاق أبي كريم العم إبراهيم المطيري . كان ذلك صيف عام 1949 . كانت المحاويل تزهو وترتدي حلة أعياد حين يأتي في الصيف بعض أولاد أبي نزار وبناته ولا سيما أُسامة ومأرب . لا تغادر البنات الدارَ أبداً لكنَّ الآولاد يغادرون بالطبع ، فنزار الكبير كان سيد لعبة الآزنيف أما عامر فكان إذا زار المحاويل يزورها ومعه مجموعة كتب إذا كان مكملاً في بعض دروسه في كلية الحقوق . أما الآخر قصي فكان مولعاً بالسباحة والرياضة وكان معروفاً بحسن خلقته . كان في خدمة أبي نزار رجل وإمرأة ، أما الرجل فهو حبيب أبو مظهر والمرأة هي الخالة ريمة أم خليل الذي درس فأصبح معلماً فيما بعد وغادر مع أمه المحاويل . من مكارم السيد مصطفى علي الخليل أنه تنازل عام 1945 عن بيته الجميل بحديقته الغناء العامرة بأجود أنواع النخيل وساباط العنب الكبير وقدمها مجاناً لتكونَ أول مدرسة للبنات في المحاويل . فله فضل تعليم وتثقيف بنات المحاويل وكانت الست البغدادية ( فتحية ) أول مديرة لهذه المدرسة . للسيد مصطفى مكرمة أخرى سابقة إذْ تنازل عام 1942 عن بيته ليسكنه مأمور مركز شرطة المحاويل الجديد السيد شفيق فهمي والد أصدقائنا دكتور عدنان الزبيدي والضابط الطيّار خالد الزبيدي . لم يمارس أبو نزار السياسة أبداً لكنه ساهم عام 1948 بنشاط في حملة إنتخاب عبد الوهاب مرجان [ أو آخر غيره ] نائباً عن منطقة المحاويل إذ قام بجمع وتحشيد السراكيل وأغنياء الفلاحين وأعيانهم في المقاهي وأنفق على حضورهم من جيبه الخاص ودارت عليهم كؤوس القهوة من دلة السيد ( عودة ) وربما السجائر . باع أبو نزار مقاطعته وأملاكه في المحاويل ثم إبتاع أو بنى بيتاً في كرادة مريم في طريق القصر الجمهوري ليس شامخ العمارة ولكن خلفه حديقة واسعة جداً . مقتطفات من خصوصيات كريماته وأولاده : أكمل نزار وعامر كلية الحقوق لكنهما لم يزاولا مهنة المحاماة على حد علمي . أما قصيّ فكان في ثانوية الكرخ مولعاً بالرياضة ولعل صديقه معلم الرياضة السيد ( يوسف الباز ) هو من أدخله في هذا العالم . كان في العهد الملكي من بين مشاهير الرياضيين في العراق في لعبتي كرة الطائرة والسلة . أكمل ثانوية الكرخ فدخل كلية الهندسة وتخرج مهندساً مدنياً وعمل مهندسا ً في معرض بغداد الدولي . ليس لدي َّ معلومات عن صغير القوم وآخرهم السيد لؤي حبيب ومدلل أبيه السيد مصطفى . أما البنات فأكبرهنَّ المصون الأخت ( نجلاء ) تأتي بعدها ( أسامة ) ، درست في كلية الآداب وتزوجت أحد أساتذتها لا يحضرني إسمه . أما ( مأربْ ) فهي الأخرى درست في كلية الآداب وخطبها صديق أخيها قصي ّ مدرس الرياضة ( يوسف الباز ) لكنها إعتذرت منه . للسيد مصطفى أخ ٌ أصغر منه كان يوماً في العهد الملكي مديرَ شرطة بغداد إسمه ( جليل ) ، وأظن أنَّ جليل َ هذا هو مَن مكّن أخاه الكبير عام 1957 من الحصول على رقم صغير لسيارتهم الأمريكية الجديدة من نوع ( بلايموث) : رقم 32 بغداد . ما دمتُ أحلّق مسحوراً في فضاء هذه العائلة الكريمة فلا بدَّ من التعريج على صديق العمر أخي الأروع السيد هشام حسن ذياب . هشام هو إبن شقيقة سيدنا مصطفى الخليل وقد أخذ منه الكثير : بياض الوجه وخضرة العيون ومتانة الجسم والعفة والإستقامة قبل هذا وذاك . زار هشام النبيل ربيع عام 1950 الحلة في سفرة مدرسية لطلبة ثانوية أو إعدادية الكرخ فكنا نلتقي يومياً وإلتقطنا مع مجموعة من زملائه العديد من الصور ظلت في حوزتي حتى عام 1978 إذ ْ ضاع الكثير من حاجياتي وكتبي ومقتنياتي وخاصة ً زمن الحرب العراقية ـ الإيرانية الطويلة . كنتُ وقد أكملتُ الخامس الإعدادي وكلما أتيتُ بغدادَ من الحلة لإتمام مستلزمات دخول الكلية وكانت معقدة متشعبة ... كنت في كل مرة أزوره في بيتهم في منطقة الجعيفر ( السوق الجديد ) من كرخ بغداد ومن هناك نتمشى قاطعين شارع الرشيد حتى الباب الشرقي حيث مقهاه المفضلة ومجلته المفضلة روز اليوسف . مراتٍ كثيرة كان يدعوني لمشاهدة بعض الأفلام الأجنبية الجيدة فقد شاهدنا مرة فيلما أمريكياً بطله لورنس أوليفيه وكان هشام معجباً بهذا الممثل . وشاهدنا معاً فيلماً آخر [ من الآنَ وإلى الأبد ] من أبطاله فرانك سيناترا ومنتغمري كلفت . كما لا أنسى أني قبل تلك الفترة أمضيتُ معه ضيفاً في بيتهم ليلة ً كاملة . أتذكر لحظة أنْ دخل والده الحجرة المخصصة لهشام وكنا جالسين فيها أني تسمّرتُ وأصابتني حالة من الشلل الكلي فلم أقف إحتراماً للرجل ولم أستطع السلام عليه وكان ذاك موقفاً مخجلاً لي لا أنساه أبداً . دعاني بعد رجوعي للعراق عام 1970 لتناول طعام الغداء في أحد المطاعم الراقية ثم زارني صيف عام 1971 في بيتي في شارع فلسطين وكان بصحبته أحد أصدقائه من أساتذة كلية الزراعة . كما زارني مرة ً أخرى حاملاً لي بسيارته الألمانية الخاصة كمية ً كبيرة ً من تمور نخيل بيته التابع لكلية الزراعة . كان ولده ( علي ) يومذاك في عامه الثاني وزوجه سيدة من الكرادة الشرقية في بغداد . في إحدى زياراته لكلية العلوم / جامعة بغداد في الأعظمية عرّفني على إبنة عمه وقال إنها زوج الزميل الدكتور عبد الحكيم الراوي فكانت تلك مفاجأة كبيرة . باشر حينذاك دراسته للماجستير أو كان يحاول ؟ لا أتذكر جيداً . أما زلتَ عزيزي هِشام تشتري بين حين وآخر بقرةً وتربيها في مزرعتكم الخاصة في منطقة اليوسفية كما كان دأبك في السابق مُذ ْ أنْ كنتَ ما زلتَ طالباً في كلية الزراعة ؟ أين أنتم الآن يا أصدقاؤنا الأعزاء ؟ ماذا حلَّ بكم في العراق خلال مسلسل إنتقالاته السياسية وما جرى على أرضه من قفزات وتغيرات عنيفة وإنتم الناس الطيبون المسالمون الأخيار ؟ سلامٌ عليكم أهلنا وأحباءنا آل السيد مصطفى الخليل وآل ذياب في الصباح وفي المساء كنتم خيرَخلف لأشرف سَلف . الرحمة لك يا والد الجميع ، الرحمة للرجل الجليل السيد مصطفى علي الخليل . ذكراك لا يمحوها الزمن .
#عدنان_الظاهر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
أمام ثلاث قاضيات في المحكمة
-
متى يسكتُ هذا الناعق ؟
-
قانون الكفاءات أو التفرغ العلمي
-
لقاء رومانسي مع عشتار بابل
-
لا يا هاشمي ....
-
إلى سعدي يوسف / عتاب ثقيل الوزن
-
رواية ليبية لمحمد العريشية
-
مع مظفر النواب في طرابلس [ 1978 1984 ].
-
الهازئون بمبدأ السيادة والساخرون من الوطنية ...
-
تعليق على مقال حول المعاهدة الأمنية الأمريكية ...
-
حول المعاهدة الأمنية العراقية الأمريكية ...
-
شارع الرشيد / ذكريات بغدادية
-
جوليا ... آلهة الشمس في حمص القديمة
-
لعيد مولدها الحادي والثلاثين ...
-
الجسد في قصة كرنفال الأحزان
-
مع إخوان الصفا
-
موت ٌ ورصاص ٌ في الأعراس / كتاب مقامات الإحتراق لسناء كامل ش
...
-
العيون في قصص سناء كامل شعلان
-
الحب ... الجن ,,, القص الخرافي في كتاب أرض الحكايا / الجزء ا
...
-
مع قصص كتاب ( أرض الحكايا ) ... للدكتورة سناء كامل شعلان / ا
...
المزيد.....
-
دام شهرًا.. قوات مصرية وسعودية تختتم التدريب العسكري المشترك
...
-
مستشار خامنئي: إيران تستعد للرد على ضربات إسرائيل
-
بينهم سلمان رشدي.. كُتاب عالميون يطالبون الجزائر بالإفراج عن
...
-
ما هي النرجسية؟ ولماذا تزداد انتشاراً؟ وهل أنت مصاب بها؟
-
بوشيلين: القوات الروسية تواصل تقدمها وسط مدينة توريتسك
-
لاريجاني: ايران تستعد للرد على الكيان الصهيوني
-
المحكمة العليا الإسرائيلية تماطل بالنظر في التماس حول كارثة
...
-
بحجم طابع بريدي.. رقعة مبتكرة لمراقبة ضغط الدم!
-
مدخل إلى فهم الذات أو كيف نكتشف الانحيازات المعرفية في أنفسن
...
-
إعلام عبري: عاموس هوكستين يهدد المسؤولين الإسرائيليين بترك ا
...
المزيد.....
-
سيرة القيد والقلم
/ نبهان خريشة
-
سيرة الضوء... صفحات من حياة الشيخ خطاب صالح الضامن
/ خطاب عمران الضامن
-
على أطلال جيلنا - وأيام كانت معهم
/ سعيد العليمى
-
الجاسوسية بنكهة مغربية
/ جدو جبريل
-
رواية سيدي قنصل بابل
/ نبيل نوري لگزار موحان
-
الناس في صعيد مصر: ذكريات الطفولة
/ أيمن زهري
-
يوميات الحرب والحب والخوف
/ حسين علي الحمداني
-
ادمان السياسة - سيرة من القومية للماركسية للديمقراطية
/ جورج كتن
-
بصراحة.. لا غير..
/ وديع العبيدي
-
تروبادورالثورة الدائمة بشير السباعى - تشماويون وتروتسكيون
/ سعيد العليمى
المزيد.....
|