أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - تاج السر عثمان - خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956(3)















المزيد.....



خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956(3)


تاج السر عثمان

الحوار المتمدن-العدد: 2360 - 2008 / 8 / 1 - 11:25
المحور: الحركة العمالية والنقابية
    


تقديم
تابعنا في الحلقتين السابقتين من هذه الدراسة: مواقع نشأة الطبقة العاملة السودانية، ومصادر الوعي السياسي والطبقي والثقافي، ونتابع في هذه الحلقة، تطور نضال الطبقية العاملة.
تطور نضال الطبقة العاملة :

من الخطأ في التقدير كما لاحظ البروفيسور محمد عمر بشير إذا تصورنا أن نضال الطبقة العاملة السودانية الاقتصادي من أجل تحسين مستوى معيشتها وحياتها الاجتماعية والثقافية لم يبدأ إلا بعد الحرب العالمية الثانية أو بعد عام 1947 عندما انتزع عمال السكة الحديد شرعية تنظيمهم النقابي للدفاع عن مطالبهم . ولكن إضرابات ونضالات الطبقة العاملة السودانية ترجع جذورها بعيدا والتي تلازمت مع نشؤها وميلادها في بداية القرن العشرين ، فالطبقة العاملة الحديثة الوليدة والتي نشأت مع مشاريع الاستعمار الحديثة : سكك حديدية ، مشروع الجزيرة ، صناعات خفيفة ... الخ . كانت تعاني من الاستغلال البشع للاستعماريين كما رأينا في الفصل الأول من هذه الدراسة ، في ضآلة الأجور التي كانت تتقاضاها ، وكان عمال الجنوب يعانون من اضطهاد طبقي وعنصري من خلال نظام الأجر غير المتساوي للعمل المتساوي مع عمال الشمال ، كما كانت المرأة تعاني من اضطهاد طبقي وجنسي من جراء الأجر غير المتساوي بين الرجال والنساء ، وكان جهاز الدولة الاستعماري هو المخدم الرئيسي والذي كان ينهب خيرات البلاد الاقتصادية ويصدر فائضها الاقتصادي للخارج ، وبالتالي كان من مصلحته أن يعيش العمال والمزارعون وصغار الموظفين وبقية القوي الأخرى العاملة بأجر علي حد الكفاف ليجنى أكبر قدر من الأرباح .
وفي هذا الفصل نتابع بقدر ما أمكن متابعة نضال الطبقة العاملة منذ بداية القرن العشرين ، ولكن من المهم فبل أن نبدأ في ذلك أن نشير إلي المؤثرات الخارجية التي أسهمت في تطور وعي الطبقة العاملة السودانية ومنها تطور الحركة الوطنية والتقاليد النضالية للشعب السوداني ، وظهور الفكر والوعي الجديد في مختلف المجالات الاجتماعية والاقتصادية والأدبية والفنية والرياضية وتطور أشكال التنظيم السياسي والاجتماعي ( جمعية الاتحاد السوداني ، جمعية اللواء الأبيض ، مؤتمر الخريجين ، أندية العمال التي بدأت تنشأ في البلاد منذ منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في الخرطوم وعطبرة وبور تسودان .. الخ ، وغير ذلك مما فصلناه سابقا . كما نشير إلي تأثر العمال السودانيين بر صفائهم المصريين والأرمن وغيرهم الذين جاءوا من بلاد فيها تقاليد الإضرابات كوسيلة لانتزاع المطالب والحقوق . وإذا أخذنا مصر كمثال والتي كانت حركة الطبقة العاملة فيها أكثر تطورا في المنطقة العربية ، نجد أن أول إضراب عرفته مصر قام به في مارس 1882 م عمال تفريغ الفحم في بور سعيد للمطالبة بزيادة الأجور ، وقد سجل عام 1899 م بداية تحركات عمالية جديدة من أهمها إضراب عمال السجائر الذي نجح في تحقيق مطالب العمال الخاصة بزيادة الأجور ، وبين سنتي 1899 ، 1907 م لم تنقطع الحركة الاضرابية المطلبية ( عبد المنعم الغزالي :تاريخ الحركة النقابية المصرية ، 1899 – 1952 ، القاهرة 1986 ) . وفي نهاية القرن التاسع عشر سافر بعض الطلاب للدراسة في أوربا ، وهناك تأثر البعض منهم بالأفكار الاشتراكية ومدارسها المختلفة : ماركسية ، فابية ، ... الخ ، وعندما اكملوا دراساتهم رجعوا إلي مصر وبشروا بالأفكار الاشتراكية التي تطالب بتحسين أحوال ومستويات العمال والكادحين وتناصر المستضعفين ضد الاستعمار والاضطهاد الرأسمالي وقامت أحزاب اشتراكية في مصر ، ومن هؤلاء المفكرين كان سلامة موسي الذي أول من آلف كتابا عن الاشتراكية في مصر عام 1913 ، وعصام الدين حفني ناصف ومصطفي المنصوري وغيرهم . وقد أسهمت هذه الأفكار في تطور وعي الطبقة العاملة ( للمزيد من التفاصيل راجع : أمين عز الدين : تاريخ الطبقة العاملة المصرية منذ نشأتها حتى 1919 ، دار الكاتب العربي للطباعة والنشر بدون تاريخ ) . ومع بداية القرن العشرين بدأت الإدارة البريطانية في السودان تشرع في إنجاز مشاريعها الزراعية والصناعية والخدمية في السودان والتي أشرنا لها بالتفصيل في الفصل الأول من هذه الدراسة ، واتجهت إلى توفير الأيدي العاملة من السودانيين وتشجيع العمل المأجور في التعدين وبناء السكك الحديدية وفي قطع الأخشاب وفي المشاريع الزراعية ، وكانت ظروف العمل سيئة والأجور ضئيلة ، وتشير تقارير الحاكم العام عام : 1903 ، 1907 ، 1908 ، إلى إضرابات وقعت في تلك الفترة . وإذا تتبعنا خيوط نضال الطبقة العاملة السودانية في الفترة : 1900 – 1939 ، نلمس الآتي : -
1 – في عام 1903 ، 1907 أضرب عمال مصلحة الغابات احتجاجا علي ظروفهم السيئة .
2 – وفي عام 1907 قام العمال المصريون الذين جاءوا إلي العمل في مصلحة البواخر النيلية بإضراب نتيجة تذمرهم من ضآلة أجورهم ، وكان السجن نصيب البعض منهم . وفي العام نفسه حدث إضراب للعاملين بمزرعة الفاضلاب ببربر وكانت أعمار العاملين تتراوح ما بين الثانية عشره والرابعة عشرة ( ويعكس هذا الاستغلال البشع لللاحداث دون سن ال16 سنة ) .
3 – وفي عام 1908 م قدم موظفو السلك الكتابي مذكرة ضمت شكواهم من شروط الخدمة وضآلة المرتبات .
4 – في عام 1909 م قام سبعون من عمال الزراعة بمشروع الكاملين الحكومي بإضراب عن العمل لزيادة أجورهم ، ولم يتم الاستجابة لمطلبهم ، وتم فصلهم ، ومع ذلك حدث إضراب آخر من جانب عمال المزرعة الباقين ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية .. ، ص 213 ) .
5 – وفي عام 1912 ، 1913 م أضرب عمال ميناء بور تسودان وعمال طريق أر كويت ، وكانت هذه الإضرابات جنينا وبذورا وشكلا جديدا للنضال ضد المستعمر ولمقاومته في الحقلين الصناعي والزراعي كما لاحظ محمد عمر بشير .
وبعد الحرب العالمية الأولى دخلت نضالات الطبقة العاملة مع الحركة الوطنية بأسرها مرحلة جديدة في تطورها ذلك أن الأسعار قد ارتفعت وبوجه أخص سعر السكر ، ومن ثم ازداد بؤس أصحاب ذوي الدخل المحدود بالمقارنة مع الطبقات والفئات الأخرى هذا إضافة للكساد الاقتصادي الذي حدث عام 1908 م في النظام الرأسمالي العالمي وكان له انعكاسه علي السودان الذي أصبح دائرا في فلكه منذ عام 1898 م . زد علي ذلك تدهور التجارة في عام 1913 م نتيجة لللازمة التي بدأت مع الحرب العالمية الأولى والازمة الاقتصادية والمجاعة التي حدثت عام 1914 م ويذكر الشيخ بابكر بدري في تاريخ حياته أن الحكومة اضطرت لاستيراد الذرة من الهند . وفي اجتماع عقده الموظفون الحكوميون في نادي الخريجين بأم درمان في 23 – 10 - 1919 م لمناقشة مشكلة ارتفاع الأسعار قرر الموظفون مطالبة الحكومة بزيادة المرتبات ومن ثم تقدموا بمذكرة للحكومة ، وبعد مناقشة مجلس الحاكم العام لها ، وملاحظته القلق السائد لدي موظفي الحكومة طلب المجلس من لجنة الاقتصاد المركزية القيام بعمل إحصائيات بشأن مستوي الأسعار فيما قبل الحرب وبعدها . ولكن لم تتخذ الحكومة أي إجراء من جانبها للاستجابة لمطلب زيادة الأجور مما أدي ازدياد قلق المواطنين المصريين العاملين بعطبرة ووادي حلفا ، وقام موظفو وادي حلفا بإضراب في : 20 – 10 – 1919 م . وتمت تعبئة وحشد قوات الجيش وأرسلت بعض الفرق البريطانية والمصرية لكل من بور تسودان وكوستي وعطبرة ، وعكس إرسال الجنود قلق الحكومة فيما يتعلق بتطور روح المقاومة بين العمال والموظفين وقامت بتهديد وإنذار العمال بالفصل واستخدام قوات الجيش للقمع عند الضرورة ، ولكن ذلك لم يمنع من انتشار روح المقاومة وسط العمال إذ حدث إضراب مماثل لعمال السكة الحديد بعطبرة خلال الأعوام 1920 إلى 1923 م ، وذلك بعد تهديدهم بالإضراب عندما اقترحت الحكومة تطبيق نظام التدرج الجديد عام 1920 م أو هيكل مرتبات هدلستون الذي بدأ العمل به عام 1922 م وهو يتدرج علي النحو التالي : -
هيكل مرتبات هدلستون ( 1922 – 1934 ) بالجنيهات المصرية في السنة

الدرجة المرتب الابتدائي ( سنويا ) المرتب النهائي ( سنويا )

العليا 2250 2500

الأولى 1200 1500
الثانية 852 1080
الثالثة 480 852
الرابعة 432 720
الخامسة 252 540
السادسة 168 396
السابعة 96 276
الثامنة 60 168
الابتدائية 48 60

وفي يناير 1921 احتج 108 عامل من عمال ورش السكة الحديد بالخرطوم علي تطبيق ذلك النظام الجديد واضربوا عن العمل ( محمد عمر بشير ، ص 211 – 212 ) .
ونتيجة لهذه التحركات والإضرابات تم تأسيس لجنة العمل والتي كانت من المفترض أن تقوم بتقديم الاستشارات اللازمة في شئون العمل للإدارة الاستعمارية الحاكمة والقيام بالمشاركة في المفاوضات بين تلك الإدارة وأي طرف آخر بالإضافة إلي تقديم الاستشارة في قضايا العمل والأجور لحكام المديريات وقوة دفاع السودان ، ولكن ما حدث أن تلك اللجنة استمرت دون نشاط حتى عام 1936 م ، وفي الفترة اللاحقة الممتدة حتى عام 1945 م كان نشاطها نادرا ومحددا ودون حكم مسبق . ( أحمد حسن الجاك : المرجع السابق ) .
عمال القطاع الخاص :
لم ينضم عمال القطاع الخاص بالمساهمة والاشتراك في الحركة المطلبية إلا منذ عام 1929 ، ومن ثم انضموا إلى ركاب الحركة الوطنية .
الطبقة العاملة وثورة 1924 : -
لم تكن الطبقة العاملة الوليدة بمعزل عن ثورة 1924 ، بل كان بعض العمال أعضاء في جمعية اللواء الأبيض علي سبيل المثال : في تحليل لتركيب 104 من أعضاء جمعية اللواء الأبيض نلحظ التالي : 40 موظفين ، 27 ضباط سابقين ، 10 عمال ، 8 تجار ، 6 كتبة ، 4 طلاب ، 4 قضاء ، 3 مدرسين ، 2 من نواب المآمير(محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 86 ) . ما يهمنا هنا وجود 10 عمال في هذه العينة كانوا أعضاء في جمعية اللواء الأبيض مما يؤكد ملامسة أقسام من الطبقة العاملة الوليدة للتنظيم السياسي الحديث في السودان ( جمعية اللواء الأبيض ) ، وأن هذه الأقسام لم تكتفي فقط بالنضال الاقتصادي والمطلبي ، بل ربطت مصيرها بالقضية الوطنية والسياسية العامة في البلاد . كان قادة جمعية اللواء الأبيض يحاولون التأثير علي العمال وجذبهم لاهداف الجمعية ، جاء في تقرير مديرية الخرطوم في عام 1924 بأن ( هناك في الخرطوم جماعة من العمال منظمة بواسطة جمعية اللواء الأبيض ، وقد قصدت بذلك أن تضع في الوقت المناسب تحت تصرف الجمعية نشاط جميع الفنيين السودانيين ( محمد عمر بشير ، ص 212 ) ، ويمكن أن نستنتج من ذلك – إن صح الاستنتاج – أن قادة جمعية اللواء الأبيض كانوا يركزون علي الفنيين لما لهم من تأثير وسط جماهير العمال . وذكر علي احمد صالح الذي اصبح شاهد ملك لدي محاكمة أعضائها : ( إن أعضاء اللواء الأبيض حاولوا أن يجذبوا إليها كل من عمال الورش والبواخر ومصلحة الأشغال العامة ( المرجع السابق ، ص 212 ) ، وكان من قادة العمال في جمعية اللواء الأبيض : عثمان احمد سعيد العامل بمصلحة الأشغال ، ورمضان محمد العامل بمصلحة البواخر بالخرطوم ، وبذل أولئك الرجال مع علي عبد اللطيف جهدا شاقا للحصول علي تأييد العمال لجمعية اللواء الأبيض ( نفسه ، ص 212 ) ، ومن العمال الذين شاركوا في ثورة 1924 م التهامي محمد عثمان الذي كان يعمل نجارا بالري المصري بالخرطوم وقد شارك في رفع الرايات في المظاهرات وكان من ضمن الذين وقعوا برقية الجمعية الموجهة إلى جريدة الأهرام بمصر ، وقد حوكم في حوادث 1924 وحكم عليه بعامين سجن كم حكم عليه أيضا في حوادث السجن العمومي بعامين آخرين . ومن العمال الذين حوكموا بالتهمة ذاتها العامل عبد الله احمد سعيد ، وكذلك العامل حامد حسنين وقد عليه بعام ونصف ثم حكم عليه في حوادث السجن العمومي بعامين ، وقضي العامل عبد الله ريحان عامين بالمعتقل بتهمة القيام بالاتصال بالجمعية وتبليغ الأعضاء بالقرارات ، بالإضافة إلي إعداد الإعلام للمظاهرات ، أما محمد أبا يزيد النجار بورشة كلية غردون بالخرطوم فقد وضع بالسجن وهرب إلى مصر ثم أعيد إلى السودان ( عبد الرحمن قسم السيد : عمال السودان والسياسة ، ص 38 ) ، وكانت أشكال مشاركة العمال في جمعية اللواء الأبيض تتلخص في : المظاهرات ، توزيع المنشورات والملصقات ، وضع الإعلام والإعلان عن آرائهم في الاجتماعات الداخلية للتنظيم ( المرجع السابق ، ص 38 ) ، ويذكر المؤرخ العمالي عبد الرحمن قسم السيد في مؤلفه ( الأندية العمالية والحركة الوطنية ) أن سدس عدد المتهمين الثماني والعشرين في حوادث 1924 كانوا من العمال . كما حوكم أيضا بعض العمال في حوادث السجن العمومي وانحصر اتهامهم في تنظيم الاجتماعات غير المشروعة واستعمال القوة والكسر والشروع في كسر أبواب السجن لاخراج المعتقلين ( المرجع السابق : ص 38 – 39 ) .
وفي مقال له بجريدة الأضواء السودانية يناير 1969 م يذكر الأستاذ محمد سليمان ، المقال بعنوان ( صحائف مطوية من تاريخنا الحديث ) ، أن أولى المحاولات لإنشاء نقابات العمال بدأت في تلك الفترة فيقول ( كما كانت ثمة محاولات تجري لتنظيم العمال في نقابات ، بل كان هناك اتصال بما يسمي بمجلس العمال المصري لبعض العمال السودانيين وجاء في تقرير المخابرات في شهر يوليو عام 1924 ما يلي : وصلتنا معلومات تفيد بأن حزبا عماليا قد تكون برئاسة علي أحمد صالح يضم النجارين والبناءين وصناع الأحذية وغيرهم بهدف حماية مصالح العمال ، ويقال أن رئيس الحزب يسعي لضم حزبه مع حزب علـي عبد اللطيف ) .
كما يذكر المؤرخ العمالي عبد الرحمن قسم السيد في بحثه عمال السودان والسياسة أن علي احمد صالح كان من طلائع الحزب الشيوعي ، ومن مؤسسيه الأوائل ، ولكن هذا الزعم لا يستند علي أي أساس ، فالمعروف أن الحركة السودانية للتحرر الوطني تأسست في أغسطس 1946 ، أما الزعم الذي أورده د . جعفر محمد علي بخيت وعبد الرحمن قسم السيد وغيرهما ، بأن هناك حزبا شيوعيا تكون كفرع للحزب الشيوعي المصري خلال أحداث 1924 م فلا نعلم عنه شيئا موثقا ولا يستند علي دليل وبرهان ثابت فيما نعلم .
إذن يمكن القول ، أن أقساما من الطبقة العاملة الوليدة ارتبطت بأول تنظيم سياسي حديث في السودان قام علي شعارات سياسية ووطنية ، بعد هزيمة التنظيمات والانتفاضات السابقة التي قامت علي أسس دينية وقبلية في بداية القرن العشرين .
الأزمة الاقتصادية 1929 :
في عام 1929 م نشبت الأزمة الاقتصادية للنظام الرأسمالي العالمي ، وكانت مرحلة الكساد الاقتصادي بين : 1928 – 1938 ، حيث انخفض حجم التجارة الدولية في المنتجات الصناعية بنسبة 13 % رغم أن إنتاجها شهد زيادة قدرها 20 % ، وانخفضت صادرات بريطانيا في الفترة نفسها بنسبة 22 % ، والصادرات الأمريكية 26 % والألماني 38 % والفرنسية 45 % واتجهت روؤس الأموال للاستثمار داخل البلد الام وانتهي دور بريطانيا كمصدر صافي لرؤس الأموال كما انخفض الطلب علي السلع الغذائية والمواد الأولية التي تنتجها المستعمرات ( توفيق الشيخ : البترول والسياسة في المملكة العربية السعودية ، دار الصفا للنشر والتوزيع ، لندن ، 1988 ، ص 89) وكان تأثير هذه الأزمة علي السودان كبيرا ، فقد تجاوز عجز الميزانية المليون جنية ، واتخذت الحكومة الإجراءات التالية : - - سحب مبلغ كبير من حساب الاحتياطي العام ، - بيع بعض الأوراق المالية الحكومية التي بلغت قيمتها 600 ألف جنية مصري ، - تخفيض الإنفاق الحكومي إلى أدني حد ممكن ، - تأجيل مشاريع الخدمات والإصلاح الاجتماعي ، - الاستغناء عن عمل حوالي 1000 موظف ربعهم من الإنجليز ، وخفضت عدد الوظائف بميزانية الحكومة المركزية من 5888 في 1930 إلي 4753 وظيفة في 1933 ، أي ما يعادل 20 % من الوظائف ( محمد عمر بشير : التعليم ومشكلة العمالة في السودان ، ص 18 ) ، هذا إضافة لإيقاف الترقيات وتخفيض المرتبات بنسبة تتراوح بين : 10 % - 15 % ( د . زكي البحيري : مرجع سابق ، 285 ) ، وأيضا كان من آثار هذه الأزمة علي السودان انخفاض أسعار المحاصيل الزراعية وبوجه أخص القطن ، كما أن رداءة الأحوال الجوية وغزو أسراب الجراد سب انخفاضا عظيما في الكمية المنتجة ، ومن ثم انخفضت قيمة الواردات في عام 1930 بمقدار 679 ألف جنيها ، كما انخفضت قيمة الصادرات بما يجاوز 1,550,000 جنيها ، ومرة أخري انخفضت الواردات بمقدار 2,5 مليون جنيه وانخفضت الصادرات بمقدار 3 ملايين من الجنيهات ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، 129 ) ، كما تقلص حجم تجارة السودان من 13,5 مليون جنية إلى 5’ 5 مليون جنية مصري ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، طبعة دار الوسيلة ، ص 25 ) . نتيجة لذلك اضطرت الحكومة إلي اتباع سياسة تخفيض القوي العاملة أملا في تخفيض المصروفات ، وطلب من المصالح الحكومية الاستغناء عن بعض الموظفين والخدمات ومن ثم فصل 1095 موظفا تقريبا من بينهم 271 موظفا بريطانيا و520 مصريا و69 سودانيا والباقون من السوريين والجنسيات الأخرى ، وتم استقطاع نسبة تراوحت بين : 5 –10 % من المرتبات كما خصمت بعض العلاوات الخاصة وتم تحقيق وفر قدره 125 ألف جنيه في السنة ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 129 ) .
كان رد الموظفين السودانيين إرسال عريضة للحاكم العام عبروا فيها عن معارضة سياسة التقشف وكانت العريضة التي وقعت من اللجنة المنتخبة ( لجنة العشرة ) من أعضاء نادي الخريجين تشتمل علي المقترحات التالية بدلا من تخفيض مرتبات السودانيين : - 1 – يجب أن يطلب من الحكومة البريطانية والمقرضين بلندن وقف مطالباتهم لاستيفاء القروض في مواعيد استحقاقها ، 2 – لا تخفض أي وظيفة شغلها سوداني ، 3 – لا يخفض مرتب خريج كلية غردون ، 4 – المطالبة بوجوب إصلاح نظام التعليم بحيث يهئ السودانيين لممارسة المهن الحرة خارج دواوين الحكومة واقترحوا بوجه خاص توسيع برنامج التعليم ليشمل بعض المهن التي لم تكن قد أنشئت لها مؤسسات تعليمية بعد مثل كلية التجارة والقانون والزراعة والبيطرة وكانت العريضة أول عمل منظم من جانب الخريجين منذ عام 1924 م ( راجع نص العريضة في حسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1991 ، ص 97 وما بعدها ) . رفضت الحكومة المقترحات التي وردت في العريضة ومن ثم اضرب طلاب كلية غردون في عام 1913 والذي كان من مطالبهم إلغاء قرار الحكومة بتخفيض المرتب الشهري للخريج من 8 جنيهات إلى 5 جنيهات و500 مليم ، ورغم أن الإضراب لم ينجح في تحقيق أهدافه إلا أنه كان معلما بارزا في صراع الخريجين ضد الإدارة البريطانية ( للمزيد من التفاصيل عن إضراب 1931 راجع مذكرات عبد اللطيف الخليفة ، الجزء الأول ، دار جامعة الخرطوم للنشر 1988 ، وحسن نجيلة : ملامح من المجتمع السوداني ، الجزء الثاني ) . مرة أخرى أرسلت لجنة العشرة عريضة تطالب بالطالب السابقة نفسها في يناير 1932 ، وكان رد الحكومة إيجابيا هذه المرة إذ أعادت النظر في قرارها فيما يتعلق بمرتب الخريج الجديد ، إذ قررت أن يكون 6 جنيهات شهريا بدلا من 5 جنيهات و500 مليم ، وكان القرار في نظر لجنة العشرة انتصارا ، وبنجاح إضراب كلية غردون أضحي الخريجون اكر ثقة في بالنفس وتوصلوا إلى إمكانية إزالة بعض المظالم الواقعة عليهم من خلال العمل الجماعي المنظم ، ودفع ذلك الخريجين إلى اتباع وسائل اكثر فعالية لمواصلة عملهم ، وفي الواقع إن دور الخريجين بدأ يتعاظم ويزداد في الحياة العامة بعد إضراب 1931 ومذكرة لجنة العشرة ، وتعيين سايمز حاكما عاما والذي طرح أفكارا تحررية حول التوسع في التعليم العالي وتقليص نفوذ الإدارة الأهلية ، وبدأ الخريجون يخرجون للحياة العامة بأشكال جديدة ، حيث ظهرت مجلتا الفجر والنهضة السودانية والجماعات الأدبية المختلفة وازداد النشاط الثقافي في أندية الخريجين بأم درمان ومدني وغيرهما . وأثمرت هذه الجهود تكوين مؤتمر الخريجين عام 1938 م ، بالإضافة للخريجين ، كان اثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي الطبقة العاملة وعلي مستوي معيشتها من تخفيض للأجور وتشريد واسع من العمل والمعاناة التي كان يواجهها المزارعون نتيجة للانخفاض المستمر في أسعار السلع الزراعية ونتيجة لذلك اضرب عمال ورش النجارين التابعة للسكة الحديد ( عبد الخالق محجوب : المرجع السابق ، ص 25 ) . وكان أثر الأزمة الاقتصادية كبيرا علي العمال الذين فضلا عن ذلك ازدادوا استياءا من استيعاب العمال الأجانب في الوقت الذي يعاني فيه الكثير من العمال السودانيين من البطالة ويعيشون حياة العوز والفاقة . وفي عام 1934 م اضرب 200 عامل بخزان جبل أولياء مطالبين بزيادة الأجور ، كما قام العمال المصريون في الخزان نفسه بإضراب مماثل ( محمد عمر بشير : ص 212 ) وفي سنة 1934 قام سائقو الترام والمفتشون وجامعي التذاكر بشركة الماء والقوي الكهربائية بإضراب لمدة خمسة أبام ( نفسه : ص 212 ) ، كما يشير النقابي إدريس عبد القادر في مؤلفه : نضال العاملين عبر السنين ص 9 – 15 إلى إضراب عمال التراموي ( عمال مواصلات العاصمة ) في مايو عام 1928 ، ( إضراب شركة النور والقوي الكهربائية فيما بعد ) ، نتيجة لخصم 25 % من مرتب كل عامل لقيام حفل وداع للسيد الإنجليزي ( مدير المصلحة ) والذين قادوا ذلك الإضراب هم : علي عبد الله ، إسماعيل أبو حراز الفضل ابر أهيم سليمان .. الخ . وفي عام 1935 اضطرت الحكومة نتيجة لإضرابات وضغوط العمال أن تصدر هيكلا راتبيا جديدا ، وتم رفع الحد الأدنى للأجور كما كان معمولا به في جدول هدلستون من 180 قرشا مصريا وزيادة الحد الأقصى للأجور من 15 إلى 17 جنيها كما هو موضح بالجدول التالي :

هيكل الأجور والمرتبات ( 1934 ) بالجنية المصري :

القسم الدرجة المرتب السنوي

الأول A 1200 – 1800
B 852 – 1200
C 480 – 1200
D 480 – 936
E 432 – 800

الثاني E 432 – 800
E2 252 – 600
F 360 – 600
G 204 – 432
H 144 – 300

الثالث J 78 – 204
K 36 -120


ويلاحظ انخفاض الأجور في هذا الهيكل ، واستمر العمل بهذا النظام حتى عام 1934 م حيث استحدثت علاوة غلاء المعيشة نتيجة لضغوط العاملين وارتفاع الأسعار ، تراوحت علاوة غلاء المعيشة بين 30 إلي 285 قرشا مصريا في الشهر ، كذلك أدخلت علاوة الانتقال بين المنزل والمكتب للعاملين بالعاصمة ..




الجدول التالي يوضح هيكل أجور العمال ( 1935 – 1948 ) : -

الدرجة الحد الأدنى ( شهريا ) الحد الأقصى ( شهريا )

الأولي 2,100 2,400
الثانية 2,400 2,700
الثالثة 2,850 3,150
الثالثة / الرابعة 3,300 3,900
الرابعة / الخامسة 4,800 5,400
الرابعة / الخامسة 5,400 6,000
الرابعة / الخامسة 6,600 7,800
الخامسة / السادسة 7,800 9,600
الخامسة / السادسة 10,500 11,400
السادسة / السابعة 10,500 12,000
السابعة / الثامنة 14,000 16,000
الثامنة 17,000 17,000

المصدر : مقترحات لاصلاح الهيكل الراتبي : إصدار الحزب الشيوعي السوداني ، دار الوسيلة ، أبريل 1989 .
واضح أن الجدول أعلاه يتكون من ثماني درجات وثلاثة أقسام عمالية ( عمال مهرة ، عمال شبه مهرة ، عمال غير مهرة ) ، وطبق هذا الجدول علي العمال بالسكة الحديد أولا ثم حري تعميمه علي كافة الوحدات الحكومية بحلول عام 1939 م . ورغم صدور الهيكل الجديد لاجور العمال إلا أن إضرابات العمال تواصلت : ففي عام 1938 م أضرب 60 عاملا من عمال مصانع حلج القطن بالحصاحيصا كما أضرب عمال ميناء بور تسودان وخلال عام 1940 م حدثت إضرابات من جانب العاملين بالزراعة في مديرية كسلا والجزيرة والشمالية ( محمد عمر يشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 213 ) .
فترة الحرب العالمية الثانية ( 1939 – 1945 م ) :
اندلعت نيران لحرب العالمية الثانية والتي كان لها آثار بعيدة علي الشعب السوداني ، واشترك فيها السودانيون إلى جانب الحلفاء ضد الفاشية والنازية واضطر الاستعمار البريطاني أن يوسع الجيش السوداني لإرساله إلى شرق إفريقيا وشمالها للاشتراك في المعارك ضد جيوش الفاشية ، كما خلفت الحرب جوا ديمقراطيا نسبيا وخلقت وعيا سياسيا لدي جماهير الشعب السوداني والجنود الذين اشتركوا في المعارك في الخارج . كما أن إعلان الأطلنطي الخاص بتقرير المصير دفع مؤتمر الخريجين لرفع مذكرته الشهيرة عام 1942 م التي طرحت تقرير المصير ، كما قامت بعض الصحف التي أصبحت اكثر جرأة في نقد المظالم الواقعة علي السودانيين ونقد سياسة المفتشين البريطانيين ، كما تحرر الوضع في معاهد التعليم ، وتم إلغاء عقوبة الجلد وسمح للطلبة بإصدار صحف الحائط وبتكوين اتحادات إقليمية خلال العطلات المدرسية ، كما ادخل نظام للجمعيات التي يديرها الطلبة ، ومن جانب آخر ( كما فصلنا في الفصل الأول ) وخلال فترة الحرب ونتيجة للحصار البحري والجوي علي بريطانيا ، اضطرت الإدارة البريطانية لإنشاء العديد من ورش الصيانة لآلات الحرب والمواصلات .
وابتدأ العمال السودانيون يتدربون علي الآلات الجديدة ، مما سمح بتطور في مستوي التدريب الفني لديهم ، كما أن نشؤ هذه الصناعات وسع من عدد الطبقة العاملة ، فتزايدت وانضم إلى صفوفها عدد من المزارعين السابقين والنازحين من القري ( راجع الفصل الأول من هذه الدراسة ) . ولكن الطبقة العاملة كانت تعاني الأمرين : من اختفاء السلع الضرورية ومن جشع التجار وقسوة السوق السوداء ، إن الطبقة العاملة بدأت تحس بكيانها وتنمو عدديا ، كما إنها كانت ساخطة علي الاستغلال البشع والعمل الإضافي غير المدفوع في كثير من الأحوال ( عبد الخالق محجوب : لمحات من تاريخ الحزب الشيوعي السوداني ، ص 30 – 31 ) . هذا إضافة لمعاناة المزارعين الذين كانوا مجبرين علي بيع إنتاجهم للحكومة بأسعار منخفضة ومعاناة صغار التجار من غير الذين كرسوا جهودهم للعمل في السوق السوداء ، فالسلع أصبحت شحيحة والاستيراد صعبا ، كما أن التصدير في كثير من الاحيان محتكرا للإدارة البريطانية ، وعلي سبيل المثال تتناول صحيفة السودان الجديد الصادرة بتاريخ : 25 / 2 / 1944 م ميزانية ذلك العام بالنقد والتحليل جاء فيه : ( ماذا ينتظر الناس في ميزانية حكومة لاتصل إلى الستة ملايين من الجنيهات ، ومع ذلك فهي تنفق علي ما يزيد المليونين والربع مرتبا للموظفين وملزمة بدفع 415 ألف جنية للمعاشات و416 ألف جنية علاوة حرب و600 ألف جنية لمصروفات قوة دفاع السودان ، وهذه المبلغ تزيد عن 3,5 مليون حنية مصري ، أي حوالي 60 % من ميزانية البلاد كانت تنفق علي المصالح الاستعمارية في الحرب العالمية الخاصة ببريطانيا وحلفاءها ) . من كل ما سبق ، يتضح أن ظروف الحرب نتج عنها ارتفاع في أسعار البضائع والسلع الاستهلاكية في حين أن أجور العمال كانت ثابتة .
يقول د . سعد الدين فوزي ( إن الانخفاض الفعلي في مستوي دخل الفرد قد أثر علي جميع أقسام وفئات العاملين ، ذلك أن أجورهم لم تتغير منذ عام 1935 ، إذ أن ارتفاع الأسعار لم يواجه إلا بزيادة ضئيلة عبارة عن بدل حرب وبدل غلاء للمعيشة منذ نهاية الحرب ، وقد تضاعف مستوي المعيشة للسوداني ذي الدخل الأقل من 12 جنيها في 1946 بالمقارنة مع مستواها قبل الحرب ، ولكن تلك الظروف لم تحرك الحكومة لاتخاذ عمل إيجابي كان من شأنه تحسين أحوال معيشة العاملين أو زيادة أجورهم ( د . سعد الدين فوزي : الحركة العمالية في السودان ، 1946 – 1955 م ، جامعة اكسفورد ، بالإنجليزي ، 1957 ) .
وكان من الطبيعي ونتيجة لهذه الظروف القاسية أن تنفجر موجة الإضرابات من قبل العاملين في المصانع المختلفة ، وخلال الفترة : 1941 م – 1942 م وقعت الإضرابات الآتية : -
- إضراب عمال مصلحة الري بالجزيرة في اكتو بر 1941 م .
- عمال مصنع الزراير بعطبرة في نوفمبر 1941.
- إضراب عمال المقاولات بكسلا في يناير 1942 م .
- عمال بحر الغزال في يناير 1942 م .
- عمال مصلحة الأشغال العمومية بالخرطوم في إبريل 1942 م .
- عمال بجوبا في نوفمبر 1942 م .
- عمال الري بالشجرة عام 1942 م
- عمال مصلحة السكة الحديد بالمقرن بالخرطوم عام 1942.
كما امتدت الإضرابات جنوبا إلى جوبا وتسربت إلى صفوف الجيش السوداني ، ففي أبريل 1941 أعلنت إحدى فرق قوات دفاع السودان المحاربة بليبيا حالة إضراب في مراكز عملها احتجاجا علي إلغاء الإجازات ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة الوطنية ، ص 213 – 214 ) .
والجدول الآتي يوضح الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة * بالنسبة للسودانيين الذين تقل مرتباتهم عن 12 جنية ( سنة الأساس 1939 ) .

السنة الغذاء الملابس الكهرباء
المياه والوقود الإيجار كل البنود

1943 135,3 559,5 121,7 100 176,6
1944 144,4 357,2 121,7 100 160,4
1945 170,9 285,7 121,2 100 170,2
1946 190,2 285,7 121,2 102 183,4
1947 243,0 357,1 144,6 102,8 229,3

المصدر : سعد الدين فوزي ، المرجع السابق ، ص ، 22 .
• الأرقام القياسية لتكاليف المعيشة هي معرفة التغيير النسبي في مستوي الأسعار بين سنة معينة بالقياس لسنة ثابتة تسمي سنة الأساس ، والمقارنة بين الأرقام القياسية تهدف إلى معرفة ذلك التغيير .
تكوين النقابات :
بنهاية الحرب العالمية الثانية وهزيمة الفاشية والنازية ، اتسعت دائرة الديمقراطية في العالم ونهضت شعوب المستعمرات في حركة عارمة من أجل تقرير المصير ، ونشأ مد ثوري علي نطاق العالم ، وبدأت شعوب العالم تتطلع إلى حياة جديدة ومستقبل أفضل ، وازدادت تصميما ألا تتكرر مأساة الحرب العالمية الثانية من جديد ، وتم إنشاء هيئة الأمم المتحدة عام 1945 م ، وكان لهذا المد أثره في السودان حيث ازداد الوعي السياسي وانفرط عقد مؤتمر الخريجين ، وتكونت الأحزاب السياسية ، فقام حزب الأمة الذي كان يدعوا لشعار السودان للسودانيين ، وأحزاب الأشقاء والاتحاديين التي كانت تدعوا لوحدة وادي النيل بمستويات مختلفة ، كما كان للمؤلفات الاشتراكية والماركسية التي دخلت السودان قبل الحرب العالمية ، وانهمر سيلها بعد الحرب ، وسفر بعض الطلاب السودانيين للدراسة في مصر في أوائل الأربعينيات من القرن الماضي وانتصار الاتحاد السوقيتي وظهور المعسكر الاشتراكي ، كل ذلك كان له لأثر في تلقف نفر من المثقفين والعمال لتلك المؤلفات ، وتكونت أول حلقة للماركسية اللينينية في السودان تحت اسم الحركة السودانية للتحرر الوطني عام 1946 م ، وكان تكوينها متزامنا مع تصاعد الحركة الجماهيرية المعادية للاستعمار ، وفي مارس من عام 1946 خرجت أول مظاهرة بعد حوادث 1924 تضامنا مع طلاب مصر ، وارتفعت شعارات سقوط الاستعمار في معظم المدن ، وطرحت الحركة السودانية شعار الجلاء وتقرير المصير في مقابل شعارات وحدة وادي النيل تحت التاج المصري والسودان للسودانيين تحت التاج البريطاني ، كما طرحت شعار الكفاح المشترك بين الشعبين المصري والسوداني ضد الاستعمار البريطاني . كما أسهمت الحركة السودانية مع بقية الأحزاب الوطنية الأخرى في النضال ضد الاستعمار ، نجدها أيضا أسهمت بنشاط مع الأحزاب والقوي الوطنية الأخرى في مساعدة الطبقة العاملة السودانية في بناء منظماتها عام 1947 م ( هيئة شئون العمال ) وأسهمت في بناء وتأسيس الحركة النقابية التي لعبت دورا هاما في استقلال السودان وقدمت الشهداء في سبيل ذلك مثل شهداء الجمعية التشريعية عام 1948 وفيهم العامل قرشي الطيب ورفاقه .
عطبرة :
في عام 1946 م بدأت أولى الخطوات لتنظيم الحركة النقابية السودانية في مدينة عطبرة مركز رئاسة مصلحة السكة الحديد ، ومعلوم أن عمال السكة الحديد يشكلون في عطبرة قوة عمالية كبيرة ومتجانسة ، وذلك بعكس الحالة العامة لاوضاع عمال المدن الأخرى في البلاد حيث كانت الغالبية تعمل في ورش ومحلات تجارية صغيرة متعددة ومتنوعة ومع مخدمين متعددين ومتنوعين وتحت شروط خدمة متباينة في شروطها وظروفها ، أما في عطبرة في عام 1946 كان العمال يشكلون 90 % من سكان المدينة ( هولت : تاريخ السودان الحديث ، لندن ، 1961 ) ، وحوالي ال 40 % من مجموع عمال السكة الحديد ، وبحكم وجود مدرسة السكة حديد في مدينة عطبرة نفسها فقد كان العمال المهرة يشكلون جزءا هاما من مجموعات العمال هناك ، مثال ذلك في عام 1944 م كان عدد العمال المهرة حوالي 66680 عاملا من مجموع عمال السكة الحديد البالغ عددهم 20,000 ( هند رسون : المرجع السابق ) وللمزيد من التفاصيل عن تاريخ مدينة عطبرة راجع الناصر عبد الله أبو كروق : تاريخ عطبرة ، رسالة دكتوراه من جامعة أم درمان الإسلامية ، راجع أيضا بحث محمد العوض سكنجة عن عطبرة .
الفنيون ( العمال المهرة ) :
والواقع أن مجموعة العمال المهرة هي التي تحملت مسئولية المبادرة وبداية النشاط النقابي وسط عمال السكة الحديد ، وذلك نتيجة لوعيهم المتقدم ولشعورهم الحاد بالغبن والاضطهاد ، فرغم التدريب الذي تلقوه في المدرسة الصناعية ، ومن خلال الخبرات العملية ، فإن أجورهم كانت قريبة جدا من أجور العمال ( تيم نبلوك : المرجع السابق ، 120 ) يقول هند رسون ( العامل الصناعي بورش السكة حديد امهر صانع في السودان لا يدانيه في مهارته أو يجاريه عامل صناعي في أي بقعة من بقاع السودان ، يمكن أن يضع مقاس لنسبة الواحد من الألف للبوصة الواحدة ، ومع ذلك فهو يصطدم بواقع متناقض : فبعد عشرين سنة من الخدمة يجد ابنه الصغير من أرباب الياقات البيضاء في الكادر الكتابي قد حصل علي مرتب اكبر من مرتبه ) . ومن المهم أن نذكر هنا أن بعض العمال الذين تقدموا نشاط الحركة العمالية في الأربعينيات كانوا من الجنود المسرحين من قوة دفاع السودان ، وخاصة الذين تحصلوا علي تدريب في المجالات الفنية داخل وخارج السودان . كما تكونت أندية العمال في منتصف الثلاثينيات من القرن الماضي في المدن الكبري مثل : الخرطوم ، عطبرة ، بور تسودان والتي انطلقت منها النواة الأولى للتنظيم النقابي فيما بعد . يقول الجز ولي سعيد ( كانت حالة العمال رديئة وظروف الحرب سائدة حيث كان التموين والتقتير في توزيع السلع أحد معالم تلك الفترة هي الحركة الطلبية لنجاري ورش السكة حديد بعطبرة والذين مارسوا الإضراب المطلبي 1938 م ( في رواية الطيب حسن أن هذا الإضراب حدث عام 1940 ، انظر مذكرات الطيب حسن ، ص 6 ) ، كما كان أحد معالمها بالمثل إضراب خريجي المدرسة الصناعية القسم الثانوي بعد مفاوضات اجروها مع الإدارة تتعلق بالمرتب الذي يتخرجون به ( أربعة جنيهات ونصف ) ، وكان أحد نتائج الإضراب قفل القسم وتجميد الدراسة لمدة سنة )
يواصل الجز ولي ويقول :( في عام 1946 م نشأت هيئة شئون العمال في عطبرة ، وبدأت تطالب لمدة سنة الاعتراف بها ، وكان في قيادتها سليمان موسى ( اتحادي ) رئيسا ، الطيب حسن ( اتحادي ) سكرتيرا ، قاسم أمين ( شيوعي ) نائب السكرتير ، الحاج عبد الرحمن ( شيوعي ) . بد أ الإضراب في : 12 / 7 / 1947 م واستمر 10 أيام ، وجاء من الخرطوم وفد يمثل الجبهة الاستقلالية والجبهة الاتحادية ( محمد نور الدين ومحمد احمد المحجوب ) ، ولاول مرة يحدث مثل هذا الإضراب الواسع .
ويواصل الجز ولي سعيد ( كان في الحركة – كتقييم – عنصر الوطنية الشاملة فيها الجميع ، لكن الشيوعيين لعبوا دورا مهما ) ( مذكرات الجز ولي سعيد : مجلة الشيوعي ، العدد 150 ، ص 76 ) .
ويقول محمد السيد سلام ( الرئيس السابق لاتحاد نقابات السودان ) في محضر لقاء أجراه معه عبد الرحمن قسم السيد في كتابه عمال السودان والسياسة ص 143 وما بعدها ( الذين تصدوا لا نشاء الحركة النقابية كانوا من العاملين من قيادات مؤتمر الخريجين العام والأحزاب السياسية وفي مقدمتها حزب الأشقاء أمثال سليمان موسى ، الطيب حسن ، عبد القادر سالم ، دهب عبد العزيز ، بشير حسين ، محمد إدريس ، حسين السيد ، ، محمد عبيدي برودويل ، عثمان محمد جسور . اليساريون : إبراهيم ذكريا ، قاسم أمين ، الشفيع أحمد الشيخ ، الحاج عبد الرحمن ، علي محمد بشير . حزب الأمة : عبد الله بشير ، النور آدم وآخرين ومن بينهم مثقفون شاركوا في الجمعيات الأدبية التي كانت رائجة ومؤثرة في الحياة الفكرية أمثال : محمد السيد سلام ، سعد الدين الأمين ، عثمان ابر أهيم حربي ، فضل بشير ، الأمين علي عبد الله ، هاشم السعيد ، مصطفي فضل المولي ، كانوا حزبيين في تنظيمات الأشقاء .
ومن نادي العمال بالخرطوم : شريف أحمد شرفي ، الجاك موسى ، عبده حسن عجيب ، حسين محمد حسن ، زيدان بريمة ، جمعة الجاك .
ثم يواصل ويقول : ( كان وجود هؤلاء الأشخاص في قيادة الحركة النقابية العمالية مبررا طبيعيا لاتصال زعماء الأحزاب السياسية بالحركة العمالية ، إلا أن الحركة النقابية كانت مستقلة كامل الاستقلال بدليل رفض هيئة شئون عمال السكة حديد لكل محاولات الوساطة عند إضراب ال33 يوما بما في ذلك الزعماء الدينيون ، الأمر الذي أجبر الحكومة في ذلك الوقت لتكوين مفوضية برئاسة قاضي المحكمة العليا مستر واطسون للتقاضي مع الهيئة الذي أسفر عن وضع أول كادر للعمال من ثمان درجات برفع الحد الأدنى إلي 2,100 مليمج بدل عن 1,100 والحد الأقصى إلي 11,500 بدلا عن 10,500 إلى جانب بعض القضايا الخاصة بعمال السكة حديد في مقدمتها مشاكل عمال السينافورات مما يؤكد استقلالية الحركة النقابية العمالية في السودان وتأثيرها المباشر علي الحياة الاجتماعية في البلاد .. وهذا الموقف يشهد علي هذا ) .
هكذا نصل إلي أن قيادة الحركة النقابية كانت تتكون من اتجاهات متعددة ( أشقاء ، شيوعيون ، أمة ، وطنيون ، ... الخ ) ، وإنها كانت حركة مستقلة عن الأحزاب .
أما ما أورده عبد الرحمن في كتابه عمال السودان والسياسة ص 69 ( استطاع الحزب الشيوعي أخيرا أن يدس بعض عناصره في الحركة العمالية وفي قيادتها) ، هذا الحديث لا يستند إلي أساس ، فإذا كانت قيادة الحركة النقابية تضم تيارات سياسية متباينة جاءت بانتخاب ديمقراطي من القواعد العمالية ومن ضمنهم الشيوعيون ، فكيف استطاع الحزب الشيوعي أن يدس بعض عناصره في قيادة الحركة العمالية ؟ .
أثمر إضراب 1947 م قانون 1948 م وتم كشف مخطط نيومان لعمل نقابات علي الطراز الإنجليزي ، وتم انتزاع الموافقة علي النقابة حسب إرادة العمال ، كما ذكرنا سابقا أنه من داخل أندية العمال والتي كانت بالإضافة إلي أراضها الثقافية والترفيهية تمثل مركزا للاجتماعات ومنبرا للعمال ، ومن داخل هذه الأندية نبعت فكرة هيئة شئون العمال ، مثلما نبعت فكرة تنظيم مؤتمر الخريجين من نادي الخريجين بوادي مدني .
وقد لنادي خريجي المدرسة الصناعية بعطبرة الدور الكبير في ذلك ، كما لعب العمال المهرة دورا قياديا في ذلك يقول د . الجاك ( إن العمال المهرة كانوا نتاج سياسات الإدارة الاستعمارية ، وكان وضعهم المتردي والذي هو الآخر نتاجا للسياسة الاستعمارية في حالة تحركهم لتغيير ذلك الوضع وما يتصل به من شروط خدمة واضطهاد سواء أن اتخذ ذلك التحرك شكل المفاوضات أو المواجهة ، إذ أن العمال المهرة في القطاعات التقليدية للعمالة المدنية والذين كانوا في غالبيتهم يعملون في ورش صغيرة يديرها أصحابها بأنفسهم ، لم يكونوا في وضع يمكنهم من المبادرة بتكوين تنظيمات عمالية جماعية تعما لحماية وتطوير مصالحهم ) ( د . الجاك : المرجع السابق ، ص 51 ) .
وفي مضمار التنظيم النقابي والذي كان له الأثر في رفع وتائر وعي الطبقة العاملة النقابي ، نجد أن مزارعي الجزيرة كانوا في عام 1946 م قد خاضوا معركة ( مال الاحتياطي ) ونجحوا في قيادة إضراب ، كما نجحوا في تنظيم أنفسهم في هيئة كانت النواة لانتزاع تنظيمهم الدائم ( اتحاد المزارعين ) في أوائل الخمسينيات من القرن الماضي ، كما نظم طلاب المدارس الثانوية والعليا أنفسهم في اتحادات ، كما أن الأجواء الديمقراطية التي خلقتها الحرب العالمية الثانية كان لها الأثر في رفع وتائر وعي الطبقة العاملة .
فتم تأسيس الإذاعة سنة 1940 م ، وازداد عدد الصحف المحلية التي كان نقدها واضحا للسياسة الاستعمارية ، وفي البداية حاولت الحكومة أن تعرقل اتجاه العمال لتكوين النقابات من خلال إنشاء ( لجان العمل ) بهدف الحد من موجة الإضرابات التي كانت واسعة وسط عمال السكة حديد وعمال مشروع الجزيرة .
لجان لعمل ( أو الورش ) .
يقول تيم نبلوك ( كان الإطار العام لهذه اللجان تقوم علي نموذج ( مجالس هواتيلي مارتين Whitely Martney Councils ) ) ، وعلى العموم كانت لجان الورش تختلف عن تلك المجالس في جانب رئيسي وحيد – فمجالس هوا يتلى كانت تعمل في ترابط مع نقابات العمال – أما لجان العمل ( أو الورش ) المقترحة فقد كان من المفترض إدخالها في غياب النشاط النقابي . والفكرة مأخوذة من كتاب العلاقات الصناعية ، وزارة العمل البريطانية 1944 م ) ( تيم نبلوك : ص 120 ، انظر النص الكامل لصيغة لجان العمل ، ملحق ( ) من هذا البحث ) . كما ورد في أحد التقارير الحكومية الرسمية عنها ما يلي :
( إنه بناءا علي نصيحة من لجنة العمل ، وهي لجنة كونت قبل سنوات للقيام بدور استشاري بالنسبة للحكومة فيما يتعلق بجميع المسائل المتعلقة بالعمل ، ولكي تقترح عن طريق الوسائل الصحيحة الإجراءات التي تراها ضرورية قررت الحكومة اتخاذ خطوة جديدة للاعتراف بحق العمال عن طريق هيئات تمثلهم ، وكان التدبير الجديد المقترح لتهدئة الخواطر هو إنشاء ( لجان العمل ) علي النهج الموجود بإنجلترا والذي بموجبه يشترك ممثلو العمال المنتخبين من جانبهم مع الأعضاء في إنجلترا ، فإن الغرض الأساسي لقيام اللجان الاستشارية هو إيجاد وسائل معترف بها لادارة حوار بين الإدارة والعمال لتجنب الانقسام وسوء التفاهم ، ولكي تعطي العمال حوافز أكبر ومسئوليات اكثر بالنسبة للظروف التي يؤدون فيها أعمالهم . ( محمد عمر بشير : تاريخ الحركة ، ص 214 – 215 ) ، وكان الهدف الحقيقي من ذلك هو الحد من موجة الإضرابات ، وقد أخذت أحكام لجان العمل بالتفصيل ( كما ذكرنا سابقا ) من موجز كتاب أصدرته وزارة العلاقات الصناعية للعمل في بريطانيا ، ولم يكن الغرض من مثل هذه اللجان الاهتمام بمسائل الأجور ، ولا أن تكون هيئات تمثيلية للمفاوضة نيابة عن جميع العمال من الحكومة أو المخدمين ، وذلك إن وظيفة تلك اللجان اقتصرت أساسا علي الحد من موجة الإضرابات ولكن العمال رفضوا صيغة ( لجان العمل ) . وبعد سلسلة اجتماعات في الفترة من : 29 / 6 – 16 / 7 / 1946 م توصل العمال إلي أسس تكوين تنظيمهم النقابي واختاروا له اسم هيئة شئون العمال ( انظر صيغة هيئة شئون العمال ، ملحق (2 ) ) . وقد حدد العمال أهداف هيئتهم الجديدة علي النحو التالي :
1 – تنظيم العمال في هيئة لتحسين مستوى حياتهم الاقتصادية والثقافية ولرعاية مصالح العمال والدفاع عن حقوقهم بالأساليب المشروعة لتكون حلقة وصل بين العمال والمخدمين وللدفاع عن حقوق أعضائها في مواجهة المخدمين بالاعتماد علي الطرق القانونية .
2 – تقديم مساعدات مادية ومعنوية للأعضاء وإنشاء الجمعيات التعاونية وما شابه ذلك .
3 – تنظيم المحاضرات الأدبية والعلمية بهدف تطوير المستوى التعليمي للأعضاء .
وانبثقت فكرة هيئة شئون العمال من وسط عمال قسم الهندسة الميكانيكية في عطبرة ، وكانت اللجنة التي تقدمت بطلب الاعتراف تتكون من عشرين عضوا تركيبهم كالآتي : - 15 من خريجي المدرسة الصناعية بعطبرة ، 5 عمال ، مما يعكس الدور القيادي لخريجي المدرسة الصناعية أو العمال المهرة .
أما دستور الهيئة وتركيبها التنظيمي فقد كان يعكس إصرارها أن تصبح تنظيما نقابيا حقيقيا وجادا ، رغم أن النشاطات التعاونية والثقافية كانت من بين أهدافها وتنظيما بديلا لتنظيم الحكومة ( لجان العمل ) . ( الجاك : ص 52 ) .
وانعقدت الاجتماعات التي أدت إلي تكوين الهيئة في نادي خريجي المدرسة الصناعية في عطبرة ، ومن بين أعضاء اللجنة التنفيذية ، كان هناك رئيس عمال الورش ( الرئيس ) خراط ، ( نائب الرئيس ) سباك ، ( السكرتير ) كهر بجي ، ( مساعد السكرتير ) نجار ، أمين المال ( محولجي ، ( مساعد أمين المالية ) لحام ، مسئول العلاقات العامة ( فوزي : المصدر السابق ) .
ورفضت إدارة السكة الحديد الاعتراف بهيئة شئون العمال كممثل للعمال وأصرت علي أن تكون هناك عدة هيئات للعمال مستقلة عن الأخرى فتقدمت هيئة شئون العمال بمذكرة للحاكم العام بتاريخ 16 – 3 – 1947 م ، ولكنها لم تتلق ردا مرضيا عنها .
- ردت الهيئة في 12 – 7 – 1947 م بتسيير مظاهرة سلمية للعمال جنوب رئاسة السكة الحديد لاعلان احتجاجهم ، ولما اقترب المتظاهرون من مباني الرئاسة تصدت لهم القوات المسلحة ، وحالت دون تقدم مسيرتهم معلنة أنه لن يسمح لغير رئيس الهيئة من تقديم المذكرة للإدارة . ورغم ذلك أصر العمال المتظاهرون علي استمرار المسيرة وتقديم المذكرة بصفة جماعية وتصدي البوليس للمظاهرة بالعنف .
- أضرب عمال السكة الحديد ولم يرفعوا الإضراب الابعد اعتراف الحكومة بالهيئة في 23 – 7 – 1947 م .
وأخيرا اقتنعت الإدارة البريطانية إنها تواجه حركة عمالية صلبة موحدة وديمقراطية لاتقبل بديلا عن قيام نقابات للعمال معبرة فعلا عن إرادتها .
وفي عام 1948 م صدر قانون نقابات العمال والذي استمد أحكامه من قانون النقابات الإنجليزي لسنة 1871 م فيما عدا أن قانون نقابات العمال لسنة 1948 م أكد علي ضرورة تسجيل النقابات كما صدر في العام نفسه قانون منازعات العمال لسنة 1948 م وقانون منازعات العمال ( التحكيم والتحقيق ) ، كما صدر أيضا قانون المخدمين والأشخاص المستخدمين لسنة 1948 م ، وقانون تعويضات العمال لسنة 1948 م ، وكانت القوانين المذكورة مثل قانون نقابات العمال تستمد أحكامها من القوانين واللوائح الإنجليزية المماثلة ، وقد عهد لصياغة جميع تلك القوانين إلي أحد الخبراء البريطانيين الذي أنتدب من وزارة العمل والخدمة الوطنية .
وبعد أن حصلت هيئة شئون العمال علي اعتراف الحكومة بها أبدت رفضها لاحكام قانون نقابات العمال نظرا لما انطوي عليه من فرض اشتراطات وقيود كثيرة ، ولذلك احتج العمال من جديد .
وفي يناير 1948 م أضرب العمال ن كما أضربوا في مارس 1948 م إضرابا امتد 33 يوما ونتيجة للضغط تم تعديل القوانين لإزالة القيود ومن ثم انهالت طلبات تسجيل النقابات في عام 1949 م حيث كان هناك خمس فقط من النقابات التي استكملت إجراءات التسجيل ، وفي عام 1951 م ارتفع عدد النقابات المسجلة إلي 86 ثم إلي 99 في عام 1952 م وإلي 123 عام 1954 م ، وفي عام 1956 م ارتفع العدد إلي 135 نقابة ، وكانت تضم في عضويتها حوالي 87355 عاملا . ( تيم نبلوك : ص 123 ) .
الأجور : -
في عام 1948 م وبعد إضراب عمال السكة حديد ، رفع الحد الأدنى للأجور ليصبح 210 قرشا مصريا بالإضافة لعلاوة غلاء المعيشة وعلاوات عينية أخري ( دمورية ، كاكي ، ذرة ، ... ) أدي هذا إلي لزيادة بلغت 100 % للذين كانت أجورهم لا تتجاوز 250 قرشا في الشهر و78 % ( كحد أقصي ) لمن كانت مرتباتهم في حدود 21 حنيها أو أكثر ..
وفي عام 1950 جري تعديل في مستوى المرتبات وعلاوة غلاء المعيشة حيث ارتفعت أجور العمال بنسبة 50 % لمن كان أجره يقل عن عشرة جنيهات في الشهر وبنسبة أقل من ذلك لمن زاد أجره عن العشرة جنيهات ، كذلك زيدت علاوة غلاء المعيشة بنسبة 150 % للمرتبات الدنيا ، وبنسبة 100 % للمرتبات العليا .
وفي ديسمبر 1950 ونتيجة لضغط اتحاد نقابات العمال بشأن تحسين الأجور والمرتبات ، تم تكوين لجنتين لمراجعة أجور العمال والموظفين ( لجنة ويكفيلد وملز ) . أدخلت لجنة ويكفيلد نظام الدرجات المعتمدة علي المؤهلات حيث خصصت الدرجات الثالثة والرابعة والخامسة للعمال المهرة ، وكذلك زادت الأجور بنسبة 30 % ، فأصبح الحد الأدنى للأجور يعادل 580 قرشا مصريا بناءا علي دراسات تكاليف المعيشة واحتياجات العامل واسرته في حدها الأدنى ( شعيفة وأم تكشو ) . ثم تقرر أن تزداد علاوة غلاء المعيشة كلما ازدادت تكاليف المعيشة علي أن تمنح سنويا ( كانت تمنح كل عامين ) . هذه المقترحات لم تشمل العمال بالجنوب ، فلقد تحدد الحد الأدنى للأجور هنالك ب250 قرشا في الشهر ، وفرض علي العاملين بالجنوب إلا يتخطوا المجموعة الرابعة ، أي أنه كان هناك عدم مساواة بين العاملين في الشمال والعاملين في الجنوب ، كما هو موضح في الجدول التالي : -
هيكل أجور لجنة ويكفيلد( 1951 م ) بالجنية المصري .
المنطقة المجموعة الأولي المجموعة الرابعة المجموعة السابعة
شمال السودان 5,800 37,500
الزاندى – مريدى 1,300 16,500
توريت – ياى 1,750 16,000
أعالي النيل 2,500 16,500
المصدر : مقترحات لاصلاح الهيكل الراتبي ، مرجع سابق
أما لجنة ملز فقد وضعت جدولا للمرتبات وحددت أسس الترقي ، كذلك تم تقسيم العمل بالخدمة العامة لثلاثة أقسام هي الإداري ، المهني ، شبه المهني ، الفني ، والقطاع الكتابي واستبدل نظام الحروف الأبجدية بالقطاعات الوظيفية .
الإضرابات وساعات العمل المفقودة : -
خلال الفترة : 1947 – 1953 م فقدت البلاد حوالي 1,750,000 يوم عمل وذلك نتيجة للإضرابات النقابية ، والجدول التالي يوضح ذلك : - عدد أيام العمل المفقودة عن طريق الإضرابات في الفترة : 1947 – 1953 م في القطاع الحكومي .
السنة السكة حديد المصالح الأخرى الجملة
47 /1948 840.000 - 840.000
48 /1949 20.000 13.000 33.000
49 / 1950 60.000 57.181 117.181
50 /1951 141.000 56.721 198.305
51 / 1952 181.000 78.645 260.105
52 / 1953 213.938 47.987 261.925
المصدر : سعد الدين فوزي ، مرجع سابق .
وكانت هذه الإضرابات بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة ، وأن الأجور التي كان يتقاضاها العاملون لم تكن تكفي اكثر من حد الكفاف : مثال أن تكاليف المعيشة ارتفعت من 100 % 1938 م إلي 304 .6 % سنة 1948 ، وزاد سعر الذرة بمقدار 50 % وسعر السكر بمقدار 25 % ، كما زادت إيجارات المنازل ، هذا إضافة للمجاعة التي حدثت عام 1949 م وتأثرت بها مناطق شرق السودان : القضارف ، مسمار ، سواكن ، ودلتا القاش ، وهاجر الناس إلي مدن الجزيرة والمدن حول نهر النيل ، كما شملت المجاعة مناطق كردفان والقري المجاورة وجبال النوبة ، وخلت الأسواق من الذرة والمواد الغذائية .
وبينما كانت أجور العاملين والموظفين لا تتعدى حد الكفاف ، كانت أجور الموظفين الإنجليز كبيرة ومثال علي ذلك في عام 1949 م بلغ عدد الموظفين الكلي بأنحاء السودان 6852 موظفا منهم 5568 من السودانيين و978 موظفا من الإنجليز و306 من الأجانب غير الإنجليز . وقد بلغ نصيب 771 موظفا إنجليزيا سنة 1945 حوالي 61.3 % من إجمالي المرتبات في الميزانية بينما نصيب 4521 موظفا أغلبهم من السودانيين ما يعادل 38.7 % من جملة المرتبات ( زكي البحيري : مرجع سابق ) . ولم يتغير الوضع كثيرا عام 1949 م ، هذا إضافة للتعويضات الكبيرة التي تلقاها الموظفون الإنجليز بعد اتفاقية 1953 م والتي بلغت قيمتها 590.000 جنية والتي أجازها أول برلمان سوداني في جلسته رقم ( 45 ) بتاريخ 12 – 7 – 1954 م ، والتي عارضها النائب حسن الطاهر زروق ( محمد سليمان : اليسار السوداني في عشرة أعوام ) .
وفي رسالتها إلي السكرتير الإداري في نوفمبر 1947 م ، أشارت هيئة شئون العمال إلي الآتي : ( لقد عجزنا أن نفهم كيف تسمح إدارة السكة حديد أو الحكومة لنفسها بتحقيق أرباح هائلة علي حساب العمال الذين تتدهور شروط حياتهم بشكل خطير في الوقت الذي تستحوذ فيه الحكومة علي معظم هذا الأرباح وتنفقها في شكل مرتبات عالية للمسئولين البريطانيين ، في بناء المساكن الفاخرة التي تكلف مئات الآلاف من الجنيهات ( فوزي : المرجع السابق ) .
ورغم نجاح اتحاد العمال في تحقيق ارتفاع مستمر لاجور العمال ، الاأن ارتفاع الأسعار والسوق كان يمتص بسرعة الزيادات في الأجور ، رغم أن الأجور نفسها لم تكن تكفي أكثر من حد الكفاف ، إلا أن معدلات زيادة الأجور كانت أعلي من معدلات التضخم في تلك الفترة ، ففي عام 1955 م كان مستوى الأجور يعادل أكثر من ضعف مستواها عام 1949 م ( تيم نبلوك : ص 123 ) . وكان هذا تعبيرا عن اتساع الحركة المطلبية من أجل زيادة الأجور التي أشرنا لها سابقا .
تكوين اتحاد العمال :
في أغسطس 1949 م تكون مؤتمر العمال من هيئة شئون العمال وأربع عشر نقابة عمالية ، وكان مقره في عطبرة . وفي 15 – 11 – 1950 م تكون الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ومقره الخرطوم ، واصدر دستوره الذي حدد أهداف الاتحاد ومالية الاتحاد ، وعلاقة الاتحاد بالنقابات المنضوية تحت لوائه ، وكيفية تكوين الاتحاد ، وعضوية الاتحاد ، وكيفية الانعقاد والتمثيل للمؤتمر العمالي ، وكيفية تكوين اللجنة التنفيذية التي حددها بعشرين عضوا ، وكيفية تعديل دستور الاتحاد ( دستور الاتحاد العام لنقابات عمال السودان ، 15 – 11 – 1950 ) .
وتم تكوين أول لجنة تنفيذية من الآتي أسماؤهم :
1 – محمد السيد سلام الرئيس
2 –محمد الخير المرضي نائب الرئيس
3 –الشفيع أحمد الشيخ السكرتير العام
4 – إسماعيل محمد عثمان نائب السكرتير
5 – الحاج زيدان بريمة أمين الصندوق
6 – محمد الحسن أحمد نائب أمين الصندوق
7 – حسين محمد حسن عضو
8 – فضل عبد الوهاب عضو
9 – حسن صالح الخير عضو
10 – حسن بشير عضو
11 – عبد القادر عبد الرحمن عضو
12 – الطيب مصطفي عضو
13 – عبد اللطيف محمد بشير عضو
14 – حسن عبد الرحمن عضو
15 – عبد الحفيظ محمد علي عضو
16 – حمزة الجاك عضو
17 – عبده خليل عضو
18 – حسن إسماعيل عضو
19 – أحمد حميدة عضو
20 – لم يحدد عضو
أما هيئة شئون العمال التي كان سكرتيرها الشفيع أحمد الشيخ فقد تحولت إلى نقابة عمال السكة الحديد ، وكانت عضويتها في عام 1950 حوالي 25.000 عامل ، أي حوالي 25 % من مجموع عضويته النقابات المسجلة وقتها عندما انعقد مؤتمر اتحاد العمال .
من المعارك التي خاضها اتحاد العمال : -
1 – إضراب أغسطس 1951 م لزيادة الأجور بنسبة 75 % ونحج الإضراب وتمت زيادة الأجور بنسبة كبيرة .
2 – احتج عام 1950 علي فصل 119 من طلبة مدرسة خور طقت وهدد بالاضراب لمدة 3 أيام ولكن لم ينفذ الإضراب .
3 – التضامن مع إضراب البوليس 1951 م من اجل تحسين شروط العمل ، وقد أعلنت الحكومة حالة الطوارئ في 10 / 6 ، واعتقلت محمد السيد سلام والشفيع وحكم عليهما بالسجن سنة واحدة وسنتين علي التوالي ، وذلك بتهمة تشجيع البوليس علي عدم القيام بواجباته .
4 – في نهاية 1950 وبداية 1951 دخل الاتحاد في مواجهة مع الحكومة بسبب موقفها من قضية تسجيل الاتحاد وتعديلها لقانون قوة دفاع السودان ، فقد كان الاتحاد يطالب بتسجيل الاتحاد تحت قانون النقابات لسنة 1948 م وذلك بهدف تأمين شرعية نشاطه ولكن الحكومة رفضت بحجة أن القانون يسمح بتسجيل النقابات الفردية فقط .
كما عارض الاتحاد اتجاه الحكومة لتعديل قانون قوة دفاع السودان ، وذلك بهدف وضع المزيد من السلطات تحت الحاكم العام وخاصة في حالة حدوث الإضرابات عن العمل ، وفشل إضراب ديسمبر 1950 احتجاجا علي هذه التعديلات .
5 – مقاومة قانون النشاط الهدام الذي وضع بواسطة المجلس التنفيذي التابع للجمعية التشريعية في عهد الإدارة الاستعمارية باسم القانون رقم ( 22) 1953 م ، وإعلان إضراب ابريل الذي كان إضرابا من أجل الحريات ، وبالرغم من فشل الحملة والإضراب إلا أن أول قرارات الحكومة الوطنية ( حكومة الأزهري ) كان إلغاء النشاط الهدام .
6 - وفي عام 1953 م دعي اتحاد العمال لإضراب عام ، ولكن إضراب فشل بسبب معارضبه لاتفاقية فبراير 193 م ، وكان موقفه منها يقوم علي أساس أن الاتفاقية تفتقد الضمانات الضرورية لتقرير المصير ، فالسلطات التي تمنحها للحاكم العام في الفترة الانتقالية حسب رأى الاتحاد كانت كبيرة وواسعة ، والطريقة المحددة لسودنة الوظائف الحكومية كانت بطيئة ( خاصة في القوات المسلحة والشرطة ) والمسئولون البريطانيون لم تتغير سلطاتهم خاصة في الجنوب . ولكن الشعور الغالب وسط العمال السودانيين كان يقف مع الاتفاقية ، وذلك لأنها رغم عيوبها كانت تستجيب لمطلب أهل السودان في حق تقرير المصير ، ولذلك فشلت دعوة الاتحاد للإضراب . وكان هذا الموقف من قيادة الاتحاد انعكاسا لموقف الحزب الشيوعي من الاتفاقية والتي قدرها من جانب واحد ( سلبي ) ، ولم يقدر الجوانب الإيجابية الأكبر في الاتفاقية ، وقد صحح الحزب الشيوعي نفسه موقفه من الاتفاقية في دورة اللجنة المركزية في مارس 1953 م ، وقدرها تقديرا سليما ، ومن زاوية أنها جاءت نتيجة لنضال الشعب السوداني وكفاحه الطويل ضد الاستعمار .
7 – وبعد تكوين أول حكومة وطنية وجه اتحاد العمال أول خطاب لرئيس الحكومة طالب فيه بالآتي : -
أ – الرد علي المذكرة السابقة .
ب – وقف التشريد وإرجاع المشردين .
ج – احترام المسئولين النقابيين والحقوق النقابية
د – تطبيق الأجر المتساوي للعمل المتساوي فورا وبدون أى تمييز بين الشمال والجنوب ( الأيام العدد 197 ، 22 – 5 – 1954 م ) .
أسهم اتحاد العمال في تأسيس الجبهة الاستقلالية ، وفي أبريل 1955 م تقدم الاتحاد بميثاق وطني ( قدمه الشفيع أحمد الشيخ ) سكرتير الاتحاد ، بعد أن أقرته لجان النقابات في جلسة السبت 9 – 4 – 1955 م ، جاء فيه : -
(( إننا نرى أن تتفق كلمة الأمة في هذه المرحلة العصيبة حول المبادئ التالية : - أ – تحقيق جلاء الجيوش الأجنبية في دورة فوق العادة للبرلمان في أول أغسطس هذا العام .
ب – إعلان استقلال السودان الموحد بكامل حدوده الجغرافية والإجماع علي تعديل الاتفاقية بحيث تكون مهمة الجمعية التاسيسية الوحيدة وضع دستور ديمقراطي للسودان المستقل بسيادته التامة .
ج – تأمين استقلالنا مع مراعاة الحقوق المشتركة بين الشعبين السوداني والمصري .
د – وضع حل ديمقراطي لمشكلة الجنوب بحيث تكون وحدتنا متينة ومنيعة ضد أى عبث استعماري .
ه – استقلال نظيف قائم علي أساس مبادئ الحريات الديمقراطية واحترام الأغلبية لحقوق الأقلية ( الصراحة العدد 506 ، إبريل 1955 ) .
ونجح البرلمان في 16 – أغسطس – 1955 في إصدار قراره الشهير بالجلاء .
وبعد تمرد 18 – أغسطس – 1955 م أصدر اتحاد العمال بيانا عن الجنوب بتاريخ 21 / 8 / 1955 م طالب فيه بالآتي : -
أ – وقف تدخل الحاكم العام في الجنوب .
ب – وقف نشاط الجواسيس الإنجليز والإرساليات المعادية في الجنوب .
ج – حق القوميات الجنوبية في الحكم الذاتي في إطار السودان الموحد .
هذه باحتضار لمحات من نشاط اتحاد العمال النقابي والقومي العام .


المؤتمر الثاني للاتحاد : -
وفي ديسمبر 1951 م انعقد المؤتمر الثاني للاتحاد ، وقد ربط الاتحاد نضال الحركة العمالية من أجل تحسين شروط حياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بالنضال السياسي ، وأن تلك الأهداف لن تتحقق بصورة كاملة الابعد خروج الاستعمار كما جاء في تقرير اللجنة التنفيذية .
بذلك ربط الاتحاد قضية النضال الاقتصادي بالنضال السياسي ، والواقع أن ذلك كان له ما يبرره إذ كان العمال لا يميزون كثيرا بين إدارة العمل في المصالح الحكومية والحكومة الاستعمارية التي كانت أكبر مخدم في البلاد ( حوالي 90 % من العاملين كانوا بالحكومة ) .
كما عدل الاتحاد دستوره في المؤتمر ليشمل بشكل واضح بعض الأهداف السياسية وتضمنت تلك التعديلات فقرة تقول ( هزيمة الاستعمار في السودان في كل أشكاله السياسية والإدارية والعسكرية) .وفقرة أخرى تقول ( العمل علي انتزاع حق السودان في تقرير مصيره بحرية تامة وبعيدا عن أي نفوذ أجنبي). ومثل هذه الأهداف تتحقق كما يقول الدستور عن طريق رفض التعاون بكل أشكاله مع النظام الاستعماري وتوحيد شعب السودان في جبهة متحدة تضم كل القوي السياسية والقوي الأخرى التي تتفق أهدافها مع أهداف الاتحاد ) . وشكلت تلك التعديلات الأساس لاشتراك الاتحاد في المسائل القومية كما أوضحنا سابقا .
وعندما انعقد المؤتمر الثالث للاتحاد في ديسمبر 1952 م كان عدد وحجم عضوية النقابات ما يلي : -
الحجم عدد النقابات حجم العضوية % لمجموع العضوية
اقل من 100 عضو 12 743 2.0 %
101 إلي 500 " 13 6203 16,4 %
501 إلي 1000 " 10 7574 20,0 %
1001 إلي 1500 " 5 5995 15.9 %
أكثر من 1501 " 1 17278 45.7 %
المجموع 41 37793 100 %
المصدر : الجاك ، مرجع سابق ، ص 54 وعبد الرحمن الطيب علي طه : نظام العلاقات الصناعية في السودان .
ونلاحظ من الجدول أعلاه أن عدد النقابات ذات العضوية الأقل من 500 إذ تشكل حوالي 60 % من العدد الكلي .
ومن ضمن المشاكل التي كان يواجها الاتحاد إضافة لي عدم اعتراف الحكومة به كانت :
1 – ضعف في الكوادر المنظمة المحترفة .
2 – ضعف الإمكانيات المادية .
3 – الفجوة بين القيادة والتنظيمات خاصة تلك التي تتواجد في المناطق الحضرية
4 – عجز الاتحاد في جذب الأعداد الصغيرة من القوي العاملة في المديريات الجنوبية ( كان الاتحاد يهدف إلي قيام اتحاد عمال واحد لشمال وجنوب السودان ، فكان يعمل علي تذليل هذه العقبات ) .
مطالب الطبقة العاملة : -
منذ انبعاث الحركة النقابية كانت مطالب الطبقة العاملة تتلخص في الآتي : -
1 – وضع تشريع بالحد الأدنى للأجور وسياسة أجور مناسبة .
2 – إعادة النظر في قوانين العمل وتطوير قانون نقابات العمل والعمال لعام 1948 ليسمح بازدهار الحركة النقابية .
3 – وضع تشريعات الضمان الاجتماعي وإعادة النظر في قانون المخدم والشخص المستخدم لعام 1948 .
4 – تحقيق سلامة العمال من حوادث العمل .
5 – تخفيض ساعات العمل .
6 – تدريب العمال بغرض زيادة الإنتاج .
7 – اعتراف الحكومة باتحاد العمال .
8 – الأجر المتساوي للعمل المتساوي في الشمال والجنوب .
9 – مساواة المرأة والرجل في الأجور .








#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الماركسية وطبيعة الحزب في تصريحات الشفيع خضر
- خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956م (2)
- حول ظاهرة الاسلام السياسي: اشارة للتجربة السودانية
- ماهو ديالكتيك العلاقة بين الوجود الاجتماعي والوعي الاجتماعي؟
- ماعلاقة دراسة المفهوم المادي للتاريخ بالواقع السوداني؟
- الماركسية والديمقراطية وحكم القانون وحرية الضمير والمعتقد
- نشأة الدولة في السودان القديم(2)
- تجربة الحزب الشيوعي السوداني في الصراع ضد الاتجاهات اليمينية ...
- الأزمة في دارفور: مفتاح الحل بيد السودانيين
- نشأة الدولة في السودان القديم
- المفهوم المادي للتاريخ: هل هو بديل لدراسة الواقع والتاريخ ال ...
- حول قرار المدعي العام لمحكمة الجنايات الدولية الخاص بالرئيس ...
- ماهي طبيعة قضية دارفور؟
- الأزمة في دارفور:من مؤتمر صلح 1989 الي ملتقي الفاشر - فبراير ...
- ماهي اللوحة الخماسية؟ وهل يصح تعميمها علي كل المجتمع البشري؟
- ماهي دلالات تمرير قانون الانتخابات بالاغلبية الميكانيكية؟
- منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع(2)
- ما الجديد في فكرة السودان الجديد؟
- منهج ماركس في بناء نظريته عن المجتمع
- سياسات الذاكرة في النزاعات السودانية: تعقيب علي محاضرة بروفي ...


المزيد.....




- يوم دراسي لفريق الاتحاد المغربي للشغل حول: تجارة القرب الإكر ...
- وزارة المالية العراقية.. تأخير صرف رواتب الموظفين شهر نوفمبر ...
- الهيئة العليا للتعداد العام للسكان تقرر تمديد ساعات العمل لل ...
- واشنطن توسع عقوباتها ضد البنوك الروسية و العاملين في القطاع ...
- وزارة المالية العراقية تُعلن.. جدول رواتب المتقاعدين الجديد ...
- The WFTU statement on the recent development in the Ukraine ...
- بيان اتحاد النقابات العالمي حول التطور الأخير في الحرب الأوك ...
- مزارعون يغلقون ميناء في فرنسا احتجاجا على محادثات مع ميركوسو ...
- “وزارة المالية العراقية”.. استعلام رواتب المتقاعدين شهر ديسم ...
- السيد الحوثي: الامريكي منذ اليوم الاول بنى كيانه على الاجرام ...


المزيد.....

- الفصل السادس: من عالم لآخر - من كتاب “الذاكرة المصادرة، محنة ... / ماري سيغارا
- الفصل الرابع: الفانوس السحري - من كتاب “الذاكرة المصادرة، مح ... / ماري سيغارا
- التجربة السياسية للجان العمالية في المناطق الصناعية ببيروت ( ... / روسانا توفارو
- تاريخ الحركة النّقابيّة التّونسيّة تاريخ أزمات / جيلاني الهمامي
- دليل العمل النقابي / مارية شرف
- الحركة النقابيّة التونسيّة وثورة 14 جانفي 2011 تجربة «اللّقا ... / خميس بن محمد عرفاوي
- مجلة التحالف - العدد الثالث- عدد تذكاري بمناسبة عيد العمال / حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
- نقابات تحمي عمالها ونقابات تحتمي بحكوماتها / جهاد عقل
- نظرية الطبقة في عصرنا / دلير زنكنة
- ماذا يختار العمال وباقي الأجراء وسائر الكادحين؟ / محمد الحنفي


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الحركة العمالية والنقابية - تاج السر عثمان - خصوصية نشأة وتطور الطبقة العاملة السودانية: 1900- 1956(3)